مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي.. عروض مصرية وعربية.. تغوص في القضايا الإنسانية والهم العربي

مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي.. عروض مصرية وعربية.. تغوص في القضايا الإنسانية والهم العربي

العدد 693 صدر بتاريخ 7ديسمبر2020

« ما الدنيا إلي مسرح كبير « .. صدق شكسبير عندما كتب هذه الجملة على لسان « هاملت « ؛ فالمسرح هو أبو الفنون وأصدقها فى تقديم العالم من خلال خشبته للجمهور ، وعندما تسنح لنا الفرصة لمتابعة مهرجان أو حدث مسرحي كبير يقدم عروض مسرحية مصرية وعربية وأوروبية يكون هناك فرصة كبيرة للغوص في القضايا العالمية بشكل عام والهم العربي بشكل خاص.
من هذه الفاعليات التى إنتهت مؤخرا «مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي« في دورته الخامسة والذي قدم فيه 12 عرضا مسرحيا من مصر ولبنان وليبيا وصربيا وأسبانيا .. وغيرها من الدول .

وكان لكل مسرحية طابعها الخاص وقضاياها المتفردة ، وفي السطور القادمة سأخص بالكتابة عن أربعة عروض ، الأول مونودراما « قوم يابا « للممثل والمخرج اللبناني الفلسطيني قاسم الإسطنبولي ، والتي قدم فيها حكايات حقيقية من تاريخ فلسطين ، ومأساة الشعب الفلسطيني مع الإحتلال الإسرائيلي، وهى من المسرحيات الشديدة الخصوصية نظرا لأن بداية هذا الاحتلال واستمراره بهذا الشكل لم يحدث في العالم من قبل بأن يقوم محتل باغتصاب لأرض وبناء دولة داخل أرض دولة أخري .
وثاني العروض « عجاف « وهي مسرحية ليبية قدمت بالشارع إخراج وسيم بورويص ، وتقترب هذه المسرحية من القضايا العربية والعالمية فتقدم مجموعة من البشر جاءوا من المستقبل لاستكشاف الماضي فوجدوا أن التاريخ كان مزيفا وأن الحقيقة صادمة ، ورغم اهتمام النص بمشكلاتنا العربية ولكن مع ذلك كان هناك قضايا أخري يعانى منها العالم ومنها « كوفيد 19 « .
هذا في حين قدم طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية عرض «الوحوش الزجاجية « للمخرج يوسف الأسدي ، ورغم الظروف التاريخية الخاصة التي كتبت فيها هذه المسرحية في فترة الحرب العالمية الثانية ، وتقدم صورة لأحد البيوت الأمريكية الفقيرة ، إلا أن الحروب فى العالم خلقت نفس الحالة من الغربة والاغتراب والأمراض النفسية والدمار الداخلي ، فكانت من المسرحيات الشديدة الخصوصية .
وفي « إيزيس « لفرقة الفرسان للرقص الحديث ، من إخراج كريمة بدير ، يضرب هذا العرض في عمق التاريخ الفرعوني المصري لتقدم بدير إيزيس على خشبة المسرح بكثير من المتعة والسلاسة ، يقدم أيضا العرض صورة للمرأة المصرية التي يمكن أن تكون « إيزيس « في أي مكان وزمان .
مأساة الشعب الفلسطيني يجسدها الاسطنبولي بالعرض المسرحي « قوم يابا «
« قوم يابا « اسم العرض الذي يقدمه الممثل والمخرج المسرحي اللبناني قاسم أسطنبولي عن القضية الفلسطينية وكتبها المؤلف الفلسطيني الراحل سليمان ناطور ، والتي اختار حكاياتها من بين دفاتر القضية الفلسطينية وهي الحكايات التي يمر بها الشعب الفلسطيني يوميا منذ قيام حرب 48 وحتى يومنا هذا .
الديكور عبارة عن إطار سيارة في وسط المسرح وأوراق مبعثرة على الخشبة وفي عمق المسرح على اليمين عروسة تشبه الطفل النائم، ليدخل اسطنبولي وهو يحمل أشياءا أخري ، لتكتشف سريعا انها باقي الموتيفات التي يستحدمها لمساعدته على استكمال العرض، و بدأ العرض باعتباره بائع متجول يحمل بضاعته المختلفة التي تشتهر بها الضواحي والمدن بفلسطين ، فكانت أولي كلماته « موز من أريحة ، زيتون من جنين ، صابون من نابلس ، برتقال من يافا .. « ، وكأنه ينادي على كل ما كان يميز هذه الضواحي بلا إجابة من مشتري يقدرها .
