جولة فى شارع المسرح الأمريكى

جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 661 صدر بتاريخ 27أبريل2020

ليس من الأمور النادرة فى عالم المسرح أن يتحول العمل المسرحى الى سنيمائى أو العكس. لكن من الأمور النادرة أن يقوم ببطولة العمل نفس الطاقم فى وسيلة نفس الطاقم الذى قام ببطولته فى وسيلة أخرى. وعادة ما يفضل المنتجون والمخرجون أن يختلف الطاقم فى هذه الحالة حتى يأت العمل متفردا ولا يكون مجرد تكرار للعمل الأصلى.
لكن هذه القاعدة لم تنطبق على المسرحية الغنائية الناجحة  «هاملتون» التى تتناول حياة الكسندر هاملتون أول وزير خزانة فى تاريخ الولايات المتحدة والذراع الأيمن لجورج واشنطن كما سنرى فيما بعد.  عرضت المسرحية حتى الأن فى عدد من  المدن الأمريكية بواسطة  عدة فرق . وتقرر أن يقوم ببطولة الفيلم نفس الطاقم الذى قام ببطولة المسرحية فى برودواى عاصمة المسرح الأمريكى التى  عرضت لأول مرة  فى برودواى عام  2015. وسوف يشارك فى بطولة الفيلم من شاركوا فى بطولة المسرحية عام 2016 حيث كان يتغير بعض المشاركين بين الحين والأخر. ومن المقرر أن يعرض الفيلم فى 15 أكتوبر 2021.
وحتى نعرف السبب ويبطل العجب لا بد من القاء الضوء على المسرحية لأن ذلك من شأنه أن يوضح أمورا كثيرة .
المسرحية من تأليف لين مانويل ميراندا وهو فى الأربعين من عمره حاليا وقد كتبها بعد أن تجاوز الثلاثين بقليل. وهو موسيقار وممثل ومغن وملحن شاب يحفل تاريخه بمجموعة من الجوائز منها ثلاث من جوائز تونى المسرحية المرموقة. وكان هو من أعد المسرحية برؤيته الخاصة وكتب أغانيها ولحنها واعد لها  الموسيقى التصويرية. وقام ببطولتها عندما بدأ عرضها  فى برودواى فى يناير 2015.
وتدور المسرحية حول حياة السياسى الأمريكى البارز الكسندر هاملتون (1755 - 1804) الذى كان فى الوقت نفسه باحثا قانونيا وقائدا عسكريا ومحاميا ورجل اقتصاد وبنوك. ولعب دورا  كبيرا فى صياغة الدستور وفى وضع النظام المالى الأمريكى.  
عمى الألوان
ولا تعد المسرحية أول عمل فنى يتناول سيرة هاملتون الذى تظهر صورته على إحدى فئات الدولار الأمريكى. فقد سبق وتناولت سيرته مسرحيات وأفلام وأعمال تليفزيونية. لكنها الأولى التى تتناول حياته بشكل موسيقى حاز إعجاب الجميع حتى إنها فازت بـ11 جائزة من جوائز تونى فى 2016 فى تصنيفات مختلفة من بين 16 جائزة رشحت لها. وهى مأخوذة من كتاب للصحفى الامريكى رون شيرنو المتخصص فى سير المشاهير. كما يذكر لها إنها العمل الفنى الأول عن هذا الشخص الذى يصاب بعمى الألوان كما يقول التعبير. فقد ظهر فيه ممثلون سود يجسدون شخصيات تاريخية للبيض والعكس.
وقام فيها ميراندا بدور الكسندر هاملتون وشاركه فى البطولة الممثلة والمغنية البيضاء الشابة فيليبا سو (29 سنة) التى تجسد دور ابنته إليزا والزنجى ليزلى اودوم (35 سنة) وزنجى أخر هو كريستوفر جاكسون (45 سنة) الذى سيقوم بدور جورج واشنطن.  وهناك أيضا رينيه جولدسبرى وديفيد ديجز وجاسمين سيفانس وهم نفس الطاقم الذى سيقوم ببطولة الفيلم وبنفس أدوارهم فى المسرحية. وكل هؤلاء شاركوا فى العرض المسرحى الموسيقى فى برودواى عام 2016.
وانتقلت المسرحية بعد ذلك إلى عدد من المدن الأمريكية الرئيسية حيث قدمتها عدة فرق. وعرضت فى لندن وفازت بسبع من جوائز لورنس أوليفييه. وتنقسم المسرحية إلى فصلين وتحدثت عن الشخصيات التى أثرت فى حياة هاملتون. وصورت أيضا كيف تحدى هاملتون الظروف التى نشأ فيها هاملتون صاحب الأصول الأسكتلندية فقيرا ويتيما وكيف علم نفسه واكسب مهارات عديدة وكيف تعرف على زوجته والمشاكل التى واجهته فى حياته.  وتنتهى المسرحية بنهايته المأساوية حين قتل فى مبارزة مع أرون بار نائب الرئيس الأمريكى.
