ناصر عبد المنعم: شباب مهرجان الساقية «أونلاين» حولوا منازلهم إلى ساحات للإبداع

ناصر عبد المنعم: شباب مهرجان الساقية «أونلاين» حولوا منازلهم إلى ساحات للإبداع

العدد 671 صدر بتاريخ 6يوليو2020

المُخرج المسرحى ناصر عبد المنعم بدأ اهتماماته المسرحية ،  منذ أن كان طالبًا بالجامعة من خلال تجربة مسرح الشارع، قدم للمسرح المصري مجموعة من الأعمال المهمة التي ساهمت في تطوير الشكل المسرحى، لاعتماده على صيغة مسرحية تُعيد قراءة التاريخ المصري الحديث بقضاياه وإشكالياته، مُركزًا على الشخصية المصرية، وهو من المخرجين القلائل الذين عملوا على مسرحة الأدب وبخاصةٍ الرواية النوبية من خلال عملين هما «حكايات ناس النهر» و»النوبة دوت كوم»، استطاع أن يحصُد للمسرح المصري جائزتين دوليتين في العام الماضي بعرضه «الطوق والإسورة» الذي نال جائزة أفضل عرض عربي من مهرجان الهيئة العربية للمسرح، بالإضافة إلى  حصوله على جائزة أفضل عمل متكامل من مهرجان قرطاچ الدولي للمسرح لعام 2019، كما حصل على جائزة الدولة للتفوق فى الفنون عام 2008.  تقلد العديد من المناصب القيادية في وزارة الثقافة منها  مدير عام مسرح الغد ورئيس المركز القومي للمسرح ورئيس البيت الفني للمسرح ورئيس قطاع الإنتاج الثقافي ورئيس المهرجان القومي للمسرح لمدة ثلاث دورات ، أخرج العديد من الأعمال المسرحية منها أولاد الغضب والحب وكوكب ميكى ووطن الجنون ورجل القلعة والنوبة دوت كوم، حكّم فى العديد من المهرجانات المسرحية المحلية والدولية، وكان آخرها مشاركته في لجنة تحكيم مهرجان الساقية للمونودراما الذى قُدّم أونلاين نظرًا للظروف الحالية، عن المهرجان وقضايا المسرح وأسئلة أخرى كان لـ»مسرحنا» معه هذا الحوار.
- حدثنا عن فكرة مهرجان الساقية للمونودراما (أونلاين)؟
هذا المهرجان تُنظمه ساقية الصاوي، و هذه هى الدورة الـ15، الدورات الـ14 الماضية  أُقيموا على المسرح فى ظروف طبيعية، وقد شاركت بالتحكيم فى أكثر من دورة من تلك الدورات، ولكن عندما حدثت تلك الجائحة «الكورونا» و تم غلق الأماكن، كان هُناك تصور أن من الممكن أن يتم تأجيل كل الأنشطة والمهرجانات هذا العام، ولكن الحقيقة الساقية بقيادة مؤسسها المهندس محمد الصاوى قررت أن تُقيم هذا المهرجان (أونلاين)، والمسؤول عن نشاط المسرح فى الساقية هو الأستاذ أحمد رمزى، والحقيقة أنه هو من بذل جُهدًا كبيرًا لإتمام هذا المهرجان، هو بالفعل أعلن عن موعد التقديم وانعقاد المهرجان (أونلاين)، وكانت الفكرة أن الشباب المُشاركين يجب أن يختاروا أماكن مناسبة لموضوعات عروضهم، وأنهم يصوروا بتقنيات بسيطة، اى بأي كاميرا ، غير مشروط أن تكون كاميرا احترافية حتى لو كانت الكاميرا الخاصة بالموبايل، ثم يقومون بالمونتاج ثم إرساله للينك مُعيّن، وبعدها يتم توزيع هذا اللينك على لجنة التحكيم للمشاهدة التى شُرفت بالمشاركة فيها مع الزميلين الناقدين وليد الزُرقانى وياسر إبراهيم، وبالفعل شاهدنا العروض المُقدمة من منازلنا، وقمنا بمناقشات إلكترونية أكثر من مرة حتى قُمنا باختيار العروض الفائزة.

