جمال ياقوت: أقمت مسابقة «مواهب صغيرة» لاكتشاف مواهب أطفال الأقاليم

جمال ياقوت: أقمت مسابقة «مواهب صغيرة» لاكتشاف مواهب أطفال الأقاليم

العدد 664 صدر بتاريخ 18مايو2020


المخرج المسرحى السكندري د. جمال ياقوت هو مؤسس ورئيس مهرجان مسرح بلا إنتاج الدولي، حاصل على بكالوريوس التجارة قسم محاسبة جامعة الإسكندرية، ليسانس الآداب قسم مسرح ، أستاذ التمثيل والإخراج المساعد بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، و يُدرس أيضًا فى معهد الفنون المسرحية بالإسكندرية، مثّل فى العديد من المسرحيات منها عيلة دهب، وشهرزاد والغضب وباب الشعرية وحرية المدينة ويهودى مالطا وميس جوليا، كما أخرج العديد من العروض المسرحية منها الطابعان على الآلة، والدنيا رواية هزلية وتاجر البندقية ومس جوليا، وبيت الدمية، ورغبة تحي شجر الدردار، والقرد كثيف الشعر.. هو واحد من المهمومين بالمسرح والطفل، لذلك أسس مدرسة كريشين للفنون بالإسكندرية لإيمانه بدور التمثيل فى بناء الشخصية وتعديل السلوك، وفى ظل الظروف الحالية استطاع أن يُمارس ذلك من خلال مسابقة أقامها للأطفال، عن تلك المسابقة والمسرح السكندري وأسئلة أخرى كان لـ«مسرحنا» معه هذا الحوار.
-حدثنا عن فكرة مسابقة «مواهب صغيرة بالبيت»؟
بسبب الظروف الحالية وافتقاد أطفال مدرسة «كريشين» للفنون ، ولأنهم على تواصل دائم معي، فقد أعلنوا عن  شىء يعملونه بالبيت يخرج  طاقاتهم التمثيلية، ومن هنا جاءت فكرة مسابقة «مواهب صغيرة بالبيت»، ولم أرغب فى أن تقتصر هذه المسابقة على أطفال المدرسة فقط، وإنما رأيت أنها حق الأطفال فى جميع المحافظات، وبالفعل تم قبول 27 طفلًا وطفلة انطبقت عليهم شروط المسابقة، وتم عرض فيديوهاتهم، وتمر التصفيات بثلاثة مراحل، حتى نصل إلى الفائزين الثلاثة، من خلال لجنة التحكيم التي يشاركني فيها  د. أيمن الخشاب والفنان السعيد قابيل، وهناك أيضًا جزءً من التحكيم بنسبة 25% معتمد على تصويت الجمهور على موقع مدرسة كيريشن للفنون، أما جوائز المسابقة فهي اشتراك مجاني في الورشة القادمة للثلاثة الأوائل، وأفضل عشرة أطفال سيربحون تذاكر مجانية للعرض القادم لمدرسة كيريشن للفنون.

-لماذا لم تقتصر المسابقة على التمثيل فقط واشترطتم أن يضم المشهد التمثيلي الفنون المختلفة بنسبة لا تتجاوز ال 50%؟
للأسف أصبح لدينا شبه قناعة أن  التمثيل هو الكلام فقط، ولذلك وضعنا إمكانية أن يضم المشهد فنونًا أخرى كمحاولة لعودة فكرة أن التمثيل فن مُركّب يحمل جميع الفنون فى عباءة التمثيل.

