72 عاما على النكبة المسرح الفلسطينى حذر من المؤامرة الصهيونية

72 عاما على النكبة المسرح الفلسطينى حذر من المؤامرة الصهيونية

العدد 664 صدر بتاريخ 18مايو2020

فى ذكرى مرور 72 عاما على ماساة فلسطين يصبح من المفيد ان نطالع القارئ العزيز بنبذة سريعة عن تاريخ المسرح فى فلسطين قبل النكبة . وقد  شهدت فلسطين قبل النكبة حركة ثقافية مزدهرة   بفضل  موقعها المميز    ووجود المقدسات بها وتجمع ثقافات متعددة بها. فقد كانت بها مدارس انجليزية وفرنسية وايطالية وروسية والمانية  وارمينية. وعادة ما يكون المسرح من ابرز ملامح الحياة الثقافية. ولا يعقل ان تكون هناك حياة مسرحية مزدهرة فى سوريا وفى لبنان ثم لا يكون الامر كذلك فى فلسطين. ولعب المسرح الفلسطينى قبل النكبة  دورا كبيرا فى التأكيد على عروبة فلسطين والتحذير من المؤامرة الصهيونية.
 ويعتقد ان فلسطين عرفت المسرح لاول مرة فى اواخر القرن 19.وكانت المسرحيات من عيون المسرح العالمى لكن لايمكن توثيق اي من هذه العروض بسبب وثائق كثيرة عن التراث الفلسطينى فقدت فى الحرب وما اعقبها او تعمدت اسرائيل تدميرها.  
 واقدم نص مسرحى فلسطينى معروف كتبه نجيب نصار (1865 -1948) صاحب جريدة الكرمل التى تصدر فى حيفا. هذا النص هو مسرحية “شمم العرب” التى كتبها عام 1914 . وله مسرحية اخرى هى “وفاء العرب”  كتبها عام 1929.  فضلا عن  مسرحيات اخرى لم تصل الينا. وكانت مسرحياته  تقدم بواسطة الفرق المسرحية المدرسية وبعض فرق الهواة التى كانت تنتشر فى المدن الفلسطينية.
ولم يكن ذلك اسهامه الوحيد اسهامه الوحيد فى الحياة الثقافية والسياسية لفلسطين التى عشقها وانتقل الى الاقامة فيها حتى نهاية حياته تاركا لبنان مسقط رأسه. دأب على مهاجمة المشروع الصهيونى عبر جريدة “الكرمل” التى اسسها عام 1908.  وصنف  كتابا عن تاريخ الحركة الصهيونية حتى عام 2005 وتعرض لمضايقات من الاحتلال البريطانى. وكان القدر رحيما به فرحل عن الحياة فى مطلع 1948 قبل ان تكتمل حلقات المؤامرة على فلسطين.
ويلاحظ هنا الكتاب المسرح فى فلسطين لم يكونوا متفرغين للتاليف المسرحى فقط بل كانت لهم مجالات اخرى لخدمة  وطنهم. كما أن  نصار وغيره  من ادباء فلسطين لم يبدعوا مسرحياتهم   بشكل رئيس من اجل تمثيلها على خشبة المسرح. بل كانوا يهدفون اساسا الى ابداع عمل ادبى مطبوع يستمتع به القارئ ،ثم يأتى التمثيل يأتى فى مرحلة لاحقة خاصة  بعد ان يكون  العمل المسرحى قد حقق النجاح مطبوعا.  
حياة قصيرة
ويرى البعض ان الرائد الفعلى للادب المسرحى فى فلسطين هو الصحفى والاديب “جميل البحرى” الذى لم يشعر كثيرون بانجازاته فى عالم المسرح الفلسطينى نظرا لحياته القصيرة التى لم تتجاوز 35 عاما (1895 - 1930) قبل اغتياله برصاص مجهولين فى   حيفا التى كان يقيم بها.  
 بدأ جميل حياته الصحفية والادبية في حيفا حيث أصدر  مجلة “زهرة الجميل” في   1921 وأصبحت  “الزهرة” فى  1922، كما أسس في العام نفسه حلقة الأدب، التي أحدثت نشاطاً ملموساً بمحاضراتها وحفلاتها ومسابقاتها للتأليف القصصي والمسرحي ونشر الكتب الأدبية، بالإضافة إلى اهتمامه بالترجمة إلى اللغة العربية مما أسهم في توسيع آفاق المثقفين.
