العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020
الفنان القدير بشارة واكيم (واسمه بشهادة الميلاد: بشارة خليل يواقيم) ممثل ومخرج ومترجم لبناني الأصل، ولد في 5 مارس عام 1889 بمحافظة القاهرة بحي “باب الشعرية”، درس في مدارس “الفرير” بالخرنفش، ثم التحق بكلية الحقوق الفرنسية لكنه لم يتم دراسته فيها.
ظهر لأول مرة على المسرح عام 1912 في مسرحية “مطامع الرجال” التي قدمتها جمعية “إحياء التمثيل العربي”. احترف التمثيل عام 1917 بفرقة “جورج أبيض”، حيث شارك بالتمثيل في مسرحياتها العربية والفرنسية، وكشف من خلالها عن موهبته الفنية. وقد رفضت عائلته عمله في الفن وعدم استكماله لدراسة القانون، ومن المفارقات الدرامية في حياته أنه عندما انضم إلى فرقة جورج أبيض اضطرته أحد مشاهد التمثيل إلى حلق شاربه، وطرده أخيه الأكبر من المنزل لأنه رأى أن “بشارة” قد تخلى عن رمز الرجولة ليعمل “مشخصاتي”، فاضطر للمبيت فى أروقة المسرح. كما كان عمله في الفن سببا أيضا في فسخ خطوبته من أول فتاة أحبها، وكذلك في اتخاذه لقرار عدم الزواج نهائيا، وذلك بعدما فشله في الحب مرة أخرى بعدما أحب بصدق الفنانة ماري منيب وعرض عليها الزواج ولكنها رفضته. وبالفعل التزم طوال حياته بقراره وعاش وحيدا (أعزبا) إخلاصا لقصة حبه التي لم تكتمل بالزواج كما كان يحلم.
شارك بعروض معظم الفرق المسرحية آنذاك سواء تلك التي الفرق التي تقدم مسرحيات تراجيدية أو مسرحيات كوميدية واستعراضية ومن بينها فرق: “عبد الرحمن رشدي”، “أمين صدقي وعلي الكسار”، “أولاد عكاشة”، “منيرة المهدية”، “أمين صدقي”، “بديعة مصابني”، “فاطمة رشدي”، “عقيلة راتب”، وأختتم السنوات الأخيرة من مسيرته الفنية بفرقة “الريحاني”، ولم يبتعد عنها إلا لفترت قصيرة عمل خلالها مخرجا وممثلا لبعض عروض فرقتي: “بديعة مصابني”، و”عقيلة راتب”.
وبخلاف موهبته الأصيلة وقدراته الأدائية تمتع بعدة مواهب ومزايا أخرى ساهمت في تميزه وتفوقه ومن بينها: عشقه للقراءة وثقافته الموسوعية وتمتعه بموهبة نظم الشعر، وإتقانه للغة الفرنسية، وأيضا أتقانه للغة العربية، التي تعلمها عن ظهر قلب من حفظه للقرآن الكريم، فبالرغم من أنه قبطي إلا أنه اعتنق وجهة النظر التي تقول: “إن من يُريد أن يتثقف في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن الكريم ويفهم معاني آياته”، وذلك بخلاف إتقانه للهجة الشامية ببراعة، حتى أن الكثيرين اعتقدوا بأنه ولد لأصول شامية، لكن حقيقة الأمر إنه كان دائم الاختلاط والصداقات بجيرانه الشوام بالفجالة، كما كان دائم السفر للشام ما أكسبه اللهجة بسهولة.
قام عام 1927 بتكوين فرقة مسرحية باسم “الفرقة المستقلة” ولكنها للأسف لم تستمر إلا لفترة قصيرة، وفي عام 1930 قام بتكوين فرقة “مصر” التي قامت برحلة طويلة إلى بعض البلاد العربية الشقيقة ثم توقف نشاطها في العام التالي.
