قراءة في كتاب.. الكايوسية في مسرح ما بعد الحداثة

قراءة في كتاب..  الكايوسية في مسرح ما بعد الحداثة

العدد 697 صدر بتاريخ 4يناير2021

أصدرت الهيئة العربيه للمسرح كتاب الكايوسية في مسرح ما بعد الحداثة تأليف د فاتن حسين ناجي منذ شهور قليله 2020
يتكون الكتاب من ست أبواب...
الباب الأول يختص ب تعريف الكايوسيه وجذورها التاريخيه
اما الباب الثاني يتناول المصطلح في ظل المقاربات النقديه من اثر الفراشه والتشويق والجدل والمفارقه والفوضي والتفكيك والصدمه
والباب الثالث يتناول المصطلح فلسفيا لدي علماء الغرب
والباب الرابع ..يستطلع الكايوسيه وتمثلاتها في علم النفس والتربيه ونظراياتها
وتناولت د فاتن في الباب الخامس الكايوسيه في الخطاب المسرحي العالمي والعربي
أما الباب السادس والأخير كان تطبيقا علي المسرح العراقي
في مسرحيات ..قلب الحدث حروب توبيخ يارب راءحه حرب

اما عن الكتاب فيشير الي لعبه  الخروج عن اصول قاعدية متعارف عليها تجلي للفوضى والعشوائية والاضطراب التي تتحدد في كونها خارجية تؤثر في دواخل الفرد او داخلية تنعكس على المحيط . مسبباً انقلابا بالمفاهيم ,السلوكيات , والظواهر وتلك الانقلابات لاتتحد في الاطر السلبية قدر ماقد تتضمن ايجاب ونتائج متوازن وان ظواهر الاضطراب تتحدد ضمن (الكايوس) التي قد يكون ظاهرها أسبابًا صغيرة يمكنها أن تُحدِث نتائج كبيرة غير متوقعة , تتارجح نسبية نتائجها بين السلب والايجاب , بين العودة للتنظيم ام بقاء الاختلال في توازنية الحدث او الفعل. وهذا الفعل يتشكل بصورة عمل فوضوي وغير منظم، إلا أنه منظم ومنضبط ، وليس عشوائيًا.. وهنالك رؤية اخرى للاضطراب تتحدد في رؤية المتلقي نفسها حيث تتشكل في الرؤية الاوليه للاحداث او الصور يمكن ان تظهر غير مرتبطه وعشوائيه ولكن فى النهاية شئ واحد يظهر ذو تنظيم واتزان تحدده ثيمة الحدث الكلية “وفي مستواها الدلالي العميق يدل على تفكيك الخطابات والنظم الفكرية وإعادة النظر فيها بحسب عناصرها , والاستغراق فيها وصولاً إلى الإلمام بالبؤرة الأساسية المغمورة فيها” ( ) . الكايوسية هي تلك الاحداث الصغيرة التي يمكنها أن تُحدِث نتائج كبيرة غير متوقعة وهي تلك الاضطرابات التي تحمل معها نسق ونظام متكامل غير متوقع فهي علم اللامتوقع كما يصفها ايليا بريغجون المؤسس الفعلي لهذه النظرية الفلسفية والتي يؤكد على أنها أي عمل يظهر للعلن بأنه عمل فوضوي وغير منظم، إلا أنه في الحقيقة مقصود ومنظم ومنضبط، وليس عشوائيًا. ما يجعل منه انتظاما دقيقا ويسير حسب نَسَق مُحدد بعكس ما تبدو عليه. فالكايوس هو جمال في العشوائية وعلم في التنوع والاختلاف ونظام مغاير للقواعد المتعارف عليها وهي قبل كل شيء فوضى منظمة .يصفها ميشال سير بانها الجوكر الضروري للنظام وهي الخلل في الوظيفة الذي يبقى ضروريا لاداءها فهي تدعو الى فك الشفرات لانها تجعل الرسالة تقرا بصعوبة أي انها المقاومة التي تتضمنها التي تقدم للمتلقي .اما مفهوم «الفوضى الخلاقة» الذي طرحته كونداليزا رايس في العام 2007 والذي يعني “فوضى متعمدة الأحداث، تؤدي إلى حالة من الاستقرار، وهو هنا يمثل حالة سياسية. وتلك هي حالة لاتمثل الكلي لنظرية الكايوس فنظرية الكايوس هي ليست فوضى منظمة فقط بل هي نظرية متكاملة تشمل كل مجالات الحياة الفنية منها والنفسية والعلمية ولاتقتصر على مجال سياسي فقط . فأحداث صغيرة من شأنها أنْ تنتج اشياء وافعال كبيرةً غير متوقعة. ونظرية الكايوس وإن حملت معها جوانب فلسفية، لكن جوانبها الاخرى تبحث على إيجاد أنساق من الترتيب داخلَ الفوضى الظاهرة، اذ يؤكد العلماء أن بعض الظواهر المعقدة والمضطربة باتت قابلة للتفسير، وأن ظواهر أخرى تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وأصبحت المقولات السابقة تتركز في مقولة ان « النظم البسيطة بإمكانها أن تولد سلوكا معقدا والنظم المعقدة يمكنها أن تعطي سلوكا بسيطا” ( ). والفن شانه شان احداث الحياة المتنوعة يحتاج احيانا الى تاطير لمجموع التراكمات يضم ذلك التاطير كل مامن شانه ان يدخل ضمن اتجاه الفوضى والاضطراب والعشوائية التي لاتحيلنا الى اضطراب بالنسق او السياق الصوري العام بل هي ذات نسق واتساق جمالي وان حملت جزء من الفوضى من خلال الغوص في اتساقها الفكري او المعرفي او حتى الاتساق العام في مكونات المنتج الفني ..وفي المسرح شانه شان الفن بصورته العامة يقدم ملامح يمكنها أن تفسر المشهد الحياتي لفوضوي فى نسق فكرى يبدا بالفوضى والتشتت واللاانتظام وينتهي بصورة كلية منظمة حيث يتجسد في مقولة (بعد نهاية كل الامر يظهر كل شئ) فالاحداث المسرحية التي تبدو عشوائية هي في الواقع تَتْبَع مَساراتٍ يحددها المؤلف تتداخل بنَسَقٍ معين غير متماثل تمامًا، لكنه منظم جدًّا وكأنها تعود إلى نقطة جذب مُحددة بعد أن تنطلق منها. فالعبثية واللامعقول في المسرح انتجت لتشكل حالة من الفوضى التي اطاحت بالواقع المعاش لكنها ورغم شواشها رسمت شكلا دراميا ذو قيمة جمالية متكاملة سواء في اللغة او الموقف او الفعل العام .وايضا مابعد الحداثة ومابعد مابعد الحداثة في المسرح قدمت لنا فوضى ولانظام ولااتساق ماهو الا انعكاسية للواقع والمجتمع فهي كانت بمثابة القوة المحررة التي زعزعت ، وقوضت الذات التراثية و افتراضاتها وخلقت مفهوم جمالي بما يحمله من فكر مغاير .


محمود سعيد