سيمانطيقا تفسير المسرح

سيمانطيقا تفسير المسرح

العدد 650 صدر بتاريخ 10فبراير2020

 • نبذة مختصرة :
تحلل هذه الدراسة مفهوم التفسير في بيئة اتصالات المسرح . وجوهرها هو معنى هذا المصطلح في مختلف أنواع الفهم – في المراجع المعجمية، وفي السياقات المسرحية والنظرية والتاريخية والفنية . كما تشير أيضا الي التغيرات في فهم مضمون هذا المصطلح اعتمادا علي موضع مستخدمه . ولا تحدد الدراسة فقط أوجه فهم هذا المصطلح في بيئة اتصالات المسرح بل تحدد أيضا الملامح الرئيسية للتفسير المسرحي .
 • المقدمة :
 يستخدم مفهوم التفسير حاليا في علوم المسرح بمعنيين أساسيين . يرتبط الاستخدام الأول بعبارة المسرح التفسيري interpretative theater . ويعالج المفهوم الثاني فهم التفسير كطريقة خاصة ومبتكرة في تفسير النص الدرامي أو أي نص آخر بمفهوم العرض علي خشبة المسرح . ولا شك أن فهم التفسير باعتباره أحد أنواع الفن غير القصصي أو النوع المسرحي هو الأقل شيوعا .
 يشير المصطلح الأول وهو “ المسرح التفسيري” غالبا إلى العروض المسرحية المبتكرة استنادا إلى أعمال مسرحية – أو بالمعنى الواسع – أي نوع من النصوص الدرامية . فالمعنى – التفسير – المصطلح الأقدم المتطابق بشكل سيمانطيقي مع المسرح الأدبي literary theater، والذي يمكن أن يكون له معنى متدنيا في مصطلح المسرح التوليدي reproductive theater . ويستخدم مصطلح المسرح الدرامي Dramatic theater في هذا السياق في نظرية المسرحين الألماني والبولندي وفي بعض أنواع المسرح الأخرى . وتملك النظرية السلوفاكية نفس التقاليد في استخدام مصطلح التفسير مثل النظرية التشيكية .
 ويستخدم المعنى السيمانطيقي الثاني في مختلف سياقات وتحولات الفهم . اذ يشير معنى التفسير بشكل رئيس الى عملية نشأة وإبداع الشكل المسرحي . وعلي الرغم من أنه لم يتم ترسيخ هذا المصطلح جيدا في مجال الانعكاس الحسي receptive reflection، فمن الممكن التعبير عنه بالعبارات التالية : “ الشخصية المسرحية في تفسيرها، أو تفسير المخرج، أو تفسير المخرج لستريندبرج، أو تفسير المخرج للنصوص الدرامية، وتفسير المسرحيات الكلاسيكية، وتفسير العرض المسرحي ... الخ . فما هو معنى هذه المصطلحات :
 • الشخصية في تفسير شخص ما ( بمعنى تفسير الممثل) تؤكد علي الفهم الشخصي للممثل عندما يؤدي الشخصية التي تقوم علي نص درامي . وهي تستخدم غالبا كمرادف للمصطلح الأقدم “ تصوير الممثل للشخصية actor’s portrayal of the character” .
 • لا يشير تفسير المخرج فقط إلى شكل الأداء، ولكنه يشير الي تصوير المخرج في إطار الأسلوب والتفرد التعبيري لتفسيره . ويشير المصطلح بشكل غير مباشر أيضا إلى الفهم النظري للمخرج ونموذج الأداء المسرحي.
 • تفسير المخرج لستراندبرج يعني أنه عند الإشارة إلى إخراج مسرحية ستراندبرج هناك مقارنة لمفهوم المخرج مع المسرحية المختارة، بينما يأخذ في اعتباره كل أعمال الكاتب المسرحي (هذا هو المعنى الأكثر شيوعا، ولكنه يمكن أن يشير إلى أعمال ستراندبرج المفعمة بالحيوية ) .
 • عرض تفسير النص الدرامي علي خشبة المسرح هو الإشارة التي تتركز علي محتوى الكلمة وتفسيرها في العرض المسرحي . وتشير هذه العبارة في نفس الوقت إلى التغيرات السيمانطيقية في النص الدرامي، بداية من ذريعة شكله، وصولا إلى الشكل النهائي .
