مكان الأداء.. والمؤثرات المسرحية (2)

 مكان الأداء..  والمؤثرات المسرحية (2)

العدد 699 صدر بتاريخ 18يناير2021

وبشكل واضح، يجب تخفيف الكثير من ثقل عبارة «المعرفة المشتركة«. فسواء اعتمدت الرؤية المستخدمة علي قدرة المتلقين أن يعرفوا فعلا ما يكفي لضمان ملاحظة نفس الملامح ولو بشكل خشن علي الأقل، سواء كان من المنطقي أن نتوقع أن يعرف المتلقون كثيرا من المعلومات عن بعضهم البعض من عدمه .
أولا، إذا عرف متلقي أنه في المسرح، فربما يعرف باقي المتلقين ذلك أيضا . ثانيا، أحد أهداف متلقي العروض المسرحية هو فهم ما يشاهده، اذ أن كل متلقي يعرف أن ما يقوله عندما يناقش الأداء مع آخر لن يعتد به كفهم واضح ان لم يوافق الآخرون علي الملامح التي يناقشها معهم، ولذلك سوف يحدث ضغط اجتماعي محافظ للبحث عن نفس الملامح التي يجدها الآخرون واضحة والاستجابة لها، وأن يتابع تلك الملامح بشكل دقيق أثناء تطويره لوصف مضمون الأداء المسرحي .
والحقيقة الثالثة هي أن ردود أفعال المتلقين مؤثرة. فعندما يضحك أحدهم مثلا، يميل الآخرون الي نفس الفعل أيضا. ولذلك يقال أن الضحك معد. وقد جعلت (آن أوبرسفيلد Anne Ubersfeld ) هذه الملاحظات وما يتعلق بها أساسا لتحليلها المفصل لاستمتاع المتلقي (25) . وبالطبع الضحك ليس إلا احد الاستجابات الطوعية المعدية .
والحقيقة الربعة والحاسمة، هي أن المتلقين يذهبون الي العروض المسرحية وهم يتوقعون أن يلقاهم المؤدون بتتابع منتظم للمادة حتي يفهموها . وعندما يحبط المتلقون فإنهم يصبحون أكثر عرضة للشعور بالضغط الاجتماعي المحافظ لفهم الأشياء كما يفهمها الآخرون .
ربما يمكن إقرار الحاجة إلى المعرفة المشتركة كالتالي :
 يعرف المتلقون أنهم في عرض مسرحي، وبمعرفتهم أنهم  في عرض مسرحي،يكـون لدي كـل منهـم معــرفة بنفــس اهتمامات زمــلائه الآخــرين وردود أفعالهم المحسوســة، علاوة علي حقيقة أن كل منهم يتوقـع أن يوضع شـيء في الصدارة حتى يعرفه الآخرون .
يفي مفهوم المعرفة المشتركة بأغراض ضمانة أنه توقع منطقي يتلقي عنده جميع المتلفون مع نفس الملامح باعتبار أنها بارزة لنفس الأشخاص . أولا، هذه المعرفة ليست بعيدة عما يمكن أن يتوقع أن يعرفه كل من المتلقين عن الآخر، فهي معرفة اجتماعية يشارك فيها الجميع بشكل عادي، لاسيما نوع المعرفة التي يمكن الحصول عليها دون الاقتراب من الخلفيات المتباينة للآخرين والتي تتعلق بما يأتون به معهم إلى الأداء (حالاتهم المزاجية) .
ثانيا، هذه المعرفة هي كل ما يحتاجه المتلقون من خلال المعرفة المشتركة وفقا لمنظور كل منهم . لأن معرفة أننا نحضر عرضا مسرحيا تتضمن بالضرورة معرفة أن المؤدين سوف يقدمون للمتلقين شيئا لكي يفهموه بطريقة تجعله متاحا لهم (رغم أن هذا لا يحدث دائما بسهولة) . ولأن المتلقين يعرفون ذلك عن المؤدين فمن المتوقع أن ينتبهوا إلى المؤدين لكي يحصلوا علي ما أعده لهم المؤدون . فينتبهون إلى ما يفعله المؤدون لكي يساعدهم في الحصول علي ذلك الشيء . ويقدم المؤدون فعلا أشياء يلتزم بها المتلقون حتى يتمكنوا من ملاحظة ما يتطور إليه الأداء علي مدار العرض . فالمتلقون لا يعرفون مقدما ما الذي سوف يجدونه . ولكنهم يعرفون بشكل حاسم أن الجميع سوف يبحث عن نفس الأشياء . لذلك، لن يكون مضمونا أن يجد المتلقون نفس الأشياء واضحة، بل تضمن متطلبات المعرفة المشتركة المقترحة هنا هذه الإمكانية . وبالطبع من المرجح أنهم سوف يجدون نفس مجموعة الملامح بارزة بشكل خشن .