- هل من الممكن تكرار تلك التجربة.. وهل ستقتصر على الأطفال فقط؟
بالفعل في خطتنا أن نكرر التجربة بعد انتهائها ، ولكن فى هذه المرة سوف نفتح باب الاشتراك إن شاء الله لأطفال الدول العربية أيضًا، نظرًا لأن التجربة الأولى لاقت إقبالًا كبيرًا ونشاطًا ملحوظًا على صفحة كيريشن للفنون على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأيضًا لأن ما قدمه الأطفال فى فيديوهاتهم كان فوق توقعاتنا لأنه بدون أي إرشادات أو تدخل منا ، وأعتقد أننا المرة القادمة من الممكن أن نُقدم مجموعة من الإرشادات أو ورش عمل بسيطة قبل المسابقة ليكون لديهم المعرفة بكيفية صناعة الفيديو وكيفية الوقوف أمام الكاميرا بصوت واضح وبزاوية صحيحة.
وهذه المرة الأولى التي أصرح بأن من المقرر تقديم مسابقة للكبار ستكون بنفس مراحل مسابقة الأطفال.
-لماذا تهتم بفكرة الورش المسرحية للأطفال وما الذي يميز ورش كريشين للفنون عن غيرها؟
ورش الأطفال بها فوائد كثيرة جدًا أهمها تقديم إنسان سوى، فالفن يمثل قوى التغيير الشخصية وتأسيس الإنسان على أساس منهجي سليم، فالتمثيل والفن محاولة لتوجيه الأطفال للسلوك القويم وكيفية أن يكونوا فنانين ذوي تفكير معتدل، وأيضًا حتى يكون لدى الأطفال وعى بالمسرح وبالفن، فحتى إن لم يستمر في التمثيل فيما بعد فعلى الأقل سنكون ربحنا جمهورا للمسرح على قدر من الوعي والثقافة، وفى حالة استمراريته فإن تدريبه منذ الصغر سيجعله ممثلا حقيقيا، والحب هو ما يميز ورش مدرسة كريشين للفنون، فالأطفال يتعلمون كيفية تقديم فن قائم على الحب.
-ما رأيك فى الحركة المسرحية السكندرية؟ وأكثر ما يميزها؟
الإسكندرية كانت وستظل منبع الفن، فالبيئة والمناخ عليهما عامل كبير، والسكندريين يحبون الفن بالفطرة، لأن الجمهور السكندرى محب للمسرح، وأيضًا لأن بها تاريخ كبير وشخصيات عظيمة خرجت من الإسكندرية، ودورنا أن نحافظ على هذا التراث الفنى السكندرى. فأى إنسان هو نتاج لتفاعل عاملي الوراثة والبيئة، ودعينا نعترف أن الوراثة أهم من البيئة ونحن ورثنا تاريخا عظيمت فى الإسكندرية سواء سينما أو مسرح أو فن تشكيلي، وأرى أن الإسكندرية كانت وستظل منبع الفن لأن بها بحر وحب للفن بشكل حقيقي ولأن بها تاريخ كبير وشخصيات عظيمة خرجت من الإسكندرية ، كذلك المناخ له عامل مهم جدًا في الإبداع والفن، فعلى سبيل المثال الإغريق كان عندهم مسرح وفن والعرب في نفس الوقت لم يكن لديهم ذلك،
والبحر له عامل كبير فى الحالة الفنية المسرحية، بالإضافة إلى تواجد أماكن كثيرة فى الإسكندرية تهتم بالمسرح مثل قسم المسرح بكلية الآداب والمعهد العالي للفنون المسرحية، وهما جهتين أكاديميتين تُخرجان أشخاصا واعيين ومدركين ما هو المسرح، كذلك الأجيال الكبيرة في الإسكندرية تربوا على المسرح، وذلك لأن الإسكندرية صيفًا كان بها ما يقرب من 25 عرضا، فالشعب السكندري يُدرك معنى المسرح ويحتاج إليه، لأنه يتنفس من خلال المسرح والفن.
ولكن للأسف فى الحاضر هُناك مسارح كثيرة تم هدمها ولا يوجد اهتمام كبير بالمسرح، ومع ذلك فنحن نحاول أن نهتم بالحركة المسرحية السكندرية، لدرجة النحت فى الصخر لتقديم فن حقيقي فى ظل عدم وجود مسارح كثيرة، نحن نعرض فى أى مكان متاح بالإمكانيات المتاحة، فالظروف لا تجعلنا نقف، وهذا سبب أننا قمنا بعمل مهرجان مسرح بلا إنتاج، في ظل عدم توفر الإمكانيات المادية، إلى أن أصبح مهرجانا دوليا، الدولة والعالم يعترفون به.
- فى رأيك على أى أساس تُقاس الريادة المسرحية في المحافظات المختلفة؟
كل محافظة تتميز بطعم مسرحي مختلف، فعلى سبيل المثال المنصورة تتميز بالمسرح الغنائي، وكما ذكرت سابقًا البيئة لها عامل أساسي، فكل محافظة لها الجزء الخاص بها الذي يميزها.

-ما رأيك فيما تتجه له الدولة في الفترة الحالية فيما يتصل  بالتعلم عن بعد، وخاصةٍ فى المسرح؟
التجربة أكدت أن الأونلاين في التعليم له مزايا كثيرة، فعملية الحضور أصبحت أفضل من الحضور «الفيزيكال»، والإنترنت وفر للطالب وقتا ومجهودا، إن
فكرة تواجد المادة لدى الطالب قبل المحاضرة ثم مناقشتها رائعة جدًا، وفى حالة تخلفه عن أى جزئية فيها يستطيع أن يراها ويكرر مشاهدتها فى أى وقت، فهناك مزايا كثيرة فى التعليم الأونلاين، ولكنها جاءت عند مواد التمثيل وتوقفت لأن المشهد التمثيلى قد يصل عدد الممثلين فيه إلى 30 فردًا، والإنترنت له طاقة قصوى يجب أن نتعامل على أساسها، وأنا لست مع الورش الأونلاين ولكن مع المحاضرات الأونلاين، وبالفعل أقوم بذلك مع الأطفال وهى ناجحة جدًا، من وجهة نظري حتى إن تم تقديم ورش أونلاين لا تكون في التمثيل بحركة،  ويجب أولًا أن يكون لدينا بنية أساسية جيدة للإنترنت قبل القيام بذلك، حيث يمكننا من خلال الإنترنت القيام بمحاضرات للطلبة ومناقشتهم، ولكن لا نستطيع من خلاله القيام ببروفات حركة، فهو يصلح للأعمال الفردية والمسرح عمل جماعي، فيمكننا القيام بورش إخراج وتمثيل وكتابة ولكن فى التمثيل تحديدًا صعب.