 • المفهوم التفسيري، والتناول التفسيري، والدراسة التفسيرية للأداء المسرحي ...الخ . كل هذه التعبيرات تعني أن تناول التلقي الأساسي للنص المقدم علي خشبة المسرح يكمن في شرح فهم طبيعته بواسطة المتلقي، وأن إستراتيجية الكتابة المختارة هي مبدئيا مسألة حسم لنوع أدبي معين ( أعني مسألة تفسير ) .
 في كل تركيبة تتخذ كل عبارة يوجد فيها التفسير علي ظل مختلف . ومع ذلك فان التفسير في جوهره لا يزال ينطبق علي طريقة تناول النص وتصفه مما يجعل من الممكن شرحها بطريقة أخرى، مثل لغة النص المفسر . وبرغم سياقاتها وفهمها المختلفين، فانها توفر دائما أساس الاتصال الثابت للفهم .
 • سيمانطيقا تفسير المسرح :
 بالتوافق مع نظرية النص وجماليات التلقي، نستطيع أن نفهم هذا المفهوم بطريقة مختلفة باعتبار أنه فعل يتعلق بجوهر وجود العمل المسرحي . لا يمكن لمفهوم التفسير في بيئة المسرح تسمية إحدى طرق كيفية الوصول إلى النص فقط، أو نوع أدبي يتحقق فيه برهان النص . وهذا يعني أن التفسير حاضر في فهم المتلقي للعمل المسرحي علاوة علي فهم المؤلف  ( سواء علي مستوى النشأة أو الابداع أو التحقق) . ولذلك يمكننا أن نقول ان التفسير حاضر في كل نوع من أنواع تفسير النص، وفي كل مرحلة وأيضا في كل شكل من أشكال وجوده .
 دعوتا أولا ننظر الي فهم مصطلح التفسير انطلاقا من التعريف العام للمعاجم الأساسية ثم نصل الي فهم أكثر تحديدا وفقا لاستخدامه في مختلف مجالات العلوم الإنسانية، وفي النهاية ننتقل في اتجاه أضيق تعريف في نظرية المسرح . وسوف يسمح لنا هذا التناول أن نعرف بوضوح معنى ووظيفة ومكانة التفسير في المسرح، وسوف يساعدنا أن نعرف بدقة شكله المسرحي . وسوف ننتقل فيما بعد الي تعريف مضمونه الوثيق الصلة بالمسرح .
 تشير المعاجم العامة والمعاجم الأخرى التي تصف العلاقات السيمانطيقية والتعبيرات الأخرى بين الوحدات المفرداتية الأساسية الى مجموعات المعاني الأساسية المتطابقة مع معاني كلمة “ تفسير “ .
 ونستطيع أن نقسمها الي مجموعتين . وعلي هذا الأساس يمكننا أن نتأمل التفسير باعتباره مصطلح علمي، وتعبير لاتيني يشير الى :
1 - التفسير الجمالي، وشرح أو توضيح (تحليل) العمل الفني ( النص بالمعنى الواسع) الخ .
2 - أداء عمل فني أمام جمهور، بمعنى تجسيد شخصية مسرحية، عزف الموسيقى.
 بالإضافة إلى المعاني السابقة، من الممكن أن يكون لكلمة “يفسر to interpret” معاني أخرى . وهذه المعاني لا تعمق فقط الفهم المبدئي لهذا المصطلح، ولكنها تصف أيضا بدقة أكثر استخدامها العملي الحالي في علم المسرح.
 وتحظى المجموعة الأولي بالتنويعات المترادفة التالية :
 • تحدد الظروف الملموسة التي تجعل شرح التفسير أوضح وأكثر فهما .
 • تفسر عمل المؤلف، وتصف قواعد المسرحية وتوضحها وتنقلها وتعبر عنها وتتواصل بالنيابة عن شخص ما لتقديم تفسير للعمل الفني .
 والمجموعة الثانية من المعاني تتحدد بواسطة أفعال مثل يقدم عملا فنيا، ويؤدي مسرحية، ويولد، ويمثل بنجاح دور الشخصية . وتثري الترجمات اللاتينية لكلمة “ تفسير interpretation”، سواء كانت في شكل اسم أو فعل، خطا راسخا ومقبولا علي نطاق واسع مع المعنى الجديد المثير للاهتمام .
