أصول ومناهج الفينومينولوجيـا في دراسات المسرح والأداء

أصول ومناهج الفينومينولوجيـا في دراسات المسرح والأداء

العدد 678 صدر بتاريخ 24أغسطس2020

نبذة مختصرة :
خلال العشرين سنة الماضية، كان هناك تنامي بطيء، ولكنه مثير، من العلماء والمتخصصين الذين يستخدمون مناهج الفينومينولوجيا في دراسة الأداء . وهذا من أعراض الرغبة في الهروب من المناهج النظرية التي تقلل من مكانة ابداع ومتعة وتجربة الأداء لكي تتبني الأساليب التي تسمح بالوصول الى مادية الأداء ومادته الفعالة . وفي هذه المقالة، أناقش قيمة وملائمة الفينومينولوجيا لدراسة الأداء، وتتبع بعض التطورات التاريخية الرئيسية، وتحديد الوضع الحالي للمجال، وشرح بعض نقاط المقاومة الرئيسية والإشارة إلى بعض الاتجاهات المستقبلية المحتملة . وتبدأ المقالة بملاحظة الأصول الفينومينولوجية للعديد من المناقشات الرئيسية في دراسات الأداء المتعلقة بالتجسيد والحضور والممارسة الفعالة . ويتتبع التطورات المبكرة في المجال . ويقوم بعمل مسح للإصدارات الحديثة والمجال الجديد والمثير للفينومينولوجيا التي يتم أداؤها باعتبارها صيغة في بحوث التجسيد . 
المقدمة :
في عام 2006 كتب ( فيث هارت Faith Hart) « لاستعادة مادية الأدوات والإضاءة وفراغ خشبة المسرح والملابس وبالطبع الجسم البشري نفسه ... تحول المنظرون والمتخصصون في المسرح الي الفينومينولوجيا بشكل متزايد . ويمثل مقال (هارت) عرضا من أعراض الإحباط المتزايد من هيمنة الأساليب الاستطرادية والسياسية لفهم المسرح والأداء ؛ المناهج التي تعوق الشيء في اهتمامه الرئيسي بالسياق الاجتماعي الذي ينبثق منه كتعبير عن بنية السلطة والنسق الثقافي في الدلالة . وتعبر ملاحظتها عن رغبتها في الهروب من المناهج النظرية التي تعوق إبداع ومتعة وتجربة الأداء وتبني الأساليب التي تسمح بالوصول الى مادية الأداء نفسه ومادته الفعالة . وكما سيتضح هنا، تعتقد ( هارت) وكثير من الآخرين أن الفينومينولوجيا توفر ذلك . 
 علي الرغم من تهميش استخدام الفينومينولوجيا في دراسات المسرح والأداء في العقود السابقة، فإنها ليست جديدة . فهناك تاريخ متقطع للتشتت المنهجي والاختلاف النظري، تميز بمتخصصين منعزلين وأماكن نشاط مكثف ذات خصوصية مؤسساتية . وكما ذكرنا في الآونة الأخيرة، كان هناك تصعيد للنشاط، ولكنه لا يزال غير منسق ومبدد . وعلي هذه الخلفية، يهدف هذا المقال الي ثلاث مهام . أولا، يقدم تحليلا مختصرا للمناخ الفكري الذي بدأت فيه دراسات المسرح والأداء منذ الستينيات، ويدرس بعض الروابط والاختلافات في الطريقة التي تظهر بها الفينومينولوجيا وترتبط بذلك المناخ . ثانيا، يتتبع المسح التقريبي لتنوع الأفكار والأساليب والممارسات التي تشكل مجال الفينومينولوجيا عموما . ثالثا، يبدأ بفحص الأنماط الأصولية والمنهجية في استخدام الفينومينولوجيا في دراسة الأداء وفي العقود الحالية . وتجدر الإشارة إلى أن سردا كاملا للتشتت الجغرافي والتاريخي والتنوع النظري والعملي لمناهج الفينومينولوجيا في الأداء يتطلب مساعي جوهرية بمطالب كبيرة . وتحدث معظم الحالات في أماكن معزولة تحت سيطرة متخصصين ومؤدين مستقلين . ولم يحظ الكثير منها إلا بقليل من الانتشار من خلال الدوائر الأكاديمية والمنافذ الأخرى . وغالبا ما واجهت هذه المساعي مقاومة مؤسساتية . وأنا مشغول حاليا مع زملائي في البحث عن التمويل والتسهيلات لمحاولة جمع هذه المادة المنسية والمختفية . ونحن بصدد تكوين أرشيف للأعمال وفهرس للفنانين والمتخصصين الذين عملوا في هذا المجال ومازالوا يعملون . وأود أن أعتذر عن أي استبعاد وأرحب بأي معلومات عن أي عمل تجاهلته هنا . 
