للمسارح حكايات ..وأسرار (4)

للمسارح حكايات ..وأسرار (4)

العدد 667 صدر بتاريخ 8يونيو2020

كل مسرح له حكايات وأسرار, ليبقى شاهدا على تاريخ المسرح بكل عروضه ومسرحياته ومبدعيه مخرجين وممثلين وفنيين, فكم من نجوم تألقوا  ومخرجين أبدعوا لا تعرف الأجيال اللاحقة عنهم وعن إبداعاتهم شيئا, والفن هو عملية إبداعية تراكمية, من هنا رأينا أن نسلط الضوء على بعض من أهم دور العرض المسرحي بمصر بداية انتقاء بالمسارح القائمة والفاعلة حاليا, كمجرد نماذج حتى استكمال الباقين  في مجال آخر, وذلك من حيث نشأتها وتاريخها وإمكانياتها ومتطلباتها ومشاكلها التقنية إن وجدت, وأهم المبدعين الذين تألقوا بها. وسيكون ذلك على عدة حلقات وفي نهاية الحلقة الأخيرة سوف أذكر قائمة المصادر والمراجع التي تمت الاستعانة بها.
المسرح العائم (فاطمة رشدي)
 يقع المسرح العائم على الضفة الشرقية لنهر النيل بجوار “كوبري الجامعة” بمنيل القاهرة. كان المسرح العائم في البداية عبارة عن عوامة, (تم نقلها الآن), يقودها سائق الصندل اسمه/ هاشم فاروق, ويسير بها من مكان إلى مكان ومن شاطئ إلى آخر كمسرح متنقل في النيل بين المحافظات المختلفة, ليتم فيها تقديم عروض مسرحية في كل مكان ترسي فيه ثم تعود العوامة لتستقر في مكان المسرح الآن. وكانت تلك الرحلة تستغرق أربعة شهور وقد بدأت منذ أكتوبر عام 1960, حتى وصلت مدينة “عنيبة” جنوب محافظة “أسوان”.
 وقد افتتح المسرح العائم عام 1960 في إطار خطة وزارة “الثقافة والإرشاد القومي” لافتتاح عدد من دور العرض المسرحي الجديدة بالقاهرة والأقاليم، من ضمن مشروع الفنان الراحل السيد بدير بتخصيص عشرة مسارح لمسرح التليفزيون. وقد أطلق عليه عند افتتاحه اسم “مسرح النيل” ثم “المسرح العائم”  مع تطور الوقت انتقلت العوامة إلى مسرح النهر العائم التابع للثقافة الجماهيرية حاليا بشارع البحر الأعظم بالجيزة وذلك عام 1975, وتم الردم مع بناء خشبة ثابتة للمسرح العائم بالمنيل.  
تم افتتاح المسرح بمجموعة عروض من “ريبرتوار” فرقة المسرح الحر، وتلتها بعض عروض فرقة “المسرح القومي”، ومنذ ذلك التاريخ تتوالى العروض بهذا المسرح خلال فصل الصيف، سواء لعروض فرقة “مؤسسة فنون المسرح والموسيقى” أو عروض بعض الفرق التجارية أو فرق الهواة.
أطلق على المسرح العائم اسم الفنانة “فاطمة رشدي” عام 1974,عندما تم تكريمها من قبل الرئيس السادات في عيد الفن مع الفنانة زينات صدقي. ومكان المسرح العائم أساسا هو ملك محافظة القاهرة ويتولاه البيت الفني للمسرح بالأمر المباشر منذ الستينيات كحق انتفاع مدى الحياة, ولكن هناك مراحل تم فيها بعض التغييرات بالمكان, حيث تم بناء المسرح العائم الصغير  وهو نموذج جيد للبناء في عهد السيد راضي, إلا أنه للأسف تم تقسيمه إلى نصفين في عام 2017 وتم تدميره بشكل غريب بحجة إنشاء قاعة داخلية الأمر الذي أصبح فيه خشبة المسرح أكبر من صالة الجمهور, وهذا مخالف للمقاييس المعمارية للمسارح عموما, والقاعة التي تم إنشاءها لا تصلح لأن تكون قاعة مناسبات, فهي صغيرة جدا وغير مطابقة للمواصفات الفنية. وقد تم التراجع بعد ذلك عن هذا التقسيم (في عام 2019), وتم إزالة الحواجز التي أنشئت لهذا التقسيم وعاد المسرح الصغير كما كان وهو تابع لمسرح الشباب بالبيت الفني للمسرح.
