مصطفى سليم: «فرحة» تجسد وعي «تشيكوف» لتحول مجتمعه من الإقطاع إلى المجتمع الرأسمالي الصناعي

مصطفى سليم: «فرحة» تجسد وعي «تشيكوف» لتحول مجتمعه من الإقطاع إلى المجتمع الرأسمالي الصناعي

العدد 680 صدر بتاريخ 7سبتمبر2020

ضمن المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة، تحت عنوان «اضحك.. فكر.. اعرف» تحت إشراف الفنان إيهاب فهمي، مدير فرقة المسرح القومي، والفنان سامح بسيونى، مدير فرقة مسرح المواجهة تم تقديم  العرض المسرحي “فرحة” أعده وأخرجه مراد منير، عن قصة “فرحة” للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، بطولة لقاء سويدان، ياسر صادق، يوسف مراد، ليلى مراد، ديكور محمد هاشم، إعداد موسيقي يوسف مراد،
وحول العرض الذي تم بثه على قناة وزارة الثقافة على اليويتيوب، قال الدكتور مصطفى سليم، إن مسرحية «فرحة» هي قصة من قصص الكاتب الروسي انطون تشيكوف القصيرة التي كتبها في بداية مشواره مع الكتابة، هو الذي يبدأ عام 1880 حين سافر «تشيكوف» من بلدته الصغيرة ليذهب إلى موسكو ليتعلم في كلية الطب، والحقيقة أن ظروف عائلته كانت لا تسمح بالتكفل بمصاريف دارسته ف لجأ إلى الكتابة في بعض الصحف والمجلات، وكان يكتب مجموعة من القصص القصيرة التي يمكن أن نوصفها بأنها «نكت»، أو لقطة سريعة تقوم بتصوير نكتة من النكات.
وأضاف الدكتور مصطفى سليم، أن «تشيكوف» كان يكتب هذه القصص ربما تكون صحف تصنف من الدرجة الثانية في البداية وتعتمد على الفكاهة والضحك، لكنه كان يستطيع على الأقل أنه يحصل على مصاريف دراسته للطب في هذا الوقت، وعندما تحول «تشيكوف» إلى كاتب كبير ومؤثر عالميًا بدأ بعض الناشرين الكبار بمدينة بطرسبورج الروسية أنهم يبحثون في كتابات «تشيكوف» الأولى، ويبحثوا عن أهم القصص التي كتبها، وكان من بين هذه القصص التي تم اختيارها لطرحها في المجموعة الكاملة لأعمال «تشيكوف» كانت قصة «فرحة».
وتابع: والحقيقة أن قصة «فرحة» هي قصة لها مدلول هام جدًا، رغم أنها تبدو أنها كتبت من أجل الضحك وتصور أحد الأنماط من المغفلين أو الأغبياء إلا أنها تجسد وعي «انطون تشيكوف» نفسه للتحول الذي كان يحدث في مجتمعه من الإقطاع إلى المجتمع الرأسمالي الصناعي، وهذا التحول قلص من الرقعة الخضراء في هذا الوقت، وبدأ يحل محلها المصانع وبدأت تنتصر الرأسمالية على نمط الإنتاج الزراعي، حيث أنه عندما التقط هذه المسألة وقرأ المستقبل استطاع أن يرصد مجموعة من التحولات الهامة التي تظهر أكثر في مسرحياته الطويلة، لكن مازالت الفكرة موجودة بداخله منذ البداية، أي عندما كان طالب بكلية الطب.
وأشار إلى أن «تشيكوف» التقط داخل مسرحية «فرحة» أن الدعايا أو الخبر لهما قيمة كبيرة، لم يكن الخبر بنفس القيمة في المجتمع الإقطاعي، لأن المجتمع الصناعي الجديد أو الرأسمالي أصبح يتاجر ويستثمر بالخبر، قيمة المال ارتفعت أصبح كل شيء، واستبدلت طرق التعامل في المجتمع الزراعي بالمقايدة إلى المال، أخبار البورصة والمصانع الجديدة واليناصيب جعل للخبر قيمة مختلفة تمامًا عما كان عليه في المجتمع الزراعي، ومع الخبر تبدأ البذور الأولى للبداية الإعلامية،  التي تصبح بعد مئة عام من رحيل الكاتب الروسي أن يكون لها الكلمة الأولى في حياتنا، وهتحرك قرارتنا، وستصبح الحافز الرئيسي للفعل، أننا اليوم نستثمر الأخبار السلبية حيث أننا وصلنا للترويج لأخبار سلبية تخص الفرد من أجل تحقيق عدد كبير من المشاهدات والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الفنان المثقف أو الإنسان العادي يبحثان عن التريند، أو خبر تتناقله الناس ويحقق ملايين المشاهدات.
