يوجينيو باربا.. الرقص مع الفراشات

يوجينيو باربا.. الرقص مع الفراشات

العدد 611 صدر بتاريخ 13مايو2019

تتويجا لدورته الرابعة هذا العام (1 - 7 أبريل 2019) قام مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بتكريم المخرج المسرحي والمنظر الكبير يوجينيو باربا بوصفه الشخصية المسرحية الدولية للمهرجان في هذا العام.
ويعد باربا من أعلام المسرح منذ الستينات من القرن الماضي وحتى الآن، فعلى مدار مسيرته الاستثنائية والرائدة استطاع أن يجمع بين الإخراج المسرحي والتأليف والبحث العلمي في مجال المسرح، كما استطاع أن ينتقل بين مختلف الحقول المنهجية والمسرحية التي تتنوع بين انتمائه وترويجه لمنهج جروتوفسكي للمسرح الفقير الذي كان أول من كتب عنه في عام 1964 (بحثا عن المسرح المفقود) وكان كذلك أول من جمع وحرر عمل جروتوفسكيي (نحو مسرح فقير) في عام 1968، وبين دعمه وافتتاحه للبحث في مسرح الكاتاكالي الهندي الذي قام بتقديمه للغرب مصحوبا بمنهج تحليلي للعرض المسرحي، يصعب على الكثيرين حتى اليوم التطرق إلى الدراسات التحليلية للمسرح دون اللجوء إلى منهجيته.
يبدو باربا من ناحية بوصفه رائدا مسرحيا وباحثا استفاد العالم بأسره من منجزه المعرفي، كما يبدو من ناحية أخرى فنانا عابرا للجغرافيا يعمل على إنشاء جسور للقاء بين ثقافات المسرح وأنثروبولوجياته.
عندما كان في مطلع الثلاثينات استطاع باربا أن يؤسس لحلمه الأكبر الذي ظل يغذيه وينميه على مدار خمسين عاما وحتى يومنا هذا، فقد استطاع هذا المسرحي الشاب المغامر - وقتها - أن يخرج من بلده الأصلية إيطاليا، ليعمل في بولندا، ثم في النرويج، ثم يستقر في الدنمارك التي أسس فيها مسرحه وفرقته الاستثنائية «مسرح الأودين» (الذي بدأه في النرويج عام 1964 ثم نقله إلى مدينة هولستبرو الدنماركية في 1966). ولعل احتفاء مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بمسيرة يوجينيو باربا هي أيضا احتفاء بالقدرة على الحلم وعلى الإيمان بتجديد المسرح والتمسك بالجماعة المسرحية. فباربا الذي يعد اليوم علامة مسرحية عالمية بدأ كباربا الشاب المسرحي الطموح الذي يؤمن بقدرته على رسم طريقه الخاص ومدرسته.
تشارك يوجينيو باربا في زيارته للمهرجان الممثلة والمؤلفة والمخرجة جوليا فارلي، شريكة عمره وزميلته بمسرح الأودين. وبينما يقدم باربا ملتقى فكريا نهار يوم 2 أبريل للتحدث حول تجربته المسرحية، تقدم أيضا جوليا فارلي يوم 3 أبريل محاضرة مطولة وتطبيقية حول دراماتورجيا الممثلة. ومن خلال مشاركتهما يجرى تسليط الضوء أيضا على تجربة مسرح الأودين بالدنمارك كحالة خاصة تجمع مختلف مجالات الحياة المسرحية، فالمسرح كبناية يشتمل على ثلاثة أفضية للعرض، وعلى أماكن لإقامة الممثلين، وعلى مكتبة ضخمة، وقاعات للتدريب. كما يعمل المسرح على إقامة المهرجانات الدولية على مدار العام، وعلى تقديم الأنشطة التدريبية والدراسية، وإلى جانب ذلك يشتمل المسرح على دار النشر الخاصة به.
يعود الفضل ليوجينيو باربا في تعريف الغرب بكثير من تقاليد المسرح في بالي وجافا واليابان، مثل الكابوكي والنو والبوتو. كما يعود له الفضل في تأسيس مفهوم المسرح الأنثروبولوجي الذي يدرس فيه تقنيات الأداء في مختلف التقاليد والتجارب المسرحية بصرف النظر عن موقعها الجغرافي، وهو المفهوم الذي قامت عليه المدرسة الدولية للمسرح الأنثروبولوجي (1979) حيث أحيا باربا منهجا عابرا للتخصصات يستطيع الباحثون من خلاله تقديم دراسة مقارنة للمبادئ التقنية التي تتأسس عليها الأشكال الأدائية التعبيرية والأسلوبية. في عام 2019 يعتبر يوجينيو باربا هو الفنان الوحيد الذي جمع بين الإبداع الفني والتنظير ونقل المعرفة المهنية والعمل على الذاكرة الجمعية والبحث العلمي وكذلك استخدام المسرح في سياق اجتماعي كوسيلة لتنشيط العلاقة بين الجماعات الاجتماعية والإثنية المختلفة.
قام باربا بإخراج 77 عرضا مسرحيا تم تقديمهم في 68 بلدا، وقدم 24 كتابا مسرحيا، كما حصل على 15 دكتوراه فخرية من أهم جامعات العالم، وعلى جائزة الأكاديمية الدنماركية، وجائزة نقاد المسرح المكسيكيين، وجائزة بيرانديللو الدولية، وجائزة الجمعية الدولية لنقاد المسرح، والميدالية الذهبية البولندية للفنون. كما يحمل وسام فارس دانبورج الدنماركي، وجائزة «سونينج» الدنماركية التي تمنح للشخصيات التي أثرت في الثقافة الأوروبية، ويطلق عليها الكثيرون «جائزة نوبل المصغرة»، ومن بين من نالها من قبل لورانس أوليفييه وبرتراند راسل وسيمون دوبوفوار برجمان. ألقي يوجينيو باربا في الأول من أبريل كلمة كتبها خصيصا لافتتاح مهرجان شرم الشيخ الدولي وإنجمار للمسرح الشبابي في دورته الرابعة.


نورا أمين