حسن عطية في كتابه الجديد.. مدخل إلى المسرح من قبل المُتفرج الذكي

حسن عطية في كتابه الجديد.. مدخل إلى المسرح من قبل المُتفرج الذكي

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

تبقى الحاجة دائمة من قبل طرفي العملية الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص المُبدع والمُتلقي، لإعادة اكتشاف دور كُل واحد منهما بُغية فهم مُخرجات هذهِ العملية وفق تحديثات عصرنا الحالي عصر الوسائط، العصر الذي أصبحت السيادة فيهِ للميدليوجيا في جميع صورها، من أجل الوصول إلى إدراك ماهية مُتمثلات خطابها الفكرية والجمالية. وبالتالي أصبحت مهمة الناقد المسرحي العضوي (تساوقًا مع مفهوم المثقف العضوي) جسيمة في سبر أغوار العملية المسرحية وتفكيكها أمام المُتلقي من أجل تقريب المسافات بين النتاج المسرحي ومُتلقيهِ.
وفقًا لهذا التوصيف يأتي كتاب الناقد المصري والعربي المعروف أ.د.حسن عطية، الموسوم (دليل المُتفرج الذكي إلى المسرح والمُجتمع)، الصادر حديثًا عن الهيأة المصرية العامة للكتاب في القاهرة، ليُقدم نفسهِ بوصفهِ مدخلاً إلى المسرح والمُجتمع يضعهُ أمام المُتفرج الذي دعاهُ بـ(الذكي) في إشارة حصيفة للدور المحوري الذي يلعبهُ هذا المتفرج في إكمال عقد العملية المسرحية بشكلها العام. يعي د. حسن عطية بوصفهِ واحدا من أبرز النُقاد العرب المُعاصرين حضورًا في المشهد المسرحي العربي المُعاصر وأكثرهم إدراكًا للحالة المسرحية وإرهاصاتها وتموجاتها وقضاياها وأسئلتها المعرفية، أن دور المُتفرج ليس فقط في صفة الإكمال، وإنما يتعداهُ إلى المُبتغى لكُل نتاج إبداعي الذي يجب ألا ينفصل عن بيئتهِ الاجتماعية من وجهة نظر د. حسن عطية الذي عُرفَ بغزارة نتاجهِ النقدي لا سيما قدرتهِ الساحرة على مُقاربة العروض المسرحية وتقديم وجبات نقدية تطبيقية آنية تجد طريقها للنشر في مُختلف الصُحف والدوريات والمجلات والدوريات فضلاً عن المواقع المسرحية الإلكترونية، وهذا ما أكدتهِ تجربتهِ النقدية الثرة التي دائمًا ما تنحى منحى مُقاربة جميع النتاجات الإبداعية الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص سيسيولوجيًا ولعلَ واحدة من مثابات هذهِ التجربة هي اتخاذ «النقد السيسيولوجي» نسقًا خاصًا بها ومُميزًا لها عن بقية تجارب النُقاد الآخرين. وفي كتابهِ هذا الذي يقع في (459) صفحة من الحجم المُتوسط يؤكد الناقد د.عطية أن العالم الغربي قد تقدم واستنار ونجح في العقود الأخيرة في صياغة رؤى جديدة للعالم، معبرة عن متغيرات حياتها وطموحاتها، ومغايرة ومناقضة للرؤي التي هيمنت على العالم في الأزمنة الفائتة، ولكنه يظل (عالمًا غربيًا) وليس كل (العالم) الذي نعيشه، وتضحى رؤاه للعالم الذي يراه هو من زاويته، أي «رؤي غربية للعالم»، وليس العالم الذي يراه الشرق الأقصى أو المتوسط أو أميركا اللاتينية، وفقا لثقافة كل مجتمع وموروثاته وطموحاته الخاصة، مهما انفتح العالم على بعضه البعض، وصار أقرب للقرية الكونية التي تذاب فيها الهويات الوطنية في هوية واحدة، وتطمس فيها الثقافات القومية لصالح ثقافة متعولمة، أو ثقافة متدينة بالمقابل، وتدان فيه كل الآيديولوجيات ويمنح القدح المعلي لآيديولوجية واحدة تعلي من شأن الفرد وتطيح بأية عدالة اجتماعية، أو ترسخ لهيمنة الماضى