 وأود أن أشير أيضا في هذا السياق، إلى أن الموقف الذي أصفه في الجزء التالي، فيما يتعلق بالمقاومة الفعالة للفينومينولوجيا في مجال دراسات الأداء يتعلق بميل إلى الدراسات الأنجلوأمريكية للعلوم الانسانية، وهو ما أكده الزملاء، وأنه لا يمكن التمسك به في أوروبا، حيث غالبا ما تجتمع البنيوية وما بعد البنيوية والتقاليد النقدية الفينومينولوجية معا . 
صعود السياسة واللغة كفلسفة أولى : 
في أعقاب النشاط السياسي في الستينيات وفي سياق ازدهار الماركسية المتأثرة بفلسفات ما بعد البنيوية والتفكيكية وما بعد الحداثة والنسوية والسيميوطيقا وما بعد الكولونيالية، وقعت مدارس العلوم الإنسانية في الجامعات عبر أوروبا الغربية، ولاسيما في العالم المتحدث باللغة الانجليزية، تحت تأثير الفلسفة القارية التي أعيد تنشيطها . وقد أدي عمل مجموعة من المفكرين الفرنسيين في المقام الأول متأثرين بصعود البنيوية – ليوتار وفوكوه وبارت ودريدا وديليوز وايريجراي وسيزوس وكريستيفا وغيرهم – إلى إضفاء الطابع الثوري علي دراسة العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية . وخلال الثمانينيات والتسعينيات، هيمنت النظريات التفكيكية والسيموطيقية علي الأدب ودراسات المسرح والعلوم الإنسانية عموما، بينما أصبحت المفاهيم المنسوبة الي فوكوه والمفاهيم النسوية والنقد الايديولوجي هي أساليب الدراسة الأساسية في العلوم الاجتماعية . ونشأ مبدأ جديد هيمن عليه استعادة أسماء مثلت أنماطا متنوعة من الفكر، مثل لاكان وأرتو و بنيامين وسوسير . وقد ولدت دراسات الأداء في هذه البيئة . وبدأت في المناخ السياسي المزدحم في الستينيات، حيث كانت دراسة البعد السياسي في مسرح وأداء الطليعة في ذلك الوقت، ودراسات المسرح والأنثروبولوجيا، ولا تزال، غارقة في النظريات بعد الكولونيالية وفي التعددية الثقافية وبين الثقافية وعبر الثقافية ، ولاسيما في البيئة الناطقة بالانجليزية . 
 هناك خيطان أساسيان متشابكان لقوة الدفع التي تتضمن هذه التطورات الفكرية. أولا، الاعتقاد المستمد من الماركسية بأن السياسة فلسفة أولى، وثانيا، الافتراض السائد بأولوية اللغة في كل شيء بشري . ولم يكن هناك مهرب من هذين المصطلحين في العلوم الإنسانية في فترة ما بعد الستينيات . فقد كانا مقدسين . وعلي الرغم من أن الفينومينولوجيا تقدم، عند الضرورة، معالجة مباشرة لمسائل السياسة واللغة، إلا أنها تهدف إلى مستوى مختلف من التفسير الأنطولوجي والأساسي . إذ تدعي الوصول إلى المستوى الأساسي – الترنسندنتالي للإدراك والفهم والموضوعية والوجود الذين يمكن تطبيقهم علي البشر . إذ تستفسر المعتقدات والأساليب السائدة في المناخ الفكري، والتي انتشرت بشكل متزايد في مؤسسات العلوم الإنسانية في مجال الناطقين باللغة الانجليزية، عن صحة المطالبات للوصول إلى هذه المجالات . في هذه البيئة رُفضت الفينومينولوجيا باعتبارها أصولية . إذ أن العمل الذي يهدف إلى البنية البشرية الأساسية لا يخدم المصالح السياسية المباشرة للمتخصصين والمؤسسات في أكاديمية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية الأنجلوأمريكية . وقد تأكدت من الزملاء في أوروبا، وبعضهم من المساهمين في هذه القضية، أن هذه الفروق ليست مستنتجة بوضوح وليست مرفوضة في محيطهم مثل الفينومينولوجيا كما هو الحال في عالم دراسات المسرح والأداء الناطق بالانجليزية . وهذا هو الفرق الذي يحتاج إلى المزيد من البحث والتوضيح . 
