هشام جمعة: «الحفلة التنكرية» حلم طال انتظاره كثيرا

هشام جمعة: «الحفلة التنكرية» حلم طال انتظاره كثيرا

العدد 526 صدر بتاريخ 25سبتمبر2017

صرّحتَ كثيرًا بأنّ «الحفلة التنكّرية» هو مشروع لازمكَ طويلاً، حتى وصفته بأنه حلم حياتك، لماذا الحفلة التنكرية تحديدًا؟ ما الذي جذبك في هذا العمل بشدة حتى استحوذ عليكَ هذا الاستحواذ؟
بالفعل مثّل هذا النص لي حلمًا أسعى لتقديمه منذ فترة طويلة جدًا، تحديدًا منذ 29 عامًا، حيث كنتُ أقدم أولى أعمالي الاحترافية «برلمان الستات» عام 1988 وكان بالمناسبة على مسرح السلام أيضًا، حين حضر الفنان الراحل، النجم محمود عبد العزيز - رحمه الله - لمشاهدة العرض وأُعجب برؤيتي الإخراجية فرشح نص ألبرتو مورافيا، ترجمة أ. سعد أردش كي نعمل عليه، وقال إنّ من يستطيع تقديم سيرفانتس بهذه الروعة، يستطيع التعامل بنفس الروعة مع مورافيا.
حين قرأتُ النص، أسرَني بشدة، ووجدته يتوافق مع أيديولوجيتي وآرائي الاجتماعية والسياسية بالإضافة لتصوري أنّ النص له من السمات والمميزات ما يجعله نصًا خالدًا يتجاوز المكان والزمان فبدأتُ العمل عليه، وسعيتُ لتقديمه.
ولماذا تأجّل المشروع طوال هذه السنين؟ هل هي أسباب رقابية أم أنّ هناك أسبابًا أخرى؟
إطلاقًا، لم يتأخر العرض لأسباب رقابية، وهذه فرصة حقيقةً كي أتوجه بالشكر لإدارة الرقابة على المصنّفات الفنية لإجازتها النص دون أيّة ملاحظة، وفطنتها أنّ النص لا يُقصد به شخص بعينه، أمّا تأخر العرض فكان لأسباب تتعلق بظروف إنتاج العرض نفسه، فبدايةً كنا بصدد تنفيذ العرض فعليًا من إنتاج فرقة المسرح الكوميدي حين كان أ. عصام السيد مديرًا للمسرح وقتها وكان ذلك في عام 1996، ولكن أ. سامي خشبة رئيس البيت وقتئذ، أوقفه وقال إننا لن نقدّم مسرحًا سياسيًا، ولا أفهم صراحةً ماذا يعني هذا المسرح السياسي الذي لا يريد أن يقدّمه، إذا كان كل ما نعيشه في حياتنا هو سياسة، فمأكلنا ومشربنا واقتصادنا وتعليمنا وصحتنا سياسة، السياسة ترتبط بمجتمعنا وحياتنا في الشارع وفي المنازل وفي كل مكان، والمفترض أننا في بلد ديمقراطي وحرية التعبير مكفولة للجميع، المهم أنّ العرض توقف حسب هذا التصور المغلق.
أيضًا حين بدأتُ العمل على النص بعد إشارة النجم محمود عبد العزيز له، وجدتُ أنّ النص لا بد وأن يُقدّم باللغة العربية الفصحى، وهذا كان يمثل بالنسبة لي حقًا من حقوق ألبرتو مورافيا وحقًا لجمهور المسرح المصري أن يتعرف على هذا الكاتب العظيم بهذا الشكل، ولكنّ الفنان محمود عبد العزيز رفض أن يقدّمه بالفصحى.
مرة أخرى، وفي 2012 عدتُ لتقديم المشروع مع الفنان نور الشريف رحمه الله، على خشبة القومي، ولكن مرض نور الشريف ودخوله في سلسلة الفحوصات الطبية والعمليات حال دون إتمام المشروع حتى توفّاه الله، ثم توصلتُ في 2017 للأستاذ محمد رياض ليقوم بشخصية «تريزو» بطل العرض الذي وافق على العرض فاكتمل المشروع أخيرًا، وخرج للنور بعد كل هذه السنين الطويلة، وأتمنى أن يكون هدية جديرة بجمهور المسرح المصري ونكون قدّمنا شيئًا يستحق.