 ويمكن تعميم الفائدة الإضافية من صيغة بروز الملامح وتلاقيها مع نفس ملامح المؤدين علي العروض غير السردية بسهولة . اذ ا، المطلوب هو استبدال المصطلحات حتى تطبق علي نفس البنية، ولذلك لا تحظي العروض السردية بمكانة مميزة عند توليد البنية التنظيرية .
رابعا : كيف يحدد المتلقون الأشياء المقدمة لهم في الأداء ثم يعرّفونها .
يؤكد المتلقون أن لديهم فهما أساسيا للأداء المسرحي من خلال وصف الموضوع الذي يتطور فيه . فمثلا، إذا كان الأداء مبنيا بطريقة سردية، فيكون موضوع هذا الأداء هو القصة ( أو النص الدرامي) . وعندما يصفون أو يحكون أحداث القصة، يمكن أن يتميزوا بأنهم يفكرون في موضوعات القصة – شخصياتها وأحداثها والأشياء الأخرى، مثل الرؤوس والقبعات والكتب والطاولات والمسدسات وما إليها – وفي القصة نفسها، والموضوع الذي يتطور في الأداء.
 لكي يتعرف المتفرجون علي الأفكار والشخصيات والأحداث، يجب أن يكونوا قادرين علي تحديد الشخصية عند ظهورها والأحداث عند وقوعها، ثم يتعرفون علي الشخصيات عند ظهورها مرة أخرى . ويبدو أن المتفرجين يفعون ذلك بالضبط .
فإذا ظهرت « هيدا جابلر” في أحد أداء عرض تقليدي يستخدم نص (ابسن)، يتوقع المشاهدون أن يروها مرة أخرى في عروض أخرى لنفس العرض . وإذا شاهد المتفرجين أحدها، فلن يجدوا صعوبة في العرف ثانية علي « هيدا” إذا ظهرت بعد ذلك في عروض من النوع مع أنها عروض تختلف عن العرض الذي شاهدوها فيه أول مرة . فربما كان العرض الأول في ديكورات وملابس وأدوات طبيعية ؛ والثاني بدون ديكورات ولا أدوات ولا ملابس تنتمي إلى عصر معين، وربما كان العرض الثالث به قيم طبيعية، ولكنه يقام في حمام سباحة خارج أحد المنازل علي شاطئ البحر في مدينة ماليبو باستخدام المايوهات، والألعاب في حمام السباحة كأدوات . القدرة علي التعرف علي الشخصيات والتعرف عليها مرة أخرى – وكذلك جميع الأشياء الأخرى – تنجو من التغيرات في الأداء داخل العرض، والتغير في العرض، والتغير في الديكورات، والتغير في المؤدين أيضا .
بمجرد تقديم الشخصية، أو أي شيء آخر من محتوى السردي، لا يواجه معظم المتفرجين مشكلة في إعادة التعرف علي هذا الشيء حتى في أنواع الأداء السردي المختلفة جذريا . فإذا شاهد المتفرجين «هيدا” لأول مرة في عرض “ هيدا علي مسافة Hedda at a Distance”، فلن يعاني أغلبهم من صعوبة التعرف من جديد عليها في العروض التقليدية أو حتى عروض مثل عرض “ الجمال التلقائي Spontaneous Beauty” . ومرة أخرى، لا يبدو ترتيب مرات الرؤية مهما . فالقدرة علي التعرف علي الأشياء، وإعادة التعرف عليها، في العروض المسرحية السردية يبقي علي التغيرات المتطرفة في هذا النوع من الأداء السردي الذي يستخدم هذه الأشياء .
تخيل ما يبدو أنه أسلوب تقليدي، باستخدام نص ابسن « هيدا جابلر « ولكن في سرد القصة، أصبحت الشخصيات التي كانت تدعم مثل “لفبورج” و”العمة جوليان” و “تيسمان « هي الشخصيات الرئيسية في الأداء، وموقفهم هو محور القصة . ربما تستكشف الفرقة فكرة أن لدينا معرفة محدودة عن المكان الذي جئنا منه، ووقت قصير للغاية لمعرفتنا قبل أن نموت . أو ربما يستكشفون الأفكار التي أقترحتها مناقشة الينور فوكس للصراع بين «تيسمان” و “لفبورج” المنسوب الى نيتشه . النقطة المهمة هي أنه لو ظهرت «هيدا” في مسرحية “ مات روزنكراتس وجيلدنستين “ كما فعل « هاملت»، فان المتفرجين الملم بأي من العرضين الموصوفين في الفقرات السابقة لا يزالون يتعرفون عليها باعتبارها « هيدا « . ومرة ثانية لا يبدو ترتيب مرات الرؤية مهما . فالقدرة علي التعرف علي الأشياء والتعرف عليها من جديد في العروض المسرحية السردية يبقي التغير في أدوار الأشياء حيث من المقرر أن تحدث هذه التغيرات في القصة .
