العدد 696 صدر بتاريخ 28ديسمبر2020
قدم إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد – التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة على مسرح مركز الجيزة الثقافي العرض المسرحي جريمة في جزيرة الماعز ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح في دورته الثالثة عشر دراماتورج (محمد عبد المولى) ومن إخراج (محمد الطايع – وقام أيضا بتصميم الإضاءة والموسيقي) عن مسرحية تحمل نفس الاسم للكاتب الايطالي أجوبيتي (1892 – 1953) وكتبها سنة 1948، وقام الراحل سعد أردش بترجمتها إلى العربية واقتبستها السينما العالمية ، وقدمتها السينما المصرية في فيلمين ( الراعي والنساء – رغبة متوحشة ) وقدمت كمسرحية بنفس الاسم في مصر وبعض الدول ، وكذلك قدمت كعمل مؤلف ( تناص ) بأسماء مختلفة ، ففي مصر قدمت من تأليف ( سامح عثمان ) باسم ( شق القمر ) في الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وفي مهرجان نقابة المهن التمثيلية في الدورة الثالثة ( التجربة الأولي ) وبشكل عام فإن تقديم عمل فني مستلهم عن مسرحية فكرة قديمة ، فالسؤال لماذا قدم هذا النص ؟ والإجابة أن هناك طموح من الدراماتورج والمخرج لتقديم عمل مختلف بطريقة تنفيذ مختلفة تحكم علي التجربة الفنية وهذا ما سوف نتناوله في السطور القادمة كتب أجوبيتي المسرحية في ثلاثة فصول ، وتدور الأحداث حول ثلاث نساء يعشن وحيدات منذ خمس سنوات ويربطهن بالعالم الخارجي سائق شاحنة عجوز يحضر لهن المشتريات ، فهن في جزيرة مهجورة ليس فيها من معالم الحياة الا جيوش الماعز والتي تاتى أولا بأول على البقية الباقية من خضرة الأرض ولا نعلم أين تقع هذه الجزيرة ، أما الزمان فهو عام 1948 م حيث يقول الكاتب زماننا ( زمن كتابة المسرحية ) هجر الزوج ( البروفيسير أنريكو أشي – لم يظهر ) زوجته ( أجاتا ) ورحل عن الجزيرة بعد اكتشافها أنه كاذب وكثير الغش ، فقد جعلها تعتقد أشياء لم يكن هو يؤمن بها ، كانت أحدي تلميذاته وتزوجته فمنذ طفولتها كانت دائما تريد الحصول على كل شيء ، وبمالها عاشا في هذه الجزيرة بالرغم عن الجميع ، وأخته ( بيا ) مدرسة اللغات التي كانت تعيش مع وجهاء المجتمع وتذهب للمسرح وتلبس فساتين سهرة ، تعيش في هذا المكان ولكنها تريد أن ترحل عنه ، وعلى الرغم من أنها معجبة بزوجة أخيها الا أنها تكن لها العداء ، تعيش معهم الأبنة ( سلفيا ) الطالبة في الجامعة والتي مرضت وظلت عاما بالمنزل حتي تشفى ، يصل إليهم رجل غريب ( أنجلو) كان من المساجين مع ( أنريكو أشي ) وكان يحكي له عن هولاء النسوة وقال له “ أذهب يا أنجلو فهؤلاء النسوة وحيدات ، أذهب لمساعدتهن . عد وأشغل مكاني “ فهذا الرجل جاء قاصدا هذا المكان طمعا في المأوي والنساء ويقول “ أنا قوي جدا ... ووجودي في البيت يجلب السرور “ وبعد مقاومة هشة من أجاتا وموافقة من بيا وسلفيا يسمح له بالإقامة معهن ثم يصبح مسيطر عليهن ويقول “ والنعاج ، شيئا فشيئا ، يقعون في حب الراعي .....وفي المراعي يصبحون أكثر ارتباطا من رجل وامرأة . ومع ذلك يقال أن أفضل راع للنعاج هو الشيطان “ وبالفعل يبدأ الصراع بين النسوة لإشباع غريزتهن وأن يكون ملكا لواحدة فقط ، أجاتا التي تحاول أن تثبت أنها مازالت أنثي مشتهاه ، وبيا التي تلحق بقطار الحب بعد أن أحست بالعنوسة ، وسلفيا التي تغار عليه فهو حب التجربة الأولي على الرغم من أنها كانت ذاهبة لطرده من بيتهم ، وتقرر سلفيا قتله بمسدس أبيها بعد أن تأكدت من علاقته بأمها وعمتها لكنها لا تستطيع ، يسيطر عليهن مرة أخري ويطلب منهم إحضار الكؤوس وينزل البئر لإحضار زجاجة خمر لقضاء وقت ممتع معهن . ينقطع الحبل وترفض أجاتا أن يلقي له بحبل أخر كي يصعد ، وتمنع بيا وسلفيا من إلقاء الحبل ولكن ثلاثتهن يترددون ويخافون من صعوده ، لكن أجاتا تحسم الامر، تأمرهما بالمغادرة مع السائق إدوارد ، فسبق وقالت لأنجلو “ إنني أفضل العقاب على حياة الفوضى “ وعندما تصبح وحيدة