اعتمد النص على حكاية شخصية للحكاء وحكايات آخري للمحيطين به ، فبدأ الحكاء حكايته بأنه ولد يوم حرب ، وتزوج يوم حرب ، وأنجب مرتان أثناء اندلاع حربان ، حتى أن والده هو الأخر توفي أثناء حرب .. وحرب وراء حرب حتى أصبحت جميع ذكرياته الجيدة والمؤلمة متزامنة مع الخراب والدمار الذي يلحقه الاسرائليين بالفلسطينيين .
ثم ودون أن تدري تجد نفسك تسمع حكاية لشخص فلسطيني آخر وثاني وثالث ورابع ... فتستمع لحكايات منها حكاية كامل الضرير ، و أبو صلاح ، و عبد الحسن ، و الشيخ عباس .. ، وغيرهم من الفلسطينيين الذين تختلف تفاصيل حكاياتهم ولكن مأساتهم واحدة .
كتب مؤلف النص العديد من الجمل الموجعة على لسان الحكاء منها تزامن مولده مع حرب 48 فقال « احتفل بالحرب .. خلقت بحرب مالا نهاية ، فيها المنتصر وفيها المهزوم .. جنسيتي غير مرغوب فيها ..» ، وفي أحدي الحكايات عندما صادرت قوات الاحتلال الزعتر من بطل الحكاية قال « استعبدوا بلادنا .. الزعتر يقوي الذاكرة وهما عايزين يمحوها ، وفي جزء آخر من حكاية آخري قال « إذا ظلينا بلا ذاكرة راح تاكلنا الضباع « .. وغيرها من الجمل الواقعية والصادمة والمؤثرة فى مشاعر المتفرجين .
قاسم اسطنبولي أثبت أنه ممثل له حضور وكاريزما ، فكان لا يتواني عن التفاعل مع الجمهور والحديث معهم واشراكهم معه في حكاياته ، فمرة يعلق على صوت تليفون محمول يرن فى الصالة ، ومرة أخري ينزل ليرقص وسط المتفرجين ، ومرة ثالثة يطلب سيجارة ليشربها وهو يكمل حكاياته ، .. وغيرها من الأفعال والجمل التي اجبرت الحاضرين على التعاطي والتصفيق معه ــ عندما كان يرقص ــ ، أو ترديد بعض الكلمات وراءه ؛ فخلق حالة من التواصل المباشر لزيادة التعاطف مع أبطال الحكايات من خلال الدخول بهذه الطريقة داخل الحكايات واعتبارنا جزءا منها .
الديكور تصميم أنا سيندريرو ألفاريز وتميز باستخدام الموتيفة الواحدة باكثر من استخدام وكانت الموتيفة الأكثر استخداما هى الحقيبة حيث جلس داخلها كمركب مرة ، وحمل نجله الصغير ــ العروسة الموضوعة بعمق المسرح ــ ووضعه فيها كسرير واخذ يهدهده ، ثم حمل الحقيبة ونجله داخلها كالنعش وتحرك بها ، ورغم أنه عند مشاهدة هذه اللقطة تتيقن أنه طوال العرض ينادي على نجله المتوفي ليحثه على الذهاب إلى المدرسة لكن مع ذلك تظل متمسك بأمل أنه مازال على قيد الحياة ووالده يناديه بجملة « قوم يابا قوم « وفي النهاية يقدم جملة صادمة « راحت الأرض وراحت المرة و راح الزعتر وراح الولد « ..
اما إطار السيارة فى منتصف الخشبة ، يمكن أن يذكرك بالإطارات التي يستخدمها الفلسطينيين بإحراقها للتقليل من حدة القنابل المسيلة للدموع ، وتم استخدامها أيضا للتعبير عن مدي ضيق الحدود للعابرين، ففي أحدي الحكايات التي تسرد محاولة رجل وزوجته اجتياز الحدود الفلسطينية ، تحدث الحكاء في جزء من الحكاية ورأسه داخل الإطار ولم يستطع إدخال باقي جسده فأعطي إيحاءا بمدى ضيق فتحة الإطار ، وهو ما جعل الأمر يبدو إسقاطا على مدى التضييق علي حق هذا الشعب فى التجول على أرضه بحرية .
