الدراما الرقمية والعرض الرقمي تجارب غربية وعربية

الدراما الرقمية والعرض الرقمي     تجارب غربية وعربية

العدد 805 صدر بتاريخ 30يناير2023

تحت عنوان «الدراما الرقمية والعرض الرقمي - تجارب غربية وعربية”, صدر للباحث المسرحي/ سباعي السيد, كتاب يعد من أهم الكتب التي نشرت في السنوات الأخيرة عن علاقة الفنون والآداب بالتكنولوجيا الرقمية, وقد صدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة عام 2017م. وهو في الأصل رسالة ماجستير تقدم بها إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة في يناير 2016 . ونحن هنا بصدد عرض قراءة سريعة في متن هذا الكتاب القيم.
يعرض الكاتب في الفصل الأول تحت عنوان “الثقافة الرقمية”  تاريخ التطور التكنولوجي، في محاولة لفهم ماهيته وآثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, بداية بدراسة لنشأة مفهوم الثقافة الرقمية، والعلاقة بينها وبين تطور التكنولوجيا، باعتبار أن الثقافة الرقمية هي مرحلة متقدمة في تاريخ التكنولوجيا موضحا فيه بعض المصطلحات والمفاهيم الخاصة بالموضوع. حيث يؤكد الكاتب أنه قد شهد العالم خلال تاريخه الطويل العديد من التطورات التكنولوجية المتتابعة والمتلاحقة، حتى ليبدو أن تاريخ العالم نفسه ما هو إلا سلسلة متصلة من حلقات التطور المعرفي والتكنولوجي، تفضي كل حلقة منها إلى أخرى، حتى بلغ هذا التطور أوجه في الثورة الصناعية، ثم ثورة المعلومات والاتصالات التي تعيشها البشرية الآن.
ثم يضع الكاتب يده على نقطة انطلاق الثورة التكنولوجية منذ أن قام صمويل موريس عام 1837 باختراع جهاز التلغراف الذي مهد الطريق لعدد من الاختراعات الأخرى مثل الآلة الكاتبة، والآلة الحاسبة الميكانيكية، و في النهاية تم اختراع الهاتف في العام 1876. ثم اختراع الإذاعة حنى وصلنا إلى التليفزيون وتطوره إلى ما هو عليه الآن من قنوات فضائية ومشفرة مختلفة. ثم اختراع الحاسب الشخصي وإنشاء شبكة الإنترنت.
ويعرف تقنية المعلومات، أو على وجه التحديد تقنية المعلومات والاتصالات Information & Communication Technology ICT بأنها استخدام التقنية لتعزيز سرعة وفاعلية نقل المعلومات. وهي نتيجة لاندماج التطورات العلمية مع بعضها بعضاً لخلق تقنية المعلومات وذلك بعد ظهور تقنيات التسجيل و الإرسال و الحاسبات الأولية – التي ظهرت في بداية عصر الحاسب.
ثم يوضح بعض المفاهيم والمصطلحات مثل مجتمع المعرفة, والثقافة الرقمية مبينا أن فلسفة الرقمنة digitalization تعتمد على القدرة الفائقة على تخزين البيانات واسترجاعها بدقة متناهية ، وهذا ما تفتقر إليه الوسائل التناظرية في تخزين المعلومات، حيث لا يمكن استرجاع المعلومات بالدقة نفسها. ثم يطرح الكاتب وجهة نظر يرى فرانك ويبستر Webster أن مجتمع المعلومات يتميز «بالتركيز على عمليات معالجة المعلومات، والمادة الخام الأساسية له هي المعلومة، التي يتم استثمارها بحيث تولد المعرفة، معرفة جديدة.
 ويؤكد الكاتب على أن ثمة علاقة وثيقة تربط بين الثقافة الرقمية وبين هذه المفاهيم والأفكار، فالتكنولوجيا الرقمية هي مكون هام وأساسي من هذه التطورات. ثم يتحدث عن التكنولوجيا والجيل الثاني من الشبكة العنكبوتية العالمية مبرزا أهمية الشبكات الاجتماعية علي الإنترنت موضحا أن تأثير التكنولوجيا على الثقافة يمتد ليشمل « جميع عناصر منظومتها والعلاقات البينية التي تربط بين هذه العناصر. كما أن معدل نمو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد مستمر مما يؤكد تزايد تأثيرها على المجتمع وعلى التوجهات الثقافية وعلى الهوية.