- ما المُميز فى هذا المهرجان الذي دفعك للتحكيم فيه؟ وهل هذه المرة الأولى التى تُحكم فيها (أونلاين)؟
حماس الشباب للمشاركة فى المهرجان، وخلقهم فضاءات مسرحية، فأحدهم قام بالتصوير فوق سطح منزله وآخر صوّر فى غرفة نومه وآخر فى غرفة المعيشة، فلقد استطاعوا تحويل الأماكن الضيقة التى يعيشون فيها إلى مساحة من الإبداع، أكثر شىء أعجبني فكرة التحدي وعدم الاستسلام، وهم بالفعل فكروا في كيفية استثمار حياتهم، لأنني اعتبر أن المسرحيون حياتهم هى المسرح، فهم يتنفسونه كالهواء، وفكرة (الأونلاين) كانت حلا جيدا جدًا واستمتعت بها جدًا، بغض النظر عن المستوى الفنى، ولكنني أتحدث عن الظاهرة في حد ذاتها، فهي ظاهرة مُهمة وتستحق التحية وكُل التقدير. لم أقم بالتحكيم أونلاين قبل ذلك، ولكن أنا فى لجنة اختيارات العروض التى تأتى من خارج مصر، سواء فى المهرجان التجريبي أو غيره، و أقوم بالتحكيم ديجيتال (رقمى)، ولكن هذه المرة العروض غير مُصورة فى مسرح، وإنما العروض فى منازلهم، فهى تجربة فريدة من نوعها.

- من وجهة نظرك، ما رأيك فى المهرجانات الأونلاين ما لها وما عليها؟
يجب أن نتفق جميعًا أن المسرح أساسه هو الحالة الحية، والحضور المُباشر أمام جمهور، ووجود الجمهور فى المسرح هو الذي يُكوّن ضلعه المُهم والأساسي، والحالة المسرحية عبارة عن طاقة ما بين مُبدع ومُتلقى، وهذه الطاقة تخلق حالة من الاتصال، هذا الاتصال نفسه له سحرٌ خاص، عندما نفتقده نكون قد فقدنا الكثير جدًا من متعة المسرح الحى. وبالتأكيد الحضور الحي للمسرح مُختلف تمامًا عن الأونلاين، فالمسرح يفقد الكثير جدًا عندما يكون بدون متفرجين،  ولكن نحن فى ظروف غير طبيعية، وبالتالى لا ينطبق عليها أى حديث منطقى، فنحن فى مرحلة غريبة من عُمر البشرية، وهذا يجعلنا نتقبل أفكار قد لا نتقبلها أو نُفضلها فى الظروف العادية السوية، ولكن المسرح يفقد الكثير جدًا فى غياب حضوره المُباشر أمام المُتفرج، ولكن الإيجابي فى هذه التجربة أن الحياة تستمر، فكل ذلك تعبير عن الذات والحالة الإبداعية الداخلية ويقوم بعمل نوع من التوازن النفسي، فكل الناس يبحثون عن التوازن النفسي بالتأكيد، فعندما يفقد شخص قدرته على التعبير ومع ذلك يستطيع أن يختار ويُفكر فى أشكال جديدة للتعبير نتيجة ظروف مُعيّنة، فهذا يخلق حياة واستمرارية للتعبير عن ذاته ويخلق توازُنا نفسيا، لأنه يُمارس شىء يُحبه، بالإضافة إلى أننا كمسرحين نستمر فى التواصل، حتى لو أونلاين، ولكن على الأقل الحوار يكون بيننا مفتوح لم ينقطع، فمازلنا نرى إبداعات بعضنا البعض ونُقيّم  ونُناقش أعمالنا، والجزء الإيجابي أيضًا فى الأونلاين وبخاصةٍ في هذا المهرجان، هو قدرة الشباب على خلق فضاءات مسرحية، لأن الحالة المسرحية الكثير يربط بينها وبين خشبة المسرح التقليدية، وأنها فقط المساحة القابلة للتمثيل، ولكن هؤلاء الشباب المُشاركين فى مهرجان الساقية للمونودراما الأونلاين، استطاعوا أن يخلقوا مساحات مسرحية جديدة، واستطاعوا أن يجعلوا أى فضاء أو فراغ يصلُح لتشكيله للتعبير المسرحى.