البعيد على الحاضر الراهن، ويُضيف د. حسن عطية: “إن مشروع الحداثة الغربية الذي اقتدينا به وسرنا على دربه منذ بداية القرن التاسع عشر، وكان مسارا جيدا لنا في أكثر من وجه له، هو في المنتهي مشروع ثقافي حضارى ظهر في أوروبا مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، وهى التي مكننت الصناعة محولة المعرفة بالعلوم إلى تكنولوجيا، ومحركة البنية الاجتماعية، خالقة معها طبقة جديدة تؤمن بالإنسان باعتباره مُنتج ذاته وعالمه، وصائغ هويته وباحثا عن اليقين في كل ما يحيط به، منطلقا من الشك المنهجي، متمسكا في ذلك بالعقل والعلم، وعاملا على أنسنة الطبيعة، وفصل الدين كمطلق عن أمور الدولة النسبية، مسقطا في طريقه مشروع ما قبل الحداثة الذي ساد في العصور الوسطى الأوروبية، والقائم على عالم الأوهام والخرافات والأساطير وخضوع الإنسان لتصوراته الذاتية عن نفسه وعن العالم، وللمقدر والمكتوب ولنبوءات الكهنة والسحرة المتحققة رغما عن أنف البطل الدرامي. وقد تداخل المشروعان، الحداثي الغربي، والماقبله الشرقي في مشروعنا الثقافي العربي، فأعجزنا عن تطوير مشروع حداثي مستقل عما قبله الكامن في عمق ثقافتنا والبادي في سلوك مجتمعاتنا، وعما وفد إليه في ذات الوقت من خارج جغرافيته، فحاولنا التوفيق بين ما أسميناه الأصالة والمعاصرة، ووصلنا لنتيجة فاسدة حينما وضعنا الدواء العلمي في قنينة زيت القنديل الخرافية، مما أصابنا بالهزائم المستمرة، وسهل للأفكار الصحراوية والقبلية والميتافيزيقة غزو عقولنا تسللا من قنينة الزيت التي تدثر بها الفكر المستنير، وجذب المجتمع إلى الخلف وكأنه لم يتمدين لحظة، وشوش عقل المثقف الراهن بين حداثة لم يمتلكها جيدا وما بعد حداثة زلزلت الأرض تحت قدميه”.
وعن أهمية كتابهِ هذا، يُشير مؤلفهِ إلى أننا بحاجة كل فترة لفحص ما نعرفه ونستخدمه من مصطلحات ومقولات وأفكار في حقل النقد الفني العربي، وذلك بسبب هيمنة مجموعة من المفاهيم على الكتابات النقدية الجادة في السنوات العشرين الأخيرة، انبهر بها النقد المسرحي، والأدبي أيضا، في سياق تبني للثقافة الغربية المستنيرة، دون أن يفكر لحظة أن ينتهج معها منهج الشك العلمي، الذي يفحصها في ضوء الموقع الجغرافي والوسط المجتمعي واللحظة الزمنية التي خرجت منها، متصورا أن من صك هذه المصطلحات، ومن صاغ تلك المفاهيم في ضوء واقعه المجتمعي ولحظته الزمنية، قد منحها وجودا كليا يصلح لكل الأزمنة ولكل المجتمعات، وهو أمر مناقض للواقع والمنطق والفكر ذاته المتغير بفعل تغير هذه الأزمنة والمجتمعات، لذا فإن مؤلف الكتاب يجد أن هذهِ هي واحدة من أمراض العملية النقدية العربية برمتها، لذلك حرص هذا الكتاب المقدم للقارئ المهموم بتاريخ المسرح ومستقبله، على إعادة النظر فيما طرحته الكتابات النقدية من مدارس ومصطلحات ونقاد، برؤية تحترمها دون أن تقدسها، وفاحصة إياها في ضوء الدراسات السوسيولوجية، التي تربط بوضوح بين الإبداع والمجتمع والزمن الذي يتخلق فيه هذا الإبداع، وينفلت بفضل صياغته الجمالية الراقية ليخاطب أزمنة أخرى ومجتمعات مغايرة، معبرا بذلك عن واقعه، ومتجاوزا إياه بفعل ما يمتلكه من مقومات جمالية لا تجعله مشابها لواقع محدد، دون أن يبارح لحظة زمنه الكامن بأعماقه، ومجتمعه الحاضر في إبداعه وتوجهاته.