 فالاسم “ التفسير interpretation” يملك بالإضافة إلى المعنى السائد الشرح ومعنى آخر – هو الترجمة أو النقل . وبالمثل يحظى الفعل “ يفسر interpretari” مجموعة واسعة من الترجمات المساوية مثل يشرح، وينقل، ويفسر، ويفهم، ويعرف، الخ . ومن بينها المزيد من الأفعال التي ترتبط بترجمة النص الأصلي الي لغة أخرى، أو تلمس هذا المعنى بشكل هامشي فقط . فطبقا لاستشهاد المنظر الأدبي (أنطون بوبوفيش Anton Popovic)، فان الترجمة تعني “ فك رموز شفرة نص لغوي لخلق لغة وشكلا أسلوبيا جديدين بأقصى قدر من الاحترام للمعلومات التعبيرية والسيمانطيقية للنص الأصلي. فالترجمة أيضا نموذج أسلوبي، في هذا السياق يكون نشاط الترجمة عملية تجريبية ( إبداع شارح ) .
  تستطيع بيئة المسرح بالكاد أن نتحدث عن أقصى احترام للمعلومات التعبيرية والسيمانطيقية فيما يتعلق بالنص الأصلي والترجمة، لأنه مفهوم من خلال علم الأدب مادامت مسائل الترجمة هي المعنية . وإذا أردنا أن نحدد التعريف الدقيق للترجمة في سياق المضمون المسرحي الدقيق ونحافظ علي صياغاتها، فلابد أن نغير كلمة ترجمة بكلمة تحويل . ويجب أن يكون الشكل اللغوي للمصطلح بعيدا عن بؤرة التركيز الأدبية الضيقة ويجب أن يمتد من خلال فهم اللغة الي أوسع المعاني الجمالية والفلسفية، ولاسيما في معناه المسرحي . والتعريف الذي قدمه (بوبوفيتش) آنفا، يلفت انتباهنا إلى حضور الإبداع خلال العملية التفسيرية بينما يوضح بشكل بارز ماهية نوع وأسلوب الإبداع المسرحي التي ربما تظهر في التفسير المسرحي .  كما أنه يخبرنا أين بالضبط، وفي أي موقف، يتحقق الفهم الإبداعي للموقف من خلال المسرح : وأن ذلك يحدث بدقة في ترجمة المعلومات الأصلية إلى لغة مسرحية .  
 بالعودة الى معاجم  اللغة اللاتينية، تظهر كلمة “ تفسير “ بمعنى الترجمة بعنى إضافي . وفي هذا النوع من المعاجم يساعدنا تفسير هذا المصطلح من وجهة النظر الايتمولوجية (علم تحليل الألفاظ ودلالتها) في فهم وضعا آخرا محددا بأن هذا المصطلح يحظى في المسرح ويفهم بوضوح السمات العامة للعملية التفسيرية . فما يحدث أثناء الاتصال المسرحي ليس فقط تفسير النص أو جزء من العمل المعروض لمتلقي آخر . وليس مجرد إظهار أو تفسير النص الدرامي ( ومضمونه) علي خشبة المسرح، بل أيضا تصوير الشخصية بواسطة الممثل علي خشبة المسرح والذي يعكس مفهوم التقديم علي خشبة المسرح . الترجمة أيضا هي جوهر هذه الفعاليات التفسيرية . وبالمعنى الأدبي : ترجمة جزء بعينه أو بعض المعلومات من العمل الأصلي إلى شفرة لغة أخرى ( وهي بلا شك شفرة لغة جديدة ) . فالشيء ( الحقيقة، العنصر، الحدث، الشخصية، الموضوع  .. الخ) الذي نود الاحتفاظ به من العمل الأصلي في الأداء المسرحي، نترجمه إلى نسق من العلامات المسرحية، ونوضحه، ونصوره، بواسطة نسق تعبير مختلف، ومغاير للأصل . فنحن نفسر العمل الفني المسرحي ونوضحه في الزمن والمكان، من خلال أساليب الكلام أو الكتابة التي نستخدم فيها عمليات ابداعية مختلفة تماما لالتقاط المادة السيمانطيقية . ثم يصور الممثل الشخصية لفظيا في اطار المفهوم المرتبط بالفن الدرامي والفن الإخراجي .