يتميز الموقع الجغرافي للمسرح العائم  أنه موقع استثماري واستراتيجي جدا لأنه يقع في منطقة حيوية , وهي منطقة المنيل على حدود كوبري الجامعة وهو يتوسط جميع الجهات مع سهولة التحرك والتنقل إليه وأمامه شارع عريض كموقف للسيارات. المكان به مساحة كبيرة لاستقبال الجمهور والأسر وبه كافتيريا كبيرة لانتظار الجمهور لبدء العرض, وحديقة كبيرة.
كانت صالة المسرح العائم مكشوفة (مسرح صيفي) في البدايات، حتي تم تغطيتها بسقف ثابت عبارة هيكل ثابت يوضع عليه مشمع بلاستيكي مؤخر للحريق ويتم فكه وتركيبه بأحبال, بحيث يتم فك الأجناب اليمين واليسار بين المشمع والحائط الخرساني لعمل تهوية داخلية للصالة, وتم إنشاء ذلك السقف في بدايات الألفية الجديدة (خلال عام 2006/2007). يبلغ عدد مقاعد المسرح العائم الكبير 450 مقعد, وقديما كان به كراسي من إنتاج المصانع الحربية من مادة الفيبر فكان يسهل صيانتها وتنظيفها وتتحمل عمرا افتراضيا كبيرا, ولكن تم تغييرها إلى مقاعد مصنوعة من مادة البامبو, كانت جيدة إلى حد ما, ثم تم تغييرها أخيرا في عام 2019 إلى مقاعد مصنوعة من الجلد. ويعد من عيوب خشبة المسرح العائم أن بها ميل خفيف من الأمام وكان يمكن تصلحيها بتكاليف قليلة (هذا الرأي للفنان محمد شافعي المدير السابق لدار العرض) وذلك بإعادة تصميم الواجهة (البروثينيوم) بشكل مناسب, لكن للأسف لم يتم ذلك.
وتبلغ أطوال خشبة المسرح 12 متر للعرض × 9 متر للعمق. الإمكانيات التقنية لخشبة المسرح عادية جدا ولم يتم تطويرها بسبب تنقلات الأجهزة من مسرح إلى آخر رغم وجود قرار إداري بعدم تنقل الأجهزة حتى لا يتم تبديلها أو إتلافها.
عرضت على خشبته عدة فرق مهمة ومن بينها على سبيل المثال فرق: “المسرح القومي”، “المسرح القومي”، “مسرح الحكيم”، “المسرح الحديث”، “المسرح الكوميدي”، “مسرح الجيب”، “مسرح القاهرة للعرائس”، “المسرح الحر”، “أنغام الشباب”، “الفنون الحديثة”، “نيللي مظلوم للرقص التعبيري”، “أنصار التمثيل والسينما”، “المسرح العصري”، “المسرح المتنقل”، “تحية كاريوكا”، “عبد الغني قمر”، “الكوميدي المصرية”، “الفنانين المتحدين”، “المسرح الفكاهي”، “ثلاثي أضواء المسرح”، “ابن البلد”، “الجمعية المصرية لهواة المسرح”.