إن واحدة من أبرز موضوعات هذا الكتاب القيّم هي موضوعة (كيف تكتب نقدا رديئا؟)، لتتوالى باقي موضوعات الكتاب بحسب تسلسلها وهي (مدارس واتجاهات ومناهج نقدية/ مندور.. سقراط النقد العربي/ لويس عوض والمنهج التاريخي/ د. على الراعى وتأصيل المسرح/ فاروق عبد القادر واستقلالية الناقد/ هدى وصفي وامتلاك المنهج/ نهاد صليحة وتأسيس النقد السيميوطيقي/ صلاح عبد الصبور والرحيل في الزمن الصعب/ رأفت الدويرى وجدل الأزمنة/ محمد أبو العلا السلاموني، وسؤال الكتابة/ يوسف إدريس وتعدد الصيغ البنائية/ أمنة الربيع والأرواح الهائمة. جديرٌ أن مؤلف الكتاب د.حسن عطية هو ناقد مسرحي وسينمائي وهو أستاذ نظريات الدراما والنقد بأكاديمية الفنون المصرية والرئيس الحالي للمهرجان القومى للمسرح المصري ومدير تحرير مجلة (الفن المعاصر) المحكمة. شغل منصب عميد المعهد العالي للفنون المسرحية سابقا وعميد المعهد العالي للفنون الشعبية سابقا، وحاليًا رئيس قسم التنشيط الثقافي بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون. حاصل على دكتوراه فلسفة الفنون. عن «المنهجية السوسيولوجية في النقد» كلية الفلسفة والآداب. جامعة الأوتونوما. مدريد. إسبانيا. وهوَ رئيس الجمعية العربية لنقاد المسرح سابقًا ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين سابقًا، وعضو لجنة المسرح واللجنة العليا للمهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة، وكانَ عضوًا في المجالس القومية المتخصصة سابقا، وعضو (اللجنة العليا للتخطيط الدرامي) و(اللجنة العليا للدراما) بمدينة الإنتاج الإعلامي، وعضو اللجنة العليا للدراما باتحاد الإذاعة والتلفزيون، وعضو نقابة المهن التمثيلية، وعضو اتحاد الكتاب المصريين، وعضو لجان القراءة والتقييم بالكثير من المؤسسات العلمية والفنية، منها قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون، ومدينة الإنتاج الإعلامي، والبيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية. أشرف على وناقش الكثير من رسائل الدكتوراه والماجستير بأكاديمية الفنون والكثير من الجامعات المصرية والعربية، وشارك في ترقية الكثير من الأساتذة والأساتذة المساعدين داخل وخارج مصر، عمل بالهيئة العامة لقصور الثقافة، مراقبًا عامًا لإدارة البرامج والمهرجانات ومديرًا عامًا للمسرح بها. شارك في الكثير من الملتقيات والمهرجانات والمؤتمرات الدولية المسرحية والسينمائية والأدبية في باريس ومونبليه ومرسيليا وروما وسيشل وأثينا ولشبونة وبرشلونة وجزر الكناريا وسان سباستيان وميريدا وكاراكاس وبوجوتا والمكسيك وفينيزويلا وقرطاج بتونس وجرش وعمان بالأردن ودمشق بسوريا، فضلا عن القاهرة وبقية المُدن المصرية. راجع الكثير من الكتب المترجمة عن الإسبانية، وقدم أكثر من كتاب لمبدع مصري وعربي في مجالات القصة والرواية والمسرح والسينما. نشر الكثير من الكتب الخاصة بالمسرح والسينما والفنون الشعبية، منها (الثابت والمتغير): دراسات في المسرح والتراث. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة 1989، و(فضاءات مسرحية) الهيئة العامة لقصور الثقافة 1996، (الرومانسية: يوتوبيا السينما المصرية) - مطبوعات مهرجان القاهرة الدولي للسينما - 2000، (نجيب محفوظ في السينما المكسيكية) ط 1 مكتبة الإسكندرية - 2003 - ط 2 مكتبة الأسرة - القاهرة 2009، (السينما في مرآة الوعي) الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 2003، (سوسيولوجية الفنون المسرحية) - الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة - 2004م، (السينما الإسبانية) مهرجان القاهرة الدولي للسينما - 2008م. كتاب (دليل المُتفرج الذكي إلى المسرح والمُجتمع)، كتاب جديرٌ بالقراءة والمُتعة المعرفية.


بشار عليوي