في حضرة أبو العلا السلاموني .. هكذا تكلم داعش

في حضرة أبو العلا السلاموني .. هكذا تكلم داعش

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

اعترف ضمير الفن أن الفارس البركاني المثقف محمد أبو العلا السلاموني، هو غيمة مثقلة - - إذا أجهشت بالمطر أرسلت الصواعق في وجودنا، فقد عرف معه جمهور المسرح معنى الزهو والحقيقة والانتصار - -، وتسلقوا جبال الشوق واللهفة، وأدركوا سحر البوح والكشف وجموح الوعي والمعرفة - -، وفي هذا السياق تأتي مسرحيته الأحدث «هكذا تكلم داعش» – تراجيديا فقه الخلافة والغزو والجهاد --، تأتي كالوشم الناري على ذاكرة الروح والجسد، تختصر الزمن العملاق، لتروي عن الإنسان والحب والحرية، عن القهر والتسلط والاستبداد والغياب، وعن الحقيقة والليل والهمس والاكتمال - -، تلك الحالة الاستثناء التي تفتح مسارات للدهشة حين نواجه قسوة الجهل ودعارة الفكر ومراوغات التاريخ، ونصبح أمام اختيار مخيف بين الموت قهرا، أو البحث عن ميلاد جديد.
هذه المسرحية «هكذا تكلم داعش «- صادرة عن المطبعة الأميرية في يناير 2019، تأتي كسبق فكري يستحق التوقف أمامه باعتباره من الأعمال الإبداعية رفيعة المستوى، التي تتناول فلسفة الفكر الجهادي،في سياق درامي متوهج، يمتلك مقدرة هائلة على الوصول للقاعدة العريضة من الجمهور، وإذا كان العباقرة من كبار المؤلفين يمتلكون المقدرة الجدلية على قراءة المستقبل والتاريخ، فإن الأستاذ السلاموني الذي تناول شخصية خليفة دولة داعش - أبو بكر البغدادي -، في هذه المسرحية الصادرة في يناير 2019، فإنه قد رسم تفاصيل وجوده وسقوطه ومصيره الدامي، وقد شهد الواقع هذا السقوط بالفعل في نوفمبر 2019، عندما قرر الرئيس الأمريكي ترامب، قتل البغدادي، تلك الحادثة التي تابعها العالم كله على شاشات التليفزيون .
إذا كانت أزمتنا الثقافية والفكرية هي أزمة عقل جامد، وأسلوب تفكير أحادي، تبنى منطق امتلاك الحقيقة المطلقة، فإن هذه الأزمة تتخذ الآن ، شكل تفجيرات فعلية وضمنية متوالية في العالم العربي، فنحن لا نهتم بالعقل العلمي النقدي، قررنا استبعاده وعدم الاقتراب منه، فانتفت الفعالية الإنسانية، وضاع العقل الذي ينتج التطور والتقدم والحضارة، وبما إن قانون الحياة الطبيعية والاجتماعية هو التغيير، فإن قانون الفكر هو التجديد، ذلك تجديد الذي يصبح مطلبا ملحا حين تتأزم الظروف علي المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية، ومن المؤكد أن التجديد في أي مجال يجب أن يكون في سياقه التاريخي والاجتماعي، لأنه لا ينبع من رغبة شخصية، وهو أيضا ليس حالة فكرية طارئة، لكنه هو الفكر في ذاته حين يتجاوب مع الأصول التي ينبع منها، وهكذا يتضح أن التجديد هو تحقيق التواصل الخلاق بين الماضي والحاضر، وهو الخروج من أسر السائد والكائن، ومن إعادة إنتاج الماضي، ومن التبعية الفكرية اللاواعية، ويأتي ذلك عبر التحليل العلمي التاريخي والنقدي للتراث والفكر المعاصر، حتى نتجاوز أزمات الهزائم والانكسارات العربية .