 ومرة أخرى هناك نقص حاد في المعرفة المباشرة بالفينومينولوجيا بين المتخصصين الناطقين باللغة الانجليزية في هذا المجال . فأغلبهم يصدرون أحكامهم علي أساس مصادر ثانوية تفسر باتلر ودريدا . ومن المؤكد أن هناك القليل من الوعي بالمدى الذي تكون فيه أعمال دريدا وباتلر بحد ذاتها فينومينولوجية، والمدى الذي يتأثر فيه مفهوم الأدائية بالتقاليد الفينومينولوجية . فآراء دريدا في اللغة والأدائية ومفهومه الأساسي عن اختلاف العالم الفينومينولوجي المفصل والدقيق، تنبع من كتاب هوسرل المبكر «بحوث منطقية Logical Investigations” . وينبع مفهوم الأدائية عند باتلر مباشرة من ارتباطها بميرلو بونتي . وتشارك أعمال هذين الفيلسوفين في الحركة الأساسية للتقاليد الفينومينولوجية تجاه الاستفسار عن الافتراضات المسبقة لأسلافهم والسعي إلى تحقيق أساسية وجذرية المفاهيم والمصطلحات أكثر من أي وقت مضى . والاهتمام الرئيس في دراسات المسرح والأداء بالسؤال الجذري حول مفهوم الحضور كمصطلح أساسي في إمكانيته أو أنطولوجيته، هو أحد اكتشافات الفينومينولوجيا الكبرى . إذ يصبح الحضور ممكنا ودقيقا، وبشكل كامل، نتيجة لتقاليد الاستفسار الذي بدأه تعهد هيدجر الواسع بتعقيد فكرة الحاضر في كتابه « الكينونة والزمان Being and Time « . ومرة أخري، تعد تحليلات دريدا الفينومينولوجية الحادة هي الاستمرارية الجديرة بهذه التقاليد . علاوة علي ذلك، تنطلق مباشرة بروز أفكار الغياب، وانعدام الأساس، والمنظور، من الاكتشافات التي قدمها هيدجر كنتيجة طبيعية لتقديمه أفكار ديلثي Dilthy في الهومنيوطيقا إلى الفينومينولوجيا . ولا بد أن نلاحظ في النهاية أن تصدير دريدا للغياب يمكن أن يحدث فقط في استفسار يُجرى بعمق في سجل ترانسندنتالي ، وشكل أكثر إدراكا باعتباره أولا تفسيرا لمفهوم هيدجر في الانسحاب من المتاح vorhanden في وسائلية التركيز، وثانيا كتطوير لمفهوم العدم عند سارتر باعتباره أساس الوجود . 
 ويشير سايمون بايلي إلى تقاليد نقدية حاسمة، في دراسات الأداء الأنجلوأمريكية التي تطورت نتيجة لهذا المناخ . فيلاحظ، كمثال، أنه بالرغم من تناول أفكار فينومينولوجية مثل « الجسم « في دراسات المسرح والأداء، كان هناك إهمال نسبي للتحليل الفينومينولوجي للتجسيد . ومع ذلك، فان فقدان الوعي بالأصول الفينومينولوجية للمفاهيم الرئيسية أمر مفهوم . وكما ذكرنا، تنبثق دراسات الأداء من نفس البيئة الاجتماعية/التاريخية مثل اندفاع النشاط الإبداعي والفكري في أعمال ما بعد البنيويين الفرنسيين . والعلم مع هدفه بشكل كامل، من نفس الأرض السياسية، ومستوحى من نفس القضية . ولا يزال هناك اتجاه في دراسات الأداء يناصر القضايا السياسية بدلا من دراستها و نقدها وتحليلها . 
 وعلي الرغم من هذه العقبات والمقاومات، التي تحملتها الفينومينولوجيا، وكما ستوضح هذه المقالة، فمن الواضح أنها تخضع لمقاومة . وقد أصبح صعود العمل الفينومينولوجي في دراسات المسرح والأداء جوهريا جدا بحيث لا يمكن رفضه علي أسس ايديولوجية . ويحتاج الي التوثيق والشرح . فدراسات الأداء تحتاج الي الالتفات الي الفينومينولوجيا لكي تفهم النظريات والمناهج والنتائج، وتؤسس تناول منهجي لها، وتسخير فوائدها بدلا من الإصرار علي رفضها الأيديولوجي غير الواعي . 