 • بيئة المسرح :
 في تاريخ التفكير التنظيري للمسرح، التفسير هو الأكثر شيوعا باعتبار أنه علي عكس النهج التقليدي لتقديم النصوص الدرامية علي خشبة المسرح التي تقوم علي السعي الى تحقيق الاحترام الكامل لها علي خشبة المسرح .
 ففي بيئة المؤلف – التأمل المسرحي – يوافق المخرج المسرحي الفرنسي (جان فيلار Jean Vilar) علي الرأي القائل انه اذا احتوى النص الدرامي علي النص الأساسي، فان الاخراج في هذه الحالة هو تفسيره . وحتى في حالة ما اذا كان التفسير غائبا عن عملية الإخراج، فان حضور الممثل علي خشبة المسرح يكون مجرد نفاق . وقد ذهب المخرج الايطالي (لوكا رونكوني Luca Ronconi) الى أبعد من ذلك في تأمل علاقة النص والإخراج باعتبار أنه تفسير له . ففي أعماله يفضل  بناء التقديم علي خشبة المسرح الذي يأخذ في اعتباره العديد من التفسيرات التي تتحفز مباشرة بواسطة النص نفسه . ومن خلال مصطلح التفسير، يصف المخرج المسرحي والسينمائي الروسي (سيرجي ايزنشتاين  Sergei Eisenstein) أحد أنواع عمل الممثل الذي يقوم علي رؤية واضحة للشخصية وصورتها علي خشبة المسرح .
 ويتبع المنظران البولنديان (راتايزاك دوبروشنا Ratajizak Dobrochna) و(أندريه هاوزبرانت Andrzje Hausbrandt) نفس الخطاب أيضا. اذ لا يعتقد (دوبروشينا) أن تقديم النص الدرامي المضاد للأدب علي خشبة المسرح يحقق جزئيا الرؤية التي يمثلها من خلال المسرح . اذ يرى أنه من الضروري الاعتراف الكامل بالأدب الدرامي والمسرح أيضا . فالمسرح ( عرض النصوص الدرامية) بالنسبة له هو التفسير . والتفسير بالنسبة ل (هاوزبرانت) هو الوسيلة التي يتم بها إثراء النص أو فتحه . والشكل النهائي لعرض النص الدرامي هو نتيجة عمل تفسيري ليس فقط من جانب المخرج، بل أيضا من جانب الممثل ويقوم علي تحليل عميق للنصوص والمناقشات حولها . فهو يعتبر تفسير القصص القصيرة ونصوص النثر الأخرى أكثر حرية من تفسير النص الدرامي .
 ويشير التفكير في المؤرخة المسرحية والمنظرة ( ايرينا سلافينسكا Irena Slawinska) في هذا السياق يشير إلى التفكير بعد الحداثي حول أنواع وأهمية التفسير في تاريخ الفكر المسرحي . فهي تتفق مع (بول ريكور Paul Ricoeur) ومفهومه للأسلوبين الأساسيين في التفسير ?}? 1 - تأويل المشكوك فيه وأسلوب توضيح الغموض، 2 - تأويل إعادة البناء والتذكر ( التركيز) ?{? . فهي تعتقد، رغم ذلك، أن كل أنواع التفسير يجب أن تتعاون بشكل متبادل وتستنتج مع بعضها البعض وتكمل بعضها البعض . اذ يجب أن تأخذ فلسفة الموضوع تحديا سيميوطيقيا، إلا أن مسألة التفسير ليست القضية المركزية عند ( سلافينسكا ) .
