رفيعة الشال أيقونة الحنان والعطاء

رفيعة الشال أيقونة الحنان والعطاء

العدد 676 صدر بتاريخ 10أغسطس2020

الفنانة القديرة رفيعة الشال هي إحدى نجمات زمن الفن الجميل، قد لا يعرف اسمها بعض أبناء الجيل الحالي ولكنها بلا شك إحدى الوجوه المألوفة والمحببة لدى الجميع، ويكفي أن نذكر أنها أيقونة الحنان والعطاء التي تشعرنا على الفور بطيبة القلب والنقاء من خلال مشاركتها بعدد كبير من الأعمال الدرامية وخاصة بالمسرح والسينما، فقد تميزت بصفة عامة بصوتها الرقيق الحنون وملامح وجهها الهادئة وجسمها الممتلىء، الأمر الذي ساعدها على تجسيد شخصية الأم بكل سلاسة وتمكن في عدد كبير من الأعمال الفنية، فنجحت في تحقيق شهرة كبيرة بهذه الأدوار وذلك على الرغم من دخولها عالم الفن في سن صغير، ولكن المخرجين فضلوا حصرها في أداء شخصية الأم بعدما برعت في تجسيدها، وأوضح مثال على ذلك أن المشاهد العربي لا يمكنه أن ينسى أبدا دورها المؤثر في فيلم “الوسادة الخالية” مع المطرب الفنان عبد الحليم حافظ.
والفنانة القديرة رفيعة إسماعيل الشال من مواليد الثامن من أكتوبر عام 1904 بقرية “دنجوى” التابعة لمركز شربين بمحافظة “الدقهلية”، وقد نشأت في أسرة من الطبقة المتوسطة. وبدأت تعليمها الأولى فى الكتاب كما هي العادة آنذاك، ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية، ولكن ظروفها الحياتية لم تسمح لها بفرصة استكمال بقية مراحل تعليمها بعد ذلك (توقفت عن الدراسة وهي في عمر الأربعة عشر عاما)، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو تعلقها الشديد بالفن، حيث التحقت فى هذه السن المبكرة بإحدى الفرق المسرحية المتجولة واستمرت معها بضعة سنوات، حتى نجحت في الانضمام عام 1930 إلى معهد التمثيل فى افتتاحه الأول، وتخرجت منه بعدما أصر على إغلاقه في السنة التالية وزير المعارف العمومية حلمى عيسى استجابة لضغوط القوى الرجعية التي تعارض اختلاط الفتيات بالشباب. وكان المعهد آنذاك يضم ثلاث فتيات فقط (هى وكل من الفنانتين زوزو حمدى الحكيم، وروحية خالد). ونظرا لتميزها اختارها الرائد جورج أبيض لتعمل معه بفرقته، ومنحها فرصة تجسيد شخصية “ديدمونة” بمسرحية عطيل رائعة الكاتب العالمي وليم شكسبير، وكذلك تجسيد شخصية “مارى” بمسرحية “لويس الحادى عشر”. وبعد ذلك التحقت لفترة إلى فرقة “رمسيس” لمؤسسها الفنان يوسف وهبي، ومن بعدها انضمت إلى فرقة “إتحاد الممثلين عام 1934 (والتي استمر نشاطها لمدة ستة شهور فقط)، ثم إلى فريق “الأخوان المسلمين المسرحي” الذي أسسه  المؤلف المسرحي عبد الرحمن البنا (شقيق مؤسس الجماعة حسن البنا) في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان الفريق يضم كوكبة من نجوم المسرح والسينما آنذاك ومن بينهم على سبيل المثال: سراج منير، عبد المنعم مدبولي،  محمود المليجي، عبد البديع العربي، محمد السبع، كما كان يضم أيضا بعض العناصر النسائية الشهيرة ومن بينهن الفنانات: فاطمة رشدي، عزيزة أمير. وقد عرضت الفرقة أغلب عروضها بدار الأوبرا المصرية (وجدير بالذكر أن هذه المسرحيات كانت تكاليف انتاجها تتحملها وزارة المعارف المصرية، كما تم إذاعة أغلبها عبر الإذاعة المصرية كبث مباشر). وأخيرا تتوج الفنانة رفيعة الشال مسيرتها المسرحية بعد ذلك بانضمامها في أوائل الأربعينيات إلى الفرقة “القومية” (التي تأسست عام 1935).
