دموع حديد لم يكن بكاء بل إحتفاء

دموع حديد لم يكن بكاء بل إحتفاء

العدد 604 صدر بتاريخ 25مارس2019

كما يحتفل العالم فى شهر مارس بالمرأة , يحتفل بها الفنان وليد عونى على طريقته وعبر تقديم عرض “ دموع حديد “ يُقدم نموذج ناجح لإمرأة عربية وهى المهندسة المعمارية زها حديد (1950- 2016 ) , التى حفرت اسمها فى مجالها فقد كانت أول إمرأة تحصل على جائزة البريتزكر فى الهندسة المعمارية عام 2004 , وعلى الرغم أنها عاشت فى بريطانيا إلا أنها من أصل عراقى كانت تفخر به , وعلى الرغم من أن حياة حديد ليس بها تفاصيل شخصية كثيرة إلا أنه حتى إذا كان بها , فوليد عونى كان سيآثر التعبير عن حديد عبر أعمالها كما فعل , فالفنان هو من يخلق من لا شئ أو يُلهم عبر شئ , و حديد لم تترك شئ واحد بل تركت عدة تصاميم معمارية لمباني و صروح مهمة فى بقاع مختلفة من العالم كأمريكا و بريطانيا و ألمانيا و المغرب و غيرهم .
و كما حاولت حديد أن تتحدى الجاذبية الأرضية و فكرة الزوايا القائمة فى تصاميمها ,  جسد عونى على خشبة المسرح بأدواته تحدى حديد بداية من أجساد الراقصين للإكسسوارات وقطع الديكور مروراً بالملابس و الإضاءة و إستخدام تقنية الشاشة فى الخلفية , و إذا تناولنا كل عنصر ستتجلى صورة حديد واضحة , و هو ما فعله عونى قبل انتهاء العرض حيث ظهرت على الشاشة صورة حديد بعد أن كانت نفس الشاشة تعرض صور متحركة لتصاميم هندسية و صور لفضاء و كوكب تعبيراً عن ما رآه عونى عبر تصاميم حديد حيث ربط بين تصاميمها  و رؤيتها للكون عبر تصاميمها , و من خلال هذا الربط وجد تشابه بين تصاميمها السابحة بلا حدود و بين الدرويش الذى يدور دون حدود , لذا لم يخلو العرض من وجود تنورة و دوران الراقصين معبرين عن تلك الحالة والمعنى .
و بالحديث عن التنورة فهى لم تكن تنورة الدرويش الملونة أو البيضاء المعروفة , و لكن كانت تنورة مرصعة بقطع المرايات التى عكست الأضواء على الصالة و خلفت لدى الجمهور حالة من الإبهار , وهو ما أراد عونى إيصاله طوال العرض , فكما لو كان يقول “ كما بهرت زها حديد العالم بتصاميمها سأبهر الجمهور و أعبر عن حالة الإنبهار و الدهشة التى تصيب كل من يرى تصاميمها “ و قد كان , فلم يكن تصميم التنورة فقط , ففى بداية العرض تجد غطاء ذهبى اللون يغطى الأشكال الهندسية التى سيرقصون بها , و أثناء العرض تجد قطعة إكسسوار عبارة عن شمسية مغطاة بالترتر الفضى , فإن كان الذهبى أو الفضى أو المرايات كلها ألوان و أدوات تعمل على الإبهار و عدم نسيان الصورة , وهو ما يحدث لك عندما ترى أحد تصاميم حديد دون معرفتك أنه أحدهم , و تأكيداً على الفكرة فجعل أحد تصاميمها مجسم صغير مخروطى الشكل  يستخدمه الراقصون كتنورة أيضاً ليعبر به عن رؤيته و ربطه لتصاميمها بالدرويش و رقصته الدائرية التى تحرره داخلياً , فكانت تصاميم حديد التى منها دائرى و ملتوى تعبر عن حديد وتحررها وتفردها وعدم إنصياعها لقوانين طبيعة أو هندسة .
أما عن ملابس الراقصين السوداء المنفتحة تعبر عن اختيار حديد للون الأسود و إرتداؤها له معظم الوقت , وفى أحد لقاءاتها عبرت عن حبها للون الأسود فى كل شئ  و ملاءمته لأى مناسبة , أما عن تصميم الملابس المفتوح و المقطع ليس فقط لحركة الراقصين و إنما تعبير عن إنفتاح حديد و عصريتها , فهى لم تقتصر على تصاميم المبانى بل دخلت إلى عالم الموضة و صممت إكسسوارات و أحذية مستخدمة فيها الحديد , حتى أنها لُقبت ب (ليدى جاجا عالم الهندسة ) .
وبالحديث عن مادة الحديد و كيف عبرت بها زها حديد عن نفسها , فقد كانت هى الأخرى إحدى عناصر عونى ليعبر بها عن زها حديد , حيث معظم العرض تستمع إلى موسيقى إيقاعية معاصرة يتطرق دويها إلى نفس المتفرج , و إلى جانب الإيقاع المعروف تسمع إيقاع طرق على الحديد تميزه دوناً عن باقى النغمات .
أما عن مرور الزمن و العقبات فى حياة حديد فقد عبر عنه عونى ببراعة , حيث حول تلك الهموم إلى صورة حية تراها تكوينات هندسية صغيرة يمثل الراقص صعوبة حملِها , ربما تظن بعد ما تراه من نجاح زها حديد أنها عبقرية لم تقابل عرقلة تٌذكر , و لكن من الجدير بالذكر و المحفز أنها سمعت عبارة أن تصميمها لن ينفذ لأعوام طوال , و مع ذلك لم تغير طريقتها وتصاميمها الغريبة كي يسير العمل , أما عن مرور الزمن فمثله عن طريق عن عنصرين فى مشهد سلط بؤرة إضاءة على خشبة المسرح يتوسطها الراقص ممثلاً بجسده عقارب الساعة و بدورانه يمر الزمن على حديد , تارة لم تحقق شئ و تارة محقق أهم شئ وهو نجاحها بجدارة فى هدفها التى كان معها من صغرها ولم تتركه لمرة واحدة كى تُكون أسرة مثلاً أو تفعل شئ آخر فى حياتها و أيضاً عبر عونى عن حالتها هذه و إختيارها من خلال شرائط ستان بيضاء معلقة فى التكوينات الهندسية الضخمة التى على خشبة المسرح و يتفاعل معها الراقصون كما لو كان الرابط والتعلق بين الراقص و الشكل الهندسى من خلال هذه الشرائط هو نفس حالة حديد مع عملها و الهندسة , لذا فلن تجد فى العرض ما يعبر عن الدموع و الحزن كما أوهمنا عنوان العرض (دموع حديد ) , فقد كانت الدموع التى يقصدها عونى هى تصاميم حديد التى رآها كالدموع التى نزلت من السماء و لم تلمس الأرض توقفت فى المنتصف متحدية الجاذبية الأرضية , بل كان العرض بأكمله حالة إحتفال و تكريم ل زها حديد , فلم يكن بكاء بل إحتفاء .

 


سارة أشرف