العدد 756 صدر بتاريخ 21فبراير2022
تميزت الدورة (53) لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام والتي انتهت فعالياتها منذ أيام، بدقة التنظيم وجودة الاختيارات بصفة عامة، والإقبال الكبير سواء من الناشرين الذين وصل عددهم إلى 1067 ناشر - برغم أنها الدورة الثانية التي تنظم خلال 6 أشهر، مما يؤكد على أن التقنيات الرقمية الحديثة لم تسحب البساط من الكتاب والمطبوعات الورقية، وإن كان يحسب لإدارة المعرض إطلاقها وتوظيفها الجيد للتقنيات الحديثة وكذلك إطلاقها للمنصة الرقمية، والتي تستطيع وضع الكتب عليها والبيع من خلالها وتوصيل الكتب من خلال البريد المصري، وأهم ما جعل هذه الدورة مميزة من وجهة نظري هو اختيار الأديب الكبير يحيى حقي لاطلاق اسمه كشخصية رئيسة لهذه الدورة، وهو بلا شك اختيار موفق جدًا وإن كان قد تأخر كثيرا، لكن ما أزعجني بصدق هو عدم الإقبال الجماهيري على مجموعة الندوات الفكرية الرئيسة والمهمة، والتي تم تنظيمها بصورة رائعة وعلى أعلى مستوى سواء باختيار الموضوعات أو مجموعة المتحدثين من ذوي التخصصات الرفيعة والخبرات الحقيقية.
وتجدر الإشارة إلى أن تقنية «الهولوجرام» التي تم استحداثها لأول مرة ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام والتي شهدت إقبالا كبيرًا من الرواد، حيث أتاحت لهم فرصة التفاعل مع مجسم ضوئى للأديب الراحل يحيى حقي بوصفه شخصية دورة هذا العام من خلال طرح مجموعة أسئلة يتم اختيارها بالضغط على شاشة تعمل باللمس، تضمنت مجموعة الأسئلة استفسارات عن حياة الأديب الكبير الراحل ومن بينها على سبيل المثال: ما هي الأشياء التي تصنع الضحك لديه؟ ما هو الكتاب الذى كان يتمنى كتابته؟ كيف يمكن لشخص عادي أن يحترف الكتابة بالعربية الفصحى؟ وكيف يرى الإعجاب الغربى برواية «قنديل أم هاشم»؟
وأعلن رواد المعرض أعجابهم باستخدام هذه التقنية لأول مرة بالمعرض والتي تمثل أحد أحدث أساليب التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، مشيدين بالمستوى التنظيمى للفعاليات والخدمات المقدمة.
الندوات المتخصصة
تضمن الاحتفاء بالأديب الكبير يحيى حقي مجموعة من الندوات التي تم من خلالها استضافة نخبة من كبار الكتاب والنقاد (ومن بينهم الأساتذة: د. عمرو دوارة، د. خالد منتصر، كمال رمزي، نهى حقي، صلاح معاطي، د. خيري دومة، د. سامي سليمان، د. علاء الجابري، د. أحمد درويش، د. عبد الرحيم الكردي، د. أحمد عليوة، د. عطيات أبو العينين، د. منير عتيبة، شعبان يوسف، رشا عبادة، عمر شهريار، د. حسام فاروق، د. حسام جايل د. هويدا صالح، د. عبد السلام بهجت)، وذلك للحديث عنه وعن إسهاماته الرائدة في القصة القصيرة والأدب والسينما والمسرح، من خلال الندوات السبعة التالية: يحيى حقي بين السينما والمسرح، يحيى حقي ناقدا ومؤرخا للأدب، إبداعات يحيى حقى، يحيى حقي رائدًا للقصة القصيرة، يحيى حقي بين النقد والرواية، مساندة يحيى حقي لشباب الكتاب، وذلك بالإضافة إلى ندوة عن مجلة «المجلة» التي تحمل الكاتب يحيى حقي مسئولية رئاسة تحريرها خلال الفترة من 1959 إلى عام 1970.