-ما رأيك فيما قدمته الدولة من عروض مسرحية وفنية  وورش عمل على قناة وزارة الثقافة وصفحتها الرسمية على الفيسبوك.. وما رأيك في أن يكون لدينا منصة مسرحية مثل المنصات الرقمية Netflix وشاهد وWATCH It!، وأيهما تُفضل؟
ما قدمته وزارة الثقافة على اليوتيوب «خليك في البيت» من الأشياء الرائعة جدًا، لأنها قدمت لنا عروضا لاقت نجاحًا وإقبالًا كبيرًا، وبعد نجاح تلك التجربة هم الآن يقومون بإنتاج عروض بمنطق المسرحية التليفزيونية تكون أونلاين، ومشروع «ابدأ حلمك» المقدم من خلال الوزارة فكرة جيدة جدًا، والوزارة الآن تحاول أن تقدم ما في وسعها واستمراره أونلاين، للتواصل مع الشباب حتى يستغلوا وقت تواجدهم في المنزل ولا يشعرون بالملل، ولكن  في النهاية الأونلاين يحجم من طاقة ورش التمثيل ولن تكون مثل الواقع والورش ذات الحضور الحقيقى، ولكن الدولة مشكورة تحاول أن تتعامل مع الظروف الحالية بالإمكانيات المتاحة، و للأسف لدينا أزمة في نسبة من يحتاجون الى المسرح في العدد الإجمالي لسكان مصر والوطن العربي، وأيضًا ليس لدينا إستراتيجية واضحة لكيفية خلق هذا الاحتياج، فإن ذهبنا للناس البسطاء فى المدن الصغيرة والقرى وأخبرناهم أننا سنعاقبهم بحرمانهم من المسرح، الإجابة ستكون ما هو المسرح من الأساس؟! للأسف الاحتياج للمسرح ليس موجودا لدى البسطاء، المهمومون بالمسرح هم من على دراية به واحتكاك مباشر معه، لذلك أقوم بعمل مسابقات فى المسرح، وحتى مع الوضع الحالي ففى الإسكندرية المخرج المسرحى سامح الحضري قدم مسلسلا إذاعيا «ورقة بُوسطة» وجمع فيه باقة متميزة من الممثلين السكندريين، فممثل المسرح يستطيع وبجدارة أن يقدم كل الفنون الأخرى من سينما وتليفزيون وإذاعة، وهنا التجربة أثبتت نجاحها وربما الأونلاين يكون أفضل، فإذا استطاعت وزارة الثقافة تقديم منصة مسرحية مثل المنصات الرقمية المتعارف عليها سيكون غاية في الروعة، ولكن يجب أن تكون مجانية، لأنه كما ذكرت لا يوجد احتياج مُلح للمسرح.

-بعد الأزمة الحالية -إن شاء الله-  وعودة المسرح من جديد، ما أكثر ما يجب أن تركز عليه الدولة وتنفذه لإعادة الحركة المسرحية من جديد؟
من الهام أن تهتم الدولة بالبنية التحتية وإنشاء مسارح تكون مؤمّنة جيدًا، وأيضًا الاهتمام بدراسة الإنتاج المسرحى بخاصةٍ في معهد الفنون المسرحية وفى أقسام المسرح، بالإضافة إلى الاهتمام بإقامة ورش فى الكتابة المسرحية نتاجها من النصوص يُنتج، لأن لدينا أزمة كبيرة في الكتابة المسرحية والنصوص، ولكنها ليست أزمة وجود فقط وإنما أيضًا أزمة وصول، وكيفية تطوير مستويات المؤلفين الشباب، لأن للأسف هُناك كُتّاب جيدين ولكن بعضًهم  كنوعً من الاستسهال يأخذون فكرة عمل ناجح ويقومون بكتابة مسرحية عليه. هذا الموضوع سلاح ذو حدين لأن هُناك كُتّاب لديهم قدرة هائلة على عمل البنية الدرامية، ولكن في النهاية الفكرة ليست خاصة بهم وإنما هى مسروقة من عمل فني ناجح، ويجب احترام حقوق الملكية الفكرية، وأنا بالفعل تعرضت لذلك، حيث سُرق منى عرض كامل وهو «القرد كثيف الشعر» وقدمت شكوى واللجنة المختصة بذلك تدرس هذا الأمر، لذلك يجب أن يتعلم المؤلفون كيفية العمل على أفكار خاصة بهم، وعند اقتباسهم لفكرة  يجب أن يذكروا اسم صاحبها.

