من الألف للواو.. رسالة ضلت طريقها

من الألف للواو.. رسالة ضلت طريقها

العدد 526 صدر بتاريخ 25سبتمبر2017

 عندما تؤدى كل الطرق الى الفراغ التام.. كرسالة ضلت طريقها ولم تصل ولا يملك صاحبها سوى الانتظار بلا أمل.. فأي “مجد” هذا الذى ننتظر أن يصنعه شباب ضلوا طريقهم من الأساس؟!
بغض النظر عن اختلاف نظرة كل منا لفرضية كون المسرح ساحة للاحتجاج او التعبير ام انه ساحة للفن والتأمل الجمالي فحسب.. فإن عرض “من الألف للواو” – تأليف بيتر جمال والذى عُرض في الليلة الثانية ضمن فاعليات مهرجان نوادى المسرح – استطاع ان يعبر عن أن هناك شيء مازال ناقصا وغائبا وبدونه لم تكتمل باقى الاحرف “الهوية” وهذا لغياب حرف الياء. وقد يرى رأى آخر أن العرض من الأساس رسالة ضلت طريقها الى المسرح على اعتبار ان المسرح لم يكن ساحة للاحتاج والتعبير عن الغضب، فجميع أبواب التأويل مفتوحة.
ناقش العرض مشكلات الشباب وأحلامهم التى لا تحقق وما يواجهونه من صعوبات فى الحياة - بشكل عام - ومن صدامات مع السلطة  بشكل خاص، فعلى مستوى الصورة المسرحية كانت أشبه بشاشة سوداء على مجموعة متناثرة من الحروف – بشكل عبثى – وكان الديكور يتكون من كرسيين يرمزان لكراسي السلطة وسلم يصعد عليه شاب متجهاً نحو “الحلم” لكنه سقط في النهاية معلناً نهاية كل شيء نهاية المحاولة ونهاية الامل ونهاية الطريق ونهاية الاستبداد وربما نهاية العرض ايضا.
 تدور احداث العرض فى اللا زمان واللا مكان، مما يضيف على العرض طابع عبثي وهذا بالاضافة لتيمة الانتظار التى كانت تسيطر على العرض، فالممثلان كانا يتبادلان المونولوجات فى مكان فُرض عليهما أشبه بالسجن الذى يحاولان الهروب منه بواسطة السلم ولكنهما يفشلان وما على المتفرج الا “انتظار” تخلصهم من هذا السجن اللعين.. كما أن فكرة اللا زمان واللا مكان بالاضافة إلى إلغاء حرف الياء لتتحول القاعدة إلى شاذة من شواذها وتصبح من الألف للواو يعتبر فى حد ذاته تأكيد على فكرة إنعدام الهوية بشكل عام والهوية العربية بشكل خاص، حيث أن الحروف التى كانت متناثرة على خلفية المسرح كانت حروف الابجدية العربية، لم تكن الحروف الانجليزية على سبيل المثال أو حروف أى لغة أجنبية!
كما تعمد كيرولس ممدوح مخرج العرض أن يقوم بعمل قطع مفاجئ للمشاهد مما يؤدى إلى عدم اكتمالها، كأنه يؤكد طوال الوقت على أن هناك شيء ناقص “من الألف للواو” وليس للياء ويرفض ان يجعل المشاهد يتماهى مع مشهد لآخره كأنه يريد أن يوقظ المشاهد ويستفز وجدانه ويشحنه بطاقة غضب تدفعه ليكمل ماهو مازال مفقوداَ، وهذا اتضح في كل مشاهد العرض التي جاءت ايضا مبتورة ومقطوعة قطع مفاجئ وغير مكتملة مثل مشهد الالتراس الاجنبي الذي يمر بمعاناة شديدة يصل في النهاية للموت!
أن المسرح ساحة مفتوحة للتعبير عن كل ما هو قابل للتعبير، فـ”الاحتجاج” احيانا كثيرا ما يضيف معنى جديد للدراما، وهو ما يجعل هذه النوعية من العروض التي ينتمي إليها عرض “ من الألف للواو” لا تصيب المتلقب بأي نوع من انواع الملل بل بالعكس فقد  يدوم أثرها فى ذهنه لفترة طويلة.
من المحاور الهامة والتى لا يمكن إهمالها فى العرض – والذى يعتبر من الخطوط العريضة من وجهة نظرى – محور العلاقة بين المثقف والسلطة، فكان هناك صوت خفى يتحكم فى مصائر هذان الشابان، كان مصدر هذا الصوت مجهولا بالاضافة إلى كونه عميقاً ومخيفاً، فكان صاحب هذا الصوت يتحدث من طبقة صوت “جراف” وكان يتعمد تضخيم صوته لكى تصل الفكرة إلى أذهان المتفرجين ويتسلل إليهم الخوف الذى يسكن قلوب هاذان الشابان والذذى يوضح مدى إضطراب العلاقة بين الشباب المثقف وبين السلطة كما هو الحال فى الكثير من المجتمعات.. فالمثقف عادة ما يكون على غير “وفاق” مع السلطة، كان هذا الصوت الضخم مجهول المصدر - والذى يمثل السلطة - يستجوب الشابين ويتسائل عن سبب فقدان الحرف الأخير “الياء” وكيف يجرأون على الاعتراض والاحتجاج وإهمال الهوية!
استطاع نص العرض من خلال شخصيات يائسة غير محددة الملامح ليس لها تاريخ محدد ظهرت من خلال لونين هما الأبيض والأسود ومجموعة من الفرضيات والإرتجالات أن يكون صورة “شبه” كاملة عن طاقة غضب لجيل معين مر بظروف ومرحلة معينة (ما قبل الثورة، والثورة، وما بعدها) فلا يمكننا تحديد ملامح درامية معينة للنص، حيث أنه – وكما أشار أيضا الناقد رامز عماد – لم يكن تأليف اصيل لبيتر جمال، ولكنه “تجميع” إعداد لمجموعة قصائد شعرية لبعض الشباب منهم (عمرو قطامش وميدو زهير ومحمد عبدالله و سامح عثمان و مصطفى ابراهيم و أحمد الراوى).
وفى النهاية يبقى السؤال.. هل سنظل كثيراً تائيهن فى اللا زمان واللا مكان، أم سنخرج من الظلمات إلى النور فى وقتاً ما؟؟؟


شيماء حسن