وما الذي - في تصورك - يجعل هذا العرض مناسبًا قبل 29 عامًا ومناسبًا هذه الأيام أيضًا؟ ما السمة التي تعطيه هذه القابلية؟
كما أسلفت هذا نصٌ أعتبره نصًا خالدًا لا يرتبط بفترة زمنية محددة، فهو نص يعيش طويلاً على مدى السنوات، ويمكن تقديمه في أي زمان وأي مكان، فبالإضافة لكونه يمكن أن يقدّم قبل 29 عامًا ويمكن أن يقدّم الآن أيضًا، فهو نصٌ يمكن تقديمه في أي مكان، فيمكن تقديمه في أمريكا أو أوروبا أو أفريقيا، فالنص يتجاوز فكرة الحصر في زمن محدد أو مكان محدد، كما أن النص يستوعب الكثير والكثير من الرؤى الإخراجية لتقديمه وتناوله بأشكال مسرحية مختلفة، فهو يتعرض فيما يُعرف بالملهاة المأساوية أو الكوميديا السوداء للأنظمة القمعية في حكم الشعوب، ويتعرض للنهج الذي ينتهجه الفاشيون والديكتاتوريون في كل مكان وكل زمان. الأهم أيضًا في النص هو أنه يتعرض بالنقد لهذا الشكل الجائر من حكم الشعوب بشكل كاريكتوري ساخر، يشبه في حقيقته لما كان يقدمه العظيمان أحمد رجب ومصطفى أمين في الجرائد المصرية، الذي كان نقدًا بحس ساخر لكل ما من شأنه أن يعطل مسيرة الأمم نحو تقدمها ورفاهيتها في شكل كاريكتوري يصل سريعًا لمن يتابعه.
فالنص بذلك يعالج مسألة متجذرة ولها تاريخ وستظل حية ونراها في مختلف المجتمعات والأزمنة، ويعالجها بطريقة مدهشة بكوميديا عذبة يستمتع بها الجمهور ويتفاعل معها.
هل قصدت تقديم إسقاطات معينة من خلال هذا العرض؟
قولاً واحدًا، المخرج الذي يقدّم إسقاطًا يفرضه على جمهوره ومتلقّيه هو مخرج فاشل، ولو قصدتُ أنا شخصيًا ذلك فأنا مخرج فاشل وأستحق الشطب نقابيًّا ومهنيًّا.
الإسقاط هو حق المتفرج نفسه، فهو الذي يقوم بالإسقاط ويكوّن رؤيته الخاصة حسب مستواه من الوعي والمعرفة والخبرة في الحياة والثقافة التي يتبنّاها، فهناك مستويات في تأويل المسرح وهناك أطياف متباينة ومتعددة تتعامل معها من الجمهور، فما يصلني كمشاهد لعرض ما، قد يختلف عما يصلك، ويختلف عما يصل متلقٍ آخر، فكيف يمكن - كمخرج مسرحي - أن تفرض تصورًا أو إسقاطًا على هذا التنوع في جمهورك؟
كل ما في الأمر أنّ العرض أصبح جاهزًا والعقبات التي واجهت إنتاجه قبل ذلك قد زالت، فظهر العرض الآن.
ما هي مراحل الإعداد للعرض التي استمرت على مدى 29 عامًا؟
أولاً: بعد القراءة المتعمقة للنص، بدأنا باختصاره، فقد كان في ثلاثة فصول، قمنا باختصاره في فصلين، ثم المقدمة النثرية التي قدمناها في شكل مونولوج استعراضي، وقد بدأ رحلة كتابة الأشعار معي، الشاعر العظيم مجدي كامل وأنهاها الرائع فرغلي العربي. هذا بالإضافة لبعض الأجزاء الحوارية النثرية التي تحولت أيضًا لاستعراضات، وبالطبع كل الأشعار والاستعراضات تم تقديمها باللهجة العامية المصرية.
هناك أيضًا العمل على الكوميديا المرتجلة بالعامية التي كانت خروجًا عن النص الأصلي، وكل خروج تم هو أمر متفق عليه بوقته وطريقته.
النهاية أيضًا كانت نصًا نثريًا وقدمناها في صورة المونولوج والاستعراضات الختامية التي قدمتُ من خلالها ربطًا بالمقدمة والوسط والنهاية، وذلك احترامًا للنص ولترجمته، واحترامًا لحق الجمهور في أن يتعرفوا على كاتب عظيم كألبرتو مورافيا بطريقة يستحقها.