يشير الأستاذ السلاموني في تقديمه لمسرحية هكذا تكلم داعش، إلى أن هذه التجربة الدرامية هدفها تحليل الركائز الأساسية لفكر جماعات الإرهاب والتطرف، التي أصبحت خطرا على المنطقة العربية، بل والبشرية والعالم المتحضر، وهذا الخطر لن ينتهي طالما مازلنا نعجز عن مناطحة هذا الفكر بتفكيكه وكشف بنيته الشريرة، ولا شك أن المعضلة التي تجعلنا عاجزين عن القضاء عليه، خاصة في مجال الإبداع الدرامي، هي أن من يتناولون القضية لا يقتربون من البنية الفكرية، لكنهم يتجهون إلى نتائجها، حيث الوقائع والأحداث والعمليات الإرهابية، التي يتم توظيفها لتقديم أعمال مسكونة بالإثارة والتشويق، تضفي على المتطرفين والإرهابيين هالات التضحية والاستشهاد والبطولة الوهمية، والدليل أن واقعنا اليوم لا يزال يشهد استمرارا لعمليات القتل والدم والدهس والتفجير والاغتيالات ، وكما يؤكد المؤلف المثقف محمد أبو العلا السلاموني، فإن الوسيلة المثلى للقضاء على هذا الخطر هو معالجة الفكر الإرهابي بتفنيد بنيته الأيديولوجية، بأسلوب الإبداع الدرامي ومخاطبة العقل، وليس التلاعب بالمشاعر والأحاسيس .
تقدم تراجيديا هكذا تكلم داعش، معالجة خاصة لدراما مسرحية، تكشف البنية التحتية التي يستند عليها الفكر الإرهابي وأعمدته الرئيسية، وعلى رأسها نظرية الجاهلية، وتكفير المجتمعات الحديثة ومنجزاتها العلمية والثقافية باعتبارها بدع وضلالات، حيث يزعمون أن الجهد الإنساني المبذول لتعمير الأرض هو جهد باطل، يسعي لتحقيق الجنة في الدنيا، وتجاهل العمل من أجل الجنة في الآخرة، وبناء على ذلك يحق لهذه الجماعات المتطرفة، تكفير العالم وانتهاج سياسة إرهاب الخلق وإحراق الأرض، مستخدمين في ذلك الفتاوى الثلاثية للغزو والجهاد والخلافة، لسحق المجتمعات البشرية ونظم الحكم الحديثة، باعتبارها أسمى غايات التضحية في سبيل الله، ومن ثم استعذاب الموت بالعمليات الانتحارية تحت تأثير مباديء السمع والطاعة والإغراء بالسبعين من حور العين، التي يغررون بها الشباب المراهق المشغول بالهوس الجنسي، متخذين في ذلك أساليب أقرب ما تكون إلي الاستهواء الذهني وغسل العقول المستخدمة في الألعاب الالكترونية المشبوهة مثل لعبة الحوت الأزرق، التي تنتهي بكراهية الحياة وحب الموت وحتمية الانتحار ، وهذا هو نفس المنهج القديم، الذي اتبعته جماعة الحشاشين منذ ألف سنة حين استخدمت وسائل التخدير بمادة الحشيش تمهيدا للتمتع بحور العين في الجنة، التي اصطنعها حسن الصباح في قلعة الموت، للمجاهدين من الشباب المنتحرين باسم الدين - -، والدين منهم براء .
تأخذنا اللحظات الأولى من قراءة المسرحية إلى مواجهة ساخنة صادمة، تلامس خطايا الواقع ومجون الحقيقة، ترسم أبعاد إدانة صارخة لوجود مستحيل يتجه بقوة نحو الانهيار والدمار، وفي نفس السياق تنطلق موجات الوعي والفكر لتخترق وقائع الجمود وتتجه إلى آفاق مغايرة، لتكشف عن لغة إبداعية جريئة ساخنة تشتبك بقوة مع ملامح زمننا الوحشي المسكون بالقسوة والشرور الآثمة، تلك الحالة المتوهجة التي تنتمي إلى عالم المؤلف الكبير محمد أبو العلا السلاموني، القامة الإبداعية الثرية الناضجة، التي تمثل علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري، عبر إنتاج غزير يموج بالفكر والفن والوعي والثقافة .
تاتي شخصيات المسرحية لتواجهنا بذلك الصراع الناري المتوقد، فنحن أمام الخليفة أبو بكر البغدادي، خليفة الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروفة باسم داعش، يحاول أن ينسج أوهامه في قلب الدنيا، التفاصيل المثيرة الغزيرة تكشف عن أيديولوجيا المكان، مجلس الخليفة يزخر بالبيارق والألوية السوداء والسيوف والخناجر والبنادق والمدافع والدروع، الرقصات الدموية العنيفة تتم باستخدام الألعاب النارية والأسلحة البيضاء ، الصيحات الوحشية تتضافر مع الأغنيات المرعبة المسكونة بالتهديد والوعيد والإرهاب، والحراس الملثمون يقودون المخرج المسرحي الشهير ماجد، المقيد بالسلاسل ويقتربون من صدر مجلس الخليفة، الذي يرتدي العمامة والملابس السوداء، وقد أخفى وجهه باللثام الأسود، الذي يطل منه عينان حادتان، وحين ينحني الحراس بالتحية ينسحبون، بعد أن تركوا ماجد مقيدا أمام الخليفة.