وجدير بالذكر أن الأديب الكبير يحيى حقي كان أول أديب تصدر له مجموعة الأعمال الكاملة من خلال «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، وذلك منذ عام 1975 (حيث صدر الجزء الأول متضمنا رواية قنديل أم هاشم والسيرة الذاتية للكاتب)، بناء على اقتراح الناقد الجاد فؤاد دوارة والذي استجاب له على الفور د. محمود الشنيطي رئيس الهيئة آنذاك، وبرغم تغير القيادات في الهيئة (حيث توالى على منصب رئيس الهيئة كل من الأساتذة: صلاح عبد الصبور، د.عز الدين إسماعيل، د.سمير سرحان) إلا أن مجموعة الأعمال الكاملة قد استمرت في الصدور بانتظام مدة ما يقرب من خمسة عشر عاما حيث صدر الجزء الثامن والعشرين عام 1991، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى ذلك المجهود المضني والضخم الذي قام به الناقد النزيه فؤاد دوارة لانقاذ الثروة الأدبية للكاتب الكبير يحي حقي، وذلك بتوفيقه في تجميع جميع المقالات المتناثرة التي كتبها الأديب يحيى حقي ببعض المجلات (خاصة مجلة «المجلة») وبعض الصحف من الدرجة الثانية (المساء، التعاون، وطني) وإعادة تصنيفها وتبويبها موضوعويا تحت عنوان «المقالات الأدبية»، وليضيف بذلك إثنى عشر جزءًا جديدًا ليستكمل به الإصدارات الستة عشر السابق إعدادها للنشر، وقد تم تصنيف مجموعة الأجزاء الاثنى عشر الجديدة تحت مسميات: صفحات من تاريخ مصر، من فيض الكريم، مدرسة المسرح، في السينما، هذا الشعر، في محراب الفن (الموسيقى، والفنون التشكيلية والعمارة)، وأخيرا كناسة الدكان.
وقد أشار عدد كبير من الأساتذة الباحثين المشاركين في تلك الندوات أكثر من مرة إلى ذلك الجهد الكبير الذي قام به الأديب الجاد فؤاد دوارة، وكذلك بندوة المسرح والسينما بصفة خاصة عندما تناول كل من الناقدين د.خالد منتصر وكمال رمزي الحديث عن إبداعات يحيى حقي بمجال السينما بالاستعانة بمجموعة المقالات المنشورة بالجزء (25) الخامس والعشرين بعنوان «في السينما».
ندوة «يحيى حقي بين السينما والمسرح»
جذبني عنوان هذه الندوة ولفت انتباهي منذ الوهلة الأولى لذلك قد حرصت على متابعتها خاصة وأنني أعلم جيدًا أن الأديب الكبير يحيى حقي لم يشارك في كتابة السيناريو وأن علاقته بالسينما اقتصرت على تحويل بعض أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة إلى عدد محمود من الأفلام، ولكنني كنت شغوفة جدا لمعرفة علاقته بالمسرح، وعلى قدر معلوماتي السابقة أنه لم يكتب للمسرح إطلاقا، كما لم أسمع عن إعداد لإحدى أعماله وتحويلها إلى عرض مسرحي.
شارك بهذه الندوة ثلاثة أساتذة أجلاء وهم النقاد الكبار: د.خالد منتصر، كمال رمزي، د.عمرو دوارة، وقام بتقديمهم الأديب والمترجم حمادة محجوب.
بدأت الندوة بالحديث عن عالم السينما من قبل كل من الناقدين: د.خالد منتصر وكمال رمزي، واتفقا على أن أفضل الأفلام التي قدمت عن أعمال يحيى حقي هو فيلم «البوسطجي» الذي أبدع في إخراجه القدير حسين كمال عام 1988، وأنه قد تم تقديم عدة أفلام أخرى عن أعمال وهي: «قنديل أم هاشم» (1968)، إفلاس خاطبة وهو فيلم من ثلاثة أفلام قصيرة بعنون «ثلاثة قصص» (1968)، ثم فيلمي إمرأة ورجل (1971)، وأخيرًا الفيلم التليفزيوني مصيدة الحب والزواج (1982). وقدم كل ناقد منهم وجهة نظره النقدية على مدى نجاح كل فيلم من الأفلام الخمسة في الاحتفاظ بالروح والمضمون الذي قدمه الأديب الكبير يحيى حقي في أعماله.