أما العروض التي قدمت عليه من إنتاج فرقة “المسرح الكوميدي” فهي: جوزين وفرد (1966) لعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي وسهير البابلي وحسن مصطفى، أربعة مواقف مجنونة (1971) لكمال يس ونجوى سالم وزهرة العلا، احترم نفسك يا أستاذ (1977)، أنا وهي ومراتي (1978) لزبيدة ثروت ونبيل بدر وهياتم إخراج مجدي مجاهد، ممنوع الضحك (1978) لجمال شبل، سيب وأنا أسيب (1979)، خلي بالك من راسك (1981) لمحسن سرحان ومجدي وهبة ونادية الكيلاني، لا يا بابا لا (1981)، قسمتي (1982) لفؤاد المهندس وشويكار، إزي الصحة (1983)، المخطوف، حاجة تجنن (1984)، مولد وصاحبه غايب (1985)، ليلة مجنونة جدا (1987)، عالم كورة كورة (1987)، عفريت لكل مواطن (1988)، طب وبعدين، فلوس فلوس (1989)، حلق حوش (1990)، عنبر الحب (1991)، الزواج تأديب وتهذيب وإصلاح (1992)، مطلوب زواجه فورا (1993)، عالم بغبغانات (1994)، يا ناس إفهموا (1995)، زمبليطة في المحطة (1996)، مولد سيدي المرعب - 1، أنا والبنت حبيبتي (1999)، فارس إيد الهون، أنت فين يا جميل؟ (2001)، خايف أقول إللي في قلبي (2002)، صعلوك يربح المليون (2003)، الموضوع كبير قوي (2004)، البهلوانات (2005)، روايح (2007)، يا دنيا يا حرامي (2009)، الناس بتحب كده (2010)، مفيش حاجة تضحك (2011)، إللي خايف يروح (2014)، أنا الرئيس (2015)، حوش بديعة (2016)، الحالة توهان (2019). وكان آخر عرض تم تقديمه على خشبة المسرح العائم قبل التوقف لظروف وباء الكورونا هو مسرحية (حب رايح جاي) من تأليف سامح عثمان وإخراج ياسر صادق وبطولة رشوان توفيق  وأحمد صيام ودنيا عبد العزيز وميدو عادل.
 أقام المسرح العائم أول وآخر إنتاج مشترك مع فرقة “الكوميدي المصرية”, فرقة فؤاد المهندس ومحمد عوض وصلاح يسري, وذلك في عهد السيد راضي في الثمانينيات وعرضت مسرحية “قسمتي” عام 1982. وحققت إيرادات عالية جدا. وكانت من بطولة فؤاد المهندس وسحر رامي وهشام عبد الحميد وكوكبة من نجوم البيت الفني للمسرح.
كان المسرح العائم قديما يعتبر ملتقى الفنانين قبل إنشاء نادي النقابة, منهم كبار النجوم مثل عادل إمام وسعيد صالح وأبو بكر عزت وغيرهم من كل فناني ونجوم مصر, كانت حديقة المسرح تعمل 24 ساعة لاستقبال النجوم  في عهد يحيى سليط وبدر شديد مديري دور العرض وغيرهم,  وبعد بناء المسرح العائم الصغير وتقليل المساحة قل التردد قليلا, لأن السيد راضي وكرم مطاوع وغيرهما كانوا ينظمون لقاءاتهم به دائما فكان المسرح هو البؤرة الرئيسية للفن لأنه أفضل مكان على مستوى دور العرض, فنجد فيه عرض مسرحية زقاق المدق للفنانين المتحدين بطولة فريد شوقي ومحمود ياسين, وتم إقامة سرادق كبير في فصل الشتاء لعرض المسرحية وتصويرها. وقد قدم عدد كبير من نجوم مصر أعمالهم على المسرح العائم, منهم: فريد شوقي , أبوبكر عزت, مجدي وهبة, صلاح ذو الفقار, صلاح السعدني, عبد المنعم  مدبولي , فؤاد المهندس, يونس شلبي , حسن مصطفى, مجدي وهبة, سعيد عبد الغني, نجوى فؤاد, فيفي عبده, أحمد صيام , نجاح الموجي, ماجد المصري, نبيل الحلفاوي, علي الحجار, روجينا, وائل نور وغيرهم. وكان المسرح العائم دائما يحقق في عروضه أعلى الإيرادات مع تحقيق كامل العدد لصالة العرض, لدرجة أن تذاكره غالبا كانت تباع في السوق السوداء.