والشخصيات ليست فقط أشياء في قصة يتعرف عليها المتفرجون عبر العروض . إذ يلاحظ أندرو سوفر أن :
 تمتد حياة الأدوات فيما بعد رحلتها داخل مسرحية معينة.
 فبينما تنتقل الأشياء من مسرحية الى أخرى، ومن عصر إلى عصر، تصـبح صدى تناصي متراكـم وهي تمتـص  ماضيها المسرحي وتجسده .
وكما أظهرت دراسة الحالة التي قدمها سوفر، فان الأدوات لها مجموعة متنوعة من الوظائف، يمكن أن تلعب بعضها إذا تم التعرف عليها عبر العروض .
باختصار، القدرة علي التعرف علي الشخصيات وإعادة التعرف عليها – وكذلك الحال مع الأشياء الأخرى أيضا – تبقي التغيرات في الأداء داخل العروض، والتغيرات في العروض والتغيرات في المشاهد والتغيرات في المؤدين . فالقدرة علي التعرف على الأشياء في المسرحيات تبقي التغيرات المتطرفة في العروض السردية التي توظف هذه الأشياء . والقدرة علي التعرف علي الأشياء في المسرحيات وإعادة العرف عليها تبقي علي بعض التغيرات في دور الأشياء حيث أن هذه التغيرات من المقرر أن تتغير في العروض السردية .
لا بد أننا نريد تفسيرا لهذه الحقائق . ما الذي يضمن قدرتنا علي التعرف علي عناصر محتوى العروض ؟ أقترح أن نبدأ ببحث كيف يتعرف المتفرجون علي هذه الأشياء ثم يتعرفون عليها مرة ثانية في حالات مألوفة جدا . وبالتالي، سوف أركز علي التعرف علي الشخصيات و أسأل كيف يتعرف المتفرجون على «هيدا” في أي عرض تقليدي يستخدم نص ابسن “ هيدا جابلر” .
رابعا : (أ) التعرف المبدئي علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض السردية :
يمكننا أن نحاول التالي : يطور المتفرجون أولا قوائم الملامح مما يرونه عندما يجدون ملامح معينة بارزة، ومعروضة، ويحاولون تجديد الشكل الذي يحمل هذه السمات أو الخصائص . توضح “قائمة المشاهدة» هذه أن حيازة الوصف الصحيح – الذي يتكون من قوائم صحيحة للخصائص – كاف لتحديد الشيء الذي يملك هذه الخصائص . ولكن قائمة المشاهدة تحتوي علي أشياء خاطئة . وربما لا يلاحظ المتفرج أن لديه الوصف الصحيح حتى يدرك الشيء موضوع السؤال، أو يفشل في إدراكه . افرض أن الفرقة اختارت صياغة عمل مسرحي قصير باستخدام معظم لغة نص ابسن، حتى النقطة الموجودة في النص، حيث تقول إحدى الشخصيات، في هذا العرض السردي التقليدي، « صباح الخير ياعزيزتي هيدا «، والجمهور الذي يشاهد يراها . ولكنه ليس عرضا سرديا تقليديا ؛ ويتم أداؤه كعمل كورالي منطوق يتضمن جانبا من الطباق الموسيقي المعد لخمسة أصوات، واستخدام حركات تجريدية مبنية علي ايقاعات اللغة المنطوقة . ولغة هذا العمل لا تقل إفادة عن «هيدا « عن لغة العمل السردي . في الواقع يمكن أن يهدف العمل الثاني إلى إظهار نفس السمات ويصل إلى نوع من لحظة الذروة في كلمات العمل الأخيرة، وهي « صباح الخير ياعزيزتي هيدا “ .
ولكن ملامح المؤدين التي يجدها المتفرجين علي هذا العمل الكورالي القصير واضحة بالنسبة لملامح «هيدا « لا تساعدهم علي التعرف علي “ هيدا « . وهذا لأنه لا يوجد أحد يمكن تمييزه بأنه « هيدا « . ولا بد لنا من شخص محدد في الذهن ننسب له تلك الخصائص، ولا بد أن يوجد في ذهننا شخص ما أو شيء ما يميزها لنا . ولذلك فان وضع قائمة الخصائص الصحيحة في ذهننا لا يكفينا للعرف علي «هيدا” .
