العدد 610 صدر بتاريخ 6مايو2019
تحت رعاية د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وأمانة د. سعيد المصري أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، نظمت لجنة المسرح بالمجلس مائدتين مستديرتين حول آليات التعاون والشراكة لكيانات المجتمع المدني المسرحي، حملت الجلسة الأولى عنوان “آليات التعاون والدعم والشراكة لكيانات المجتمع المدني المسرحية” أدراها د. محمود نسيم، وتحدث بها المخرج عمرو قابيل، الفنانة عزة الحسيني، المخرج طارق الدويري، المخرج محمد عبد الخالق، والمؤلف محمود الحديني، الكاتبة رشا عبد المنعم، المخرجة عبير علي. أما الجلسة الثانية فحملت عنوان «دور الشركاء والداعمين» رأس الجلسة الناقدة مايسة ذكي وتحدث بها المخرج عمر المعتز بالله، د. داليا بسيوني، الفنان أحمد العطار، منى شاهين مؤسسة ومديرة مشروع التحرير لاونج، وسام رجب من مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية.
بدأت الجلسة الأولى بعرض تقديمي لكل من رشا عبد المنعم وعبير علي عن تاريخ وحدة دعم المسرح المستقل والفرق المستقلة، حيث قدمتا تعريفا لهذه الفرق المستقلة بأنها عبارة عن كيانات فنية مدنية غير تابعة للمؤسسة المسرحية الرسمية ولا تستهدف الربح في المقام الأول، رغم احتياجها لدعم الدولة المادي من أجل استمراريتها واستقلالها، ويتقاضى أفرادها أجورا مقابل عملهم المسرحي ومقابل تقديمهم منتجا ثقافيا وفنيا. وأضافتا أن دعم هذه الفرق حق واجب على مؤسسات الدولة التي تدعم الثقافة المصرية سواء بشقها الحكومي أو الأهلي.
وأشارتا إلى أن المسرح المستقل يعد من ضمن القطاعات المسرحية يفرقه عن مسرح الدولة والمسرح الخاص كونه مسرحا محترفا، ويأتي هذا الاحتراف من التراكم واستمرارية المشروع، وأنه لا يستهدف الربح في المقام الأول، وهو مسرح مدني بعكس مسرح الدولة.
ثم ذكرتا بعض الجهات والشخصيات التي شكلت فارقا في تاريخ حركة المسرح المستقل وعلى رأسها د. هدى وصفي، ود. سمير سرحان، ود. هاني مطاوع، ومن النقاد د. نهاد صليحة، وأكدتا أن عام 1999 كان تاريخا فاصلا في مسار الفرق المسرحية المستقلة حيث أعلنت وزارة الثقافة في بيان صادر منها بدعم 12 فرقة مستقلة للتأسيس، مما يعد اعترافا صريحا بوجود الفرق المستقلة على خريطة الدولة المصرية، وبحلول عام 2000 بدأت هذه الفرق في اتخاذ اتجاه أكثر احترافية في التعامل مع المؤسسات الرسمية ومع بعضها البعض عبر الشراكة مع الدولة من خلال تنظيم عدد من المواسم المسرحية المستقلة واللقاءات والمنتديات التي تخص المسرح بشكل عام والمسرح المستقل بشكل خاص.
ثم تحدث المخرج عمرو قابيل رئيس مجلس أمناء مؤسسة فنانين مصريين للثقافة والفنون وقدم ملمحا سريعا عن تجربته كمخرج مسرحي طوال أربعة وعشرين عاما، موضحا أنه مارس فيها العمل المسرحي من خلال الكثير من الكيانات المختلفة، بدأت بتأثره بحركة المسرح الجامعي ثم تأسيسه لفرقة همسة المستقلة وصولا لاحتواء مركز الهناجر للفنون لمجموعة من التجارب لمجموعة من الفرق المستقلة التي شهد الهناجر ولادتها ودعمها في فترة زمنية شهدت ظهور تيار المسرح المستقل الذي غير الكثير من المفاهيم والأشكال المسرحية.
ثم تحدث عمرو عن تجربته في مسرح الثقافة الجماهيرية التي كانت تمثل له التجربة الأكثر ثراء وامتدت من 2006 إلى 2017 قدم خلالها سبع تجارب مسرحية وتعرف من خلالها على المعنى الحقيقي للمسرح الذي يلتحم بالجمهور، مشيرا إلى رصده للكثير من المواقف التي تعلن بشكل صارخ احتياج هذا المسرح إلى آليات تعصف بالسائد الذي يواجه الكثير من المشكلات والعقبات والبيروقراطية التي لا تتناسب مع أهميته.