- ما رأيك فى المستوى المُقدم في هذا المهرجان؟
تظل هُناك مُشكلة فى علاقتنا بالمونودراما، أن أغلب من يكتبونها ، يتعاملون مع الأمر على أنه مونولوج، ومعنى «مونو» أى واحد، بمعنى أن مُمثل واحد يقوم بالمنولوج من البداية للنهاية، والمونولوج جزء من المسرحية وليس قوام مسرحية فى حد ذاته، فمن وجهة نظري أرى أننا في جزئية كتابة المونودراما، مازلنا نحتاج أن نتقدم خطوات للأمام، من حيث خلق الحدث وتفجير الصراع، وكيف أن فرد واحد يُخلَق له حبكة درامية، ويكوّن عملا مسرحىا وليس مُجرد حالة سردية، وبشكل عام مهرجانات المونودراما تحتاج أن تتخلص من ذلك، ونحتاج أن نُقيم ورش لكتابة المونودراما، ولكن هُناك شيئًا إيجابيًّا فى ذلك، أننا نستطيع أن نُدرك المُمثل الجيد، لأنه عندما يقول المونولوج تظهر إمكانياته التمثيلية، وللأسف مستوى المونودراما مُتشابه ويحتاج تطور. ولكن ما أسعدني أننا فى ظل الظروف الحالية نستطيع أن نواصل، فالمستوى الفني من المؤكد أنه يومًا ما سيرتفع، ولكن الأهم أن لا نفقد شغفنا وحرصنا وأفكارنا الجديدة على المسرح، والعروض فى هذا المهرجان كانت أغلبها متوسطة وبعضها فوق المتوسط، ولكن ما يهمني أكثر أننا فى ظاهرة إيجابية، ففى ظل الظروف الحالية استطعنا أن نُحافظ على الاستمرار، وهذه قيمة كبيرة جدًا.

- هل ترى أن لدينا أزمة فى كتابة النصوص المسرحية؟ أم أن المخرجين لا يُشجعون ذلك ويُفضّلون النصوص العالمية؟
نحن لدينا كُتّاب مُهمين جدًا ولكن لا نلتفت لهم، فالعام الماضي فى مهرجان الهيئة العربية للمسرح فى مسابقة التأليف المسرحى، حصد المؤلفون المصريون الثلاثة المراكز الأولى، وهي  مسابقة مُهمة تُنظمها الهيئة العربية للمسرح للكُتّاب من المُحيط إلى الخليج، .. ماذا فعلنا لهم؟ لا شىء!، وبعد ذلك نقول أن ليس لدينا كُتّاب؟!، يجب فى البداية أن نلتقط هؤلاء المتميزين، سواء فى هذه المسابقة أو غيرها ومنها مسابقة ساويرس والثقافة الجماهيرية وغيرها من المسابقات، عندما نربط بين الإنتاج وبين الفائزين فى مسابقات التأليف ويكون هُناك آلية جديدة، نستطيع وقتها أن نعرف هل لدينا كُتّاب ونصوص جيدة أم لا؟، ولكن للأسف نحن لا نقوم بدورنا بالدفع بمؤلفين جُدد جيدين، فيجب أولًا أن نعطى الكُتّاب الجيدين وبخاصةٍ الشباب فُرص حقيقية، بعدها نبدأ في تقييم ذلك.
- ما رأيك فى القناة التى طرحتها وزارة الثقافة على اليوتيوب؟ وهل الأفضل أن يكون لدينا منصة مسرحية؟
فكرة جيدة جدًا وأنا سعيد للغاية بهذه المُبادرة، لأننا فى ظروف غير عادية، رائع جدًا أن لدينا أفكار جديدة، واعتقد أنها نجحت لأن بها عدد كبير من الزائرين والمُشاهدات، ويجب أن يتم تطويرها على مستوى المُحتوى وأن يتم تحويلها لمنصة مسرحية مُتخصصة، بالإضافة إلى كيفية استمرارية هذه الفكرة، لأنها فُرصة لتوثيق أعمالنا، لأن على حد علمى هُناك بعض الأعمال المُهمة لم تُصوّر سوف يُعاد تصويرها، لكى يتم عرضها فى القناة، وهذه فُرصة جيدة جدًا، لأن التصوير هو توثيق وتخليد لذاكرة المسرح المصري، وأعتقد أن هذه القناة بعد عشرات السنين سوف تحوى ذاكرة المسرح المصري فى فترة صعبة.