ويأتي الفصل الثاني بعنوان “الفنون والتكنولوجيا الرقمية» في هذا الفصل عمل المؤلف على تحديد العلاقة بين الفنون بشكل عام، والمسرح بنوع خاص من جهة، وبين التكنولوجيا الرقمية من جهة أخرى. وذلك في العقد الأخير من القرن العشرين. فإنه لا يمكن فصل تاريخ المسرح عن التطور التاريخي للتكنولوجيا. نتيجة للتطور التكنولوجي المتسارع ظهرت حديثاً في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ممارسات أداء جديدة تعطي الأولوية لتقنيات مثل تعقب الحركة motion tracking الذكاء الاصطناعي ، النمذجة والتحريك ثلاثي الأبعاد 3D modeling ، الرسم والصوت الرقمي والتصميم التفاعلي والتقنية الحيوية biotechnology . هذه الممارسات ظهرت في سياق تغلغل تكنولوجي واسع النطاق في كل نواحي التجربة الإنسانية.
 وتحت عنوان ظهور ممارسات أداء رقمية والحاجة إلى نظرية جديدة يتحدث المؤلف عن رأي المفكر  جي ديبور الذي يؤكد على أهمية ثقافة الصورة في عصرنا، فالصور هي الأداة التي يتم عبرها ومن خلالها توصيل العلاقات الاجتماعية بين البشر, كما يعرض آراء كل من الفيلسوف موريس مارلو بونتي, و هربرت بلو. ثم يذكر الكاتب أثر الشركات العملاقة في مجال الوسائط المتعددة موضحا أن أثر الشركات العملاقة العاملة في مجال الصناعة الثقافية متعاظماً  مثل شركة ديزني.
ويرى بودريار أن الواقع قد اختفى وحل محله ما فوق الواقعي Hyper-real ., أن العالم أصبح مجرد صورة نقلاً عن صورة نقلاً عن صورة وأصبح العالم مجموعة من عمليات الاصطناع والصور بل أية صلة أو علاقة مرجعية مع أصل محدد، وهكذا ضاع مبدأ الواقع في متاهة المصطنعات )الصور( اللا متناهية المتخيلة والوهمية التي تروجها الميديا، وبذلك يفقد الواقع وجوده، ويصبح تلك النسخ المصطنعة رقمياً عبر أجهزة الكمبيوتر، وعليه فإننا نعيش الآن في عالم «فوق واعي» هو العالم التكنولوجي الافتراضي.»
وينتقل الباحث إلى فكرة الأدب الرقمي والترابط النصي, فيبين أنه نظام يتشكل من مجموعة من النصوص ومن روابط liens تجمع بينها، متيحاً بذلك للمستعمل إمكانية الانتقال من نص إلى آخر حسب حاجاته. الخطاب الأدبي في الرواية الرقمية مختلف في أدواته ، فهو ليس تتابعاً خطياً يبدأ من فصل إلى الفصل التالي حتى تنتهي الرواية، وبالتالي فالقراءة هنا فعل مختلف حيث تتميز بقدرة القارئ على التفاعل. لقد أتاحت الوسائط المتعددة للمبدعين إمكانية تفاعل القارئ مع النصوص والرسوم والصور والفيديو والصوت في آن واحد، وتكوين تجربته الخاصة في القراءة، وذلك هو الفارق الأساسي بين قراءة النص المطبوع، وقراءة النص الإلكتروني. ثم يشرح لنا المؤلف مصطلحات الأدب الرقمي التفاعلي, و السينما الرقمية, التصوير الرقمي, ساردا بداياتها كيفيتها.