فما هو المطلوب غير ذلك ؟
في الفصل الأول من عرض « هيدا جابلر « يتم تزويد المتفرجين بقدر كبير من المعلومات من مختلف الأنواع عن « هيدا” . وبعد فترة من الزمن، يرى المتفرجون نموذجا دراميا يصل إلى مساحة معينة أمامهم . أو ربما يسمعون كلاما قبل أن يروا أي شيء . يتفاعل أغلب المتفرجين بدنيا مع هذه الحركات أو الأصوات . بهذه الوسيلة، يستعد المتفرجون لتحديد شيء أو شخص يعلقون عليه الخصائص الموجودة في ذهنهم، وعندئذ يتعرف أغلب المتفرجون علي شخص ما مثله موجودا أمامهم . فهناك عنصر مكاني في التمييز . ومن خلال الاعتقاد بأن هناك شخص يستطيع المشاهدين أن يعتقدوا أنه هو وينسبون اليه الخصائص الموجودة فعلا في أذهانهم عن شخص معين . ما يحدث في هذه الحالة يتوافق مع ما يسمى « التحديد التوضيحي demonstrative identification “ الذي اكتشفه برتراند راسل وطوره جاريث ايفانز .
ويتعلق التحديد الايضاحي بالضرورة بمكان الشيء في مساحة التمركز الذاتي . بمعنى أن التقاط شيء من البيئة بطريقة ملائمة هو التفاعل مع مكانه، كما هو معطى للحواس، بالنسبة لشخص ما . وهذا لا يتطلب الاعتقاد بشكل من قبيل «هناك شيء ما «، لأن رد فعل الشخص تجاه مكان الشيء لا يعدو كونه شيئا أكثر من الالتفات برأسه أو الميل بجسمه في اتجاه صوت ما أو حركة ما، بدون أي تفكير علي الإطلاق . وربما لا يكون من الضروري أن يكون الشخص واعيا لكي يتصرف بهذه الطريقة . فالاستعداد للحركات الجسدية كرد فعل علي المكان المحسوس للأشياء هو أمر أساسي للقدرة علي التعرف علي مكانها في مساحة تمركز الذات .
ولكن لا تكفي القدرة علي تحديد شيء ما في مكان تمركز الذات، لأن هذا يجعلنا في الغالب أكثر إحساسا ب « هنا» و «هناك»، وربما الإحساس ب « هنا ثم هناك « . والمطلوب بشكل أكبر في معظم الظروف هو أننا نفرض معلومات مساحة عدم التمركز الذي تحدث فيه الأشياء علي مساحة تمركزنا، أو بمعنى آخر، لكي نحدد مساحة تمركزنا داخل إطار مساحة عدم التمركز . في الحياة اليومية، مساحة عدم تمركز الذات هي المساحة العامة التي نشكل فيها الخرائط الإدراكية، أي العلاقات المكانية الموضوعية بين الأشياء . وتتطلب معرفة ماهية مساحة عدم تمركز الذات مناقشة تفصيلية ( أنظر خامسا ) .
والفكرة التي نلاحظها هنا هي أن متفرجي المسرح يحددون الشخصيات غالبا في مساحة تمركز الذات بدون قوائم مسبقة لأي خصائص في الذهن . وهذا يحدث تقريبا في كل العروض المسرحية السردية . وربما لا يكون لدى المتفرجين معلومات مسبقة عن الشخصيات والأحداث في القصة – وربما لا يعرفون أن العرض سوف يكون سرديا – ويظلون يحددون الأشياء التي هي الشخصيات في لحظات العرض الأولى . وهذه الحقيقة تبرز الفكرة، التي ذكرناها، بأن التعرف عموما هو مسألة استجابة سلوكية إلى مكان أصوات وحركات الشخصيات . وتقترح بقوة أن التعرف علي عناصر الأداء المسرحي تتعلق بنفس نوع التحديد التوضيحي الذي يحدث في الحياة اليومية، وأن التحديد التوضيحي في المسرح أيضا يؤسس قدراتنا علي امتلاك أفكار وصفية للشخصيات والأشياء الأخرى بحيث يكون واصفاتنا هي أفكار عن هذه الأشياء .
