سيـرة حـب سيــرة كل عاشق

سيـرة حـب  سيــرة كل عاشق

العدد 601 صدر بتاريخ 4مارس2019

العرض المسرحى “سيرة حب” من انتاج الفرقة الغنائية الاستعراضية، يقوم هنا بعملية “تطهير للمتلقى” كما نرى فى المسرح اليونانى القديم من خلال شخصية اسطورية الا وهى “شخصية البطل النبيل”، وذلك باشباع المتلقى بكل قيم الحب والمعانى النبيلة المفتقدة فى مجتمعنا الحالى، وشخصية البطل النبيل هنا فى ذاك العرض هى شخصية “الموسيقار بليغ حمدى”، ليخرج المتلقى من العرض المسرحى و هو بداخله طاقة ايجابية لاستعادة ونشر تلك القيم النبيلة المفتقدة فى مجتمعنا من جديد، يعتمد العرض المسرحى هنا على طريقة “الفلاش باك”، عندما نجد البطل و هو فى منفاه الارادى بباريس بعدما تعرض للظلم وعدم التقدير فى وطنه، نجده هناك وهو فى وسط معجبيه لتتعرف عليه فتاة مصرية موهوبة فى الغناء تقوم بقضاء شهر العسل بباريس مع زوجها الصحفى لتنشأ بينهم صداقة وطيدة، وتمتد رحلة صداقتهم سويا فى باريس ليروى لها أهم محطاته الفنية والعاطفية والوطنية من خلال عدة لوحات مسرحية .
أكثر ما تميز به العرض المسرحى هنا هو الاستعراضات التى قام بتصميمها “عادل عبده” مخرج العرض فى ذات الوقت، والتى جاءت كلها مفعمة بالبهجة والحيوية والانطلاقة، والتى دعمتها بقوة وإبهار فى نفس اللحظة الإضاءة المسرحية من تصميم “شريف البرعى” بالألوان المبهجة الملفتة للعين والتى تثير السعادة و الطاقة الإيجابية لدى المتلقى، ومن ثم جاءت أيضا الأزياء لمصممها “ محمد الغرباوى “ للراقصين و الراقصات على نفس الوتيرة تعبر عن الحرية والجمال والحيوية، و كأنما أراد المخرج بالاتفاق مع كلا من مصمم الاضاءة و مصمم الازياء أن يعبر من خلال تلك الاستعراضات المبهجة عما يعترى بليغ حمدى فى دواخله من حالة حب مختلطة بعشق للحرية و الحياة و الانطلاقة و البهجة، يؤخذ على العرض هنا أنه لم يكن هناك الحان أو كلمات أغانى كتبت خصيصا للعرض المسرحى، فكلها جاءت أغانى من الحان الموسيقار بليغ حمدى، قام بالتوزيع الموسيقى لها و قيادة الاوركسترا بحرفية عالية الموسيقار “محمد أبو اليزيد”، على اعتبار انها سيرة ذاتية لموسيقار كبير من وجهة نظر مخرج العرض فلا يجوز الاستعانة بأغانى و الحان ليست من الحانه بالعرض، و إن كانت وجهة نظرى مختلفة تماما حيث أننى أرى أنه كان سيكون من المختلف و الجديد هنا أن يسمع المتلقى كلمات و الحان جديدة كتبت خصيصا لتجسيد حياة و معاناة بليغ حمدى بجانب بالطبع إلي جانب أغانيه وموسيقاه الخاصة، ذاك كان سيكون أفضل كثيرا حيث اننا جميعا نعرف الحان بليغ حمدى ونحفظها عن ظهر قلب، الديكور من تصميم محمد الغرباوى ايضا جاء موفقا للغاية فى بساطته و فكرته الملائمة لطبيعة عروض السير الذاتية من خلال شاشة سينمائية تتوسط المسرح تبدو كشرفة منزل فى بعض اللوحات المسرحية مثل لوحات منزل بليغ حمدى فى باريس البسيط المفعم بحب الفن و الوطن من خلال صور معلقة على الجدران لكبار فنانى و مطربى زمنه، كما تبدوا احيانا كمكمل لصورة شوارع باريس فى لوحات أخرى للأستغناء عن موتيفات كثيرة كانت ستتطلبها المشاهد حال عدم وجود مثل تلك الشاشة التى عرف المصمم كيف يستغلها كثيرا فى أكثر من موضع و تعدد وظائفها من حيث التوثيق المرئى التاريخى لمحطات بليغ حمدى الفنية و العاطفية و الوطنية أو البديل عن الديكور احيانا اخرى ، كما نجح بالأتفاق مع مصمم الخدع المسرحية “ ايهاب جمعه “ فى استغلال تلك الشاشة فى الدمج ما بين خشبة المسرح و شاشة السينما و كأنهم حالة واحدة من خلال فكرة انقسام الشاشة من المنتصف لتخرج منها الشخصيات المسرحية الى المسرح و التى كانت على الشاشة منذ بضعة ثوانى و خدع اخرى عديدة ابرزها التوازى ما بين لقاء بليغ و وردة الفنى و الفعلى اثناء بروفة لهم على احدى الاغانى و ما بين خشبة المسرح حيث الممثلين الذين يقوموا بتجسيد هذا التعاون الفنى الحميمى و الرومانسى الحالم، استطاع “إيهاب فهمى” بتجسيده