وينتقل بعد ذلك إلى نقطة أخرى تتعلق بالمسرح والتكنولوجيا موضحا أنه قد ارتبط المسرح منذ بدايته بالتكنولوجيا، فالمسرح يسعى دائماً إلى الإفادة من التقنيات الجديدة في عصره، وبالتالي يعكس التطور التكنولوجي. ويستعرض المؤلف أساليب استخدام التكنولوجيا في المسرح وتطرها منذ العصر الإغريقي حتى الآن سواء بالنسبة للإضاءة أو الآلات الميكانيكية. ويختتم هذا المبحث بقوله:
لقد كانت الآلة بوصفها رمزاً للتكنولوجيا موضوعاً هاماً في تاريخ المسرح في القرن العشرين، وتباين استخدامها وتوظيفها جمالياً على خشبة المسرح، وفقاً لأيديولوجيات مختلفة، لكن الأمر
المؤكد أن علاقة البشر بالآلات بكل ما تتضمنه تلك العلاقة من مستويات سياسية اقتصادية اجتماعية شكلت هاجساً حقيقياً لدى المسرحيين.
وعن “الدراما الرقمية وعروض الحاسب» يتناول الفصل الثالث أولا أجهزة الكمبيوتر بوصفها مسرحاً ممهدا بأنه لم يكن ثمة انفصال بين الفنون والعلوم على مر التاريخ، ولم يحدث ذلك الانفصال إلا في عصر النهضة. وفي بداية التسعينيات من القرن العشرين دارت مناقشات موسعة حول الروابط الأصيلة التي تجمع بين تقنيات الوسائط المتعددة والحداثة. ووجد مطورو برامج الكمبيوتر أن الدراما والمسرح يجب أن يكونا نقطة البداية بالنسبة إليهم. فقد وجدوا فيها النموذج الأفضل لتحقيق التفاعل. ثم يشرح مصطلح النص التشعبي والفارق بين النص والنص الإلكتروني. ويطرح لنا أمثلة على النص التشعبي الإبداعي, فكان أول أمثلة السرد التشعبي Narrative Hypertext الذي احتفي به أيما احتفاء وعرف أنه أول سرد تشعبي من نوعه هو aftermoon تأليف مايكل جويس ) 1987 ( وقد كتبت هذه القطعة باستخدام برنامج كمبيوتر بسيط لكنه فعال يسمى storyspace  قام جويس بتطويره. يقوم البرنامج بتقسيم السرد المكون من 539 قطعة سردية إلى نوافذ أو صناديق يتنقل القارئ خلالها عبر روابط عديدة، ومسارات يحددها الكاتب. ويتطور السرد إلى فروع سردية متعددة تعتمد على الروابط التي ينقر فوقها القارئ. وبعض هذه الروابط يجبر القارئ على قراءة الصفحة نفسها مجدداً قبل أن يجد روابط جديدة إلى صفحات مخبأة. وتلت نص « aftermoon « نصوص تشعبية أخرى مثل حديقة النصر) 1992 ، و Patchwork Girl (199. ثم رواية حديقة النصر Victory Garden من تأليف مولثروب، وأيضا رواية بعنوان وقت الحلم Dreamtime. ثم يستعرض المؤلف تعريف النص التشعبي, وكيفية نقد النص التشعبي. حتى يصل بنا إلى الحديث عن فن الإنترنت.
ويشرح الكاتب فن الإنترنت Net Art بأنه هو ذلك الفن الذي قام باستكشاف الواجهة interface التي تجمع بين الكمبيوتر والإنسان. وقد نشأ المصطلح لأول مرة في عام 1995 في هذا السياق تصبح الواجهة interface ساحة لأداء مهمة ما يلعب فيها كل من الكمبيوتر والإنسان دوراً. وبتطور التجريب على النص المترابط، يتضح أنه في النص المترابط ، النص هو الفعل، والواجهة هي مكان التبادل والتفاعل، هي مكان الفعل. ويترتب على ذلك أن النص المترابط ليس مجرد وسيط أدائي يقوم بالدمج بين عناصر الفيلم والفيديو والمسرح ، ومع ذلك يتفوق عليهم جميعاً بدمج المشاهد داخل العمل ، ولكن في أن المشاهد يستطيع أن يقوم بالدمج بين أداء النص والنص الفائق Metatext ، والسرد والنظرية النقدية في الوقت نفسه.
ولأن إحدى سمات النص القائم على النص المترابط غياب النهاية المحددة بوضوح فإن النص المترابط يهدم أيضاً النظرية السردية والدراماتورجية ، بتأكيده المستمر على أن النهاية الحقيقية للعمل الفني تقع خارج العمل الفني نفسه ، وتقع فقط ضمن عالم المشاهد. في النص المترابط، لا ينتهي السرد أبداً، والمشاهدون أنفسهم بتحولهم إلى نص بلغة HTML ، يصبحون مجرد وحدة نصية ترابطية تنتظر أن يقوم بقراءتها شخص آخر.