وطبع مسرحيته الأولى “قاتل أخيه”   في أوائل سنة 1919، ووجدت ترحيباً كبيراً من عشاق المسرح   ومثلت  في مسارح سوريا وفلسطين   مما شجعه على مواصلة المشوار.   وكان مجموع ما كتبه خلال السنوات السبع الأخيرة من حياته  15مسرحية منها “قاتل أخيه  “و”سجين القصر”     و”أبو مسلم الخرساني  “و”الوطن المحبوب”   و”حصار طبريا” و”وفاء العرب”. وانخرط البحرى  في المسرح ترجمة وكتابة وإعلاماً وتمثيلاً وإخراجاً، مما يجعله رائداً حقيقياً من رواد المسرح العربي بصفة عامة، ولا شك أن الطباعة كان لها الدور الكبير في توثيق جهوده وحفظها  ، ولعل هذا ما افتقده معظم المسرحيين في السنوات التي سبقت.
بين فلسطين وروسيا
وهناك  “صليبا الجوزي”(1871 -1942) الذي ترك أثراً بالغاً هو وأسرته  في تاريخ المسرح الفلسطيني،   كتب صليبا فصولاً مسرحية تعالج مشكلات المجتمع الفلسطيني وتحث على العلم، ومن المسرحيات التي ألفها “لا بد للحب أن ينتصر” عام 1925، مجسداً من خلالها الصراع بين الحب والمال، ومسرحية “أمي” عام 1926  وكان قد انخرط في المسرح من فترة مبكرة عندما مثل مع فريق من الهواة مسرحية “لصوص الغاب” لنيتشة قبل الاحتلال البريطاني، ومسرحية “صلاح الدين الأيوبي” في مدينة القدس.
 وكان ذلك رغم انه عاش معظم حياته فى روسيا سواء فى عهد القياصرة وفى العهد الشيوعى   التى كان استاذا فى جامعاتها للدراسات العربية والاسلامية. وكان  توجه اليها اصلا عام 1891 لاستكمال دراسته الجامعية بعد ان تفوق فى الدراسة الثانوية متحديا ظروف نشاته الصعبة فقيرا ويتيم الابوين.
وعاد  إلى القدس سنة 1900   لكن السلطات التركية أجبرته على مغادرة البلد والعودة إلى روسيا ليعمل بالتدريس فى جامعاتها ويستقر بعد زواجه حتى وفاته. ولم تنقطع  صلته بفلسطين   وكان يتردد عليها بين الحين والاخر. ويذكر له دفاعه الحار عن الاسلام ضد مطاعن المستشرقين رغم مسيحيته. وكان يجيد عدة لغات الى جانب العربية والروسية    وهي  الفرنسية والإنجليزية والألمانية واليونانية القديمة والتركية والفارسية. وكان أيضاً يجيد اللاتينية والعبرانية والسريانية، ويقرأ الإيطالية والإسبانية بطلاقة.
بين نابلس ودمشق
وعندما نتحدث عن تاريخ المسرح الفلسطينى لا يمكن ان نتجاهل المفكر والزعيم القومى والاديب والعالم محمد عزة دروزة(1887- 1984).
فى العشرينيات ايضا عُين محمد عزة دروزة رئيساً لمدرسة النجاح في نابلس -  من عام 1922 إلى عام 1927، ورغب في تفعيل الحياة المسرحية في مدرسته الوطنية في مقابل النشاط المسرحي للمدارس التبشيرية، فقام عام 1923 باعداد معالجة مسرحية  روايته “وفود النعمان على كسرى أنوشروان” التي كان قد نشرها في بيروت عام 1911.   وقام الطلاب بتمثيلها على مسرح البلدية، ثم واصل المشوار فكتب مسرحية “عبد الرحمن الداخل”  ، ومسرحية “ملك العرب في الأندلس”   حيث قام الطلاب بتمثيلها على مسرح البلدية  بهدف إحياء الوعي العربي والإسلامي في نفوس الطلاب.
 وفي بيئة مسرحية نشأ نصري الجوزي شقيق صليبا الجوزى (1908- 1996). وكان يتميز  بغزارة في الإنتاج التمثيلي والإخراجي والإبداعي  حيث أسس جمعية الفنون والتمثيل   عام 1928  ،  حيث مثل مسرحية “عنترة”، فلاقت نجاحاً شجعه على كتابة مسرحيته الأولى “الحق يعلو” منتهجاً نهج أخيه الأكبر في الإكثار من قراءة المسرحيات العالمية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، للانطلاق من خلالها إلى تقديم المسرحيات النابعة من واقع الشعب الفلسطيني  و كتب عام 1930 مسرحية “فؤاد وليلى” التي تعالج قضية الصراع الأزلي بين المال والحب، ومسرحية “الشموع المحترقة” التي تعالج الآثار السلبية المترتبة على مشاعر الآباء.