وأردف: هذه الفكرة بذورها موجوده مع ارتفاع قيمة الخبر في مرحلة التحول من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي في أواخر القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى أن القصة تتناول نمط الشخص الغبي أو المغفل أو الهامشي الذي عندما يحدث له حادث يكون له خبر يحقق مشاهدات، ويتحول من شخص هامشي إلى شخص مشهور رغم أنه ليس لديه أي مواهب تجعله مشهورًا، وكأن «تشيكوف» ينظر للمائة وخمسون عامًا الذين جاءوا بعده، لكن لا يجب أن نعطي القصة أكثر من قيمتها التي ارتضاها «تشيكوف» ككاتب، وبالتالي فهي ليست أهم قصصه ولكنها تشير إلى موهبته الموجودة منذ البداية منذ أن كان طالبًا.
واستطرد: عندما وقعت تلك القصة في يد مخرج قدير لديه الخبرة والموهبة والإنجاز استطاعت أن تأخذ شكل مختلف، فهي تبدو أنها لا تصلح للمسرح، ولكنها قدمت كثيرًا في المدارس بموسكو، وقدمت أيضًا في إحدى الدول العربية، لافتًا إلى أن المخرج مراد منير صاحب الإبداعات الكبيرة، منها «الملك هو الملك، لولي، سي علي وتابعه قفه، والشحاتين»، وأعمال كثيرة لا استطيع التحدث عنها في عجالة، فأنا بشير على الخبرة التي تناولت من هذه القصة خط هام جدًا لم يكن واضحًا، مشيرًا إلى أن مخرج مسرحية «فرحة» سأل نفسه سؤالًا هو: هذا النموذج أو الشاب السعيد بهذه الدعايا السلبية كيف يكون شكل الأسرة الذى تربى فيها، فبحث وراء الأب والأم وجعل لهما دورًا أكبر بكثير من الدور المكتوب في القصة، فصنع ثنائيًا رائعًا ومميزًا بين الأب والأم الذين هما بذرة الغباء والضحالة في شخصية الأبن، واعطى لهم مساحة جيدة جدًا في هذا العرض، وربما لم يتخيل أحد أن يكون دوريهما بهذا الأداء الفكه وخفة الدم.
ونوه بأن مخرجنا الكبير التقط فكرة التناقض الموجودة في شخصية الأبن، حيث أنه سماه «كساب»، وهي صيغة مبالغة لإبراز المعنى وتوضيحه، وهذا نجاح في حد ذاته، لأنه قد يحتار المعد في هذه القصة كيف يصنع منها عرضًا مسرحيًا لصغر حجمها وغياب الحدث الحقيقي فيها، لكن الأستاذ مراد منير بخبرته وتاريخه الكبير استطاع أن يلتقط بعض الخطوط والخيوط وأن يترجمها إلى عرض مسرحي، واستطيع أن اصنفه ضمن مسرحيات الفودفيل، لا نستطيع أن نطلق عليها اسم آخر، وهذا الذي كتبه «تشيكوف» أيضًا، كما أشار الناقد الكبير مجر شاك بأن مسرحيات «تشيكوف» القصيرة هي مسرحيات الفعل المباشر، وأن مسرحياته الطويلة هي مسرحيات الفعل غير المباشر.
ووجه الدكتور مصطفى سليم، في نهايه حديثه، الشكر لجميع القائمين على مبادرة «اضحك.. فكر.. أعرف» التي تفتح أفاقًا جديدة على طريق التنمية الثقافية المستدامة، وأيضًا تفتح أفاقًا جديدة أمام المتفرج المصري ليشاهد فنًا راقيًا وكوميدية حقيقية، موجهًا الشكر للدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة على دعمها للمبادرة.


ياسمين عباس