وتحت عنوان الدراما التفاعلية على الكمبيوتر: Faade, يوضح الباحث أنهمع تقدم برمجيات الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence ، ظهر العديد من الألعاب «الدرامية التفاعلية» على شبكة الإنترنت ، وهي برمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي ونظرية الاحتمالات التي تقبل مدخلات )ردود أفعال / استجابات(مختلفة من الجمهور بينما يمكنها أن تبتكر أو «ترتجل» سيناريوهات مختلفة تبعاً لاستجابة «المتفرج». ومع تطور علوم البرمجة بدأت هذه الألعاب تحاكي الواقع بدرجة كبيرة جداً، وتنتشر ألعاب المحاكاة الخاصة بكل شيء تقريباً ،وفي
الألعاب التي تستخدم شخصيات إنسانية يمكن للاعب أن يستخدم الأسلحة ويقود السيارات والطائرات، ويجري حواراً مع الشخصيات أو مع غيره من اللاعبين ، في الألعاب الشبكية. ثم يقدم لنا الباحث شرحا لإحدى هذه البرامج وكيفية توظيفها.
أما في الفصل الرابع وهو بعنوان “العرض الرقمي» يقدم تعريف «العرض الرقمي»بأنه يتضمن بشكل عام كل العروض التي يلعب فيها الكمبيوتر دوراً أساسياً لا فرعياً في أشكال المحتوى والتقنيات والجماليات أو التصميم. وهذا يتضمن المسرح الحي والرقص وفن العرض الذي يتضمن عروضاً على شاشات أنشئت أو عولجت رقمياً، عروض للروبوت أو الواقع الافتراضي VR أو أعمال مسرحية تستخدم أجهزة استشعار وتفعيل كمبيوترية، أو تقنيات عن بعد telematic وأعمال أداء وفعاليات يتم مقاربتها عبر شاشات كمبيوتر، بما في ذلك فعاليات المسرح التخيلي Cyber theatre والعوالم التخيلية، وألعاب الكمبيوتر وأقراص السي دي وأعمال فن النت الأدائية.
وعن استخدام تكنولوجيا الوسائط الرقمية, يطرح المؤلف أنماط العرض المسرحي الرقمي حيث أنه من خلال تفاعل الوسائط الرقمية مع العرض المسرحي يمكن أن نعدد أنماطاً كثيرة من العروض المسرحية الرقمية ، حصرها الباحث ستيف ديكسون فيما يلي:
الواقع الافتراضي
الرقص الرقمي وتطورات البرمجيات
القرين الرقمي – الأجساد الافتراضية- الروبوت
المعمار السائل- الشذرات fractures الخاصة بالموقع - site
specific
 البُعديات telematics : ربط فضاءات العرض البعيدة.
العرض أون لاين )على الهواء من الفضاء السيبيري(
المسرح في الفضاء التخيلي
التفاعلية .Interactivityy
ثم قام الباحث بدراسة بعض النماذج التي تقترب من المسرح الرقمي للتعرف على طبيعة العرض وكيفية توظيفها للتكنولوجيا الرقمية وهي: الآلة الحاسبة, يهودي مالطا The Jew of Malta, تشريح موت ال......