ويذكر أن الفنانة رفيعة الشال اتجهت للعمل بالسينما في فترة مبكرة، وقدمت عددا كبيرا من الأفلام، حيث شاركت لأول مرة فى فيلم “الحل الأخير” عام 1937، تأليف عبد الفتاح حسن وسليمان نجيب، إخراج عبد الفتاح حسن، وبطولة سليمان نجيب، ميمي شكيب، سراج منير، راقية إبراهيم. وذلك في حين كانت آخر مشاركاتها السينمائية بفيلم “زيزيت” عام 1961 من إخراج سيد عيسى وبطولة يحيى شاهين، برلنتي عبد الحميد، محمود المليجي. وقدمت بينهما ما يزيد عن خمسة وخمسين فيلما لعل من أشهرهم بذاكرة الجمهور: الوسادة الخالية، قبلنى فى الظلام، من القاتل، درب المهابيل، بحبوح أفندى وشباب اليوم، وكذلك فيلم علي بابا والأبعين حرامي لعلي الكسار والذي جسدت فيه شخصية “زليخة” زوجة قاسم شقيق “علي بابا”.
ويمكن للناقد المتخصص وكذلك للمشاهد المتذوق أن يرصد مدى تميز أداء الفنانة القديرة رفيعة الشال وسط نخبة كبيرة من الفنانات اللاتي تخصصن في أداء أدوار الأمهات سواء بالمسرح أو بالسينما العربية، وفي مقدمتهن كل من القديرات: فردوس محمد، عقيلة راتب، آمال زايد، عزيزة حلمي، ناهد سمير، علية عبد المنعم، هدى سلطان، زهرة العلا وجميعهن اشتهرن بتقديم دور الأم الطيبة الحنون في حين ارتبطت القديرات: علوية جميل، زوزو حمدي الحكيم، نجمة إبراهيم، زوزو شكيب، ميمي شكيب، ماري منيب بأداء أدوار الأم القاسية أو زوجة الأب والحماة، وتبقى مع ذلك مجموعة قليلة من الممثلات اللاتي تنوعت وتباينت أدوارهن بين الأم الحنون والأم القاسية وفي مقدمتهن: أمينة رزق ، رفيعة الشال، زينب صدقي، دولت أبيض، آمال زايد.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنانة رفيعة الشال كانت أول ممثلة تؤدى بصوتها عملا دراميا بالإذعة وذلك عام 1934، وربما أصبحت بعد ذلك الأشهر طوال مسيرتها الفنية، حيث كانت ضمن قائمة أشهر عشر أصوات إذاعية (التي كانت تطلق عليها قائمة المحظوظين والذين تم تكريمهم بالعيد الذهبي للإذاعة، والتي ضمت كل من الفنانين: رفيعة الشال، زوزو نبيل، عايدة كامل، عزيزة حلمي، نادية رفيق، صلاح منصور، محمد علوان، محمود عزمي، لطفي عبد الحميد، فؤاد المهندس). وقد اشتهرت الفنانة رفيعة الشال بالنسبة لمستمعي الإذاعة بعبارتها الشهيرة: “يا ترى أنت فين يامرزوق؟”، والتي أطلقتها من خلال مسلسل “قسم” مع الفنان الكبير صلاح منصور، كذلك قدمت للاذاعة “قدر ولطف” و”عوف الاصيل”، وكان لها فى شهر رمضان كل عام: عدة مسلسلات وبرامج من بينها: عزومة رمضان، وفرحة رمضان. وقد وصفها عميد الأدب العربى طه حسين بقوله: “ذات الصوت الساحر” .