 ويتأمل منظر المسرح ( جان سيزار Jan Cisar) مفهوم التفسير للمفهوم الذي ينتمي الي الإخراج لأن محتوى الإخراج الموضوعي يجب أن يفسر النسق الشفهي الفرعي ( الدراما، النص الدرامي) . والشرح كعلامة تفسير ذات خاصية ثانوية موجود بشكل رئيس في مجال الفن الدرامي . ففي تنفيذ العمل الفني تكون خاصية التفسير الثانوية حاضرة عندما تتداخل أو تندمج أنواع مختلفة من التفسير . فالتفسير هو عملية تحديث في هذه الحالة، إذا كان يريد أن يفسر النص باعتباره نصا متدفقا. وعندئذ يزيد الطبيعة الإبداعية الشارحة للعمليات التي يتم تنفيذها بواسطة النسق الفرعي لخشبة المسرح . وتعتبر القدرة علي التعبير عن شيء ما بشكل مناسب، وليس فقط اظهاره، ملمحا طبيعيا للتفسير المسرحي، في رأي المخرج الروسي (سيرجي ايزنشتاين)، وبالتالي فان الذين يراعونها هم الممثلون / المفسرون . ويتحدث عالم المسرح التشيكي (فلاديمير مايكس  ( Vladimir Mikesبشكل سلبي أيضا عن المفسرين في علاقتهم بالسفسطائيين – أولئك الذين يغيرون المعاني بطريقة تعترض وتتوقف عن الكلام – عندما يستغلها المفسر لنفسه . وقد أجريت تحليلات لحدود التفسير في المسرح التفسيري بواسطة عالم المسرح والدراما (جان سوتكوفسكي Jan Sotkovsky ) . وكانت نتيجة دراسته تفسيرات تقريبية غير دقيقة وغير متسقة . فهو كمفسر للمسرح يفسر، بالتناظر مع (بيتر بافلوفسكي Peter Pavlovsky) ذلك المسرح الذي يقوم علي النص الدرامي وأن كل ما يأخذه في اعتباره هو غالبا مسرح الدراما .
 ويعالج المنظر المسرحي الأمريكي ( مارفن كارلسون Marvin Carlson) في كتابه ( نظريات في تاريخ المسرح Theories o Theater History  ) مفهوم التفسير بشكل بارز . فتاريخ الفكر النظري فيما يتعلق بالمسرح، في رأيه، هو تاريخ مختلف أنواع تفسيرات المفاهيم المركزية في الجماليات المسرحية في كل فترة أسلوبية ( المحاكاة، التطهير، الصراع، الالتباس، الروح ) . فهو يغطي مجموعة من دلالات الألفاظ لاستخدامها في سياق غير مسرحي .
 ويفهم (باتريس بافيس Patrice Pavis) المنظر المسرحي الفرنسي في كتابه “قاموس المسرح Theater Dixtionary” التفسير بأنه تناول نقدي للنص أو المشهد أو القارئ / المشاهد، والذي يكمن في تحديد المعنى ( الفهم) والهدف (الدلالة) . ويتضمن أيضا عملية خلق الأداء من جانب المؤلف، علاوة علي عملية التلقي من جانب المتفرجين . ويطبق هذا المفهوم أيضا علي عمل الممثل علي خشبة المسرح، التي تخلق المعنى من خلال التفسير والعلامات المسرحية التي تظهر نتيجة لبناء النسق، وليست نتيجة وجوده . ويمتد ( بافيس) أيضا الي ثلاثة أنواع لتفسير المتلقي : تفسير تأويلي – دلالي، وسيمانطيقي وتعددي . والتفسير عنده أيضا هو فن الفهم، الذي يقوم علي الاعتقاد بأن النص يلفت إلينا . ورغم ذلك يعترف المشاهد بشرعية النص، لأن المتلقي عندما يقرأ النص أو يشاهد العمل الدرامي ينفذ إلى الوظيفة الخيالية لمبدعيه ( مصادر مخطوطة النص ) يطور تخيله بنفسه . ويتناول ( أمبرتو ايكو Umberto Eco) بفكره التفسيري مسألة التفسير السيميوطيقي للعرض المسرحي .