واستكمل الحوار د.عمرو دوارة الذي اتفق معهما على أهمية فيلم البوسطجي واستشهد بوجهة نظر الأيب الكبير يحيى حقي في مقاله بكتاب في السينما (الجزء 25 من الأعمال الكاملة)، ولكنه أشار أيضا إلى أهمية الخطاب الدرامي لفيلم قنديل «أم هاشم» وإن لم يحقق النجاح الجماهيري المنشود، وأيضا إلى أهمية فيلم «إفلاس خاطبة» لطرافة موضوعه الذي قُدم في إطار كوميدي، وأيضا لإتاحته الفرصة كاملة لكل من النجمين: سميحة أيوب، وعبد المنعم إبراهيم لإظهار الموهبة الكوميدية لكل منهما.
كانت المفاجأة الكبرى في الندوة التي مضى أكثر من نصف الوقت المحدد ولم يتم الحديث أو الإشارة إلى عالم المسرح، وذلك بحرص د. دوارة على الإشارة إلى بعض المسلسلات الإذاعية (إفلاس خاطبة، خليها ع الله، صح النوم) وبعض الأعمال التليفزيونية (البوسطجي، وكنا ثلاثة، احتجاج، تنوعت الأسباب) التي تم تقديمها اعتمادا على الإعداد لبعض إبداعات يحيى حقي، ثم تطرقه بالحديث تفصيليا إلى عالم المسرح من خلال ثلاثة محاور.
كعادته في مقالاته ودراساته ومشاركاته بالندوات يقوم د. دوارة بتوظيف مهاراته في التوثيق والبحث لتقديم الجديد دائما مع توظيفه لخلفيته العلمية ودراسته للهندسة في تقديم هذه المعلومات المهمة بطريقة مشوقة وفي نقاط محددة وجمل موجزة، والحقيقة أنه قد وفق بصورة كبيرة في تقديم صورة متكاملة عن علاقة الأديب القدير يحيى حقي بعالم المسرح من خلال المحاور الثلاث التالية:
أولا: يحيى حقي منشطا مسرحيا
تأسست مصلحة الفنون عام 1955، وتم اختيار الأديب الكبير يحيى حقي لتولي مسئوليتها حتى عام 1958، وبالتالي فقد كان هو أول وأخر رئيس لها (الرئيس الوحيد)، حيث تم إلغائها بمجرد تأسيس وزارة الثقافة، والحقيقة التاريخية التي سجلها كثير من النقاد والفنانين - كما أشار د.دوارة – هي أن الثقافة ومختلف الفنون قد شهدت ازدهارًا كبيرًا خلال تلك الفترة، ويكفي أن نذكر في مجال المسرح رعايته الكبيرة لكل من الفرقة المصرية الحديثة (المسرح القومي الآن)، وكذلك لفرقة «المسرح الشعبي» التي حرص على إمدادها بعدد من المبدعين الموهوبين وتعيين مجموعة من الأكاديميين (خريجي المعهد العالي للتمثيل)، ونجاحه في تنظيم عدة جولات مسرحية بعروضها بعدد كبير من الأقاليم، وكذلك اهتمامه الكبير الذي أولاه لمختلف الفنون الشعبية بصفة عامة، ومن الأمثلة الواضحة التي تؤكد ذلك حرصه على إنتاج أوبريت يا ليل يا عين، الذي شارك في كتابته كل من المبدعين توفيق حنا، أحمد رشدي صالح وزكريا الحجاوي، وقام بإخراجه الرائد زكي طليمات وببطولته نعيمة عاكف، محمود رضا، شهرزاد، محمود شكوكو، وجدير بالذكر أن هذا الأوبريت كان هو النواة الأولى وحجر الأساس لتأسيس فرقة «رضا للفنون الشعبية» بعد ذلك.
ثانيا: يحيى حقي وإبداعاته بعالم المسرح
رغم التميز الكبير لمجموعة الأعمال الإبداعية للكاتب القدير يحيى حقي وإمكانية إعدادها مسرحيًا إلا أنه للأسف لم يُقدم له إلا مسرحية واحدة عن روايته الشهيرة «قنديل أم هاشم»، وإن كانت قد قُدمت ثلاث مرات بأكثر من رؤية فنية كما أوضح ذلك د.عمرو دوارة، حيث قُدمت المعالجة الأولى عام 1962 من خلال «جمعية أنصار التمثيل والسينما»، وهي تلك المعالجة التي قامت بإعدادها أمينة الصاوي وأخرجها محمود السباع وشارك ببطولتها كل من الفنانين: محمد توفيق، سلوى محمود، عبد الخالق صالح، شويكار (في أول أعمالها المسرحية)، وهي نفس المعالجة التي أعيد تقديمها بفرقة «مسرح الحكيم» عام 1965 وشارك في بطولتها كل من الأساتذة: محمد توفيق، بثينة حسن، رشوان توفيق، أحمد أباظة. في حين قُدم العرض الثالث والمعالجة الثانية بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من خلال الفرقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1982 من إعداد سيد عواد وإخراج ماهر عبد الحميد، وبطولة: لمياء الأمير، حسن الوزير، عبد الواحد السعيد.