هذا وتتميز القديرة رفيعة الشال بصفة عامة بمدى تنوع أدوارها بشدة، فبخلاف تنوع أدوارها بين أدوار الأم الحنون الطيبة المسالمة وبين أدوار الأم القاسية الشديدة، نجد تنوعا آخر بين أدوار الأم الفلاحة (كما في فيلم بهية، صحيفة سوابق)، أو الأم القاهرية التقليدية بالطبقات المتوسطة (كما في فيلم الوسادة الخالية)، أو الأم العصرية المودرن (كما في فيلمي إلهام، حياة أو موت)، ولكنها بصفة عامة أصبحت ضمن قائمة الفنانات اللاتي أجدنّ وببراعة شديدة أدوار الأم عبر الشاشة الفضية - وذلك بالرغم من أنها دخلت الفن وهي ابنة 14 عاما - حتى أنها ارتبطت أكثر بأدوار أم البطل أو البطلة لعدد من كبار النجوم ومن بينهم على سبيل المثال: دور الأم للفنانة مديحة يسري بفيلم “حياة أو موت” عام 1954، دور الأم للفنانة سميرة أحمد بفيلم “من القاتل” عام 1956، وللفنان عبد الحليم حافظ بفيلم “الوسادة الخالية” عام 1957، وللفنانة مريم فخر الدين بفيلم “شباب اليوم” عام 1958، وكذلك للفنانة ليلى طاهر بفيلم “قبّلني في الظلام” عام 1959.
- أعمالها الفنية:
تعددت وتنوعت الإسهامات الإبداعية للفنانة رفيعة الشال في جميع القنوات الفنية (المسرح، السينما، والإذاعة)، وفيما يلي محاولة لتقديم حصر شامل وتصنيف لمجموعة مشاركاتها الفنية بكل مجال من تلك المجالات، وذلك مع مراعاة اختلاف القنوات الفنية والتتابع الزمني بكل مجال:
أولا - مشاركاتها المسرحية:
نجحت الفنانة رفيعة الشال من خلال مشاركاتها المسرحية في تجسيد عدة شخصيات درامية متميزة، واستطاعت من خلالها لفت الأنظار إلى موهبتها وإظهار قدراتها الفنية ومن أهمها شخصيات كل من: مدام مونييه بمسرحية “قلوب الأمهات”، الجارة ماربو شنكا بمسرحية “سلطان الظلام”، نيللي بمسرحية “مرتفعات وذرينج”، العجوز بمسرحية “الصفقة”، زينب بمسرحية “دم الأخوين”، أم السعد بمسرحية “دموع إبليس”، أم عبده بمسرحية “جمعية قتل الزوجات”، منيرة بمسرحية “المأخوذة”، شخصية المرأة بمسرحية “جمهورية فرحات”، هدية بمسرحية “صنف حريم”، الأم تحية (زوجة فاخر فاخر) بمسرحية “في بيتنا رجل”، المدام بمسرحية “سينما أونطة”، زوجة الوالي بأوبريت “العشرة الطيبة”.
وتضمن قائمة المسرحيات التي شاركت في بطولتها سواء بفرق القطاع الخاص أو بفرقة “المسرح القومي” (بمسمياته المختلفة) طبقا للتسلسل التاريخي المسرحيات التالية:
1 - بفرق القطاع الخاص:
- “جورج أبيض”: عطيل، لويس الحادى عشر (1921)، إخلاص الزوجة، تكية البرامكة، بشير أغا (1923).
- “رمسيس”: ملك الحديد، الولدان الشريدان، الجحيم (1927)، القضية المشهورة، عنتر، شجرة الدر (1928)، يد الله (1939)، امرأة لها ماضي (1949).
- “إتحاد الممثلين”: المستهترة، الست درية، الولادة بلقيس، في سبيل الوطن (1934).
- “الإخوان المسلمين المسرحي”: قدم الفريق خلال مسيرته ثماني مسرحيات من تأليف عبد الرحمن البنا، وشاركت الفنانة رفيعة في خمسة منها (خلال الفترة من نهاية الثلاثينيات إلى نهاية الأربعينيات بالقرن العشرين) ومن بينها: عامان في شعب، صلاح الدين بطل حطين، غزوة بدر (1946)، الهجرة (1947).
2 - بفرق مسارح الدولة:
- “المصرية للتمثيل والموسيقى”: مرتفعات وذرينج (1944).
- “المسرح المصري الحديث”: كدب × كدب (1951)، صندوق الدنيا، بنت الجيران (1952).
- “المصرية الحديثة”: المأخوذة (1953)، صفقة مع الشيطان (1954)، دماء في الصعيد (1955)، جمهورية فرحات (1956)، دموع إبليس، جمعية قتل الزوجات (1957).