انتهى العرض باغنية كلماتها « صحي قلوب الناس .. صحي بها النخوة .. أصرخ بكل احساس .. أن العرب أخوة « .. رفض الحكاء في حكاياته كل القرارات والإتفاقيات الدولية التي لا تعطي الشعب الفلسطيني حقه في أرضه وإعلان أن جميع هذه القرارات ليس لها قيمة ، وكانت هذه الأغنية بمثابة محاولة تذكرة أن جميع الدول العربية مصيرها واحد و إتحادها واجب .
« عجاف +200 « إنكشاف تزييف التاريخ و محاولة الخروج من بشاعة العالم لمستقبل أفضل
قدمت الفرقة الليبية « الركح الدولي للمسرح والفنون « ، العرض بطولة حاتم قرقوم ، و أحمد المطردي ، أيمن المغربي ، ومحمود الورفلي ، وتأليف الكاتب العراقي سعد هذابي ، و إخراج وسيم بورويص .
« ألقوا بالمسرح إلي الشارع يحتضنه الجمهور « 6 كلمات طبعت على بامفلت العرض ، اعلن بها المخرج عن وجهه نظره الشخصية في مسرح الشارع ، وبالفعل فكان العرض واحد من المسرحيات التي تفاعل جمهور المهرجان معها ، وحضروا من جميع الأعمار متابعين للممثلين و منتبهين لحركاتهم ، ولما يقدموه من كوميديا.
تقدم المسرحية فكرة بسيطة وهي أنه بعد 200 سنة يتم التوصل لاختراع أله لعبور الزمن ، فيقرر بعض الأشخاص العودة الي لوراء ــ الوقت الحاضر ــ لاكتشاف تاريخ أجدادهم، ليجدوا انفسهم أمام صدمات متتالية من قسوة الحياة ، لصعوبة العيش ، والكوارث الإنسانية المحيطة بالعالم ... وغيرها من الصدمات .
يظهر أربعة ممثلون خارج مساحة التمثيل يرتدون بناطيل سوداء بحزام أحمر والجزء العلوى بالكامل مدهون باللون الفضي، و يتحدثون لغة غير مفهومة ؛ ويعبرون أنهم قادمون من مكان لا نعلمه ويتحدثون لغة لا نفهمها ، فيمكن أن يكون هؤلاء القادمون من المستقبل ومن أي دولة وأى ثقافة وأى شعب .
وبمجرد دخولهم إلي ساحة العرض المخصصة لهم ــ أمام قصر ثقافة شرم الشيخ ــ يبدأ العرض بالاعتماد على أداء الممثلين وحركاتهم الخفيفة وأدائهم السريع المتجانس، مما ادي إلي التفاعل المباشر مع الجمهور، وهو ما يمكن أن يحدث في مثل هذه النوعيات من العروض نظرا لأنه دائما ما يكون هناك مساحة للارتجال المتوائم مع النص .
تتصاعد الأحداث بالعرض مع كل اكتشاف لهؤلاء البشر لما كان يحدث من أجدادهم تجاه بعضهم وتجاه العالم المحيط بهم ، وتتوالي صدماتهم وكأنهم كانوا قادمون بصورة ذهنية و قراءة للتاريخ تحطمت بشدة مع ما شاهدوه و رصدوه من أحداث وكوارث وصراعات حيث يقولون.
« أصوات يتامي أصبحوا سلعة .. نساء باعوا أعراضهم من أجل الستر .. « وغيرها من الجمل التي تعبر عن صدماتهم المتتالية تجاه هذا الزمن الموحش والمتوحش .
ومن الإسقاطات في العرض ما يحدث من ازمة عالمية بسبب جائحة كورونا في العرض يتم ظهور شخصية الانتهازي الذي يتحكم فى كل شئ من حولنا حتى أنه بات يتحكم فى الهواء الذي نتنفسه ، وصاحوا بقوة « من كان يريد أن ينتزع كمامته ويحصل على مصر الحياة إلي الإنتهازي يتقدم « ليتركوا المتفرج وفى عقله سؤالا كبيرا ، فمن هو هذا الإنتهازي من وجهه نظرك .؟! .