 وباستخدامه لقصة الكاتب الأرجنتيني ( جورج لويس بورخيس Jorge Luis Borges) عن “ ابن رشد “ الفيلسوف العربي المهم في العصور الوسطى، يصل (ايكو ) الي تفسير الأداء المسرحي ( العرض والدراما) من منظور التصنيف التقليدي للعلامات . وفي هذه القصة القصيرة يكتشف “ ابن رشد” أعمال أرسطو، وبالتالي كلمتين مجهولتين له هما “ الكوميديا والتراجيديا “ اللذان لم يستطع الفيلسوف تعريفهما حتى باستخدام تجربة المسرح المباشرة مع شريك مناقشته . وبينما يتأمل هذان المفهومان الغامضان، كان الصبية يلعبون لعبة المؤذن في فناء نفس المبنى، ويقول “ أنا المؤذن “ . وهذا هو أكثر أمثلة فهم طبيعة المسرح النموذجية ومادة علامته . وقد فهم ( أمبرتو ايكو) التفسير السيميوطيقي للعروض المسرحية عن طريق أمثلة عالم السيميوطيقا الأمريكي ( تشارلز ساندرز بيرس) حول السكير، الذي تم فضحه بواسطة جيس الخلاص كتحذير علني ضد إدمان الكحول . وقد جاءت استنتاجات ( ايكو) كالتالي :
 • لا يوجد فرق بين صورة السكير وكلمة سكير، لأن الرجل السكير ( عند بيرس) علامة ( تتمثل بواسطة شخص ما سكير، ويشير حضوره المادي الي شيء غائب ) .
 • ربما تشير صفة السكير أيضا الى عدد من المضامين الأخرى ؛ منها أن تفسير الحضور المادي لحالة السكر تحت أي بدائل يعتمد علي تقاليد مسرحية وتركيب العروض المسرحية .
 • بحضور حالة السكر تم اختيار الشخصية من الأجسام المادية الموجودة، فهي معروضة وواضحة، مما يعني أنها ظاهرة (أسلوب عدم تحقق الشيء حتي يمكن أن يمثل كل النوع )
 • حالة السكر هي علامة علي المربع الثاني ( المربع الدلالي) لأن السكير يؤدي دور أنه ليس سكرانا .
 • في حالة الممثل فان هذا المربع الدلالي يقدم في عروضه الدرامية نوعين من فعل الكلام : 1 - أنه  بيان أدائي – “ أنا ألعب الدور “ . فهو ضمنا يقول الحقيقة، لكنه يعلن من وجهة نظره أيضا أنه سوف يكذب . 2 - يتم تمثيل الممثل بواسطة بيان زائف، الذي يؤدي الممثل الشخصية من خلاله ( وهذا مأخوذ عن عالم الاثنوجرافيا والفولكلور الروسي (بيوتر جريجوفيتش  بوجاتريف ) الذي يشير إلى أن العلامات في المسرح هي علامات لأشياء ). ففي المسرح يمكن أن تحيل الإشارة إلى دلالة والعكس بالعكس .
 وقد درس عالم المسرح التشيكي (زيدنيك هورنيك( Zdenek Horinek بعمق مشكلة التفسير بعمق في مقاله “ التفسير والإبداع Interpretation and creation”، اذ تناقش أهمية مفهوم التفسير بمعنى تعريف التفسير، وفهم دور الممثل والترجمة . فقد وصلته دلالات كلمة تفسير ومقارنتها بالموقف في في البيئة المسرحية الي حجة عن أهمية التمييز بين التفسير والإبداع . ويعتقد أيضا أن كل عمل من أعمال الفن المدركة، وكل عمل مسرحي أيضا، يعني التفسير . ومع ذلك لا نعتبر طبيعتها الإبداعية  تفاصيل خاصة بالتفسير علي خشبة المسرح، ولكن يرجع ذلك إلى حقيقة أن هدف العمل المسرحي ليس التفسير الدقيق للنصوص الدرامية يل لخلق التسمية، ويعني ذلك المسرح الحي بأصدائه .
 والطريقة الأكثر جوهرية هي أيضا مسألة التفسير المسرحي التي عبر عنها الباحث المسرحي (بيتر بافلوفسكي) في تعريف المسرح التفسيري في قاموس “ تعريفات المسرح الأساسية “ حيث يفهم التفسير بأنه تفسير للأعمال الفنية (مثال لها في المراجعة النقدية) أو تحقيق لوسائل الاتصال  (وهو أيضا تفسير الي حد ما) . وحيث أن عمل المسرح التفسيري هو تفسير لعمل أدبي أو عمل أدبي موسيقي، فان كل أداء هو تنفيذ (تفسير) لعرضه، ولكن في المسرح التفسيري فان التقديم علي خشبة المسرح هو التفسير نفسه .