- “المسرح القومي”: الصفقة، سلطان الظلام، سينما أونطة (1958)، صنف حريم، في بيتنا رجل (1960)
وقد تعاونت من خلال هذه المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: جورج أبيض، زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، أحمد علام، عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، نور الدمرداش.
وقد شاركها البطولة بمجموعة المسرحيات السابق ذكرها نخبة من كبار نجوم المسرح من بينهم على سبيل المثال الأساتذة: جورج أبيض، يوسف وهبي، حسين رياض، أحمد علام، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، حسن البارودي، فؤاد شفيق، فاخر فاخر، شفيق نور الدين، علي رشدي، محمد الطوخي، كمال حسين، عمر الحريري، محمود عزمي، توفيق الدقن، عبد المنعم إبراهيم، عبد الغني قمر، لطفي الحكيم، أحمد الجزيري، حسن يوسف، عبد الله غيث، محمد الدفراوي، نظيم شعراوي، عبد الرحمن أبو زهرة، عبد السلام محمد.
وكذلك شاركها نخبة من كبار نجمات المسرح من بينهن على سبيل المثال السيدات: نجمة إبراهيم، أمينة رزق، سامية رشدي، إحسان شريف، فردوس حسن، روحية خالد، سامية فهمي، إحسان القلعاوي، سميحة أيوب، سناء جميل، ملك الجمل، زهرة العلا، نادية السبع، رجاء حسين، سهير البابلي، .
ثانيا - أعمالها السينمائية:
قدمت الفنانة رفيعة الشال للسينما أكثر من خمسة وخمسين فيلما، جسدت في عدد كبير منها شخصية الأم، ومن المفارقات أن أشهر أدوارها والذي ارتبط في أذهان الجمهور وهو دور والدة صلاح (عبد الحليم حافظ) بفيلم “الوسادة الخالية” الذي يعد من كلاسيكيات السينما العربية قد جاءها بالصدفة البحتة، حيث قام المنتج الكبير رمسيس نجيب بالاتفاق مع المخرج القدير صلاح أبو سيف والفنان عبد الحليم حافظ على ترشيح الفنانة القديرة فردوس محمد لأداء الدور، والتي بمجرد أن علمت بموضوع الفيلم في أول لقاء لها مع المنتج قدمت اعتذارها على الفور، ورشحت له الفنانة المتميزة رفيعة الشال التي كانت تمر بظروف نفسية صعبة وترفض العمل منذ وفاة ابنها (في ظروف مشابهة لأحداث الفيلم)، فما كان من المنتج والعاملين بأسرة الفيلم الإ الترحيب الفوري بهذا الترشيح أولا لثقتهم في قدراتها وجدارتها وثانيا لاحساسهم بضرورة مساعدتها في الخروج من تلك الأزمة النفسية بالانخراط في العمل.
هذا وتضم قائمة أعمالها السينمائية - طبقا للتابع الزمني - الأفلام التالية: الحل الأخير (1937)، أولاد الفقراء، ليلى، علي بابا والأربعين حرامي (1942)، جوهرة (1943)، ليلى في الظلام (1944)، سلامة (1945)، راوية، دايما في قلبي، أنا الشرق، ضحايا المدينة (1946)، عدو المجتمع، غدر وعذاب، سلطانة الصحراء، المتشردة، ليالي الأنس، نور من السماء (1947)، فتح مصر، ليلى العامرية، شمشون الجبار، الهوى والشباب (1948)، كرسي الإعتراف، هدى (1949)، إلهام، جوز الأربعة (1950)، الشرف غالي، بلد المحبوب، وهيبة ملكة الغجر (1951)، الإيمان، شم النسيم (1952)، مرت الأيام، حدث ذات ليلة، حياة أو موت، إعترافات زوجة، الشيخ حسن، يا ظالمني، الفارس الأسود، صراع في الوادي، بحبوح أفندي (1954)، درب المهابيل (1955)، من القاتل ؟، صوت من الماضي، صحيفة السوابق، قلوب حائرة (1956)، الوسادة الخالية، لا أنام (1957)، ساحر النساء، الزوجة العذراء، شباب اليوم، المعلمة، شارع الحب (1958)، قبلني في الظلام، هدى (1959)، قيس وليلى، ثلاثة رجال وامرأة، نداء العشاق، بهية (1960)، زيزيت، عنتر بن شداد (1961).
