العدد 675 صدر بتاريخ 3أغسطس2020
ضمن المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة، تحت عنوان «اضحك.. فكر.. اعرف»، تحت إشراف الفنان إيهاب فهمي، مدير فرقة المسرح القومي، والفنان سامح بسيونى، مدير فرقة مسرح المواجهة.، قدم البيت الفني للمسرح العرض المسرحي على قناة وزارة الثقافة على اليوتيوب عرض “أبو صمولة” أعده وأخرجه محمد مرسي، عن قصة “مع سبق الإصرار”، للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، بطولة رضا إدريس، إسلام عبد الشفيع، ديكور وليد جابر، إضاءة إبراهيم الفرن، موسيقى محمد شحاتة.
وفي تقديمه للعرض قال الناقد جرجس شكري إن اختيار قصص انطون تشيكوف لتكون المصدر الرئيسي لهذا العدد من المسرحيات التي تقدم ضمن المبادرة أظنه حدث يستحق أن نتوقف أمامه كثيرا ، وهو أمر مهم جدا أن يشاهد الجمهور المصري هذه المسرحيات عن نصوص فيلسوف البسطاء، بعد أن شاهد في الفترة الأخيرة ما يعرف بمسرح الفضائيات، الذي كان له تأثير سلبي على صورة المسرح عند الجمهور، وأن نختار تشيكوف لتقديمه للجمهور فهو أمر مهم جداً لتصحيح هذه الصورة وإعادة الاعتبار لمفهوم المسرح الذي تشويه إلى حد كبير لدى الجمهور.
وأشار جرجس شكري، إلى أن عروض المبادرة لها خصوصيتها، حيث أن صانعيها يضعون البث من خلال وسيط الشاشة في اعتبارهم، أي أن الكاميرا يكون لها دور رئيسي في تشكيل العرض، يتم مراعاتها عند تغيير المنظر المسرحي وفي كل العناصر .
وعن تشيكوف قال :هو كاتب يمثل حالة نادرة في تاريخ الكتابة سواء في القصة القصيرة أو المسرح أو الرواية، وقد ضع قارئه و نقاده في مأزق كبير جداً، لأن كتاباته كتبت في نهاية القرن التاسع عشر ومع ذلك فلا تزال باقية حتى الآن، لأنها تعتمد على معالجة أعماق الإنسان، وليس على المظاهر الخارجية.
أضاف: وهو دائما ما كان يبحث عن لغة لكل شخصية، ليس فقط على مستوى الكلام، ولكن على مستوى السلوك والأفعال، فهو شخصيات تتسم جميعها بالبراءة سواء الأخيار منهم أو الأشرار ، و بعد قراءة “تشيكوف” تشعر وكأنما لديه كاميرا يلتقط بها ليس المواقف النادرة فقط أو ضبط شخصياته متلبسة متفردة، إنما تجد لديه أيضا صورا لباطن الإنسان، وما خفي من الجوانب العميقة فيه، ومع ذلك تبدو هذه الأعمال في أحيان كثيرة كأنها كوميدية، أو وكأنها خدعة.
وأشار شكري إلى أن مسرحية “أبو صمولة” تعتمد على شخصيتين هما الطبيب النفسي والصياد - بحسب إعداد المسرحية- و كل شخصية منهما تبدو كوميدية غير أنها تحمل بذرة تراجيدية، والحقيقة أنه يكاد يكون الكاتب الوحيد الذي يكتب أعمالا ظاهرها الكوميدية لكنها تثير الشفقة والتعاطف، لذلك فهو يضع من يتناول هذه الأعمال في مأزق، لذا تجد في كل شخصية عند تشيكوف الجانب الكوميدي والجانب المأساوي.
وأوضح الناقد المسرحي أن تشيكوف كتب القصة المأخوذ عنها العرض في شكل حواري، بين شخصين، ووصف أحد الشخصيتين بأنه كأنما ولد بالأمس أو هبط لتوه من السماء لما يمتلكه من البراءة ، لافتاً إلى أن تحويل مثل هذه النصوص إلى كوميديا يقلل كثيرا منها وأن من يتأمل شخصية هذا الصياد الذي يعتقد أنه لم يفعل أي شيء سوى أنه فك صمولة قضيب القطار ويرى في ذلك فعلا عاديا غير مؤثر، لابد أن يتساءل: هل نتعاطف مع هذا الرجل أم لأ؟ وأجاب: نعم نحن نتعاطف مع هذه الشخصيات التي تتسم بجانب كوميدي بشكل كبير، و لكن من ناحية أخرى فهناك المحقق الذي يطبق القانون، لأن هذا الصياد من الممكن أن يتسبب في قتل العشرات بسبب هذا الفعل الصغير، دون أن يعي أنه بذلك يرتكب جريمة كبرى، لدرجة أنه في نهاية القصة - وليس العرض- عندما يحكم عليه المحقق فإنه يلتمس أسبابا أخرى يدافع بها عن نفسه.. هذه الشخصيات ليست كوميدية بالمعنى التقليدي، لذا لا يمكن تناولها من هذا المنظور لأن قيمتها الحقيقية في كونها تجمع ما بين الكوميدي والتراجيدي دون مزج، وهذا ما يثير التعاطف والحيرة مع هذه الشخصيات.
تابع : تشيكوف لا يقصد أن يحدد شخصياته بأفعالهم الخيرة أو الشريرة، إنما هو يقدم نماذج بشرية من الحياة، ويصور الشعور الداخلي لهذه الشخصيات، و قد استطاع المخرج محمد مرسي أن ينقل هذه القصة من أجواء عام 1885 إلى 2020، وجعل منها حالة عصرية، وقد استبدل المحقق بالطبيب النفسي، و في كل الأحوال حافظ على خط سير الأحداث، وحبكة القصة مع تغيير الحوار لطريقة عصرية.
وتساءل شكري: ألم يكن من الأرفق أن يحتفظ معد العرض ومخرجه بزمن القصة من 135 سنة، حين كانت الصمولة تشكل معضلة لهذا الفلاح، ومن ثم كان فكها يتسبب في مقتل العشرات؟ أجاب: هذه وجهة نظري ، ومع ذلك فلكل مخرج وجهة نظر في تقديم العمل، ومن حقه تقديمه برؤية معاصرة. وما يبقى قوله هو أن تشيكوف يضع في كل أعماله خدعة بدقة شديدة جدا، وهي بصيرة خاصة بهذا الكاتب. وأن شخصياته الكوميدية بها جانب تراجيدي، لذلك تثير الشفقة والتعاطف، ولابد من التركيز على هذه النقطة عند التصدي لكل أعماله حتى لا تفقد شخصياته معناها العميق.