حاور طه حسين ونجيب محفوظ وناظم حكمت و... و... أبانا فوزي سليمان..لا تنسنا حتى نلقاك

حاور طه حسين ونجيب محفوظ وناظم حكمت و... و... أبانا فوزي سليمان..لا تنسنا حتى نلقاك

العدد 524 صدر بتاريخ 11سبتمبر2017

فوزي سليمان هو أحد آبائي المؤسسين الذين تعلمت منهم الكثير، ويبقى لعم فوزي تفرده في تلقيني معنى أن تكون مثابرًا، أن تكون باحثًا عن كل جديد في مجالات الفنون، معنى أن تؤمن بأنَّ الفنون في العصر الحديث تتداخل وتتعانق، ومن ثم ستخسر كثيرًا إن اكتفيت –كناقد- بإحداها.
أفضال فوزي سليمان عليَّ كثيرة، ورحيله خسارة كبيرة، وربما لم أجد سبيلا للتعريف به سوى هذه السطور التي أعرض فيها لكتابه الهام “حوارات في الأدب والفن والسينما والمسرح والموسيقى”.

فى كتابه يتجول بك الناقد فوزى سليمان بين أماكن شتى وأزمنة شتى ليعرفك شخصيات عديدة فى مجالات مختلفة كالشعر والرواية والموسيقى والمسرح والسينما والفن التشكيلى، فالكتاب هو تجميع لمجموعة من الحوارات أجراها الكاتب على مدار سنوات طويلة تبدأ منذ عام 1959 وتنتهى عند العام 1996،  وخلال هذه السنوات السبعة والثلاثين ستتعرف – عن قرب – شخصيات لم تكن تحلم بأنك ستقابلها يوما، بل إن بعضها صار من المستحيل مقابلتها بحكم رحيلهم عن الحياة !
 ولك أن تتخيل –عزيزى القارىء- أنك تجالس الآن عميد الأدب العربى طه حسين، أو كاتب نوبل نجيب محفوظ، أو الشاعر اللبنانى الكبير” ميخائيل نعيمة “ أو المخرج المسرحى سعد أردش، أو كرم مطاوع، أو سنجور شاعر أفريقيا الأكبر ورئيس جمهورية السنغال الأسبق، أو ناظم حكمت شاعر تركيا ومسرحها أو جاك بيرك أستاذ التاريخ الإسلامى فى جامعات فرنسا، أو غيرهم الكثير من الراحلين الكبار.
 ولك أن تتخيل أيضا أنك ستقابل نخبة كبيرة من المبدعين والمثقفين المعاصرين مثل السينمائى الإيرانى درويش مهيرجوى أو الفنانة المغربية ثريا جبران أو المخرج البولندى كريشتوف زانوسى.
الكتاب إذن هو رحلة عامرة بالشخصيات والمعلومات والحكايات، أهم ما يميزها عمق القضايا المطروحة وبساطة الطرح والصياغة الرشيقة التى تكشف رغم بساطتها موسوعية صاحب الكتاب وجديته فى دراسة موضوع وحياة الشخصية التى يجالسها.
موسوعية الثقافة التى يتمتع بها الكاتب وتكشفها الحوارات-والتى ربما ستدهشك عزيزى القارىء- جاءت عبر تاريخ طويل من التعلم والإصرار عليه حسبما تكشفه مقدمة الكتاب المصوغة بتواضع لا يليق إلا بمثقف كبير، فها هو يكشف لك عن جانب من حياته يساعدك على فهم كيف استطاع الإلمام بكل هذا القدر من المعرفة التى أهلته إلى الجلوس مع هذه القامات ينقب فى دواخلها عن مكنوناتها الثمينة، فها هو يشرح وببساطة: “عوامل عديدة ساهمت فى تكوينى الثقافى.. من حسن حظى أننى منذ صباى وجدت مكتبة حافلة لأخى الأكبر نجيب خريج قسم الأدب الإنجليزى والذى كان يعمل فى الرقابة على المطبوعات الأجنبية..”... و “حينما أفكر فى حواراتى هذه، ترجع بى الذاكرة إلى تكليف أستاذى الدكتور شكرى عياد، المشرف على مجلة كلية الآداب، أن أعد حوارا مع الكاتب إبراهيم المازنى، والأديب محمود تيمور.