ويمكن من خلال دراسة وتوثيق مشاركاتها السينمائية السابقة رصد تعاونها خلال هذه المسيرة السينمائية مع عدد كبير من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: توجو مزراحي، فرنيتشو، يوسف وهبي، أحمد بدرخان، نيازي مصطفى، هنري بركات، صلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، يوسف شاهين، كمال الشيخ، أحمد ضياء الدين، حسن حلمي، يوسف معلوف، حسين صدقي، السيد بدير، إبراهيم عمارة، حسن الإمام، محمد عبد الجواد، فؤاد الجزايرلي، فطين عبد الوهاب، محمد عبد الجواد، كامل التلمساني، توفيق صالح، عاطف سالم، محمود ذو الفقار، رمسيس نجيب، حلمي رفلة، حسن الصيفي، حلمي حليم، عبد الحميد زكي، بهاء الدين شرف، حسن رضا، سيد عيسى.
ثالثا - المسلسلات والتمثيليات الإذاعية:
بداية يجب التنويه بأن الفنانة القديرة رفيعة الشال كان لها شرف الريادة بالتمثيل الإذاعي حيث كانت أول ممثلة إذاعية، وذلك بمشاركتها فى أول تمثيلية قدمتها الاذاعة عند انشائها عام 1934 وكانت باسم “مجنون ليلى”، وكان يقاسمها البطولة الممثل أحمد علام الذى قام بدور المجنون. وقد ظلت الفنانة رفيعة لعدة سنوات طويلة ممثلة الاذاعة الأولى وكان زملائها فى فرقة الإذاعة بمرحلة البدايات هم مجموعة المذيعين المعينين على خليل ومحمد فتحى وحافظ عبد الوهاب.
ويحسب لها خلال مشوارها الفني مساهمتها في إثراء الإذاعة المصرية بالتمثيل بعدد كبير جدا من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية، ولكن للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية الكثيرة والمتنوعة لهذه الفنانة القديرة التي ساهمت ببطولة بعض الأعمال الدرامية المتميزة ومن بينها على سبيل المثال فقط: عوف الأصيل، قدر ولطف، قسم، عزومة رمضان، فرحة رمضان، حسن وعلي ورضوان، زهرة العيد، حياتي، مندوب من المريخ، نفوسة، لسه شباب، لن ننسى، خديجة، حسن وعلي ورضوان، حماتي في القمر، راحت مع التيار، خديجة، أم فتحي، الحائط الرهيب، إفلاس خاطبة، عزيزة ويونس، حياتي، في بيتنا رجل، شخصيات تبحث عن مؤلف، وذلك بالإضافة إلى البرنامج الفكاهي الشهير “ساعة لقبك”، والذي كانت تجسد من خلاله شخصية “ألمظ” زوجة الرجل الحمش (فؤاد المهندس). وقد صرحت في بعض حواراتها بأنها فخورة جدا بمشاركاتها الإذاعية، وأن الدور المتميز الذى تعتز به بالاذاعة هو دور الأم فى رواية “سوء فهم” التى ترجمها أنور المشري وكانت تجسد خلالها شخصية أم شريرة تتسم بالقسوة .
- حياتها العائلية:
تزوجت الفنانة رفيعة الشال مرتين، المرة الأولى من زميلها الفنان فرج النحاس - الذي اشتهر بتجسيد شخصية “مرزوق أفندي” في البرنامج الإذاعي الشهير “ربات البيوت” - وكانت قد تعرفت به أثناء مشاركتهما معا بعروض إحدى الفرق المسرحية. وقد أثمر هذا الزواج عن ابن ولكنه توفى عام 1954، وكان آنذاك فى السنة النهائية بكلية طب القصر العينى، حيث قام بالإنتحار لأنه فشل فى الإرتباط من الفتاة التى كان يحبها ويود الزواج منها، خاصة وأن سبب رفض أسرة العروس له بأن والديه من الممثلين، فشعر بطعنة شديدة في كرامته خاصة وهو يرى مدى تقدير واحترام المجتمع كله من حوله لكل منهما، فأصيب باكتئاب حاد دفعة إلى تناول كم كبير من حبوب الأسبرين، وبالرغم من أن الجهود والاسعافات الأولية قد نجحت في انقاذه لكنه أثناء استكمال تحقيقات النيابة معه غافل الحارس والقى بنفسه من الطابق الثالث مما دفع والدته - والتي أصيبت بمجرد سماع خبر وفاته بصدمة عصبية شديدة - إلى رفع قضية على الشرطة لعدم أمانتها في الحفاظ على ابنها الذي يعاني من مظاهر اكتئاب شديد.