كما قدم عدد كبير من كبار المخرجين أعمالهم على المسرح العائم , منهم: عبد المنعم مدبولي, كمال يس, مجدي مجاهد, رزيق البهنساوي, سعد أردش, محمد أبو داوود, عبد الغني زكي, أشرف زكي, السيد خاطر, ياسر صادق, وغيرهم.
أما المسرح العائم الصغير فهو يتبع لإدارة مسرح الشباب التابعة للبيت الفني للمسرح وتتسع فيه صالة العرض لعدد 250 مقعد. وقدمت فيه عدة عروض مسرحية شبابية منها على سبيل المثال: تمثال ورق- اللعبة- بيت الأشباح – ترنيمة الفلاح الفصيح. كما شهد هذا المسرح عرض مسرحية “ورد وياسمين” من إخراج شريف فتحي, كأول عرض يقدمه البيت الفني للمسرح لفنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة. أما آخر عرض قدم عليه قبل التوقف لجائحة كورونا فهو مسرحية أفراح القبة عن قصة نجيب محفوظ ومن إخراج محمد يوسف وقد لاقى نجاحا فنيا كبيرا.
ويعتبر المسرح العائم الصغير هو المتنفس الرئيس لعروض مسرح الشباب بجانب مسرح أوبرا ملك والذي تم تخصيصه في منذ سنوات قليلة لمسرح الشباب. وقد تولى إدارة مسرح الشباب من قبل عدة مخرجين منهم على سبيل المثال: محمود الالفي، مصطفى الدمرداش، عبد الغنى ذكي، محسن مصيلحي, خالد جلال, إيمان مصطفى الصيرفي، هشام عطوة, أسامة رؤوف, ويقوم بإدارته حاليا المخرج عادل حسان.
 يحتاج المسرح العائم إلى اهتمام شديد من الدولة فهو المسرح الوحيد المكشوف ويقع على النيل مباشرة, وكاد أن يقام به ناديا للعاملين بالبيت الفني للمسرح ولكن لظروف ثورة يناير توقف المشروع في عهد تولي د. أشرف زكي رئاسة البيت حيث صادرت الشرطة النهرية الصندل الذي كان يحمل مواد ردم طرح النهر. وللأسف يكمن خلف المسرح قنبلة موقوتة حيث يحوي الهيش الكثير من الثعابين النيلية  بالإضافة إلى السحالي وغيرها من الزواحف ويحتاج ذلك التأمين ضد تلك المخاطر. إضافة إلى أنه كلما تم التحضير لتجديده يحدث به العديد من الأخطاء لانعدام الخبرات. وقد ظل مغلقا لتجديده ثلاثة أعوام منذ 2016م. حتى أعيد افتتاحه في أبريل 2019م. أثناء تولي الفنان إيهاب فهمي إدارة فرقة المسرح الكوميدي.  وتم في حفل الافتتاح تقديم عرض ضحكة لمصر تأليف ريهام عبد الحميد ، أشعار طارق على ومن إخراج وليد الشهاوي والذي جسد عددا من أهم الشخصيات الكوميدية المصرية، كما تم تقديم عرض ترنيمة الفلاح الفصيح على المسرح الصغير, من إنتاج مسرح الشباب تأليف وأشعار محمد أحمد ومن إخراج سعيد سليمان.
وقد تولي من قبل إدارة فرقة المسرح الكوميدي عدد من كبار المخرجين والفنانين منهم السيد راضي، عصام السيد, مجدى مجاهد, مجدي صبحي, عايدة فهمي, رياض الخولي، مدحت يوسف ، أحمد عبد العزيز ، محمد محمود ،أحمد السيد وإيهاب فهمي وأخيرا أيمن عزب.
تولى إدارة دار عرض المسرح العائم من قبل عدة كفاءات إدارية وفنية منهم: يحيى سليط, بدر شديد, محمد شوقي, المهندس جمال أبو العلا, العميد أشرف ندا, رزق إبراهيم, شريف دياب, ومحمد شافعي.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