 ثم تحدث الكاتب عن المسرح الرقمي والفرجة المشهدية ويوضح أنه في مسرح الوسائط المتعددة الحي تضيف شاشات الإسقاط أو شاشات الفيديو فضاءات جديدة ثنائية الأبعاد حتى لو كانت تجسد صوراً ذات أبعاد ثلاثة. وعلى الرغم من تسطيح إطار الشاشة، فإن الوسائط المسقطة عليها يمكن أن تعطي إمكانات أكبر بكثير من الفضاء ثلاثي الأبعاد
في السينما يمكن بالتنويع في زويا الكاميرا وابتعادها واقترابها من الموضوع المصور أن تمنح المتفرج الجالس على مقعد في المسرح أكثر من مجرد المشهد الثابت الذي يراه. والشاشة السينمائية هي بمثابة فضاء شاعري. ويمنح الفيلم وتحرير الفيديو )المونتاج( إمكانية تفتيت الزمان والمكان سمعياً وبصرياً على الفور. لذلك فإن بمقدور فناني السينما والفيديو الكمبيوتر أن يقوموا ببناء وابل من الصور من أزمنة وأمكنة مختلفة يستحيل صنعها في عرض حي يدور في فضاء ثلاثي الأبعاد. يقوم الفنانون من خلال الدمج بين شاشات الوسائط والميزانسين، تقنيات تقوم في بعض الأوقات بتفتيت وإزاحة الأجساد والزمن والمكان، وفي بعضها الآخر توجد الدلالات الزمنية والمكانية والفيزيائية. وعلى سبيل المثال يطرح العرض الرقمي علاء الدين Alladeen, حيث قُدم هذا العرض ما بين عامي 1999 - 2007 حسب موقع فرقةBuilders Association . ويتناول العرض الإشكاليات الفلسفية للوسائط والتكنولوجيا وأثرها على الثقافة العالمية، وتصل العالم الأول بالعالم الثالث.

وبعنوان العرض مباشرة على الشبكة: مباشر من الفضاء الافتراضي, يقول الباحث أنه تعود أولى خبرات مسرح الويب إلى عام 1996 ، حيث أثبت كل من سوندرز Saunders وفيردينيلي Verdinelli إمكانية استخدام برامج الكمبيوتر مثل Real Audio و CU-SeeMee لكي يتمكن جمهور المسرح من أن يشاهد العروض المسرحية في الوقت نفسه ومن أي مكان على شاشات الكمبيوتر الشخصي. ضاربا المثل بعرض رجل النهضة Renaissance Man في هذه التجارب كانت شبكة الإنترنت مجرد ناقل للعرض المسرحي فحسب، حيث كانت شبكة الإنترنت مستخدمة من خلال وظيفتها التقنية فقط في نقل المعطيات )النص والصوت والصورة.(
ويشرح  عن أول تجربة في المسرح الافتراضي وهي باسم أوديس Ouedis:, أنها إحدى أولى فعاليات المسرح الافتراضي على الإنترنت كانت مشروعاً شديد الطموح تم تطويره عبر سنوات لكن لم يتحقق بالكامل أبداً. عرف عام 1995 باسم أوديسيوس وتغير اسمه لاحقاً إلى أوديس Ouedis ..الأوديسا العالمية.
ويمثل عرض ستيرلاك Sterlac الموسوم Ping Body والذي عرض عام 1996 حالة متطرفة من تفاعل المتفرجين على شبكة الإنترنت، ففي العرض كان المؤدي يرتدي درعاً خارجية تتصل عن
طريق محركات بشبكة الإنترنت ، وتتحول المعطيات على شبكة الإنترنت إلى نبضات كهربائية تحرك جسد المؤدي.
ويبين الباحث ماهية مسرح الويب كام Web Cam الذي بدأه جاكومو فيردي كان محاولة أكثر طموحاً لاستغلال الإمكانات التفاعلية لشبكة الإنترنت . كان أول ظهور لهذا المشروع في مايو 2001 مباشرة على الإنترنت من خلال أحد المواقع الإلكترونية. في الصالة كان يوجد راو واحد يقوم بأداء العديد من الأحداث المتصلة بأحداث أخرى مقدمة عن طريق الفيديو. «وكان الممثل يرتدي نظارات خاصة تنقل له مباشرة صور الكمبيوتر. كان يجلس على وسادة عريضة ويمكنه التحكم في حاسبه الشخصي بهذه الطريقة ، كان يستطيع أن يدير في آن وجوده بالنسبة للجمهور في الصالة وبالنسبة للمشاهدين على الإنترنت ، حيث كان الموقع المخصص للبث يسمح بالدخول إلى منطقة خاصة. وفي هذه المنطقة كان المتفرج يجد شاشة الكمبيوتر مقسمة إلى ثلاثة أقسام )نصوص عن الفن على شبكة الإنترنت - فيديو الويب كام - عبارات الشات chat ( جميعها تعمل في وقت واحد).....( كان هذا العرض يهدف إلى نقل هذا الفضاء والحدث الذي يدور فيه في منطقة حدودية بين خشبة المسرح والفضاء الإلكتروني. وكان مفتاح الانتقال في هذه الحالة تقديم تفاعل أكبر بين المشاركين في العرض )ممثل ومتفرجين. إن هذا التفاعل هو ما يفتح آفاقاً جديدة للعرض المسرحي، حيث يمكن للجمهور أن يمارس ما هو أكثر من التصفيق أو الضحك للتعبير عن رأيه. تقوم التكنولوجيا هنا بتعديل فكرة الوجود المادي وجود الجسد والشخصية، كما يهدد التعريف التقليدي للمسرح من أنه حدث يحدث هنا والآن.