 ومن الطريف أنها تعرضت لهجوم من بعض الأسكتلنديين عندما عرضت فى بريطانيا باعتبار إنها أساءت إلى الأسكتلنديين عندما تعرضت لعمل أمه لبعض الوقت كرقيق أبيض. وقد جسد الشخصية الممثل البريطانى جيمايل وستمان  بعد اعتذار ميراندا عن السفر بسبب مشاغله.
ويقول توماس كيل وهو مخرج العرض المسرحى على برودواى وسوف يخرج الفيلم أيضا، إنه سوف يقدم مزيجا من السنيما والمسرح بحيث يشعر من يشاهده بجو المسرح.  ويقول أن أهم ما يعجبه فى معالجة ميراندا وشجعه على إخراجها أنه نجح فى تحويل الموضوع الذى يبدو سياسيا وجافا إلى عمل فنى جذاب نابض بالحياة.
مسرح يحترق
كذلك حتى اشترته الممثلة الزنجية مارا جيبس عام 1990 وحولته إلى كما يشعر عشاق المسرح بالسعادة عندما ينشأ مسرح جديد، فإنهم يشعرون بالحزن عندما ينهار مسرح أو يحترق. وهذا هو شعور عشاق المسرح فى كاليفونيا وفى الولايات المتحدة بوجه عام عندما تعرض مسرح «فيجن» العريق والشهير فى لوس انجلوس لحريق أتى عليه فى الساعات الأولى من الصباح رغم مسارعة شرطة الإطفاء إلى موقع المسرح. ونجحت فى إخماد الحريق لكن بعد أن أتى عليه تماما.
ومما زاد من الحزن أن المسرح كان يمر  منذ عدة سنوات بمرحلة تجديد تتكلف ملايين الدولارت تم تدبيرها من حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية والتبرعات.وكانت التجديدات تتم ببطء وفقا لتوافر التمويل. وتشير التحقيقات إلى أن الحريق نجم عن مواد قابلة للاشتعال لم يتم تخزينها على الوجه السليم.
ويعود تاريخ إنشاء المسرح إلى عام 1931 عندما نشأ كدار للسنيما وظل كذلك حتى اشترته الممثلة الزنجية المخضرمة مارا جيبس عام 1990 وحولته إلى مسرح وأطلقت عليه اسم مسرح فيجن. وكان من المفارقات أن تقدم مارا على ذلك رغم أنها ليست ممثلة مسرحية بل تقتصر ابداعاتها على السنيما والتليفزيون وقالت وقتها أنها تؤمن بأهمية المسرح وترجو أن تقدم عليه عروض جيدة وليس مهما أن تشارك فيها.
وهى لا تزال تمارس التمثيل رغم تقدمها فى السن (89 سنة) لكنها تتمتع بصحة جيدة. وهى فى الوقت نفسه مطربة وممثلة كوميدية وكاتبة سيناريو ومنتجة متخصصة بشكل أساسى فى مسلسلات السيت كوم (كوميديا الموقف). وهى من أسرة فنية حيث كانت شقيقتها الكبرى الراحلة ممثلة وكذلك ابنتها الوسطى.
ليس بالجمال وحده
لم تكن  النجمة الأمريكية شيرلى نايت التى رحلت إلى العالم الأخر عن 83 فى هدوء ممثلة مسرحية فقط. وعلى العكس كان المسرح أقل مجال تبدع فيه وتقل ابداعاتها فيه كثيرا عن ابداعاتها فى السنيما والتليفزيون. لكن النقاد اعتبروا وفاتها بمثابة خسارة كبيرة لعالم المسرح بسبب ما تميزت به من التدقيق فى اختيار أدوارها على المسرح وتنوع هذه الأدوار فضلا عن إجادتها تصوير الشخصيات. وهذه الميزة تعلمتها من عملها فى المسرح حيث بدات حياتها المسرحية فى الولايات المتحدة وبريطانيا قبل أن تقرر التفرغ للسنيما والتليفزيون بشكل أساسى. وكان أخر أدوارها فى المسرح منذ خمس سنوات فى مسرحية «إبراهام لنكولن عدو مصاصى الدماء» الذى أشاد به النقاد. وكانت تختار عيون المسرح العالمى لتجسيدها مثل مسرحيات شكسبير والأديب الروسى تشيكوف.
وقد حصلت نايت ابنة ولاية كانساس على جائزة تونى المسرحية المرموقة مرة واحدة فقط عام 1976 عن دورها فى مسرحية «أطفال كنيدى». وكان ذلك رغم  ترشيحها عدة مرات على مدار حياتها الفنية الطويلة. ولم تكد تحصل على جائزة واحدة . ويعد أشهر أعمالها المسلسل الاجتماعى الكوميدى من نوع كوميديا الموقف زوجات تعيسات حيث جسدت شخصية فيليس دى كامب حماة مارسيا كروس.
وكانت تتعرض أحيانا لهجوم باعتبار أن نجاحها يعتمد فى المقام الأول على جمالها كما حدث فى فيلم «المجموعة» عام 1966 وفيلم «الرجل الهولندى» فى 1967. ولم تكن هى نفسها تنكر ذلك ولكن تؤكد أن الجمال وحده لا يكفى دون موهبة. كما أن بعض الشخصيات كانت تتطلب أن تكون البطلة جميلة وجذابة.


ترجمة هشام عبد الرءوف