- هل لديك مُلاحظات على ما يُقدم فى مسرح الثقافة الجماهيرية؟
من خلال مُتابعاتى الأخيرة، لدى مُلاحظة أساسية، أن فى المهرجانات نسبة النصوص الأجنبية كثيرة جدًا، و أرى أن دور مسرح الثقافة الجماهيرية أن يكون وثيق الصلة بقضايا محلية، بل بيئية، فليس من الطبيعي أن يعرض بيت ثقافة فى قرية الناس فيها تعيش واقع ما، وأخرج من كل ذلك وأعرض لهم هاملت وعُطيل مثلًا، بالتأكيد مُهم عرض هذه النصوص، ولكن يجب أن لا تكون هى النسبة الغالبة، فأتمنى أن تقوم الثقافة الجماهيرية بعمل لائحة تُحدد فيها نسبة قُبول النصوص الأجنبية، وليس معنى ذلك رفض الثقافات الأخرى، من المُمكن أن نُقدم تلك النصوص أيضًا ولكن لا تكون هى النسبة الغالبة فى العروض، لأن ذلك سيترتب عليه أن نكتشف مؤلفين محليين، ويجب أن تهتم الثقافة الجماهيرية بالتنوع الخاص بالمكان ومُراعاة التنوع بين طبيعة ثقافة كُل مُحافظة عن الأخرى، فلماذا لا نعمل على هذا الاختلاف النوعى، وهذه التجارب النوعية تُحقق لنا التعرف أو الدخول فى كُل واقع على حدى، فكل واقع له تُراثه وموروثه الشعبى المهم، ولديه حكاياته وفلسفته التى لم نتعرف عليها بعد، ولديه أيضًا مُشكلاته الآنية الحالية، فالثقافة الجماهيرية هى نبض الناس، هى من تُعبر عنهم، فيجب أن تصدر الثقافة الجماهيرية لائحة بحتمية أن نُقدم عروضا تُعبر عن ثقافتنا، المشكلة أننا فى المهرجانات نجد النسبة الغالبة هى عروض النصوص الأجنبية، التى هى نتاج ثقافات أخرى مُختلفة عن ثقافتنا تمامًا، بالتأكيد وجودها مهم، ولكن بنسبة مُناسبة، لذلك يجب أن نُشجع النص المحلى والمُرتبط بخصوصيتنا الثقافية فى كُل إقليم، وهُناك نقطة أخرى مهمة متعلقة بتكاليف الإنتاج، التى أرى أنها يجب أن ترتفع قليلًا، ويكون هُناك اهتمام بميزانية إنتاج المسرح فى الثقافة الجماهيرية.

- من وجهة نظرك، ما الذي يحتاجه المسرحيون بعد أزمة كورونا؟
العالم كُله سيتغير بعد الكورونا، وسيختلف تمامًا عن ما كان عليه قبل هذه الأزمة، وملامحه مازالت تتكون وتتحدد، ولكن بالتأكيد العالم كُله مر بتحدي، سيُظهر أشياء أتمنى أن يكون أهمها الخروج للفضاءات المفتوحة، أى نرى المسرح خارج الأبنية التقليدية، وبالفعل وزارة الثقافة بدأت فى تنفيذ ذلك ، وأتمنى أن نُفعّل فنون الشارع والساحات، ونُقدم أعمال خارج المساحة المسرحية المُغلقة التقليدية، أتمنى أن يحدث ذلك ويكون لهذه الأزمة أثرها الإيجابي علينا ، فنتوجه إلى الفضاءات المسرحية، ونهتم بمسرح الشارع ومسرح الأماكن المفتوحة.


إيناس العيسوي