كان الصمت ينذر بعاصفة قوية - -، الحوار الرشيق المدهش يجمع بين الرجلين، لنعلم أن أبا بكر الخليفة كان زميلا لماجد في المدرسة الأولى، اسمه إبراهيم عواد البدري، تشاركا في ألعاب الكرة وفرق المسرح والموسيقى، وتنافسا على» قصواء «، الصغيرة الجميلة كانت تدهش الخليفة بحسنها الأخاذ، والآن هي زوجة ماجد وبطلة قصة حبهما الجميل فقد عشقا المسرح معا، لكن زميلهما الخليفة أنكر كل الفنون واتهمها بالباطل والبدع والرجس، وانقطعت صلته بكل فريق المسرح، كي ينضم إلى التنظيمات السلفية --، وفي هذا السياق يدور الحوار التالي- -
الخليفة-- هل تنكر أني كنت زميلا لك ؟
ماجد - - هذا زمن قد ولى – ما عاد هناك ما يربطني بك
الخليفة- - بل فن المسرح هو ما يجمعنا، ودعاني أن آتي بك
ماجد - - لا أفهم ماذا يعني المسرح بالنسبة لك ؟
الخليفة - - أعني ما شاهدت من استعراض، أطلب فيه الرأي ؟
أتريد الصدق - - ما شاهدت هنا ليس بمسرح، هذا استعراض للرهبة والعنف
الخليفة - - ماذا يمنع ؟ أولا تؤمن أن المأساة كما قال أرسطو صاحبكم تدعو للشفقة والخوف ؟
ماجد - - هي تدعو لتطهير النفس، وليس للترهيب أو القتل
الخليفة - - سيان أوليس الترهيب أو القتل هما جوهر فن المأساة ؟ أولم يقتل أوديب الأب ؟
ويقتل أورست الأم ؟ وذبحت ميديا الأبناء؟ أهنالك أفظع من هذا عنف ؟
 ماجد - - ذلك مجرد تصوير لحوادث في التاريخ الأسطوري، لنأخذ منها
العبرة والموعظة الحسنة وسداد الرأي .
الخليفة - - أنا أيضا أفعل ذلك وأريدك أ ن تصقله بموهبتك في الإخراج وشهرتك العابرة على وجه الأرض .
ماجد - - أنا لا أفهم لماذا أتيتم بي، وعلى هذا الوضع ؟
الخليفة - - أنت صديقي منذ لصغر، ولا أنسى أنك من رغبتني في فن المسرح والتمثيل، وإذا كنت هجرت
المسرح والعالم أجمع - -، فلأمر أكبر، ذلك أني أسعي لأصوغ العالم وفق رؤاي وأحلامي - -، هل
تعرف ما رؤاي وما أحلامي ؟
ماجد - - ما أعرفه أن هي إرهاب العالم ودمار الدنيا، وقتل البشر في كل بقاع الأرض .
الخليفة - - بل هدم العالم كله كي أبنيه ليحكم بالحق - -، فليس هناك بناء غير بناء الحق على الأرض،
وهو بناء الحكم بما أنزله الله --، وفق مقولته الشرعية - - ألا حاكم سوى الله - -.
ماجد - - لكنك أنت الآن الحاكم و ليس الله .
الخليفة- - أن أحكم باسم الله .
ماجد - - كل طغاة الحكام قديما وحديثا زعموا هذا الزعم .
الخليفة - - ما من أحد منهم يملك ما أملكه أنا من حق وحقيقة، أعني الحق المطلق في الحكم .