ثالثا: يحيى حقي ناقد ومؤرخا مسرحيا
تضمن كتاب «مدرسة المسرح» (الجزء العشرين من مجموعة الأعمال الكاملة) مجموعة مهمة جدًا من الموضوعات والمعلومات المسرحية، حيث تنوعت الفصول السبعة عشر بكتاب «مدرسة المسرح» بين التأريخ والدراسات ومقالات النقد التطبيقي، تضمن الفصل الأول دراسة طويلة ومهمة عن علاقة العرب والمسرح، في حين خصص الفصل الثاني لدراسه عن هواة المسرح وأنشطتهم الريادية، وتضمنت بعض فصول الكتاب تأريخًا لمسيرة بعض رواد وأعلام الفن المسرحي ومن بينهم الأساتذة: محمود مراد، صلاح الدين كامل، عباس علام، حسين رياض، فتوح نشاطي، بديعة مصابني، كذلك تم تخصيص عدة فصول بالكتاب لمقالات النقد التطبيقي التي تناولت بعض المسرحيات المحلية وهي: قيس ولبنى لعزيز أباظة، يوم القيامة لصبري فهمي وإخرج زكي طليمات، الحائرون لفتحي رضوان، شفيقة ومتولي والمستخبي لشوقي عبد الحكيم، وأيضًا بعض المسرحيات العالمية ومن بينها: دكتور كنوك لجول رومان، الخال فانيا لتشيكوف، نهاية اللعبة لصمويل بيكت، مشهد على الجسر لأرثر ميللر، قطة على سطح سخن لتنسي ويليامز.
كما ضم الكتاب أيضا الكثير من القضايا المسرحية ومن بينها القضية التي أثيرت بالفصل الأخير عروض «الماتينيه والسواريه» وجمهور كل منهما.
وبخلاف المحاور الثلاث المهمة السابقة أضاف د. دوارة بعض ذكرياته المسرحية الخاصة مع الأديب الكبير يحيى حقي حتى تكتمل ملامح الصورة بعرض إسهاماته المسرحية كاملة، فذكر أن أول حديث مسرحي قام بإعداده وهو طالب بالسنة الأولى بمدرسة الإبراهيمية الثانوية كان مع هذا الأديب الكبير (تحت إشراف أستاذه الناقد السينمائي الراحل فوزي سليمان)، حيث اصطحب مع مجموعة من زملائه لمقابلة الأديب الكبير والذي استضافهم بحديقة «جروبي» وروى لهم بكل الحب ذكرياته عن فرق الهواة وخاصة دور الرائد أحمد الشامي في توظيف المسرح لتنمية الوعي والارتقاء بالمستوى الفكري للمشاهدين. كذلك أوضح د. دوارة أن أول ندوة قامت بتنظيمها «الجمعية المصرية لهواة المسرح» عام 1982 كانت مع الأديب الكبير يحيى حقي بقصر ثقافة قصر النيل (المقر المؤقت للجمعية آنذاك)، وأنه أثناء التحضير لهذه الندوة وتواصله مع الأديب الكبير تم لفت نظره لأول مرة إلى ذلك الدور المسرحي الكبير الذي قامت به مسارح الصالات منذ بداية ثلاثينيات القرن الماضي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، ونظرًا لأهمية هذه الندوة فقد أفردت لها مجلة «الكواكب» أربعة صفحات لتوثيق أهم المعلومات والحوارات التي سجلت بها.
ويتضح مما سبق مدى أهمية هذه الندوة والمعلومات القيمة التي طرحت خلالها، وكذلك نجاح د.عمرو دوارة في إلقاء الضوء على جزء مهم جدا – كان في طي النسيان - من الأفكار والإسهامات والإبداعات المسرحية للكاتب الكبير يحيى حقي.