باعتبارك مخرجًا، لكَ باع طويل في المسرح المصري، في ظل اختيارك لنص مترجم، بل وإصرارك على تقديمه كل هذه الفترة الطويلة، هل يرجع ذلك - في رأيك - لندرة في النصوص المصرية الجيدة، وهل هناك واقع حقيقي يمثل هذا الادعاء الذي تكرّر في السنوات الأخيرة بأنّ هناك أزمة نص وتأليفًا مصريًّا؟
أبدًا، أرفض هذا الادعاء ولا أتصور إطلاقا أنّ له أية أرضية في الواقع، فلدينا دائمًا وأبدًا كتّاب مسرح عظام ومجيدون، تاريخيًّا أمثال أساتذتنا توفيق الحكيم ونعمان عاشور وصلاح عبد الصبور وغيرهم الكثير والكثير، وهناك من الكتّاب الشباب المبدعين على الساحة الآن الكثير أيضًا ولا أريد أن أحصر الأسماء فأنسى البعض، كما أن لدينا مخزونًا وافرًا من النصوص المصرية، ولكن كل ما في الأمر في حالة الحفلة التنكرية هو موافقة نص «ألبرتو مورافيا» لرؤيتي وتصوراتي سياسيًّا وفكريًّا، فقط هذا كل ما في الأمر.
حدثنا عن نجوم العرض وكيفية اختيارك لهم، ومشوار تبدّل النجوم في تصورك للأدوار منذ بدأت تفكر في تنفيذ هذا العرض.
الاختيار يتجسد أمامي منذ قراءتي للنص، فأنا شخصيًّا قد أستمر عامًا كاملاً في قراءة النص، ولستُ من المخرجين الذين ولا بد أن يخرجوا على الجمهور بعرض مسرحي كل عام، المهم أن مسألة اختياري للممثلين تكون حسب تجسد الشخصية في خاطري منذ قراءة الورق وهذا ما تم مع أ. محمود عبد العزيز ثم من بعده أ. نور الشريف ثم انتهاء بالأستاذ رياض وبقية نجوم العرض الآن، فأنا أرى الشخصيات تتجسد بممثليها.
باعتبارك مخرجًا مسرحيًّا، هل تفضل العمل دائمًا مع نجوم شباك في عروضك؟ أم تفضل المغامرة والعمل مع مواهب فنية لم تحقق النجومية بعد، لكنها تتمتع بالموهبة والإبداع؟
وجود نجوم شباك بالعرض له إيجابيات وسلبيات، ووجود مواهب ليست لها النجومية له إيجابيات وسلبيات، فالنجم تظهر إيجابيات وجوده في العرض حين يكون ممثلاً مثقفًا يعي أهمية ما يقول وأهمية ما يقدّم.
وأنا باعتباري مخرجًا أعمل في الحالتين، فلديك أول عمل احترافي أقدمه، كان فريق العمل كاملاً من طلاّب المعهد، عرض لا يوجد به نجوم أو محترفون، ولم يكن مضى على تخرجي شخصيًّا سوى عام، فكان النجم الحقيقي هو العرض.
وهل هناك نجوم ليس لديهم الثقافة والوعي بما يقدمون؟!
بالطبع، هناك بعض الممثلين لمعوا وحققوا شعبيات جارفة وذلك مع محدودية موهبتهم والعكس صحيح أيضًا، هناك مبدعون وفائقو الموهبة لم تخدمهم الظروف كي يصلوا للنجومية أو يصبحوا نجوم شباك، ولديكَ مثالاً من عرض الحفلة التنكرية نفسه، الممثل المبدع أحمد يوسف، الذي يقدم شخصية «سلفيا» لا يُصنّف كنجم شباك ولكنّ موهبته لا يختلف عليها أحد.