 وعندما عمل في التدريس عام 1932 بدأ سلسلة أخرى من نشاطاته المسرحية من خلال المسرحيات المدرسية حيث كتب العديد منها ما بين هذا العام وعام 1948، ومنها: “جابر عثرات الكرام، والوفاء، عمر بن الخطاب  و معركة ذي قار، عمر بن عبد العزيز والوفود، فاتح الأندلس طارق بن زياد. وفى 1935    كتب مسرحية “أشباح الأحرار”   محذراً فيها من مخاطر السماسرة ومحاولات بيع الأراضي لليهود . ومثلت في العام نفسه رغم المخاطر على مسرح جمعية الشبان المسيحية   دون ترخيص، ودون ذكر اسم المؤلف في الإعلانات خوفاً من الملاحقة.     
 ولم يقتصر نشاطه المسرحي على ذلك حيث استفاد من إنشاء الإذاعة الفلسطينية عام 1936 فكون فرقة الجوزي ليقدم من خلالها عشرات المسرحيات الإذاعية للأطفال والكبار كما أصدر خمسة فصول تمثيلية للكبار  منها  “باسم الحداد مع الخليفة هارون الرشيد” و” أمة تطلب الحياة”. ولم يكن مجرد كاتب بل كان يتدخل فى تفاصيل الاخراج والماكياج والديكور .
اسماء اخرى
وليس هؤلاء فقط من ساهموا فى صنع تاريخ المسرح فى فلسطين قبل النكبة. وسوف نحتاج مساحة كبيرة لنتحدث عن كل منهم.
فهناك “انور عمرو عرفات” صاحب مسرحية “ولكم فى القصاص حياة”. وهناك الشقيقان  “شفيق ووديع طرزى” اللذان  اطلقا المسرح الفلسطينى فى غزة “ من خلال كلية غزة التى اسساها معا عام 1944 . وكان شفيق من خريجى جامعة هارفارد . الف الاثنان عدة مسرحيات تحذر من الخطر الصهيونى وشاركا فى لجان شعبية لمواجهة الاستيطان ورعاية ابناء الشهداء. وكان وديع يحفظ اجزاء من القرأن. وتوفى الاثنان فى عامين متتاليين (1979 و1980)
ولاننسى جميل الجوزى شقيق صليبا ونصرى الذى ادخل  الموسيقى التصويرية الى المسرحيات. واهتم ايضا بالمسرحية الاذاعية حيث قدم اكثر من مائة منها عبر الاذاعة الفلسطينية بين عامى 1936 و1948 . وله العديد من المسرحيات المطبوعة التى لم تقدم على خشبة المسرح. وكان له ابنان ساهما فى المسرح هما فريد واميل الجوزى.
ومن اعلام المسرح الفلسطينى قبل النكبة ابن يافا “ محمود سيف الدين الايرانى”(1914 – 1974)صاحب مسرحية اللهب. وقد عرفناه فى مصر من خلال مسلسل قطار منتصف الليل الذى قدم عام 1978 وقام ببطولته عدد من كبار الممثلين .
الجنس اللطيف ورجال الدين
وكان للجنس اللطيف دوره فوجدنا اسما طوبى( 1905-1983)تنشر مسرحية قيصر روسيا عام 1925 وتقدم فى سوريا ولبنان ثم توالت الاعمال. وكانت تنفق على مسرحياتها من اموال اسرتها. وهناك أيضا نجوى قعوار(1923 -2015 )وهالة سكاكينى(1923-2003 )وهدية عبد الهادى .
 وكان بعضهم من رجال الدين مثل القس اسطفان سالم (1913-1983) الذى عمل مديرا لعدة مدارس وكان يسعى للترويج للمسرح بين طلبتها باعتباره فنا يمكن ان يقدم الكثير للمجتمع. وبدا بالمسرحيات المترجمة ثم التاليف. وكان يحذر فى مسرحيته من المؤامرات الصهيونية مثل بطل فلسطين المجهول ودقت الساعة يافلسطين.


ترجمة هشام عبد الرءوف