وهناك ثلاث شروط حاسمة في قدرتنا علي ربط الأفكار الوصفية بما هو محدد إيضاحيا . الأول هو أن هناك شيء ما يتم تحديده ؛ والثاني هو أن الذات يجب أن تكون قادرة على متابعة نفس الشيء خلال فترة زمنية طويلة، والثالث، هو أن هذه القدرة علي المتابعة عبر الزمن يجب أن تسمح بالتغيرات في الأوضاع وفي الحركات لكل من الذات والموضوع .
 لا يمكن التأكيد بالقدر الكافي علي أنه قد يُتخذ الشرط الأول، عند قراءته بشكل واقعي، لاستبعاد قدرتنا علي تحديد الشخصيات، والأحداث بشكل توضيحي في العروض السردية، وكذلك ربط الأفكار الوصفية به . ولكن القراءة الواقعية للشرط الأول افتراضية : ليس لدينا أساس لتقديم اهتمامات ميتافيزيقية في هذه النقطة . وفيما يتعلق بفينومينولوجيا إدراكنا للشخصيات والأحداث وعلاقة تلك الفينومينولوجيا بالتحليل الابستمولوجي الذي نرتبط به، فيبدو أننا نقوم حتى الآن بتحديد الشخصيات والأحداث فقط في العروض . ويبدو أننا نستخدم نفس الآليات لكي نعلم من هم الشخصيات وما يفعلونه لدرجة أننا نقوم بذلك فيما يتعلق بأي أشياء أو وسطاء في العالم . ولذلك فإنني أقرأ الشرط الأول كوصف لتجربتنا فضلا عن قراءته كالتزام ميتافيزيقي . فتناول الشرط الأول كرد فعل لتجربتنا لهذه المسائل هو أمر كاف بالتالي . ان مشاهدي « هيدا « يعرفون ذلك، ومن ضمنها حقيقة أن اسمها «هيدا « . والشرطان الثاني والثالث كافيان بالمثل : فبمجرد أن يميز المتفرجون «هيدا” بشكل إيضاحي، فإنهم يتابعونها طوال الوقت الموجودة فيه وفي المكان الذي لاحظوها فيه أولا، والآن يلاحظون ملامح إضافية يجعلها المؤدين واضحة لهم .
رابعا :(ب) اعادة التعرف علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض السردية :
في الفصل الأول من عرض « هيدا جابلر «، تشارك « هيدا « في حوارات مع «تيسمان” و “ العمة جوليان” و”السيدة الفيستد « . يعلم المتفرجون المزيد عنها في هذه الحوارات، ومرة أخرى، فان كثيرا مما يعلمونه يأتي عن طريق المعلومات المقدمة في شكل ردود أفعال «هيدا « تجاه الآخرين وردود أفعالهم تجاهها . وعند ظهور القاضي «براك»، تغادر «هيدا” لتقود السيدة “الفيستد” الي الخارج، ثم تعود لإنهاء حوارها مع «تيسمان « والقاضي «براك» . وعند عودتها، لا يمكن أن يندهش أي متفرج حينما يسمح القاضي» براك» وهو يخاطبها باسم «السيدة تيسمان”. لأنها نفس الشخصية التي غادرت قبل لحظات والتي عادت . ولكن كيف يعرف المشاهدون أن هذه الشخصية ما تزال “ هيدا “ ؟ .
تكمن الإجابة في حقيقة أن المتفرجين ينتبهون إلى أن الشخصية الموجودة هي نفس الشخصية التي غادرت من قبل وها هي تعود من جديد . بمعنى أن موقعها في المكان مرتبط بالوقت الذي استغرقته في المغادرة والعودة من جديد . فالشخصية تظهر، ووفقا لكل المظاهر، تكون هي «هيدا «، ولكن ما يضمن إعادة تعرف المتفرجين علي «هيدا” هو أن مظهرها مميز بالقدر الكافي، في الإطار الزمني المكاني للأداء، لكي تسمح للمتفرجين أن يحددوها في مساحة التمركز المكاني كموضوع لفكرهم المستمر . فهم مازالوا يفكرون فيها، وهذه المرة، لأنهم يعرفون أن الإطار الزمني المكاني للأداء لم يتغير . ويعرفون ذلك أيضا لأنهم يعرفون أنهم لم يتحركوا من مكانهم . وبذلك أنشئوا مجال بحث ذي صلة .
...........................................................................................
• نشرت هذه المقالة مجلة Journal of Dramatic Theory and Criticism –spring 2007- pages 21-47
• لقد سبق أن قدمت مسرحنا العديد من الدراسات للأستاذ جيمس هاملتون في أعدادها السابقة .. وسبق التعريف لنا به عدة مرات .


ترجمة أحمد عبد الفتاح