وهو في البئر تنادي “ الأن نحن معا ...... سنواصل النداء وسنواصل الصراع الى أبد الآبدين . في مدة لا تتجاوز الساعة قام الدراماتورج والمخرج بالحفاظ على الإطار العام للنص مع شيء من الحرية بتكثيف الأحداث ودمج بعض المشاهد في مشهد واحد وحذف شخصية أدواردو وتركيز على بعض الأحداث وتغير بعضها ، منها كراهية بيا ( شريهان قطب ) لأجاتا ( ريهام عبد الرازق ) وأضاف أن بيا لا تريد زواج أخيها من أجاتا فهي أبنة بائع خمر، وأن أخاها أنتشلها من هذا القبر القذر الذي عاشت فيه وأنها جاءت إلى هذا المكان كي تبتعد عن ماضيها الذي يعرفه الجميع والصراع بينهما على أن يكون أنجلو ( أحمد أبو عميرة ) لواحدة فقط يشبع غريزتها، ومحاولة أجاتا قتل أنجلو بالمسدس وأنها من تحركهم للانتقام من أنجلو فتقول “ لقد كنت غبية وثقت في الرجال مرة أخري “ فقد قهرها كأنثى بعلاقته بيا والطامة الكبرى علاقته مع ابنها سلفيا ( نرمين نبيل ) وكان أنجلو كسولا سكيرا يعاملهن بقسوة ، كان يجلس منفردا لتناول الطعام ، ثم يجلسن بعده لتناول بقايا الطعام ، ولذلك كانت النهاية مختلفة باتفاق النسوة الثلاثة على قتل أنجلو بإعداد مائدة عشاء مسممة بسم الأفاعي ، وفي لحظة موت أنجلو يسقط على المنضدة ، يمسكون بالشوك والسكاكين استعدادا لالتهامه عقابا له على قسوته وتوحشه معهم وينتهي العرض . عندما نتحدث عن الرؤية البصرية نجد ديكور ( د . محمد سعد وكذلك الملابس ) عبارة عن منظر واحد يمثل منزل ريفي مصنوع من خامات البيئة ( الخشب ) من الأمام ، ومن الخلف حيث الخامات شفافة يمثل سلويت مع الإضاءة ، والحوائط من الوسط بها انحناءات لتعبر عن ضعف النساء ، ونهايتها غير منتظمة ومتآكلة لقدم المكان ، فالنساء تعيش بدون سند يحميهم . ويسار مقدمة المسرح يوجد باب دخول المنزل ، ويمين مقدمة المسرح بئر للمياه مصنوع من الحجر ولاستكمال المنظر ، جلد ماعز في أنحاء متفرقة ، ومنضدة وثلاث كراس في المنتصف للطعام علي مستوي 40 بجوارها بوف ، وعلي اليمين باب يودي الي باقي المنزل وعلي اليسار كرسيان وبوف ، وتم الدهان بلون داكن ، والمنظر العام يعبر عن الكآبة والعزلة . أما الملابس عبرت عن زمن المسرحية والحياة الغربية وارتدت الثلاث نساء ملابس تعبر عن الحياة الخشنة المغلقة بدون رجل وعدم الاهتمام بأنفسهم، أما بعد قدوم الغريب ( أنجلو ) ارتدت كلا منهن ملابس تظهر زينتها وجزء من جسدها للفوز بالرجل . وكانت الإضاءة تعبر عن الأحداث الدرامية فظهر اللون الاحمر كثيرا ، مثل الصراع بين بيا وأجاتا على أن يكون أنجلو لواحدة يشبع غريزتها ، ومشاهد شهوة أنجلو للنساء ، وفي مشهد النهاية ، والأسلوب السينمائي ( النت والفوكس) بالبؤر الضوئية ليركز على حدث معين ، كذلك اللون الأخضر والأحمر والازرق لإظهار الحالة النفسية المطربة للشخصيات أما الموسيقي من المختارات العالمية فكانت مساعدة للحدث الدرامي ومصاحبة للحوار في بعض الأحيان لنسمع صوت البيانو والكمان معبرا عن شاعرية أنجلو لجذب بيا نحوه في بداية التعارف بينهما ، والبيانو عندما قام أنجلو بدور روميو وسلفيا بدور جولييت ، وصوت الكمان و التشلو معبرا عن الحزن عندما تتهم سلفيا أمها أجاتا بانها فشلت في تربيتها وأنها أم غير مثالية ، واستخدام ألات وترية مع ألات الايقاع للتعبير عن الغموض والترقب والصراع في مشاهد كثيرة ، أهمها للتعبير عن المكان الموحش وإضافة صوت الكلاب والذئاب ، وعندما تقول سلفيا “ أنا لي جزء من هذا التاريخ “ دلالة عن أن أنجلو أشبع غريزتها أيضا، ومشهد النهاية بعد موت أنجلو للتعبير عن الهستيريا والجنون التي أصابت النسوة . وكان الاختيار الموفق للمخرج لكل الممثلين ، فدرس كل منهم أبعاد الشخصية التي يؤدها ، ومدي التفاهم بينهم كفريق عمل ، ولهذا كانت مباراة في الأداء التمثيلي بالتلوين الصوتي ولغة الجسد والتحرك على خشبة المسرح . أستخدم المخرج أدواته باحترافية شديدة وصهرها في بوتقة واحدة فقدم لنا هذه التجربة المميزة .