 ويقول السيميوطيقي (ميروسلاف بروشيزكا) أن المتطلب الهام لتفسير النص الدرامي – سواء كان ناتجا عن علم أدبي أو علم مسرحي – فهو فكرة أن الكلام في العمل الدرامي هو فعلا جزء من حدث درامي أكبر، التي تترابط فيها وسائل الاتصال الشفهية وغير الشفهية . ويقترح أيضا أن أي نوع من تفسير أو تحليل النص الدرامي يجب أن يعتمد أيضا علي ازدواجيته . فازدواجية وظيفته تعني أن النص دائما هو الذي يتم تحديده مبدئيا بواسطة الميل الي التصوير المسرحي . ثانيا يمكنه أيضا أن يعمل في الاتصال الأدبي باعتباره موضوع تلقي القارئ .
 وبالتالي من وجهة نظر الاتصال الأدبي فان النص الأدبي يتجه الى المسرح، فهو أساس العرض المسرحي، وهو المكون الأساسي للاتصال المسرحي والقراءة الأدبية . لأن النص الدرامي، في إطار الاتصال الأدبي، مجزأ وهجين غالبا ، فان وحدته الدلالية تتحقق من خلال ملاحظات المؤلف . وفي إطار نظرية النص، يتأمل (بروشيزكا) النص الدرامي باعتباره حلقة وصل استمرارية النص : وهذا يعنى نوع النص، الذي يبني العلاقات مع أنواع الفن الأخرى بشكل طبيعي . وهو أيضا النص الذي يعكس مشكلات الممارسات الفنية والموضوعات والأفكار الرئيسية ووسائل التعبير .. الخ وكذلك أيضا المشكلات الأدبية والمسرحية .
 والاستهداف المزدوج للنص الدرامي في المجالين الأدبي والمسرحي كالتالي :
النص الدرامي باعتباره أدبا     النص الدرامي كنص مسرحي
الكلام    الإثبات (الإظهار)
شبيه الجذع    فعل متكامل
التهجين    تكافل الوسائل الشفهية وغير الشفهية
المناجاة /الماضي/ التركيز    الحوارية / الحضور/ التركيز
علي مصادر اللغة المكتوبة /    علي مهارات الكلام / الإجازة
التحليلية/ مختلف ملحوظات    ومصادر لغوية نظيرة .. الخ
الأسلوب الأدبي/ ان وجدت    ملاحظات كوصف لمشهد
    الفراغ المسرحي، وسائل
    الممثلين، وإرشادات المخرج
الكلام كفعل    الكلام جزء من الحدث
الشخصية محددة بشكل نهائي    مواجهة مع الكلام وإشارة مع
أو محددة في إشارة أو لمحة في    رؤية مشهدية / شخصية،
الكلام                ومفهوم للشخصية الدرامية
متابعة الدمج ووحدة    مواجهة مع قوى التعبير
التعبير علي مستوى اللغة    المسرحي
التي تحدث كتدفق    القصة كفعل فوري
الشخص الدرامي /الشخصية    التركيز علي الشخصية
الاستقلال النسبي للنص    الدرامية عير المستقلة :
    معالجة نص المخرج –
    العرض علي خشبة المسرح
 تمثيل جماليات اللغة    تمثيل جماليات اللغة /
    عرضيا / الاعتماد علي
    الوظيفة في تشكل جمالي أوسع
 مواجهة مع الأنواع الأدبية    مواجهة مع أنواع المسرح  
                وإجراءات العرض
 وقد تعامل منظر السينوغرافيا (ألبرت برازاك Albert Prazak) في دراسته “تفسير المساحة السينوغرافية Interpretation of Scenographic Space” مع مشكلة تفسير المساحة السينوغرافية . ويقول ان المساحة السينوغرافية توجد كتفسير لأن المشاهد يدخل في تخيلها، عندما يصادف اتحاد العمل الفني الممثل والمشاهد في الزمن والمكان . وبالتالي فان الشرط المسبق لتكوين المساحة السينوغرافية هو تفسيرها ويحدث التفسير دائما في اطار مفاهيم فكرية – وبالتالي تماشيا مع روح المنهج السينوغرافي . تعتبر المنطقة المشهدية التي تم ادراجها علي خشبة المسرح هي دائما نتاج فراغ سينوغرافي فحسب .