 قابلت المازنى بجريدة البلاغ بين ركام من الأوراق، أما تيمور فقد كان الحوار فى فيلته الأنيقة بالزمالك، ثم دعانى إلى ندوته الأسبوعية بنادى الجمال بشارع عدلى، ثم أخذت أتردد على ندوة نجيب محفوظ بالدور الثالث بكازينو الأوبرا، لأتعرف نخبة من الأدباء والنقاد، ثم ندوة الأدب الحديث للشيخ أمين الخولى ومريديه، ولا أنسى ندوة نيقولا يوسف بمنزله بكليوباترا الإسكندرية..”.
حياة ثقافية حافلة عاشها فوزى سليمان منذ صباه، وستزداد ثراء بعمله كمدرس بمدرسة الإبراهيمية الثانوية والتى سيعلم فيها مجموعة من التلاميذ سيصبح كل واحد منهم فيما بعد علامة فى مجاله، مثل السيناريست سامى السيوى، وشقيقه الفنان التشكيلى المعروف عادل السيوى، والمخرج السينمائى مجدى أحمد على، والناقد محسن ويفى وغيرهم. 
وها هو يقول أخيرا: (لقد أعطتنى الحياة الكثير فشكرا للعناية الإلهية... ويبدو أنه ما زال لدى الرجل العجوز طاقة للكتابة والترحال حول العالم يشبعنى حب الأصدقاء لى وحبى للأصدقاء..). 
وعلى الرغم من أن هذه الحوارات سبق وأن نشرها الكاتب فى مطبوعات مصرية وعربية مختلفة تتسم كل منها بملامح مهنية خاصة، إلا أنك حين تقرؤها مجمعة فى هذا الكتاب ستشعر وكأنها أعدت خصيصا له، وهو ما يكشف عن جهد آخر قام به الكاتب ليعيد صياغة هذه الحوارات مرة أخرى لتلائم نهرا جديدا ستجتمع بين ضفتيه.
ولأن الكتاب هو مجموعة من الحوارات، فقد أعاد الكاتب ترتيبها وفقا للنوعية لا وفقا لتاريخ إجراء كل منها، لذلك ستجدك فى كل قسم ( أدب، موسيقى، سينما، مسرح، فن تشكيلى...) تتجول بين أزمنة مختلفة وكأنك ركبت فجأة آلة الزمن تنتقل بحرية من أواخر خمسينيات القرن الماضى إلى نهايته. وسيتيح لك هذا الترتيب النوعى اختيار ما يوافق حاجتك وأهواءك من بين قائمة مريحة وسهلة وضعها أمامك الكاتب فى نهاية الكتاب، وهو ما يعطى الكتاب ميزة مضافة تضعه فى مصاف المراجع الهامة للباحثين فى المجالات الثقافية والفنية المختلفة، خاصة وأن الكاتب يذيل كل حوار بتاريخ إجرائه واسم المطبوعة التى نشرته.
“ حوارات فوزى سليمان” هو كتاب للمتعة والتعلم فى آن واحد، فمن بين أربعين شخصية ثقافية سينهل القارىء من ينابيع مختلفة لكل منها مزاجه الخاص المطعم بتقاليد وحضارات البلد التي ينتمى إليها، ممزوجا باختيارت الشخص الفكرية، لتجد نفسك فى النهاية عزيزى القارىء مدفوعا إلى مزيد من بحث عن هذه الثقافة وذلك العصر الذى تنتمى إليه، وهو هدف فى حد ذاته ثمين وكاف ليكون هذا المرجع محفوظا فى مكان بارز من مكتبتك. 
محمد الروبي
 


محرر عام