لشخصية بليغ حمدى بذكاء أن يتحول إلى “بليغ فهمى” بمعنى انه احتفظ بشخصيته الذاتية كايهاب فهمى الممثل مع تقمص روح بليغ حمدى الذاتية كفنان و موسيقار عاشق لوطنه حتى النخاع ولم يعتمد فى فكرة التجسيد هنا على الشكل بدليل احتفاظه بذقنه و شاربه على عكس حقيقة بليغ حمدى الشكلية و أعتمد على تجسيد الروح فقط، و من وجهة نظرى فقد نجح إلى حد كبير جدا فى استعارة روح بليغ حمدى طوال العرض المسرحى مما جعل الجمهور يصدقه و يتفاعل معه و يصفق له، و اعتقد ان هناك العديد من الفنانين فى تجسيدهم لشخصيات حقيقية من قبل لم يحالفهم التوفيق بسبب اعتمادهم على تجسيد الشكل قبل الروح مما ترتب عليه اختفائهم فنيا فيما بعد من على الساحة و هناك امثلة عديدة و لكن لا تتاح مساحة لذكرها هنا، تألق “مجدى صبحى” فى تجسيد شخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب من منطلق خفة الظل التى كان يتميز بها تلقائيا من خلال خشيته المستمرة من الاصابة بالامراض و الميكروبات، فأنتزع ضحكات الجمهور ليضفى روح الكوميديا و المرح على العمل الفنى، كانت “مروة ناجى” فى أوج تألقها غناءا و تمثيلا فى شخصية حنة الفتاة المصرية المعجبة ببليغ حمدى بما تتمتع به من كاريزما و حضور مسرحى كبير على الخشبة و ثقة بالنفس لا حدود لها معتمدة فى ذلك على صوتها القوى المؤثر فى وجدان المتلقى، أدت “ نهلة خليل “ شخصية أم كلثوم بصوتها الغنائى المتميز و المتمكن، و لكنها وقعت كما اخبرت من قبل فى فخ الاهتمام بالشكل على حساب الآداء، فأبتعدت تماما عن روح كوكب الشرق فى حياتها الطبيعية و لكنها اجادتها فقط فى شخصيتها و هى تغنى على خشبة المسرح فقط، جاءت باقى الشخصيات المسرحية موفقة الى حد كبير مع من قاموا بتجسيدها مثل سمية درويش فى شخصية المطربة وردة الجزائرية، شريف عواد فى شخصية الملحن رياض السنباطى، عماد عبد المجيد فى شخصية المطرب محمد رشدى، عمرو اصلان فى شخصية الشيخ النقشبندى، ناصر عبد الحفيظ فى شخصية الشاعر عبد الرحمن الابنودى، رشا سامى العدل فى شخصية اش اش ابنة محمد عبد الوهاب، احمد الدمرداش فى شخصية سعيد منصور، المطرب شيكو فى شخصية عزيز مدير اعمال بليغ، سيد عبد الرحمن فى دور صديق وردة و بليغ، حمدى حنفى فى دور المأذون، و جميع من كان يتطلب دورهم الغناء كانت اصوات متميزة تم اختيارها ببراعة، نعود هنا الى شخصية رئيسية و هامة جدا فى العمل قام بآدائها أحمد الأمير و هو مطرب حالم و متمكن جدا من ادواته الغنائية ولا خلاف عليه فى هذا الشأن و لكن جاء اختياره كممثل لتجسيد شخصية عبد الحليم حافظ غير موفق تماما سواء ان كان على مستوى الشكل أو حتى الروح أو الآداء، حيث من الواضح أنه بعيد كل البعد عن موهبة التمثيل مما تسبب فى أن يشعر المتلقى فى كل المشاهد الخاصة به ببطء الإيقاع و الرتابة، و بالتالى لم يكن الصوت الجيد كافيا بالمرة، فبرغم من كونه عمل فنى غنائى استعراضى و لكنه فى النهاية يعتمد على التمثيل و التجسيد ايضا لشخصيات حقيقية، و من هنا كان لهذا الاختيار الخاطئ تأثير سلبى على بعض مشاهد العمل، على عكس مشاهد كل من أحمد الشريف فى دور الضابط الفرنسى و هانى عبد الهادى فى دور ممثل الادعاء و محمد شافعى فى دور القاضى فعلى الرغم من صغر حجم أدوارهم الا انهم اضافوا روح المرح و الدعابة على العمل و جعلوها ادوار مهمة و كانت مشاهدهم محببة لدى الجمهور لأمتلاكهم جميعا موهبة التمثيل لخبراتهم الطويلة فى هذا المجال، نجح هنا المخرج عادل عبده فى ترجمة أفكار الكاتب “أيمن الحكيم” الذى كتب سيرة بليغ حمدى بطريقة مشوقة بعيدة عن المحاكاة التقليدية و المباشرة من خلال فكرة “ الفلاش باك” و أضاف عليها المخرج “ فكرة المحاكمة الرمزية الموسيقية” فى نهاية العرض، ليعطى العرض المسرحى طابع الابداع بعيدا عن السرد المعتاد، ذاك التعاون الفنى بين المخرج و الكاتب فى الافكار هو ما جعلنا نشعر كجمهور أن بليغ حمدى لازال حيا بيننا .


أشرف فؤاد