هكذا يمتد الحوار، ونعلم أن الخليفة يطلب من ماجد أ يخرج له عرضا كونيا يبهر كل العالم، عرض خشبته الكرة الأرضية والتاريخ البشري، ويضرب له مثلا ليصدق هذا المطلب المجنون العبثي، حيث يرى أن كل العمليات الإرهابية الدموية، فيها الأحداث والشخصيات والتشويق، التراجيديا والمآسي والميلودراما، المؤثرات الصوتية والسينوغرافيا والأزياء القديمة والحديثة، وكل هذه المفردات تجعل الإرهاب عرضا كونيا، يتابعه كل العالم في الميديا، مبهورا تتقطع منه الأنفاس - -، باختصار يطلب الخليفة من ماجد أن يقدم عرضا يحكي عن نظريته ومقولات خلافته في حكم العالم، ليشرح معنى دولة داعش وحقيقتها المطلقة على مجرى التاريخ .
تحت تهديد الخناجر والسيوف والموت يوافق ماجد، ويتفق مع زوجته قصواء، على أن يتحايلوا ويقدموا تأويلا مناقضا لتلك الأفكار، بحيث يظن الخليفة ورجاله، أنه تمجيد لخلافتهم، مع أن العكس صحيح، سيكون العرض فضحا لاستبداد نظام الحكم، وكشف لفساد الخلفاء، وتعرية لمؤامراتهم ومكائدهم وسط جواري وحريم القصر الغارق في الهوس الجنسي الصارخ وفساد الأخلاق، وهكذا يقرران خوض التجربة بما فيها من أخطار أو أخطاء، ويطلب منها أن تثق بحبه الجارف لها، وعبر الانتقالات المدهشة والأحداث الصاخبة والحوارات المتوترة، ندخل عالما أسطوريا غريبا، تدور فيه أقمار وشموس ونجوم وكواكب، وينتهي الاستعراض المهيب المسكون بالدلالات، لنصبح في قلب عالم واقعي مضطرب يموج بالجهل والفوضى والغياب .
تأتي قصواء لتلعب دور الراوي وتحكي عن بدايات الخلافة، التقاطعات تفرض نفسها، والخليفة الإرهابي يعتبر نفسه صاحب التاريخ، يكتبه كما يشاء، فيكرس للطغيان والاستبداد، ويرفض تناول ما حدث حين اختلطت أوراق الدين، بأوراق الحكم وهذا ما حذر منه ابوبكر، وطلب من الناس التقويم إذا ما أخطأ ، وكذلك فعل عمر بن الخطاب،أما عثمان فقد رفض النقد بحجة أن الله هو من ألبسه رداء الحكم وليس الناس، وهنا بدأت أكبر فتن التاريخ خصوصا في عصر علي بن أبي طالب --، وعبر امتداد الحوار الجدلي الثائر يحاول ماجد أ يثبت للخليفة الداعشي، أن نظام الخلفاء هو نظام للحكم البشري، وليس نظاما للحكم الديني، وأن الخلفاء بشر ليس لهم قدسية أو عصمة، منهم من يحكم بالعدل، كما فعل أبو بكر وعمر، ومنهم من ينحاز إلي أقاربه كما صنع عثمان و ومنهم من يزعم أن الحكم لآل البيت، كرأي علي بن أبي طالب ومن يتبعه من الشيعة، وأن هناك فرقا بين الإسلام كدين،وبين الخلفاء كحكام --، لكن الخليفة الإرهابي لا يوافق على التفريق بين الاثنين، مؤكدا أن خلافة داعش ، تمتلك كل الحق المطلق في الحكم، وتستند على أعظم سلاح في هذا الكون وهو سلاح الجان والشياطين، تلك الحالة التي نتعرف على أبعادها عبر لغة الحركة والجسد، التي تأتي غامضة مخيفة، تتخللها رحلة سيزيف، في صورة جني يحمل الصخرة، في محاولات عديدة حتى يضعها فوق القمة دون سقوط، ويظل الخليفة يؤكد علاقته بالجن، ويتذكر قصة فاوست وكيف انتصر علي الشيطان، و هكذا تمتد الحوارات المتميزة الكاشفة لما يحدث في واقعنا الممزق، ليعلم المتلقي أن أمريكا تسعى منذ ربيع الثورات العربية أن تحقق الفوضى الخلاقة، وتعيد تقسيم المنطقة شعوبا وقبائل، ليتنازعوا، ويجد أبو بكر البغدادي وأمثاله الفرصة للانقضاض على الدول الساقطة ليقيموا عليها الولايات والإمارات الهشة، ويصبح بذلك ظل الله على الأرض .