ثم يستعرض الباحث فكرة الرقص الرقمي: موضحا تقنيات برنامج Life Forms لتصميم الرقصات. وفي خلاصة الفصل يوضح أن نماذج العرض الرقمي التي قام بدراستها في هذا الفصل تعبر بدرجة أو بأخرى عن قدرة المبدع المسرحي على أنسنة التكنولوجيا و توظيفها جمالياً للتعبير عن قضايا إنسانية ليست بعيدة عن أثر التكنولوجيا البين في حياتنا اليومية وقيمنا وثقافاتنا.  و تحاول العروض التي ناقشناها استكشاف علاقة الإنسان بالتقنية، تغلغلها في مفردات حياته اليومية، صراعه المستمر معها أو استسلامه لها )الآلة الحاسبة- تشريح موت ال...( من خلال نص مسرحي يعكس العلاقة العميقة ذات الدلالة بين الإنسان والتكنولوجيا، يتم تقديمه في إطار جمالي مختلف يسعى إلى التفاعل مع جمهور قادر إلى حد بعيد على تذوق التجربة التكنولوجية والتعرف على شفراتها وايحاءاتها الدلالية.
ينطلق الفصل الخامس متحدثا عن تجارب عربية في العرض الرقمي بادئا بتناول إرهاصات الباحثين العرب, ثم وضح أنه قد شهد عام 2007 بداية الاهتمام بالمسرح الرقمي والوسائطي في مصر، حيث خصص مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في ذاك العام مائدة مستديرة عن الدراما والذكاء الاصطناعي لأنطونيو بيتزو من إيطاليا، والمسرح والواقع الافتراضي لجوزفين ألستي من أمريكا والرقص الجديد والوسائط الجديدة لإيمانويل كواثز من فرنسا ثم خشبة المسرح التفاعلية كريستينا فينجر من ألمانيا والتلقي في العرض الافتراضي لفيتشينزو لومباريو من إيطاليا . وفي العام نفسه 2007 ، صدر كتاب )المسرح والعالم الرقمي( تأليف أنطونيو بيتزو عن المهرجان أيضاً. وفي عام 2011 أقام المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة، المغرب، ندوة دولية هامة تحت عنوان )الوسائطية والفرجة المسرحية(.
وقد استعرض بعض الكتابات النظرية حول تجارب المسرح الرقمي لكل من : خالد أمين, حسن المنيعي و المسرح العربي ما بعد الدراما, د. حسن اليوسفي) الفرجة الوسائطية وخلخلة المفاهيم المؤسسية للمسرح),  د. عز الدين بونيت) دينامية الوساطة).
وقد عرض للتجارب الرقمية العربيةلكل من: حازم كمال الدين وتجربته الرقمية, ثم مسرح الحرب أو.. مقهى بغداد, والعرض الرقمي (أورال), وكذلك مختبر بيكيت للفنون الأدائية, وأيضا تجربة الفنان المغربي يوسف الريحاني, ومن مصر:  عرض (سوليتير) لداليا بسيوني,  ومن المغرب:  مسرح بوسلهام الضعيف.
وفي الفصل السادس تحت عنوان “إشكاليات في العرض الرقمي» يتحدث أولاً عن جماليات التلقي في المسرح الرقمي موضحا أن المتفرج هو المستهلك الأصلي للمنتج المسرحي، المتلقي في مقابل المؤدي، كما تضعه نظريات الاتصال و جماليات التلقي. هذا المتفرج يقع في العصر الحديث تحت وطأة العديد من التأثيرات أهمها:
•تعدد وسائط الاتصال
•كم هائل من المواد والوسائط الدرامية .