اشتهر بأدائه الفكاهي خاصة في أدوار “الشامي” التي برع في تجسيدها وظل يؤديها لفترة طويلة، وإن كان لم يتجه لإداء هذه الشخصية إلا في مرحلة متأخرة من حياته الفنية، وبالتحديد بعدما انضم لفرقة “الريحاني”، حيث ارتدى قناع هذه الشخصية الظريفة خفيفة الظل وسليطة اللسان أحيانا وصديق البطل في أغلب الأحيان.
ترجم واقتبس عن الفرنسية عدة مسرحيات من بينها على سبيل المثال: “أحب أفهم” (عن حلاق أشبلية”)، “أنا وهو”، “فوت”، “بسلامته بيصطاد” (للكاتب الفرنس جورج فيدو)، الجبارة (ترويض النمرة لوليم شكسبير)، أوبرا “شمشون ودليلة” (سان صانس)، “الرئيس بولمان”، “اللؤلؤة”، “بحد السيف”، “الجزاء الحق”، “أهو كده”، “الأستاذ برغوت”. وقد قدمت تلك المسرحيات عدة فرق من أهمها فرق: “أولاد عكاشة”، “رمسيس”، “فاطمة رشدي”.
تضم قائمة مشاركاته المسرحية عدد كبير من المسرحيات المتميزة وفي مقدمتها الأعمال التالية: رحلة بريشون، باسم القانون، حورية هانم، الشرف الياباني، قمر الزمان، سيرانو برجراك، الوطن والشرف، بيزنطة، السلطان عبد الحميد، مصرع كليوباترة، هملت، الغندورة، شمشون ودليلة، أهو كده، الرئيس بولمان، اللؤلؤة، أحب أفهم، مطامع وصي، الدنيا لما تضحك، حكم قراقوش، حسن ومرقص وكوهين.
كان فيلم “ابن الشعب” عام 1934 من أوائل الأفلام التي شارك فيها واستطاع من خلالها لفت الأنظار إلى موهبته ومهاراته الأدائية وخبراته، فحقق من بعده شهرة سينمائية كبيرة ونجح في تحقيق نجوميته، ومن أفلامه المهمة أيضا التي أكدت موهبته وخفة ظله وقدراته الكوميدية: الحب المرستاني، عريس من إسطنبول، الدفاع، ملكة المدارس، بواب العمارة، الغندورة، ليلى بنت مدارس، ليلى بنت الريف، ليلة الفرح، بحبح في بغداد، لو كنت غني، طاقية الإخفاء، لعبة الست، رابحة، الأبرياء، رصاصة في القلب، الفلوس، غرام وانتقام، الحب الأول، عودة طاقية الإخفاء.
جدير بالذكر أن الفنان بشارة واكيم تعرض لوعكة صحية في أثناء قيامه بتمثيل دوره في مسرحية “الدنيا لما تضحك” مع نجيب الريحاني، وارتفع ضغط دمه جدا وانحبست أنفاسه، وعندما تأزمت حالته الصحية طلب منه الفنان نجيب الريحاني أن يستريح قليلا، ولكنه لم يقبل وأصر على الإستمرار في العمل حتى انهار يوما مما استدعى حجزه داخل المستشفى، ولكنه مع ذلك نجح في إقناع الطبيب بأنه إذا سمح له بالذهاب إلى المسرح يوميا للفرجة فسوف تتقدم صحته، وبالفعل سمح له بالذهاب إلى المسرح يوميا لمدة ساعة واحدة، وبالفعل تحسنت حالته الصحية. وقد استمر في العمل بالمسرح حتى بعد إصابته بالشلل، ثم انتهاء رحلة عطائه برحيله عن عالمنا في 30 نوفمبر عام 1949 (عن عمر يقرب من ستين عاما).