-ما مصير مهرجان مسرح بلا إنتاج فى ظل الظروف الحالية؟ وكيف نتعامل مع مهرجانات المسرح فى ظل أزمة كورونا ؟
بشكل عملي جدًا من وجهة نظري لا يوجد مهرجان مسرح أونلاين، المسرح هو الجمهور وممثل من لحم ودم يقف أمام خشبة المسرح، نستطيع أن نقوم بأى شىء أونلاين ما عدا العروض المسرحية، فنستطيع أن نشاهد عروض المسرح أونلاين ولكن ليس من خلال مهرجان مسرحي، ولذلك فى حالة استمرارية الوضع الحالى حتى موعد المهرجان الذى يُقام كل عام فى شهر نوفمبر، فللأسف سيتوقف إلى أن يفتح المسرح من جديد، لأن بهذا الشكل لن يحتوى على أي متعة، فالمسرح هو الحضور الحي، وفى حالة استمرارية الوضع بهذا الشكل من وجهة نظري كمؤسس ورئيس المهرجان يمكن أن نقوم بعمل مجموعة من المحاضرات والندوات فى نفس توقيت المهرجان، وكل هذا سابق لأوانه لأن من الممكن أن يكون للجنة العليا للمهرجان رأى آخر.
-هل مازالت الدولة غافلة عن أشياء يحتاجها المسرح؟
ليس فكرة غفلة، ولكن ربما لديها أولويات، ورأيي الخاص أن الأوليات يجب أن تكون إعادة هيكلة لأشياء كثيرة أهمها أن يكون لدينا مسارح مؤمّنة بالدفاع المدني، ويكون لدينا أيضًا ميزانيات إنتاج، وأهم من كل ذلك أن يكون لدينا جمهور، وهُنا نطرح سؤال يُعيدنا لما ذكرته سابقًا.. هل يحتاج المصريون للمسرح؟، ويجب أن نطرح سؤالًا آخر.. ما عدد السكان الذين تقوم بخدمتهم كل قاعات العرض فى جمهورية مصر العربية؟، عند حساب ذلك سنذهل من النتيجة، لدرجة أن الآلة الحاسبة سترفض أن تخرج لك النسبة من ضآلة  النسبة. فعلى سبيل المثال الإسكندرية تقريبًا سبعة مليون نسمة بها مسرح واحد فقط للثقافة الجماهيرية «مسرح الأنفوشي» التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، وهذا من أهم المسارح لأنه يمثل المسارح المجانية أو التى كانت مجانية، فإيجار مسرح الأنفوشي يصل لـ25000 جنيهًا فى اليوم الواحد، وهناك أيضًا مسرح بيرم التونسي التابع للبيت الفنى للمسرح، أى أن لدينا مسرحين فقط  لسبعة مليون مواطنًا، فى أوروبا وأمريكا كل ما يقرب من 15000 مواطن يخدمهم مسرحً، و الفارق، هو احتياج ووعى المواطن بأهمية المسرح، وأخيرًا لن يكون هناك جمهور ولا مسرح يُمارس بالشكل الذي نتمناه إلا بتواجد مناهج مسرحية فى المدارس، وتدريس مادة تربية مسرحية، حتى ننشىء جيلا على دراية بالمسرح، ومن هنا سيكون لدينا جمهور يحتاج للمسرح، فبناء الجمهور يتم على المدى الطويل.

-ما مشاريعك القادمة؟
أعمل الفترة الحالية على كتابة مسرحية لأطفال الورشة القادمة من مدرسة كريشين للفنون، وهى تُناقش قضية الخلافات الزوجية وتأثيرها على نفسية الأطفال، ولكننى لم اختار لها اسمًا بعد لأنني لم انتهى من كتابتها بعد.
أيضًا كان لدى مشروعين مسرحيين من إخراجي، ولكن للأسف توقفا لحين انتهاء الظروف الحالية، الأول مسرحية «حلم» للأديب السويدي  أوجست ستريندبرج مع طلبة الفرقة الثانية بكلية الآداب قسم المسرح بجامعة الإسكندرية.
أما المشروع الثاني فهو عرض «المهاجر» عن مسرحية «مهاجر بريسبان» لجورج شحادة، وبمجرد انتهاء الظروف الحالية إن شاء الله سنعاود العمل على تلك المشاريع المسرحية.


إيناس العيسوي