وبعد عدة سنوات تزوجت للمرة الثانية من الفنان القدير حسن البارودى، والتى من شدة تقديرها وحبها له فضلت حمل لقبه بعد زواجهما، وبالتالي فقد شاركت في جميع الأعمال الفنية بعد زواجها باسمها الفني: “رفيعة البارودى”، وقد رزقها الله عام 1933 بابنة اسمتها أميرة، والتي ظلت مقيمة معها وتقوم برعايتها خلال أيامها الأخيرة. وقصة انجابها لابنتها تعد طريفة فعلا، حيث وضعتها اثناء رحلة لها مع فرقتها المسرحية الى العاصمة اللبنانية بيروت، وبمجرد إسدال الستار النهائي للعرض سقطت على الأرض ووضعت المولودة فى لحظتها.
ويمكن من خلال المواقف الشخصية وشهادات زملائها من الفنانين والنقاد والصحفيين أن نرسم صورة صادقة لهذه الفنانة القديرة التي كانت تجمع بين بعض التناقضات في تناغم وانسجام شديدين، فهي شخصية قوية جدا وعنيدة إلى أقصى درجة ومع ذلك طيبة القلب جدا ومسامحة، ظلت تعشق الحرية والانطلاق ومع ذلك كانت ملتزمة جدا في جميع تصرفاتها، وبصفة عامة عرف عنها الأخلاق السامية والتواضع ودماثة الخلق والكرم، لذا فقد تمتعت طوال مسيرتها الفنية بحب واحترام وتقدير جميع الزملاء. وكانت تعشق عملها جدا لدرجة أنها كانت تشعر بقمة سعادتها ونشوتها حينما تقف أمام ميكروفون الإذاعة أو على خشبة المسرح أمام الجمهور، وخاصة خشبة “مسرح الأزبكية” (مقر المسرح القومي) التي ارتبطت بها لسنوات طويلة، فهي الخشبة التي جمعت بينها وبين نخبة كبيرة من جيل العمالقة الرواد في زمن الإبداع والأصالة.
وهناك كثير من المواقف التي تؤكد مدى أصالة هذ الفنانة واعتزازها بوطنها ويكفي أن نذكر عدم ترددها وتقديمها لاستقالتها فورا من إذاعة “محطة الشرق الأدنى الإذاعية” بالرغم من الأجور الكبيرة التي كانت تتقضاها، وتجميعها أيضا لاستقالات جميع زملائها من الفنانين المصريين بمجرد أن بدأت تلك الإذاعة في الإساءة لمصر الثورة ببرامجها المختلفة.
ويذكر أن الفنانة رفيعة الشال (أو رفيعة البارودى كما كانت فى آخر أيامها) عاشت معظم فترات حياتها فى شقة بشارع البرجامى (بحى جاردن سيتى)، وذلك قبل أن تنتقل إلى شقتها الأخيرة بشارع محمود بسيوني بمدينة القاهرة، وكانت ترافقها باستمرار ابنتها أميرة والتي اضطرت إلى نقلها فجاءة الى مستشفى الجمعية الخيرية بالعجوزة لاستئصال كيس دهنى فى غشاء جدار البطن. وطلبت أجازة من المسرح القومى (باعتبارها موظفة فى فرقتة)، إلا أن التزامها الأدبي وأيضا حاجاتها المادية جعلها تواصل العمل باستمرار فى الإذاعة، وانتهت أجازتها بدون أن تجرى العملية وعادت الى عملها فى المسرح، ولكن مع تجدد الألام أجرت العملية برغم خطورتها، لترحل عن عالمنا فى العاشر من يونيو عام 1961.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