هذا ويمكن تصنيف مجموعة المشاركات الفنية للفنان القدير بشارة واكيم طبقا لاختلاف القنوات الفنية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا - إسهاماته المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنان بشارة واكيم فهو المجال الذي بدأ من خلاله ممارسة هوايته لفن التمثيل، كما تفجرت من خلاله أيضا موهبته التي أثبتها وأكدها من خلال عمله بعدد كبير من الفرق وتعاونه مع عدد كبير من كبار المخرجين، ولذا كان من المنطقي أن يشارك في بطولة عدد كبير من المسرحيات المتميزة، وأن يقوم بتجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية المتنوعة. ويجب التنويه إلى أن بدايات الفنان بشارة واكيم المسرحية كانت من خلال مسارح “عبد الرحمن رشدي”، “أمين صدقي وعلي الكسار”، “أولاد عكاشة”، “الريحاني”، هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعماله المسرحية طبقا للتتابع التاريخي مع مراعاة إختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج إلى ثلاث أقسام طبقا لطبيعة عمله ممثل أو مخرج أو مترجم أو معد كما يلي:
1 - في مجال التمثيل:
- فرقة “عبد الرحمن رشدي” (شركة التمثيل العربي): توسكا (1918).
- فرقة “بشارة واكيم” (وداي النيل): تعاليلي يا بطة (1919).
- فرقة “أمين صدقي وعلي الكسار”: البربري حول الأرض، التلغراف (1922).
- فرقة “أولاد عكاشة” (ترقية التمثيل): علي بابا، المرأة الجديدة، الحماة، البروكة (1926).
- فرقة “فاطمة رشدي”: تيودورا (1927)، توسكا (1933).
- فرقة “رمسيس”: بسلامته بيصطاد (1928)، ثلاثة عرسان وعريس (1935)، بنت ذوات (1943).
- صالة “بديعة مصابني”: الجبة المسحورة (1937)، جواز بالجملة (1939)، بطيخة حا تتجوز، بنت رومية (1940)،
- فرقة “الريحاني”: 30 يوم في السجن (1940)، الدنيا لما تضحك، حكم قراقوش، حسن ومرقص وكوهين.
وجدير بالذكر أنه ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها قد تعاون مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: عزيز عيد، علي الكسار، يوسف وهبي، عمر وصفي.
2 - في مجال الإخراج:
ساهم الفنان بشارة واكيم بإخراج عددا من المسرحيات والأوبريتات والإستعراضات الغنائية والإسكتشات الكوميدية ومن بينها العروض التالية:
- بفرقة “منيرة المهدية”: البريكول (1925).
- بصالة “بديعة مصابني”: تسعة وتسعين مقلب (1939)، بطيخة حا تتجوز، جنان أصلي (1940).
3 - في مجال الترجمة أو الإعداد:
- بفرقة “فاطمة رشدي”: بسلامته بيصطاد (جورج فيدو)،
- بفرقة “رمسيس”: الجريمة والعقاب (فيودور ديستوفسكي)،
- بالفرقة “القومية”: الجزاء الحق (ترجمة).
ثانيا - أعماله السينمائية:
لم تستطع السينما الإستفادة بصورة كاملة من إمكانيات وخبرات الفنان القدير بشارة واكيم وموهبته الكبيرة، فتنوعت أدواره السينمائية بشدة بين مجموعة من الأفلام التجارية التي حاول منتجوها إرضاء رغبات الجمهور وشباك التذاكر!! وبين مجموعة من الأفلام السينمائية الجادة. وإن كان لم يحظ بفرصة البطولة المطلقة - برغم بداياته المبكرة بالأفلام الصامتة - إلا عام 1942 من خلال فيلم “لو كنت غني” من إخراج هنري بركات.
ويذكر أنه كان من أوائل الممثلين الذين عملوا فى السينما المصرية، حيث كانت بدايته السينمائية بالفيلم الصامت “برسوم يبحث عن وظيفة” عام 1923، من إخراج محمد بيومي وبطولة فردوس حسن، فيكتوريا كوهين، عبد الحميد زكي، في حين كانت آخر أفلامه عام 1949، وهو فيلم “حلم ليلة” من إخراج صلاح بدرخان، وبطولة منسى فهمي، نور الصباح، وجيه بدرخان.