استلمتَ مسرح السلام من عرض «قواعد العشق الأربعون» الذي يمثل «عرض شباك»؛ أي نجح جماهيريًّا، على الرغم من عدم وجود كمّ من النجوم اللامعة مثل عرضك، هل يمثل ذلك ضغطًا عليك وعلى فريق العمل، أم أنك لا تهتم؟
بدايةً دعني أستغل الفرصة كي أقدم التحية والتهنئة لفريق عمل «قواعد العشق الأربعون» جميعهم، خصوصًا المخرج عادل حسّان الذي استطاع أن يقدّم مثالاً لما كنت أتحدث عنه من أن يكون العرض هو نجم الشباك، فهذا العرض كذلك، فعلى الرغم من أنّ بهاء ثروت وهو فنان بالمناسبة لم يحصل على ما يستحق حتى الآن، ومع احترامنا الكامل له، وبقية ممثلي العرض فإنه عرض ليس به نجم أفيش بالمعنى التقليدي لنجوم الأفيش. وأؤكد هنا أن نجوم الأفيش هذه أصبحت ظاهرة سيئة ومنفصلة تمامًا عن الموهبة الحقيقية. في النهاية كان عرض القواعد هو نجم الشباك لأنهم استطاعوا أن يقدموا حالة وتجربة مسرحية جديرة بالاحترام فنجحت جماهيريًّا، إلا أن هذا النجاح لا يؤثر علينا أو يمثل ضغطًا علينا بأية صورة، نحن فقط نركّز على عملنا وعرضنا.
حدثنا عن رؤيتك لمسرح الدولة حاليًا، هل يتخذ - حسب رأيك - مكانته الحقيقية في خريطة المسرح المصري حاليًا؟ وهل يقوم بدوره المنوط به في خلق حركة مسرحية حقيقية؟
مسرح الدولة يؤدي دوره في القاهرة والإسكندرية فقط، ويبقى على مسرح الدولة حتمية الانتقال بعروضه للأقاليم كي يقدّم خدمته الثقافية لأهل الأقاليم الذين لهم حق في الحصول على هذه الخدمة مثل أهل القاهرة والإسكندرية، وهنا أشدد على دور الثقافة الجماهيرية أيضًا التي لا بد أن تقوم بدورها وتهتم بمسارحها وأبنيتها، فليس كل العبء على البيت الفني للمسرح، ولا بد للجميع من القيام بدوره، فالناس تعشق الفن الجيد المحترم، ولا بد أن نقدم لهم ما يسمو بعقولهم وأرواحهم بدلاً من اصطياد شبابنا من قِبَل الجماعات والتيارات المتشددة التي تصدّر لنا التشدد والرجعية على أنها هي الدين، فالحل - في تصوري - يبدأ من هنا، يبدأ بتقديم الفن الراقي وعلى رأسه المسرح الذي يستطيع مجابهة موجات التشدد هذه وإخماد نيرانها، ولا بد أن نصل بها للناس في كل بقاع مصر، لأن الناس تعشق الفن الجيد المحترم، هذا ما نراه ونلمسه في عروضنا وعروض غيرنا طوال مسيرتنا الفنية وهذه هي فطرة الناس السليمة التي تميل للجمال والإبداع ونشر المحبة والتسامح، هذه الفطرة السليمة هي التي نراهن عليها، كما أن عودة الندوات التي تعقب العروض هو أمر في غاية الأهمية لخلق حالة من الحوار والنقاش حول المسرح وجمالياته وحول القيم السامية التي تطرحها العروض وتناقشها، فيشترك الناس وتتشابك مع الفن وتلفظ هذه الدعوات المتشددة والمنغلقة.
هل تتابع مسرح الثقافة الجماهيرية؟
بالطبع أتابع مسرح الثقافة الجماهيرية وأشاهد بعض عروضه، ولي الشرف أنّ لي تجربتين في هذا المسرح مع قصر ثقافة البحيرة وفرقة البحيرة القومية 1991 و1995.
ما رأيك في المهرجان التجريبي؟ وبالنسبة لدورته الأخيرة بعد الانقطاع منذ 2010، هل ترى أنّ إضافة «المعاصر» ليصبح «المهرجان التجريبي والمعاصر»، سمحت بتجارب أكثر ثراء وكانت ذات جدوى، أم تُراها كان لها تأثير سلبي على المهرجان؟
عودة المهرجان التجريبي بعد هذا الانقطاع تمثل مكسبًا كبيرًا وثراء للحركة المسرحية في مصر، وأتصور أنّ تغيير الاسم ليس تغييرًا في فلسفة المهرجان بقدر ما هو إضافة تسمح لتجارب أكثر من داخل مصر وخارجها أن تخوض المهرجان.

 


أحمد منير أحمد