ثم انتقل للحديث عن فترة ثورة يناير موضحا أن الإبداع الفني أحد الملامح الرئيسية والمميزة للثورة، مشيرا إلى أنه على على الرغم من ارتباك أداء أجهزة الدولة في هذا التوقيت فإن الثقافة والفنون شهدت طفرة وصحوة إبداعية ظهرت في عشرات الظواهر الفنية، وجاء التيار المستقل مرة أخرى لينقذ الواقع المسرحي المصري حيث كان الرافد الوحيد تقريبا الذي استطاع بمرونة آلياته وتجاوزه الكثير من المعوقات أن يقدم الكثير من الظواهر المسرحية، مثل موسم الفنون المسرحية المستقلة، الفن ميدان وغيرها، كما قدمت الكثير من المسرحيات الناجحة التي شهدت إقبالا جماهيريا غير مسبوق.
أضاف: مؤسسة فنانين مصريين للثقافة والفنون تم إشهارها في يونيو 2015 وأصرت منذ اللحظة الأولى على القيام بدورها المجتمعي من خلال توظيف الفنون المختلفة وكانت أهم المشاريع التي قدمتها تنفيذ احتفالية اليوبيل الفضي للمسرح المستقل في الفترة من 27 مارس وحتى 2 أبريل وورشة الأطفال بعنوان حلوة الحدوتة بدعم من صندوق التنمية الثقافية، وتم إنتاج ثلاثة عروض وفيلم تسجيلي عن ومضات من حياة د. نهاد صليحة، فضلا عن تجوال العروض الفنية لفرق المؤسسة في المحافظات المصرية بالتعاون مع الإدارة المركزية للشؤون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وإقامة مهرجان بيت الأمة المسرحي بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية، وتأسيس ملتقى القاهرة الأول للمسرح الجامعي، وتحدث المخرج عمرو قابيل عن الأهمية الكبيرة لدور مؤسسات المجتمع المدني الاستراتيجية خاصة في ميدان الفنون والثقافة في تنمية المجتمع وتطويره والارتقاء به خلال التفاعل الحقيقي من الجماهير المتعطشة للفن سواء على مستوى الممارسة أو المشاهدة.
فيما أشارت الفنانة عزة الحسيني إلى أن المسرح المستقل كانت بدايته منذ ثلاثين عاما وهناك تجربة للمسرح الحر في فترة الأربعينات من القرن الماضي وأنه كان يختلف عن الفرق التي كونتها الدولة. وقالت: المتحدثون يمثلون طرفا واحدا، ومن المفترض أن الجلسة تضم الطرفين، المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، وأن من المؤسف أننا نتحدث بمفردنا.
وتساءلت الحسيني: هل تريد الدولة المسرح المستقل؟ وهل هناك مسرح قطاع خاص في الفترة الحالية؟ وعقبت: لا توجد حركة لمسرح القطاع الخاص إلا من بعض التجارب التي تحاول جاهدة، مقارنة بفترة السبعينات والثمانينات والتسعينات.
وأوضحت أن مسرح مصر أبعد ما يكون عن مسرح التلفزيون، وقالت إن الجمهور يتابع عروض المسرح المستقل ويعي أن هذا المسرح مختلف فيما يقدمه. وهي نقطة يجب أن لا تغيب عن الحضور، بالإضافة إلى أن المخرجين الذين قدموا أعمالا للمسرح المستقل تقدم بعض أعمالهم على مسرح الدولة. وتساءلت: هل هذا يعد احتواء من قبل الدولة لهذه التجارب؟
وتحدث المخرج طارق الدويري عن المخرج المسرحي الراحل محمد أبو السعود، مشيرا إلى أنه يعد من أهم المخرجين في المسرح المستقل بتأسيسه لفرقة الشظية والاقتراب. وأضاف: نحن كفرق كنا دائما نحاول إيجاد طرق جديدة في التمويل والاستمرار، ونجح هذا الأمر في السينما المستقلة، ولكن على مستوى المسرح للأسف لم يحدث حالة تعاون حقيقي بين الفرق المستقلة بعضها مع البعض، فكنا طوال الوقت ننتظر يد العون من الدولة.