تمتد البروفات وتبعث قصواء وهجا جميلا عبر اعتراضها الدائم على تزييف الأحداث، ويتضح للمتلقي أن الخليفة يعيش عشقا مجنونا بالجميلة قصواء، يهواها ويرغبها ويريد اقتناصها، فيدبر مؤامرته مع الشيطان ليدمر حبها لزوجها، مؤكدا أنه صاحب نظرية إغواء وإخراج الإنسان من الأرض إلى الجنة والفردوس، لذلك فضله الله على الشيطان، وهكذا يأتيان «بعيناء «، فاتنة الدنيا التي وهبت للخليفة حياتها وسحرها، لكنه وهبها لكل رجاله من أجل جهاد نكاح شرعي، وسوف يهديها الآن لماجد، الرجل المشهور القادم من العالم الكافر، الذي يستطيع أن يجذب الآلاف، بما يصنعه من فن المسرح والإخراج، وعليها أن تجتذبه إلى عالمهم، حتى يضمن أن ينضم إليه كثيرين من شباب العالم، ويذكر أن مشاهد عيناء مع ماجد وقصواء، جاءت خلابة الجمال مسكونة بالمعنى والإبهار والمشاعر الحارة المتناقضة، وجماليات الثقة والحب و التي تبلورت حين ترفض قصواء حب الخليفة ورغباته، رغم عنفه وتسلطه وسطوته، مؤكدة أن أمثاله لا يعرف معنى الحب، ولا يتقن إلا مضاجعة البغايا وسبايا الحرب، تلك الحالة التي تأتي كمفارقة ساخنة، فمن الصعب على من يمتلك الحق المطلق أن يعجز عن امتلاك امرأة يهواها .
يؤكد الخليفة أن فلسفته أعظم من فلسفة زرادشت ونيتشة، حيث استطاع هو أن يجعل الأوهام وأخلاق الضعفاء وسيلة للسيطرة على العالم، فلولا الضعف الكائن في أعماق البشر، لما انقادوا خلفه يحمل كلا منهم بارودا ورصاصا وأحزمة ناسفة يقتحمون بها كل عنيد جبار - -، هذا هو ما تكلم به خليفة داعش - - ليس كما يتكلم زرادشت، وفي هذا السياق العنيد المتوتر يأمر الخليفة جاريته المثيرة أن تقوم بمهمة غسل أفكار المخرج، حتى يستغني تماما عن زوجته ولا يقاوم جاريته، التي ستقوم بغرس مقولات السمع والطاعة في كيانه حتى يصل إلى مرحلة العمليات الخاصة والنوعية- -، مرحلة إذا قيل له مت فيموت . وعبر تصاعد الأحداث تتكشف جماليات الكتابة الدرامية المبهرة، وتتفجر مفارقات الوعي و ونعلم أن ماجد لم يسقط في قلب غواية عيناء، التي أعاد إليها وعيها، فأدركت حقيقة وجودها المهزوم، وعاد النبض إلى قلبها لتصبح امرأة حرة، وفي هذا السياق تأخذنا موسيقى سيمفونية دانتي والرحلة إلى الفردوس، تأخذنا إلى دار الأوبرا المصرية، حيث استطاع ماجد والعيناء خداع خليفة داعش، ولم ينسفا دار الأوبرا كما أمرهما التنظيم، ساعدتهما أجهزة الأمن المصرية، وهما الآن يقومان بعرض فني مثير يحكي خطة التفجير .
 لا يزال الخليفة يشعر باستبداد الرغبة في قصواء، مؤكدا أن حقيقة الحب الوحيدة هي المتعة والجنس وسادية العذاب، بينما تواجهه هي أن حقيقة خلافته هي غزو وجهاد وفتوحات من أجل الثروة، والمتعة باسترقاق ونكاح وسبايا وجواري وعبيد وقيان، وغرام بالولدان والغلمان --، وهنا يهجم عليها الخليفة ليقتلها، لكن عودة ماجد تغير المسارات فيتصاعد الصراع المخيف، ويقسم الخليفة أن يحرقهم جميعا،ويخبر قصواء أنه سيمثل بجثتها  بعد الموت، ويظل يردد ---، سوف أنالك ياقصواء ---، سأنالك أخيرا حتى من يعد الموت .
هكذا تنتهي المسرحية الثرية المدهشة، التي تمثل حدثا ثقافيا إبداعيا رفيع المستوى، عرف معه المتلقي  كيف تكلم داعش ..


وفاء كمالو