وأعلن الممثلون أنهم خرجوا من عالمهم المستقبلي ليغوصوا في تاريخ أجداهم طامحين في رؤية الأمس ، لكنهم أكتشوا عند الوصول لهذا الزمان أن التاريخ مزيفا .
السينوغرافيا في عروض الشارع تعتمد في الغالب على التكوينات بجسد الممثل ، و الفضاء المحيط به ــ لو كان هناك أهمية من استخدامه ــ والموتيفات التي يمكن أن يستخدمها الممثل للمساعدة في إيصال أفكار العرض وتكون بسيطة وصغيرة ، وهو ما حدث في « عجاف +200 « فكان الاعتماد الأكبر على التشكيلات المرئية بجسد الممثلين ، و استخدموا موتيفات بسيطة منها الجرائد ، وعصا تشبه الأسلحة ، ..
استطاع بورويص، مخرج المسرحية ، أن يسيطر على العمل ويحافظ على إيقاعه ، فبدأ العرض وأنتهي بسلاسة تقترب من السرعة ، فلم يشعر الجمهور بملل أو فقدان لمتعة المشاهدة ، بل كان النص مكثفا وملامس لقضايا هامة ، و العرض متجانسا ومتضافرا .
كما ظهر الممثلون الأربعة متفاعلين معا ومحافظين على التواصل البصري فيما بينهم ، ولم يكن هناك واحدا منهم أكثر ظهورا من الآخرين .
« الوحوش الزجاجية « كيف أصبح العالم مليئا بالغائبين والمرضي النفسيين ..؟
« الوحوش الزجاجية « هي المسرحية التي قدمها طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن محور المسابقة الدولية للعروض الكبري بالدورة الخامسة لمهرجان « شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي « وهي المسرحية التي اختارها المخرج يوسف الأسدي للكاتب المسرحي الأمريكي تينيسي وليامز لتنفيذها على خشبة المسرح، وهو يعتبر واحد من المؤلفين المهمين في الفترة ما بين الحربين العالميتين الاولي والثانية ، وهى واحدة من أكثر فترات تاريخ العالم إضطرابا ووحشية .
كل شئ بات مستعبدا ومستغلا وأصبح هناك الملايين من المهمشين والمحطمين والغائبين والمرضي النفسيين .. وبعد لحظات من مشاهدتك للعرض يمكن تكتشف أنك واحد من هذه النماذج المقدمة أمامك على خشبة المسرح .. وكأن الأسدي أراد أن يخبرنا أن جميعنا مازال حالنا كما هو حال البشرية منذ عشرات السنين؛ فالحروب لم تنتهي والدمار لم يختفي ، والبشرية مازالت معذبة وممزقة ، والإنسان مازال لاهثا لتوفير لقطة العيش .
تحكي المسرحية عن أسرة مكونة من أربعة أفراد غاب عنهم الأب باحثًا عن أحلامه الخاصة ليضطر ثلاثتهم مواجهة الحياة بمفردهم، الأم أماندا تعيش فى حالة قلق دائم على مستقبل ابنها وابنتها ، ووضعهما في هذا العالم بعد اختفاء زوجها ، لكنها مع ذلك تعيش فى خيالاتها وأفكارها مع ماضيها ، وشبابها الذي اختفي ، و أحبائها الذين ماتوا جميعا .
لورا هى الأبنة العرجاء ، العاجزة عن التعايش مع الواقع، ومن ثم تختار أن تعيش فى عالمها الافتراضى، وتقرر العيش وسط تماثيلها الزجاجية ترعاهم وتلمعهم، وكأنهم أصدقائها المتشابهين معها فى الهشاشة والسهولة فى الكسر .
أما توم فهو الأبن الذي يحب المسرح والفنون ويتمنى أن يكون مؤلفا ولكن الحياة الطاحنة تضطره للعمل اليومى لتلبية إحتياجات أسرته و يضطر للتنازل عن حلمه، وكان توم يروى حكاية عائلته ويدخل ليصبح جزءا من الأحداث ثم يخرج ليصبح الراوى مرة أخري .