هذا وقد وصل رصيده السينمائي خلال ما يقرب من خمسة وعشرين عاما إلى أكثر من مئة فيلما. وتضم قائمة مشاركاته السينمائية الأفلام التالية: برسوم يبحث عن وظيفة (1923)، تحت سماء مصر (1928)، ابن الشعب (1934)، الدفاع (1935)، أنشودة الراديو، بسلامته عايز يتجوز (1936)، فتاة متمردة، صرخة في الليل، الباشمقاول، أصحاب العقول (1940)، عريس من إسطنبول، صلاح الدين الأيوبي، انتصار الشباب، الفرسان الثلاثة، ليلى بنت المدارس، ليلى بنت الريف (1941)، أحلام الشباب، العريس الخامس، بحبح في بغداد، ليلى، ابن البلد، أحب الغلط، لو كنت غني، بنت ذوات، ليلة الفرح (1942)، كليوباترا، قضية اليوم، نداء القلب، وادي النجوم، الطريق المستقيم، رابحة، بنت الشيخ (1943)، غرام وانتقام، كدب في كدب، تحيا الستات، شهداء الغرام، سيف الجلاد، الأبرياء، وحيدة، عريس الهنا، طاقية الإخفاء، حنان، البؤساء، رصاصة في القلب (1944)، أول الشهر، الحظ السعيد، الجنس اللطيف، الصبر طيب، قصة غرام، الفنان العظيم، قلوب دامية، الحب الأول، البني آدم، الآنسة بوسة، جمال ودلال، الفلوس، ليلة الحظ، ليلى بنت الفقراء، أحلام الحب، كازينو اللطافة، حسن وحسن، البيه المزيف، ليلة الجمعة (1945)، ليلى بنت الأغنياء، سر أبي، لست ملاكا، ملاك الرحمة، لعبة الست، عروسة للإيجار، هدمت بيتي، صاحب بالين، مجد ودموع، المغني المجهول، غرام بدوية، رجل المستقبل، عودة طاقية الإخفاء، الماضي المجهول، أم السعد، الغيرة (1946)، ابن الشرق، البريمو، لبناني في الجامعة، القاهرة بغداد، قبلني يا أبي، قلبي دليلي، قلبي وسيفي، القناع الأحمر، غني حرب، المنتقم، نور من السماء، أنا ستوتة، العقل في أجازة، عروسة البحر، معروف الإسكافي، كنز السعادة (1947)، طلاق سعاد هانم، خلود، أميرة الجزيرة، حياة حائرة، عنبر، سكة السلامة (1948)، حلم ليلة (1949).
ويذكر أنه قد تعاون من خلال مجموعة الأفلام السابقة مع نخبة متميزة من كبار مخرجي السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: محمد بيومي، وداد عرفي، يوسف وهبي، محمد كريم، إبراهيم لاما، كمال سليم، توجو مزراحي، إستيفان روستي، أحمد جلال، نيازي مصطفى، أحمد بدرخان، أحمد كامل مرسي، أنور وجدي، أحمد سالم، كامل التلمساني، إبراهيم عمارة، حسين فوزي، عباس كامل، ولي الدين سامح، فؤاد الجزايرلي، السيد بدير، عبد الفتاح حسن، حسن رمزي، حلمي رفلة، صلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، حسن حلمي، جمال مدكور، وذلك بالإضافة إلى بعض المخرجين الأجانب ومن بينهم الأساتذة: توليو كاريني، موريس أوبتكمان، الكسندر فاركاش، ماريو فولبي.
وكان من المنطقي أن يتم تتويج تلك المسيرة الفنية الثرية ببعض مظاهر التكريم بمصر، ولعل من أهمها حرص جميع أصحاب الفرق المسرحية وكذلك المنتجين السينمائيين على مشاركته في أعمالهم، وأيضا تلك الجماهيرية الكبيرة التي حققها، حيث نجح في كسب حب وإعجاب واحترام وتقدير الجمهور حتى آخر يوم في حياته، فهو حقا صاحب مسيرة فنية ثرية نجح خلالها في حفر مكانة خاصة له في قلوب الأجيال المتتالية بموهبته المؤكدة وتلقائيته المحببة وإبداعاته المتنوعة والتزامه الشديد بالقيم السامية والأخلاقيات الرفيعة، وحرصه الدائم على المحافظة على تقاليد المهنة والتمثيل المشرف للفنان المصري والعربي.