 وقد استخدم عالم المسرح (فسلاف سيبيك Vaclav Cejpek) في عمله الذي يحمل عنوان “ الملاك الأسود The Black Angel” منهجا مسرحيا تفسيريا كليا . فعندما فسر المعنى في أعمال الكاتب المسرحي النمساوي ( توماس بيرنهارد Thomas Bernhard) لم يضع في اعتباره سيرته الذاتية، بل أيضا أعماله الأدبية والفلسفية والتأثيرات الأخرى . وحلل (سيبيك) أيضا بنية ولغة مسرحيات (بيرنهارد)، وضمنها تحليلات توجه الكاتب المسرحي لحياته وأحد شخصيات مسرحيته . فهو يتأمل  شخصيات (بيرنهارد) باعتبارها التعبير المجهول عن الملائكة السوداء، ورموز الأشخاص ذوي الإنسانية المتنامية ولكنهم لا يفقدون رؤيتهم الضبابية للعالم .
 ويفهم ( مارتن بازيل Martin Bazil) التفسير باعتباره منهجا منفصلا لتناول النص، ويشمله ضمن التفسير الأدبي الأساسي، حيث يمكن، مثلا، أن تكون طبيعة النص نفسها مشكلة، سواء علي مستوى حفظه أو أصله . في نقاش حول أنواع التفسير يمكن أن نضيف أيضا تعريف للتفسير المسرحي للدراما قدمه ( بيتر بافلوفسكي)، ينشأ عندما تقرأ بصوت عال للمشاهدين . أو سمات التراجيديا في النصوص القديمة التي قدمها ( زيدنيك هورينيك Zdenek Horinek)، والتي تنشأ من تفسير ميتافيزيقي للنوايا والأفعال الإنسانية . فالأحداث التراجيدية – موت وسقوط وتضحية البطل التراجيدي – يستقبلون معنى ايجابي متحرر عندما تشاهد في سياق موضوعي ولا زمني، سواء كان أساسه أسطورة  أو عقيدة أو نظام علماني معياري للأوامر والنواهي الملائمة وغير المشروطة .
 وفي سياق علم المسرح عمل الباحث السلوفاكي ( بيتر كارفاش Peter Karvas) مع مفهوم التفسير في مجال الإخراج والعمل الدرامي . ويرى أن عمل المخرج مع المسرحيات هو التفسير، لأن المخرج ليس مؤديا للدراما فقط، بل إنها مفسرها أيضا . فالنص هو نتيجة عمليات مركبة وأن المخرج يتخذ قرارات معقدة، علي أساس الإرشادات المشفرة في النص، بينما أثناء الأداء يؤثر المشاهدين دائما في التجسيد المسرحي النهائي، الذي يكون دائما تفسيرا مميزا للدراما  غير قابل للنقل والترجمة  . فالمخرج يفسر الدراما للممثل الذي يفسرها بدوره للمشاهد . لذلك فان الممثل هو شكل التفسير الشخصي للدراما .
 • الخاتمة :
 التفسير في البيئة المسرحية له خصائصه التي يكمن جوهرها في حقيقة أن التفسير ليس فقط للنوع الفني الذي يفسر من خلاله النص المسرحي، بل أيضا للطريقة الإجرائية لوجود متلقي العمل ومبدعه أيضا . فالمشاهد يدخل في عملية التلقي باعتباره المفسر المباشر والفعال لعلامة بنيات الأعمال المسرحية وليس فقط كمتلقي سلبي . فموقف اتصاله هو موقف تفسيري، بمعنى الطريقة التي يتم بها فهم العمل في سياق علاقات اجتماعية وذاتية .
 ومشاركة المشاهد في العرض أو في قراءة النص الدرامي هي دائما فعل لابداع النص لأن النص الذي يتم تفسيره من جديد في رؤية شكل ونتيجة هذا التفسير هو رد فعل للتعبير المسرحي، بمساعدة القراءة الواعية للمشاهد .
.............................................................................................
 • داجمار انستيتوريسوفا (Dagmar Institorisova) مؤرخة ومنظرة للمسرح في سلوفاكيا. وهي تعمل استاذا في الجامعة الأوروبية في براتسلافا. ومن أبرز أعمالها “تفسير المسرح Interpretation of theater” عام 2010 .
 • وقد نشرت هذه المقالة في مجلة “ Xlinguae Journal في المجلد رقم 8 الصادر في أبريل عام 2015 .


ترجمة أحمد عبد الفتاح