 وحول الجمهورر,  الثورة والتقنية الرقمية يسهب المؤلف في شرح العلاقة بين المؤدي والمتلقي من خلال مقارنة بينها في المسرح التقليدي وبين المسرح الرقمي. ثم ينتقل للمقارنة بين جمهور المسرح وجمهور التلفزيون, كما يوضح العلاقة بين الجمهور والتقنية الرقمية حيث ساهمت المواقع الإلكترونية )والتقنية الرقمية بشكل عام(  في إخفاء هوية الأجساد وإكسابها لغة جديدة من جهة، ومن جهة أخرى أصبح الفرد كائناً سندبادياً  يجوب بين اللغات والثقافات المختلفة. وتبعاً لذلك صنعت التكنولوجيا أجساداً بشرية تستجيب للآني واللحظي. وانسحب منطق التقنية في تعامل الشباب مع الواقع، فهويتهم الجديدة المقنعة والمتخيلة تقضي على كل مسافة تاريخية وتجعلهم في حالة اختلاف في كل لحظة عن معارفهم التاريخية والثقافية.
ويستعرض المؤلف فكرة  الجمهور من وجهة نظر صانعي العرض بعرض آراء كل من: المخرج سمير العصفوري الذي يصر على تخليص الجمهور من علاقة «القهر» الدائمة بين المسرح والجمهور، وذلك بإيجاد صيغة من صيغ التفاعل بينه وجمهوره، أسوة بما يحدث في دول العالم التي نجحت في الحفاظ على ذلك الجمهور.  ويعر ضأيضا وجهات نظر كل من المخرج ربيع مروة , والمخرج العراقي حازم كمال الدين, والفنان المغربي يوسف الريحاني.
ويناقش المؤلف إشكالية الحضور في الأشكال المسرحية الرقمية مثل المسرح الشبكي Online Theatre : ماهيته، وهل يمكن أن يتحقق هذا الحضور بعيداً عن المسرح ؟ هل يمكن أن تتم التفاعلية الفضاء المسرحي الكلاسيكي والمشاركة في مسرح الوسائط الرقمية، وإن كان الأمر كذلك، فما هي أشكال التغذية الراجعة إن وجدت؟ وهل يمكن بالفعل أن يحل هذا الحضور محل الحضور الفعلي للمؤدين والمتفرجين في المكان والزمان الواحد؟ ويصل الباحث في ذلك إلى أنه قد بدأت التكنولوجيا في تغيير تعريف الفن نفسه؟ إن هناك بالفعل إمكانية أن تغير التكنولوجيا الوعي الإنساني نفسه، بحيث تجعل الفن كما نعرفه يغدو بالتدريج عتيقاً، وبحيث يمكن للحضور أن يتحول من حضور في المكان والزمان إلى حضور افتراضي عبر وسائط الاتصال التكنولوجية الرقمية، مع وجود إمكانية أكيدة للتفاعل والحوار بين صانعي العرض والجمهور.
وفي خاتمة الكتاب يضع الكاتب نتائجه ويخلص إلى أنه تظل تجارب المسرح الرقمي وقيمتها الجمالية والفنية مرهونة بشروطها الإبداعية وإمكانية أن تعبر عن قضايا الإنسان المعاصر، همومه وأحلامه وتطلعاته. أما هيمنة الجانب التقني بمعزل عن القضايا الاجتماعية والسياسية الآنية والملحة ، فإنه كفيل بأن يحولها إلى معرض تكنولوجي أو ساحة للألعاب الإلكترونية المسلية الفارغة من المعنى. وأن علاقة المسرح العربي ما بعد الدراما بالتكنولوجيا هي لا تزال علاقة محدودة. إن التكنولوجيا في المسرح لا يمكن أن يكتب لها النجاح في غياب تقنيين مؤهلين تأهيلاً رفيع المستوى، و دون ممارستها بصورة مبدعة، و دون أن يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب. وغير ذلك من النتائج مؤكدا في نهاية الكتاب على أنه لا يزال المجال متسعاً لمزيد من البحث في إشكالية التلقي في المسرح الرقمي، وتحديداً في تأثير تقنيات الاتصال على عملية التلقي، تطور العوامل المؤثرة في مزاج المتفرج وتركيزه، وخبرته بالتقاليد المسرحية، وطبيعة هذه التقاليد الجديدة في عالم متغير.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