تابع: كنت أحد أعضاء لجنة المسرح فترة تولي د. فوزي فهمي الذي أقام مؤتمرا للفرق المستقلة وتم دعوة الكثير من الفرق، ولكن للأسف الشديد تم عمل فعاليات ولكن لم يحدث شيء. وتساءل: هل الفرق المستقلة لديها القدرة على النضال والصراع مرة أخرى؟
تابع: إن حضور مجموعة من الفنانين والمخرجين المستقلين في الجلسة اليوم يعطي لنا الأمل، في أن الفرق المستقلة ما زلت حاضرة ولكن ليس بنفس القوة، فهناك بعض الفرق التي نسمع عنها تقدم عروضا على مسرح الهوسابير، حتى وإن كانت غير مستمرة وغير متماسكة ولكنها تعطي الأمل، وهناك تجربة مهمة يجب أن نذكرها وهي عرض “1980 وأنت طالع”.
وتحدث المخرج محمد عبد الخالق عن النظرة المثالية للفكرة ولتصور وحدة الدعم، مشيرا إلى أنها تعد أزمة المسرح المستقل، حيث يقع بين مجتمع مسرحي يرفضه ويرى أنه مثالي بشكل كبير، وبين مجتمع موظفين وهيئات لا تؤمن بفكرة الفن، على الرغم من أنه إن لم يكن تصور المسرح المستقل مثاليا لما كان مسرحا مستقلا أصلا، مؤكدا أن نشأة المسرح المستقل تعتمد على فكرة رومانتيكية.
وتابع قائلا: عندما بدأنا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات عند بداية تأسيس المسرح المستقل لم تكن الأوضاع المسرحية آنذاك تنال إعجابنا، وأن الظاهرة المسرحية التي انتشرت في كل مسارح الدولة، سواء من هيئة المسرح أو الثقافة الجماهيرية، تحولت لصورة بصرية وذهنية من حركة المسرح المستقل. وأضاف: أتذكر أن المخرج عصام السيد قال لي: ما يحدث هل يعلن نهاية المسرح المستقل؟ وكانت إجابتي إنها نهاية حلقة وبداية لحلقة أخرى.
وأشار إلى الدور الذي لعبته د. نهاد صليحة لعمل لائحة للمسرح المستقل، مؤكدا أن هناك ضرورة بالغة لأن تنظر الدولة إلى اللائحة وأن يتم تفعليها، فهي لائحة منضبطة ودقيقة بالإضافة لوجود قرار وزاري أصدره وزير الثقافة الأسبق د. جابر عصفور بشأن اللائحة التنفيذية وتفعيل وحدة الدعم.
تمثلت أهم مخرجات الجلسة في المطالبة بضرورة مخاطبة وزارة المالية لتوفير المخصص المالي اللازم لدعم المسرح المستقل، واعتماد اللائحة من السيدة وزيرة الثقافة حتى يتسنى للوحدة القيام بدورها وفقا للضوابط والمحددات الواردة بلائحتها وضرورة تفعيل الفرق المستقلة سواء في علاقتها مع الدولة أو مع الجمهور، وتفعيل وحدة الدعم التي أنشئت عام 2015 واعتماد اللائحة التنفيذية لا بد من تكوين ائتلاف أو جمعية مشتركة لكل الفرق المستقلة.
أما في الجلسة الثانية فقد أوضحت الناقدة مايسة ذكي أن النقاش سيدور حول ثلاثة محاور رئيسية، وهي: التعريف بوحدة دعم كآلية تنسيق إدارة، ومناقشة أشكال وآليات التعاون المقترحة، والصيغ الإدارية والقانونية المناسبة كأطر للشراكة والدعم. وأشارت إلى أن آلية المسرح الحر، وهي آلية مستمرة، تم تسويق الفكرة وابتكارها وتوزيعها بقوة وأنها آلية إنتاج لا نريد أن نفتقدها وستظل حاضرة، وأن هناك رؤية جمالية وفنية ارتبطت بمؤسسيها ومن لحق بهم منذ عام 1990، مؤكدة أن هذه الآلية رفعت من مستوى توقع الأفق المسرحي، وأنه لهذه الأسباب تولد الإحساس بالإحباط لدى الفرق المستقلة، حيث رفع المسرح المستقل من مستوى آفاقه، وهذا مسجل في عدد الجوائز وعدد الحضور في مسرح الهناجر، وفي الكتابات النقدية. أضافت: يجب التفرقة بين الحركة الفنية التي يحدث لها ارتفاع وهبوط، وبين الآلية الإنتاجية المستمرة. وتحدثت عن اللائحة والاهتمام الدقيق ببنودها، مشيرة إلى أنها تضم إنجازات مهمة.