الفينومينولوجيا كمنهج :
لا تكمن صعوبة تناول الفينومينولوجيا في العوامل النقدية الخارجية فقط . فهي في الأساس تضاريس وعرة ومتفرقة ومشتتة، وتفتقر إلى خط يسهل فهمها من خلاله . فهناك العديد من المناهج الفينومينولوجية المطبقة في مجالات الدراسة المتنوعة باستخدام طرق وأسس نظرية مختلفة، وغالبا ما تحمل القليل من التشابه الاصطلاحي والاتساق أو التماسك الواضح مع بعضها البعض . ولا تزال معالجة ميرلوبونتي الصريحة لهذه المشكلة قبل ستين عاما صحيحة . ففي مقدمة عام 1945 لكتابه « فينومينولوجيا الإدراك Phenomenology of perception” يسأل “ ما هي الفينومينولوجيا ؟ “ . وربما يبدو غريبا أن يظل هذا السؤال يطرح لمدة نصف قرن بعد أعمال هوسرل الأولى . وتبقى حقيقة أنه ما يزال يجاب عليه في كل الأحوال . يلاحظ تنوع الأساليب والمناهج والأدوات الأنطولوجية والتعريف المتغير في أعمال هوسرل نفسه، وفي أعمال تلاميذه المباشرين، وفي إعادة التقييم الراديكالية عند هيدجر، ثم استعراضه المختصر للمجال بما هو عليه في بيئته الوجودية في منتصف القرن العشرين . وفي النهاية يتخلي عن البحث عن خيط موحد بين جميع أمثلة الأعمال التي تحدد نفسها علي أنها فينومينولوجيا، ويلاحظ أن الفينومينولوجيا هي أسلوب في التفكير وليست مذهبا أو منهجا . إنها إعادة تعلم النظر إلى العالم ومحاولة استعادة جميع علاقات التجربة المعاشة . وهذه الأفكار من ميرلو بونتي هي صقل لتقييم هيدجر : “ بالتالي يختلف مصطلح الفينومينولوجيا في معناه عن عبارات مثل «اللاهوت « وما شابه . وتحدد هذه المصطلحات موضوعات علومها وفقا للموضوع الذي تشكله في ذلك الوقت . فالفينومينولوجيا لا تحدد أهداف أبحاثها، ولا الموضوعات التي تتكون منها . وتدلنا الكلمة علي الكيفية التي يتم بها عرض ومعالجة ما يجب معالجته في هذا العلم . 
 وهذا هو الأساس الجذري لدعوة هوسرل للعودة إلى الأشياء نفسها . إذ تحتاج الفينومينولوجيا إلى ذلك المنهج من الفهم ولابد من تحديد مساره إلى أقصى حد ممكن من خلال مطالب الشيء قيد الدراسة . والنتيجة النهائية لهذا، كما أشار كثير من الوجوديين، هي محو التمييز بين الذات والموضوع في التمتع بالتجربة . ويؤكد هيدجر ذلك أكثر بتعريفة النهائي للفينومينولوجيا « السماح لذلك الذي يظهر نفسه بأن يكون مرئيا من ذاته بنفس الطريقة التي يظهر بها ذاته من ذاته « . وهذا هو المعنى المنهجي الملموس للعودة الى الأشياء نفسها . وفي التعارض مع التحليل النسوي الذي سينتج دائما علاقات قوة نوع الجنس التي ينطوي عليها الموقف، أو التحليل بعد الكولونيالي الذي سوف يثبت دائما ضعف القوة النسبي لمختلف الثقافات المعنية، أو التحليل السيميوطيقي الذي يفرض مخططات مسبقة لدلالة علي التحليل، تبحث الفينومينولوجيا عن الطريقة التي يقدم بها موضوع الدراسة نفسه، مع أخذ شروط الدراسة من موضوعها نفسه . ولن يكون العالم الفينومينولوجي ساذجا لافتراض أنه قادر علي إتباع نهج موضوعي بدون افتراض لظاهرة ( مجرد اختيار الظاهرة من محيطها يعني وضعا معقدا للباحث ) ولكن الدافع الأساسي للمنهج الفينومينولوجي، وهو العقيدة المنهجية المهيمنة، هي تعليق التحيزات والافتراضات المسبقة قدر الإمكان مع الاستمرار في التمسك والوضوح . وهذا هو الهدف الوحيد من الاختزال الفينومينولوجي . وهذه أيضا هي اللفتة الكامنة وراء تقديم هيدجر للهرمنيوطيقا في الفينومينولوجيا . فالهرمنيوطيقا هي تحديدا دراسة المعرفة التفسيرية المسبقة التي من الضروري أن تنطق لكي يكون لها معنى . وبهذه الطريقة تقدم الفينومينولوجيا تهدئة للعنف النظري المفرط في العديد من صيغ الاستفسار الأخرى . وهناك أيضا ضرورة أخلاقية في هذه اللفتة، بأنه في التعارض مع منهج نقد الأيديولوجيا الذي يسعى، في مواجهة المعرفة بأن كل الحقيقة هي ضمنا منظورية، إلى امتياز ايديولوجيات ووجهات نظر معينة، فان محاولات الفينومينولوجيا الدون كيشوتية بلا شك تجدد باستمرار بحثها للافتراضات المسبقة الخاصة بها بهدف يسعي الي المزيد من الوضوح، وان كان بعيد المنال في نهاية المطاف . وهذه هي فلسفة هوسرل باعتبارها فكرة لمهمة لا نهائية . 