وداخل العرض كان هناك أثنين من الممثلين ظهروا كأشباح أو خيالات أو أفكار متجسدة على المسرح للورا وتوم ؛ فلورا العرجاء عندما سمعت الموسيقي رقصت مع أفكارها المتحررة ، ولما قررت تخيل تماثيلها الزجاجية تتفاعل منها قاموا بتجسيد هذه التماثيل واللعب معها ، وتوم عندما نهرته أمه لذهابه للمسرح ظهرت أفكاره بانه يتمنى أن يحصل على القوة ويصبح قاتلا محترفا يخاف منه الجميع وشاركه الأثنين ممثلين باعتبارهم معبرين عن هذه الأفكار .
والرابع في هذه المسرحية هو جيم صديق توم والذي يحضره للتعرف على أخته لورا ، والذي يتلاعب بها بعد اكتشافه أنها كانت تحبه منذ أن كانوا صغارا ثم يقرر أن يخبرها أنه مرتبط بفتاة أخري وينوى الزواج منها فتنكسر كما أنكسر تمثال وحيد القرن الزجاجي الذي كانت تحبه .
أما الأب فرغم أنه لم يظهر جسديا ولكن ظهرت صورته فى وسط المسرح على الدفاية ليكون كالحاضر الغائب فصورته حاضرة ولكن وجوده معدوم ومؤثر وقاسي على هذه العائلة الفقيرة .
تميز العرض بصورته السينوغرافية وكانت الإضاءة فى هذه الصورة لها عاملا كبيرا في هذه التشكيلات المرئية، ورغم الاعتماد على قطع ديكورية ثابتة عبارة عن أريكة ومنضدة للطعام وبجوارها مكتبة صغيرة وبعض الكتب ودفاية فى وسط المسرح ، وهو ديكور يبدوا بسيطا إلا أنه كان معبرا عن بيئة النص الأصلية بجنوب الولايات المتحدة فى النصف الثانى من القرن العشرين ، كما تم اختيار الملابس على نفس هذا الاساس .
الأب الهارب من بيته للبحث عن لقمة عيشه ، الأم المرعوبة على ابنتها والباحثة لها عن زوجا دايما ، والشاب الذي أصبح منهكا باعباء أسرته رغم انها تجسد خطا دراميا لنص كتب منذ أكثر من نصف قرن ولكن المشكلات النفسية والتعقديات الداخلية لهذه الشخصيات ستجدها فى عالمنا الحالى .
مسرحية الوحوش الزجاجية من تأليف تينسي ويليامز، وتمثيل يوسف الأسدى، مازن جمال، ريم المصري، شريهان الشاذلي، وديكور مروان السيد ، وازياء و مكياج نردين عماد ، وإضاءه عبد الله صابر، وتصميم استعراضات محمد بحيري، وراقصين محمد بحيرى، و شيري أشرف ، تأليف موسيقي مصطفي منصور، ومساعد مخرج معاذ محمد ، ورؤية وإخراج يوسف الأسدي .
إيزيس المرأة الفرعونية التي تصلح لكل زمان ومكان
قدم العرض المسرحي « إيزيس « أسطورة إيزيس وأوزوريس الفرعونية الشهيرة مع الإلقاء بظلال الأسطورة على نماذج لسيدات أخريات من ربوع وعصور مصر المختلفة ، والمسرحية تصميم وإخراج كريمة بدير وأداء فرقة « فرسان الشرق « .
أسطورة إيزيس وأوزوريس تحكي عن خيانة الاخ لأخيه وقتله بخدعة وتقطيع جسده لأجزاء ونثر كل قطعة بمكان مختلف ، و تضحية الزوجة في سبيل البحث عن أشلاء زوجها وتجميع هذه الاشلاء لإحياءه من جديد بفضل عين حورس .
هذان الخطان الدراميان يمكن أن يتكررا ملايين المرات حول العالم ، وعلى مر العصور والأزمنة ، واختارت بدير أن تعلن عن أن « ايزيس « هي المرأة المصرية في كافة الربوع من خلال إدخال لوحات راقصة أثناء رحلة بحث ايزيس عن أشلاء زوجها، ورؤيتها لقصة خيانة الأخ لأخيه وبحث زوجته عن حقه الضائع في البلدان المصرية ، وقد عبرت عن ذلك من خلال استبدال الملابس وليس الديكور والذي ظل ثابتا علي مدار العرض. ظهر التابوت في عمق المسرح وقد وضع فيه ست أخوه أوزوريس قبل تقطيع جثته ، الي جوار سُلَمين على يمين ويسار المسرح ، و في المقدمة قطعتين من الديكور على الجانبين.