أما المخرج عمر المعتز بالله فقد أوضح أنه يتحدث باسم كيانين: فرقة أتيليه المسرح، وهي فرقة مستقلة تأسست منذ 15 عاما، وأوزوريس للإنتاج والتدريب في مجال الفنون الأدائية، موضحا أن بالجلسة مشكلة كبيرة، وهي أن ما يتم مناقشته نحن نعلمه جيدا ونتحدث به مع بعضنا البعض، وأنه كان من الضروري الحديث من أحد من المسئولين، مشيرا إلى أن هناك قرارا وزاريا خاصا بوحدة الدعم لم يتم تفعيله حتى الآن.
أضاف المعتز بالله أن جمهور الفرق التي ناضلت لم يعد موجودا، كما لم تعد الفرق المستقلة التي ناضلت موجودة أيضا، مشيرا إلى أنها تناضل من أجل أشياء أخرى.
وقال إن شركة أوزوريس للإنتاج والتدريب قامت بتدريب الكثير من الموهوبين ورفع كفاءتهم وتعريفهم بالمسرح المستقل وكيفية تكوين كيانات بشكل مؤسسي. أضاف: من واقع خبرتي هناك مواهب عظيمة وقراء ومثقفون ولكن أغلبهم يسعون إلى أن يصبحوا مشهورين ويقدموا أعمالا للدراما والسينما، ولا يوجد من يقدم مسرحا للمسرح، وهو ما يطرح تساؤلا: لماذا نقدم المسرح؟ وما هي ضرورته؟ تابع: نحن الآن أمام معركة شرسة مع النماذج التي تصدرها الميديا لنا من أشكال مسفة وإيحاءات، وهناك من يدعمون تلك الحركة. واختتم المعتز بالله مشددا على أهمية تفعيل القرار الخاص باللائحة التنفيذية ووحدة دعم المسرح المستقل.
فيما تحدثت د. داليا بسيوني مؤسسة فرقة سبيل عن بدايتها في المسرح المستقل، حيث انطلقت من مسرح الهناجر للفنون وشهدت بداياته، موضحة أن هذا التوقيت كان يمثل لحظة حرجة، وأنها أصبحت تقدم مشروعاتها على فترات متباعدة تصل لخمس أو ست سنوات، ولكنها تؤمن بالاستمرار والحرية في تقديم إبداعاتها، وتساءلت: كيف نستطيع أن ندعم بعضنا البعض؟ وأكدت على إيمانها بالشراكات وأنها ما يمكن من وضع آليات جديدة.
وأوضحت مروة حلمي مديرة برامج المركز الثقافي البريطاني ومسئولة برنامج “نحو وضع إطار لاقتصاد الصناعة الإبداعية”، أنه برنامج معني بدعم الصناعات الإبداعية في الشق الذي يخص القوانين والتشريعات، واستطردت: نعمل على هذا البرنامج منذ 6 أشهر على 5 قطاعات، وهي الصناعات الإبداعية في مصر ومنها فنون الأداء، التصميم، النشر، الطباعة، والتوزيع.. ونقوم بجمع المؤسسات الحكومية مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمبادرات الفردية، وذلك لبحث الأطر المنظمة للصناعات الإبداعية التي ليس شرطا أن تكون مقننة من خلال سياسات وتشريعات وأنظمة واضحة، ولكننا نحاول فهم كيف يتم تنظيم الأمر بشكل إداري على شكل القوانين والتشريعات، ونحاول في المركز الثقافي البريطاني المساعدة بشتى الطرق، وذلك على مستوى التدريب أو بناء قاعدة للبيانات عن القطاع بشكل عام أو التأكيد على الشق الاقتصادي أو الوضع الاقتصادي في موضوع الصناعات الإبداعية.
وتابعت: نحاول أن نستقطب خبرات تدريبية وخلق حالة من المناقشة حول موضوع الصناعات الإبداعية.
وأضافت: المركز الثقافي البريطاني على مدار سنوات الماضية دعم المسرح بشكل عام سواء من خلال التدريبات أو من خلال منح إنتاجية أو تبادل زيارات الفنانين من إنجلترا لمصر، وأعتقد أن التواصل بيننا ومؤسسات المجتمع المدني ناجح بشكل كبير، وأعتقد أن استمرارية المسرح المستقل على مدار ثلاثين عاما يثبت أن هناك قدرة على التنظيم والتواصل بغض النظر عن الدعم الحكومي.
وقالت منى شاهين مؤسسة ومديرة مشروع التحرير لاونج: في العام الماضي بدأنا في مناقشة فلاسفة وكتاب من مختلف الدول، ونشرع في إنتاج عروض مسرحية أو اسكتشات مسرحية، ونحاول البحث عن شريك في مصر للتعاون معه، وأرى أن الأمر يحتاج إلى دفعة لدعم الفرق المستقلة.