 وعلي الرغم من تشتت وتفرق نظرية الفينومينولوجيا وممارستها، فهناك بعض المصطلحات والضرورات والميول التي يجب أن نتحملها من أجل تقديم ادعاء صارم بأن تظل فينومينولوجيا فضلا عن أن تكون أحد فروع علم النفس النوعي المتعددة أو أن تكون فلسفة تجريبية . والمصطلح الأول هو روح الاختزال الفينومينولوجي، والمصطلح الثاني هو أن تكون بحثا في القصدية أو التعيين، والمصطلح الثالث أن تكون هدفا لتوضيح المبادئ الأساسية . وبغض النظر عن هذه السمات الأساسية، تهدف الفينومينولوجيا الي توضيح الأبعاد الخفية للمسلمات، لكي تصف التجربة من داخل الممارسة والتعامل مع المسائل المادية والموضوعية والزمان والمكان والبنيات الأساسية ذاتها . 
 والاختزال هو النهج الأساسي في الفينومينولوجيا المنسوبة الي هوسرل . وهو يتألف، باختصار، من الاستغناء عن الافتراضات المسبقة عن الظاهرة،بداية من وجودها وحقيقتها بشكل جذري . وللتبسيط، هناك ثلاثة مستويات أساسية للاختزال : 1) الاختزال الدنيوي، أو النفسي الذي يتم فيه وصف التجارب الظواهر المعاشة في العالم كما هي معطاة، بعد اختزال الافتراضات المسبقة باعتبارها تعريفات وتصنيفات مستلمة . 2) الاختزال الترنسندنتالي أو الفينومينولوجي، حيث يتم المزيد من الاختزال للبيانات المختزلة للوصول الي عناصرها الفلسفية الأساسية، 3) الاختزال التخيلي الذي يتم فيه اختزال الظاهرة المتغيرة والتي نواجهها في العالم من خلال عمليات التبديل الحر في الخيال حتى ثباتها . فتركيبة اللعب المختلفة والخلفيات والأقواس وتعليق الأحكام التي تُمارس في الاختزال تخر عالم الفينومينولوجيا من التوجه الطبيعي الذي يصادفه دائما ويتيح له الدخول الي الموقف الفينومينولوجي حيث يتم الكشف عن البنيات التأسيسية الكامنة . وعلي الرغم من أن الاختزال قضية مستمرة في تاريخ الفينومينولوجيا، مع الاستغناء عن مصطلح هيدجر بالكامل، فان ليفيناس يعيد تنشيطه من جديد، ويزعم ميرلوبونتي أن الدرس الأكثر أهمية الذي يعلمنا اياه الاختزال هو استحالة الاختزال الكامل، اذ يظل دافع الفينومينولوجيا هو الكشف عن الهياكل التأسيسية الكامنة من خلال تنحية المسلمات. 
 وبالمثل، خضع مصطلح القصد الأساسي الي العديد من التفسيرات والتنقيحات طوال تاريخ التقاليد الفينومينولوجية . ادعى هوسرل أن تحليل العلاقة القصدية بين الذات وموضوعها ( noetic-noematic – أو ما يتعلق بالفكر وموضوعه) هو أحد أهم مهام الفينومينولوجيا . وزعم كل من هيدجر وسارتر أن القصد أو التوجه نحو الأشياء كان أهم لحظات التسامي الإنساني الأساسي . وقد وضع ميرلوبونتي مبادئ هوسرل في كتابه « الأفكار « في الجزء الثاني، وحول القصد الي بنية من الارتباطات الجسدية مع العالم، من خلال مفاهيم القصدية الفعالة والمنحنى القصدي. والقصد الفعال أكثر جوهرية من بنية الفكر وموضوعه التي من خلالها تملك الذات موضوعاتها . انها تعكس من حولنا ماضينا وستقبلنا وبيئتنا البشرية وحالتنا النفسية والأيديولوجية والأخلاقية، وتؤدي إلى وحدة الحواس والذكاء والحساسية والحركة . ومساهمة ميرلو بونتي الرئيسية الأخرى في تاريخ القصد هي مفهومه عن القصد الحركي . فالحركية عنده هي القصد الأساسي . ولأنها قصدية جسدية فلا بد من تفسيرها باعتبارها « قدرة فضلا عن أنها معرفة « . فلم يعد الإدراك معرفة الأشياء فقط، إلا أن الحركة هي تفكير بالحركة، أو أن الحيز الجسدي هو حيز متصور أو ممثل « . “ فتجربتنا الجسدية في الحركة ليست حالة معرفة خاصة : انها توفر الوصول إلى العالم والشيء ... الذي يجب الاعتراف به باعتباره أصيل وربما أساسي . فجسمي له عالمه، أو يفهم عالمه، دون الحاجة الى الاستفادة من تموضع وظيفتي الرمزية . 
 أطيل مع ميرلوبونتي أكثر من علماء الفينومينولوجيا الآخرين لأن أعماله كان لها تأثير مهم الفينومينولوجيين المتخصصين في الأداء، في المقام الأول، من خلال تركيزه علي الجسم . 