 استخدام اللون الأبيض يعلن عن الحياد الشديد وتعبيرا عن كل مكان وزمان ، وكانتالموتيفات بسيطة منها رأسين إيزيس وأوزوريس والتي تتدليا من اعلي الخشبة.
تم اختيار الموسيقي بدقة فى هذا العرض الراقص ، وتعبر عن حالة الحب في البداية ثم تتراوح بين الهدوء والتصاعد في مواضع منها إحياء أوزوريس بعد الموت وكانت قريبة من موسيقي « الزار « فكل لوحة راقصة تغلفها موسيقاها الخاصة المعبرة عن حالة راقصيها من حب وشهوة وحزن وقهر .. وغير ذلك من المشاعر .
تكمن أهمية الحركة في كونها أساس العروض الراقصة،بينما أهمية الكلمات تكمن في إيصال المعاني واضحة وبلا تأويل ، لذلك كانت الكلمات فى العرض قليلة وكتبها شعرا محمد زناتي ، واعتمد فيها على الجمل القصيرة المباشرة عن الحب والشهوة وارتباط العلاقات ــ عند المصريين القدماء ــ بمفهوم الخصوبة و النماء والرخاء ، و الخيانة ، وأيضا التضحية التي قامت بها إيزيس لإعادة زوجها للحياة .
اختارت كريمة بدير أن يكون حورس من أبناء النوبة المخلصين لفكرة النماء المرتبط بوجود النيل فى حياتهم ، فكانت محطة ايزيس الأخيرة هى النوبة والتي قدمت فيها فرحا مفعم بالفولكلور ، ثم ميلاد حورس والذي كان سببا في إعادة إحياء أوزوريس، وليكون لهذا الأبن أيضا حياته الأسطورية المرتبطة بعينه ــ عين حورس ــ السبب في عودة أبوه إلي الحياة .
ركز أنيس إسماعيل ، مهندس ديكور العرض والملابس ، على أن يكون اختياره للملابس بسيطا ومعبرا عن المكان والزمان بطريقة بسيطة و مجردة ، فظهر الفراعنة بأزياء ترتكز على الموتيفات الفرعونية القديمة ، و الصعايدة بملابسهم التقليدية ــ الملس ــ للنساء والجلابية الصعيدية للرجال، كما هو الحال بالنسبة للزي النوبي التقليدي الذي تعرف من خلاله أين يقطن السكان المرتدين لهذه الملابس .
ومن العناصر التي لا تنفصل على الصورة هي الإضاءة والتي قام بتصميمها رضا إبراهيم ، وكانت كل لوحة لونية مكملة للصورة المرئية.
تنتهى المسرحية بالتأكيد على فكرة أن إيزيس هي أساس الحياة و الوجود ، فبعد نجاحها فى إعادة زوجها تقف فى منتصف المسرح منتظر أن يقوم الإله « أنوبيس « بوضع قلب زوجها على ميزان الحساب في كفة والريشة في الكفة الأخري ، ليعلن إنتصار هذه السيدة ــ التى تعبر عن كافة المصريات من جهه ، ويمكن أن تكون رمز لنساء الكون من جهة اخري ــ ووقوفها في نهاية المسرحية ثابتة على أرجوحة فى وسط المسرح لتكون أعلى من باقي الراقصين جميعا ، ولنكتشف أن جميع النساء يمكن أن يكن ايزيس في لحظة فارقة من الحياة، و أن التضحية يمكن أن تجدي لو أمنا بها الشخص .
أمتلأ العرض بتفاصيل الأسطورة الفرعونية القديمة من عين حورس ، لتجسيد إله الموت « أنوبيس « ، للتابوت الشاهد على كافة أحداث العرض حتى عودة أوزوريس للحياة مرة آخري ، وهي العناصر التي أعطت جوا من استراجع الماضي على المسرح ، مع تضفير هذه الموتيفات مع الحكايات الاخري ؛ ليؤكد صناع العمل على أن التاريخ يعيد نفسه أمامنا دائما واننا جميعا يمكن أن نجد أيزيس داخلنا .
مؤديين اللواحات الراقصة إيزيس ياسمين سمير بدوي ، أوزوريس ، محمد هلال ، جب باسم مجدي ، نوت دنيا محمد، ستعبد الرحمن دسوقي ، نفتيس حبيبة إبراهيم ، أنوبيس نادر جمال .


سلوى عثمان