 ومن بين الوجوديين الآخرين، يهدم دوفرين التمييز بين الذات والموضوع، مشيرا إلى ارتباطهم الجوهري ... في اتصال أصيل لم تعد فيه القصدية هدفا أو مجرد «قصد تجاه» بل مشاركة ... ليست واعية فقط بل انها تربط ذاتي معها في فعل التواصل ... فنحن نتعامل بالأحرى مع اكتساب الألفة والمودة . 
 يأخذ ليفيناس هذه الحركة إلى أبعد من ذلك، إلى القصدية الغامرة التي تعاش منها الأشياء . وفي وقت لاحق من حياته المهنية، افترض عدم قصدية القصدية non-intentional intentionality، حيث يفترض غير المفترض unpositable، ما قبل وما بعد القصدية، السياق المظلم للعالم الموضوعي، الذي لا يمكنه الا أن يخطئ، في محاولته لأن يتضح للفكر القصدي الانعكاسي . وفي عالم المسرح والأداء حيث يكمن المحتمل، في رأي لفيناس، في قتامة المسكوت عنه، لم يخدش التفكير في السياق المظلم سطحه . 
 وبرغم الاختلافات في المواقف والمفاهيم في تاريخ القصدية الفينومينولوجية، فجميعهم اشتركوا في سمات معينة . وهي بنيات علاقات البشر بعوالمهم ؛ إذ تحركوا في اتجاه التفسيرات الأساسية ؛ وحاولوا توضيح الافتراضات المسبقة المسلم بها . وهذه هي مبادئ الفينومينولوجيا الأساسية . 
 وهناك مفاهيم فينومينولوجية أخرى تقدم وعدا بدراسة الأداء . ففكرة المتلقي عند دوفرين في كتابة « فينومينولوجيا التجربة الجمالية « وه نص حيوي في فهم المتفرجين . ان تاريخ الذاتية المشتركة المأخوذة من كتاب هوسرل « الاختزال الفطري Primordial reduction “ للشخص الآخر وفكرته عن “ الذاتية المشتركة المفتوحة “، وفكرة سارتر عن نشأة الذات كموضوع للآخر، وفكرة «بين الجسدية intercorporeality” عند ميرلوبونتي، و “ المواجهة face-to-face” عند لفيناس، تقدم طرقا جديدة لفهم الذاتية المشتركة في الأداء وجوهرية الأداء بالنسبة للإنسان . ويكتب الفيلسوف الألماني جيرنوت بوهمي، في عمله المترجم حديثا عن فينومينولوجيا الغلاف الجوي، بشكل مطول عن العرض المسرحي . وتكتب سوندرا فرالي عن التوازي بين أعمال رقص البوتوه والفينومينولوجيا اليابانية . والأهم من ذلك أن الفينومينولوجيا، مثل الأداء، هي المقام الأول ممارسة وليست مجموعة من الأفكار أو المفاهيم . ويهتم جان باتشوكا خصوصا بأولوية الممارسة، إذ يزعم أن كل إدراك يحدث في النهاية من خلال الحركة . وتقدم أعماله في التجسيد والذاتية المشتركة والحركة، ثروة من المصادر الكامنة في دراسة المسرح والأداء . فهو يضع في المقدمة الفينومينولوجيا كممارسة للتفكير في مستويات التجربة من داخل التجربة . وفي هذا، تشارك الفينومينولوجيا في زمانية أدائية جوهرية . فهي نموذج البحث والتحليل الذي يزعم قدرته علي المشاركة في وصف التجربة وفهمها في لحظة ظهورها . ويقدم ميرلو بونتي ذلك علي النحو التالي : « العالم الفينومينولوجي ليس هو تقديم التعبير عما هو موجود مسبقا، بل تعنى بوضع الوجود « . فالفلسفة ليست انعكاسا لوجود مسبق، ولكنها مثل الفن، بل هي فعل تقديم الحقيقة للوجود . وربما تكون هذه هي وجهة النظر الأكثر ثباتا لمصدر جاذبية المؤدين ودارسي الأداء . أولا، تهدف الفينومينولوجيا الي أن تكون مشاركة كاشفة في لحظة التجربة نفسها . فهي تميز نفسها مؤقتا باعتبار أنها تقسم الفعل أو النطق الي لحظة ظهوره . واللحظة الأدائية هي النطق الذي يفعل ما يقول، وانهيار الفعل والمعنى . وتعد الفينومينولوجيا بالوصول الي هذه اللحظة الأدائية، كتلميح منهجي في لحظة الظهور، والتحدث من واقع التجربة، وفتحها وتأملها من جديد . ثانيا، توضح هذه البنية الفينومينولوجيا باعتبارها فعل أدائي في ذاتها : فهو منهج متورط في مؤامرة الظهور، مما يجعله أداة قوية لتحقيق الفهم القوي لمسألة أنطولوجيا الأداء التي ثار الجدل حولها وأسيء فهمها كثيرا . 
الفينومينولوجيا في دراسات المسرح والأداء :
علي الرغم من العقبات وسوء الفهم، فان الفينومينولوجيا لم تستمر فقط، بل إنها أحدثت الي حد ما انفجارا في العلوم الإنسانية عموما، ولاسيما في دراسات وممارسات التجسيد في المسرح والأداء . وقد أشارت هذه المقالة الي بعض التفسيرات عن سبب ذلك، ولكن النظرة العامة الأكثر شمولا عن المجال كما هو عليه الآن وكما تطور، سوف تساعد في تقديم صورة أكثر تفصيلا وأكثر تماسكا . وأؤكد ثانية أن هذه لا يمكن أن تكون نظرة شاملة . بل هي بداية، وربما فكرة مختصرة، لمشروع أكثر جوهرية، يدعو بمزيد من الإلحاح إلى الاضطلاع به. 
 تاريخيا يتميز نمو منحنى استخدام الفينومينولوجيا في دراسات الأداء بلحظات نشاط متفرقة ومشتتة منذ الستينيات الي منتصف التسعينيات، وانتشار سريع خلال القرن الجديد . تنشأ بعض الأعمال من البحوث الفينومينولوجية المرتبطة بالأداء، ولكن الكثير من الأعمال الأخرى تعتمد علي مفاهيم ومناهج الفينومينولوجيا في سياق استفسارات أوسع . وسوف نشير فيهذ المقالة الي بعض الأعمال والاتجاهات الهامة التي تحاول فهم هذا الاتجاه الحالي . وكما قررنا فعلا، فان هذا المسح الموجز سوف يكون شاملا . فأعمال الفينومينولوجيين في دراسة الأداء متناثرة، ولا يوجد كيان مركزي لنشرها، والكثير منها عملي، مما يترك القليل من التوثيق. 
 أقدم عمل فينومينولوجي في دراسة الأداء هو كتاب ماكسين شيتس جونستون “فينومينولوجيا الرقص “ Phenomenology of Dance 1966 . وقد كانت شيتس جونستون دائمة الحضور في تطبيق الأساليب الفينومينولوجية علي الأداء . وفي هذا العمل الرائد بدأت التزاما طويل الأمد بتطبيق الفينومينولوجيا في دراسة الرقص التي تتمحور حول مصطلحات الحركة النوعية والقدرة على الإحساس بالحركة ووضعها بالنسبة للفهم الإنساني والدور الأساسي للرقص من منظور تطوري للتجسيد . وقد حافظت علي مخرجات ثابتة من الأعمال التي تتعامل مع التحليلات التجريبية للرقص واستشعاره وأساسيات الحركة لجميع أشكال الإدراك والمجتمع . ومع ظهور عملها الرئيسي « أولوية الحركة The Primacy of Movement” رسخت شيتس جونستون نفسها كأحد أبرز علماء فينومينولوجيا الأداء الناطقين بالانجليزية . وبسبب تأثيرها من جانب وبسبب الاهتمام الشديد بالرقص، تم تناول الفينومينولوجيا في دراسة الرقص أكثر من أي نوع آخر من فنون الأداء . وقد ألهمت شيتس جونستون الأجيال التالية من علماء الرقص الذين يكتبون عن الفيسيولوجيا العصبية للرقص، والجسد في المكان، وتصميم الرقصات وفلسفة الرقص . وقد أدى الربط بين الفينومينولوجيا والرقص الي اصدار عدد خاص من المجلة عن الرقص بعنوان « الفينومينولوجيا والعلوم الادراكية « وعلاقتها بعلم الادراك . 
 وفي كتاب « توقعات كبيرة في غرف صغيرة Great Reckonings in Little Rooms” يبدأ برت أوستاتس في كتابة وصف نقدي فينومينولوجي بمعنى أنه يركز علي نشاط صناعة المسرح نفسها من بين مواده الأساسية : الكلام والصوت والحركة والنص .. الخ . وقد تجنب ستاتس صراحة مهمة تقديم فينومينولوجيا كاملة في المسرح، من خلال دراسة علمية أكثر شمولا بكثير في كل جوانب المسرح، وقد فضل التركيز علي وجهة نظر الممثل في علاقته مع الأداء والنص والجمهور . وكما بشرنا عمل شيتس جونستون باهتمام كبير بالفينومينولوجيا في الرقص، فقد كان عمل ستاتس مقدمة الي سلسلة بارزة من دراسات فينومينولوجيا التمثيل . 
 ويتخذ بروس ويلشير منهجا فينومينولوجي لقضايا الذات والجمهور والحدث المسرحي والأداء اليومي في كتابه « أداء الدور والهوية : حدود المسرح كاستعارة Role Playing and Identity : The Limits of Theater as Metaphor “ . ويعد كتابه أول عمل فينومينولوجي في القضايا الرئيسية لدراسات الأداء . 
 ويمزج ستانتون جارنر مسائل التجسيد والأدائية والمكانية في كتابه الذي صدر عام 1994 بعنوان « مساحات جسدية Bodied Spaces” . فهو يخاطب مسرحيات وعروض بعينها من دراما القرن العشرين مع تأكيد علي “ الإدراك والجسدية . فهو يخاطب صراحة هيمنة ما بعد البنيوية في العلوم الإنسانية في التسعينيات، وحذر من الجفاف التحليلي الذي يفقد الصلة مع النزعة الجسدية الإنسانية ومخاطر فقدان الحيوية التي يضعها المسرح في المسرحية. 
 ومنذ هذه الأعمال الرائدة كان هناك تسارع بطئ للأعمال الفينومينولوجية خلال الأعوام الأولى من القرن الجديد . إذ تتناول أليس راينر أنطولوجيا الأداء من خلال فينومينولوجيا نماذج الفعل . وطبق سايمون كرتشلي الفينومينولوجيا علي أسئلة الكوميديا . ويستخدم جان مرازيك و بنيامين فيزلر المنهج الفينومينولوجي لاكتشاف المسائل ما بعد الكولونيالية والعرق في مسرح العرائس . وتقدم سوزان كوزيل الفينومينولوجيا في العلاقة بين التكنولوجيا والأجسام في الأداء . ويتخذ كل من هيلينا جريهان وسايمون بايلي مناهج مختلفة في تطبيق المفاهيم المنسوبة الي لفيناس في الأسئلة الأخلاقية للأداء . ويلمس عمل بايلي المسائل المؤثرة التي اكتشفها مارتن ويلتون في كتابه « الشعور بالمسرح Feeling Theater « . ويستخدم ويلمار سوتر وكريستين لانجيليه الفنينومينولوجيا للدخول الي عالم الجمهور الخفي . وهذه الأعمال هي قمة جبل الجليد في عدد متزايد من الإصدارات من جيل جديد من علماء دراسات الأداء المهتمين بإعادة تقييم جدارة الفينومينولوجيا في دراسات الأداء . 
 ويتزايد استخدام الفينومينولوجيا في دراسة الأداء بوضوح بين العلماء الشباب . ويبدو أن هناك نوع من التحول بين الأجيال . فقد تأسست في عام 2011 جمعية للفينومينولوجيا في دراسات الأداء . وقد اجتذبت دعوة الاهتمام الأولى حوالي مائة استجابة من طلاب الدراسات العليا في مواقع شبكة الانترنت لمؤسسة الأداء تكشف عن أن هناك عدد كبير من أطروحات الدكتوراة الحالية في هذا المجال . 
المستقبل : 
اهتمت دراسات الأداء بعمق بدراسة الأجسام التي تتحرك في المكان . والفينومينولوجيا هي الموقع الذي يضع دراسة الجسم في المقدمة باعتباره مركزا للتجربة . وهناك قرن من الكتابات الفينومينولوجية عن التجسيد التي لم تطبق بالكامل حتى الآن علي دراسات الأداء . والسبب الأساسي في ثبات الفينومينولوجيا وازدهارها هي قدرتها تقديم نتائج العالم الحقيقي للباحثين والكتاب والمؤدين علي السواء . فالفينومينولوجيا تحاول بفعالية مقاومة اعباء النظرية أو المخططات المسبقة في مجال الدراسة . فهي تهدف تحديدا الى المحافظة علي الوعي وتأجيل الافتراضات النظرية المسبقة وتحاول حصر تأثيرها علي فهم المعطى من موضوع الدراسة . وهذا التوجيه نحو البقاء في العالم أمر أساسي لفهم ممارسات الأداء والتجسيد . ومادام العلماء والممارسون يحافظون علي الاهتمام بمادية الأداء، مع اكتشاف وشرح تجربة كل من المؤدي والمتفرج، مع الأجسام في الأماكن، فسوف يستمر الاهتمام بالفينومينولوجيا في النمو والمناهج المتعددة، والنظريات التي تنشئ التضاريس المتعددة لمهمة هوسرل التي سوف تستمر بالنسبة للعلماء والفنانين في المسرح والأداء . 
.................................................................................
ستيورات جرانت يعمل أستاذا في جامعة موناش في ملبورن باستراليا . وهو متخصص في فلسفة الأداء . وأهم أعماله “الجمهور والضحك والإيقاع والمكان”. وهو مؤسس لجمعية الفينومينولوجيا في دراسات الأداء . 
نشرت هذه المقالة عام 2012 في مجلة Nordic theater studies vol.24 . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح