العدد 594 صدر بتاريخ 14يناير2019
أقيم الاثنين الماضي بالمركز الدولي للكتاب، التابع للهيئة العامة للكتاب حفل توقيع مسرحية “بوابة الميناء ومسرحيات أخرى” للكاتب السيد حافظ ، بحضور نخبة مميزة من المسرحيين والإعلاميين، ومن المتحدثين الدكتورة أفكار ذكى، والدكتور ماهر عبد المحسن أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بجامعة القاهرة، والناقد الأدبي معتز محسن, والكاتبة العراقية الدكتورة نجاة صادق الجشعمى, والمخرج عباس أحمد والمخرج أميل شوقي والأذاعى معتز العجمى.
استهل السيد حافظ الحفل بالقول إننا نقاوم الظلمة بنور الفكر ونقاوم القبح بالجمال, و الجمود بالحركة ،نحن المبدعين الذين حملنا على أكتافنا مهمة التنوير والعطاء بلا حدود من أ جل أن يستيقظ الوطن يوما فيجدنا جديرين به ويكون هو فخور بنا.
وتابع : نحن فى معضلة صعبة وظرف تاريخي عالمي شرس للغاية وفى مفترق طرق حضارية وفكرية ، وعن تجربته قال:
“ أمضيت خمسين عاما ,أكتب للمسرح و أفنيت عمري فيه وأنفقت كل أموالي، ولم يهمني فالحياة تسير,
وأنا أدعى أنى كاتب مسرحي حقيقى , و أعرف في الإخراج و مثلت وقمت بعمل ديكور وماكياج وأعي خشبة المسرح بكل مفرداتها. أضاف: قدمت مشاريع كثيرة فى المسرح النسوي و السياسى والإجتماعى والمسرح التاريخى و لى باع طويل فى المسرح التجريبي، فقد قدمت 36 مسرحية , وقدمت لمسرح الطفل مشروعا كبيرا قوامه 18 مسرحية قدمت فى أرجاء الوطن العربي وكنت محظوظا للغاية أن قدمت مسرحياتى فى الوطن العربى، و القليل منها فى مصر لأسباب خارجة عن إرادتي .
و وصفت الدكتورة أفكار أحمد ذكى السيد حافظ بأنه كاتب متميز و له قيمته ولا يكتب من فراغ وإنما له فكره العميق و المتميز، لذلك فهو يحتاج إلى عقل مفكر وإلى وجدان يشعر ويفهم
وتابعت : “كتبت دراسة نقدية عن النص ، وقد لفت نظري فى أعمال السيد حافظ بصفة عامة لغته الشعرية و دائما ما يضمن أعماله ببعض المقاطع التى من الممكن أن نعتبرها “القصيدة الومضة” ولذلك آثرت أن تكون دراستى على اللغة الشعرية في مسرحية “ ظهور واختفاء” وبدأت بالقول “ اعتاد السيد حافظ في أعماله الروائية أو الدرامية أن يبدأها ببعض المقدمات أو اختيار أكثر من عنوان على سبيل التفسير والإيضاح ، وقلت إنه يفترض عالما خياليا فى مسرحية “ ظهور واختفاء “ وأن هذا قد يبدو للبعض نوعا من الهروب من الواقع، ولكن هذا غير صحيح لأن الواقع وقضاياه يظل محور اهتمام السيد حافظ كما ظهر فى أعماله. استطردت:
إن الكاتب يقيم عالمة الإفتراضى المثالى و يستمد عناصره من الواقع نفسه، مشيرة إلى تميز السيد حافظ بلغته التي تعتمد على الأيقاع الموسيقى من ناحية، والتصوير من ناحية أخرى حيث يقوم بانتقاء مفرداته بعناية فائقة كأنه يؤكد على مقولة صلاح عبد الصبور فى كتابه “ حياتي فى الشعر”
إن الشعر هو صاحب الحق الوحيد فى المسرح “ وميزت د. أفكار بين المسرح
بين المسرحية النثرية والمسرحية الشعرية؟ و قالت أن الشعر له سماته ومقوماته والنثر له مقوماته حتى وأن اعتمد على اللغة المجازية موضحة أن السيد حافظ يصف المشاهد وحين يكلم الجمهور يجعلنا نعيش مع المسرحية وكأننا نشاهدها على المسرح . واستشهدت بأجزاء من حوار النص بين أبو ذر الغفاري وأصوات أخرى
مثل “ جئت لأنذركم.. أنه عصر الموت للروح، هل تدركون يا أصحابي كيف ينفيكم الخوف وأنتم في بيوتكم تتضورون جوعا وتنامون على الحزن والفقر والحاجة؟.. وترد عليه أصوات متداخلة قائلة “ يا أبا ذر يا أبا ذر أنقذنا من منفانا الخوف أو الموت الصمت أم القهر لا فرق، العلة أن تتركنا حتى يسحقنا الخوف أو الموت أو الصمت أو القهر أو يتلعثم الصمت يا أبا ذر الكلمة حشرجة فى الحلق” فيصعد أبو ذر الغفارى قائلا “قد كنت أحلم بالكلمة السيف بالكلمة الصوت فى يدى المظلوم تقلم أظافر الظالم
وشير هنا إلى استدعاء النص لكلام عبد الرحمن الشرقاوى عن الكلمة في مسرحية “الحسين ثائرا” و”الحسين شهيدا” مؤكدة أن الكلمة لها دور كبير لدى المبدع الباحث عن الحق والحقيقة ومع ذلك فهي تتعرض للقهر والظلم وهذا ما رسمه السيد حافظ , على لسان أبو ذر الغفاري الذي استخدمه المؤلف كقناع وهي تقنية درامية وفنية يلجأ اليها المؤلفون والشعراء لبث أرائهم بشكل غير مباشر ، وبهذا تتماهى الشخصية التاريخية أبو ذر الغفارى مع شخصية الكاتب المعاصر الذي يدرك بوعيه قضايا واقعه بداية من فقدان الحرية خاصة حرية الفكر والكلمة وصولا إلى القهر السياسي والإجتماعى وصراع الطبقات وسيطرة السلطة.
أما مداخلة الدكتور ماهر عبد المحسن أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بجامعة القاهرة فدارت حول مسرحية “ كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى”
وقد أشار إلى أنها مسرحية تجريبية قصيرة موضحا أن أسباب اختياره للأعمال القصيرة هو أن أعمال السيد حافظ دائما ما تكون محتشدة برموز ومحملة بكم كبير من الدلالات، أشار إلى أن تخصصه ليس المسرح ولكنه عندما يتناول عمل مسرحي يتناوله من زاوية تخصصه الأصيل وهو الفلسفة وتحديدا “علم الجمال”
موضحا أن أول شىء يبحث عنه فى العمل هو الفكرة أو البعد الفكري وبشكل محدد الكيفية اللغوية التى عبر بها المؤلف عن فكرته الحقيقة ، وتابع “ الفكرة الرئيسية بالنسبة لمسرحية “ “كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى” هى فكرة الشك أو انعدام اليقين .
مشيرا إلى حرص السيد حافظ على كتابة مسرحية تجريبية تخرج بشكل كامل عن تقاليد المسرح المعروفة، من حيث عدم تحديد الزمان والمكان و فيما يخص وصف الشخصيات نجده يصف الشخصية بشكل مختلف على سبيل المثال “ رجل عجوز معلق على رقبته زجاجة ويسكي وتجلس بجانبه إمراه يبدو أنها رفيقة عمره الساذج ولكننا سنطلق عليها الأم وتتكرر كلمة يبدو كثيرا فتتضح لنا أن
ففكرة المؤلف العليم الذي يعرف كل شىء ليست موجود عند السيد حافظ وهذا عن قصد فى محاولة منه لإشراك القارئ، وحتى لا يتورط فى تقديم صورة كاملة، فهو يترك مساحة للثغرات أو الفراغات حتى يمكن أن يملؤها المتلقى ويصل الأمر أيضا الى بعض العبارات التي يتركها مفتوحة لظروف العرض. أضاف: إن
مسرحية “كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى” تدور حول مباراة لكرة القدم وتتحدث عن الأحداث الاجتماعية التى تدور حول هذه المباراة ويتداخل هذا مع المشاكل الاجتماعية التى تخص الأسر المتواجدة ويحدث شىء غريب فى نهاية المسرحية وهى عندما يقرر البعض مشاهدة المباراة من خلال التلفزيون يحدث نوع من الالتباس وهو أن المباراة لم تقام من الأساس ولم يلعب أحد ولم يفز أحد ولا يوجد بطل وهو ما يجعل الجمهور يخرج متسائلا: أهي حدثت أم لم تحدث، وهنا أيضا نوع من التركيز على فكرة انعدام اليقين , فالهذف الرئيسي أن تخرج من المسرحية وأنت لا تستطيع تحديد حدثت أم لم تحدث؟
وأضاف: الفكرة الرئيسية التى أتحدث عنها تمرر أيضا أفكارا آخرى ومنها فكرة الحرية وهذا يتضح بشكل كبير و بطريق مبتكرة يقدمها السيد حافظ ، حيث يحدد لكل شخصية القيد الخاص بها كالرجل المسن الذي يعلق زجاجة خمر في رقبته ، فى إشارة إلى أن هذا الرجل فى حالة غياب كامل عن الوعى و الزوجة التي تعلق على رقبتها أدوات المطبخ وأثاث المنزل بحجم صغير وهذا يعنى أنها حبيسة وأسيرة المنزل , و المذيع يجلس فى غرفة تمتلئ بالحروف ويعلق فى رقبته المذياع وهذا يدل على أنه حبيس الكلام لا يفعل شىء سوى الحديث، حتى الحقيقة يصنعها عن طريق والكلام، يوحى أن هناك مباراة بالرغم من عدم وجود مباراة, وعندما يذهب إلى زوجته ويبلغها أنه لم تكن هناك مباراة لا تصدقه ولا يقتنع الناس.
الناقد معتز محسن أعرب عن سعادته بالحديث عن كتاب “ بوابة الميناء” وأشار إلى أنه سيتحدث عن مسرحية “ ياله من عالم مظلم متخبط بارد”
موضحا أنه من الوهلة الأولى شعر أنها تسير على النهج الغربي الكلاسيكى وهو ما جلعه يشعر بأن الكاتب جعلنا نرى العالمية من خلال المحلية وأن باستطاعتنا أن نحاكى البيئة الغربية برؤية مصرية مشيرا لى أن الكاتب يتمتع بثقافة عالية ترتكز على الإنسان بشكل عام ،
وتابع : هذة المسرحية كتبها كتجربة أولى فى عام 1966 كان العالم يعج بالعديد من المشاكل والصراعات والتناحرات الأيدلوجية المختلفة، مؤكدا على أنه إذا نظرنا لشخصياتها الزنجى , الجندى , الزوجة , والقس , القاضى، الحائكة نجد أننا أمام الأصول التي أدت الى الأساس الذى بنى عليه العالم المترع بالدماء الحارة التى لم تهدأ حتى الأن. قال
إن السيد حافظ أحضر الجد الأكبر “لوزا باركس” فى شخصية الزنجى النجار، مايؤكد أنه قارئ جيد للتراث الأمريكي فى فترة العنصرية التى كانت على أشدها في الفترة التى كتبت فيها المسرحية مما يدل على أننا امام عالم متخبط محبط بارد وتأكيد على ما نحن فيه الآن من عنصرية.
و عن شخصيات المسرحية ومنها شخصية الأرملة التى تصالحت مع الحياة وسط الصراعات و الزائر الغريب الذى اختار العزلة كناية على أنه سئم الحياة قال هذه المرحلة تتقاطع مع روايات كثيرة لنجيب محفوظ فى المرحلة الرمزية مثل “السمان والخريف” “ وميرا مار” .
وختم بأننا نجد أنفسنا أمام الانتهازية من جذورها التي ترجمت عبر العصور إلى دواعش وإلى القاعدة وإلى المذاهب أو الطوائف المسيحية و الأسلامية المتعصبة .
فيما أوضحت الدكتورة نجاة صادق أن الكتاب تعثرت وتعسرت ولادته لمدة أربع سنوات قبل أن يتنفس الهواء النقى ويخرج للوجود من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج فالكتاب حاملا عنوان “ بوابة الميناء ومسرحيات أخرى” مشيرة إلى ان اقتران العنوان بالمسرح وكتابة اسم السيد حافظ باللون الأصفر له دلالة على شخصية الكاتب وما يتمتع به من قوة شخصية وطاقات إبداعية، وما يمتلك من مقومات الفرح التى تجعله يرسم الابتسامة فى أحلك الظروف. وأوضحت أن غلاف الكتاب ينقلنا إلى الخيانات والأمراض الاجتماعية التى يعانى منها الشعب العربي، حيث يتكلم عن الميناء و البواخر التى ترسو و تروح وتجىء رافعة أشرعتها بوجه الرياح العاتية الصاخبة والمدمرة لأمنيات الشعب، وقد لونت بالأسود وهو لون الحزن وأحيانا تأتي بالخير والقوة والرقى ,وخاصة عندما تستخدم تلك المراكب في الخير كالتجارة والانتصارات ، أما خلفية الكتاب التى صممت باللون البنفسجى مع اللون الوردي وتدرج الألوان مابين الفاتح فله دلالات منها الخيال والأساطير والشخصية التى تناسب الكاتب من حيث الإبداع والتميز والابتكار والأحلام والهروب من الواقع المتخلف المريض.
وأضافت : الكتاب مؤلف من 384 صفحة ويحتوى على سبع مسرحيات هى بوابة الميناء , ياله من عالم مظلم متخبط بارد مسرحية من ثلاث فصول , ظهور اختفاء أبى زر الغفاري , ليلة الخميس ، امرأتان , كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى، ثم كتب على الغلاف جزء من كلمة الدكتور كمال عيد.
وتابعت: مسرحية بوابة الميناء لها أكثر من مدخل وأكثر من مذهب إبداعي بالإضافة إلى أن شخصية الكاتب فالسيد حافظ رمزا بارزا من أهم رموز المسرح ، عرفناه من خلال نصوصه المسرحية وكتاباته الأدبية الروائية متذوقا رائعا للثقافة المتميزة ومحبا للحياة مبدعا متجددا بروح طفل وقالت إن شخصية أبو ذر خلقت مكانتها فى التاريخ بموافقة الواضحة كما كان لها الأثر الكبير والصدى الذى ألهم خيال الشعراء والمفكرين والأدباء ومنهم من يتطرف فى تقويمها ويضعها فى دائرة الاشتراكية ومنهم من يضعها فى دائرة المشاغبة ومنهم من ينفتح على عناصرها الفكرية والحركية ليقدمها نموذجا للشخصية الإسلامية المتحركة والمتحررة بصلابته وقوة موافقة وهو ما فعله
السيد حافظ الذي كتب مسرحيته “ ظهور وأختفاء أبى ذر الغفارى ) أوائل الثمانينات.
وقال الدكتور عبد الكريم برشيد ما لفت انتباه النقاد الكبار لتجربة السيد حافظ هو محاورته للموروث الماضوى ومحاولة استثمار ما يمكن استثماره منه فى تيسيير الحقل الاجتماعي وتكييفه, فهي تجسد لنا نوعا من العلاقة الوطيدة بين المسرح والتراث باعتبار المسرح لوحة تشخيصية لمنظومة الأفكار وأنماط الوعي التي تعتبر من منظور ثان تجسيدا للعلائق الاجتماعية للبنية التحتية، هكذا حينما نصب التراث فى قالب تجديدى وبصمة ببصمات العصر ليصبح ذا منظور جديد، وفى هذا الطرح لإشكالية التراث نضع محاولات السيد حافظ التى تعكس لنا تطلعاته المحتدمة لتجاوز قوقعة الخيال الرومانسي والفردائية الحالمة” وأضافت: يقول الناقد الدكتور عبد الرحمن بن زيدان “ ومن النماذج التي كتبت فى هذا الموضوع ,موظفه التراث توظيفا سياسيا يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة نجد مسرحية أبى ذر الغفاري للسيد حافظ ،حيث تتفجر اللغة النمطية لتعلن عن هويتها الجديدة وعن إنتمائها إلى العصر وإلى الوطن العربى وذلك برؤية تخترق السائد وتمزق الأقنعة لتقديم ما وراء الأقنعة، وما وراء المظاهر والشكليات للكشف عن الخلل والعطب وما جعل السير الديمقراطي غير سليم”.
كذلك تحدث المخرج عباس أحمد عن تجربته مع كتابات السيد حافظ فقال أنه قدم تجربة “ ظهور إختفاء أبو ذر الغفارى” وأوضح أن معرفته بالسيد حافظ تعود إلى وقت منذ أن كان هاويا، “حيث بدأ نا مشوارنا سويا وقمنا بالدخول لدائرة الضوء فى حدود المسموح به , فأنا أعرفه جيدا وأعي مسرحة بشكل كامل وقد تعمقت وغصت فى رواياته، فالسيد حافظ قام بقلب الصفحات المعتادة فى المسرح وكتب فى المسرح والرواية، فاختلف بشكل كبير عن من سبقوه فى الكتابة للمسرح والرواية وقدم شيئا جديد خاص به،
وأشار إلى أن المسرح فى حالة تجريب مستمرة لم يبتدعها أحد وكان السيد حافظ من ألمع من أسسسوا تيار التجريب , فمسرحه جديد ومبتكر و يستخدم كل الأساليب والتكنيكات المتاحة حتى يقوم بتوصيل الفكرة التى يراها.
بينما قال المخرج أميل شوقى عن تجربته مع مسرحية “مالك الزبالة والزبالين” معربا عن إعجابه الشديد بهذا النص الذى تدور أحداثه حول إضراب الزبالين حتى تستجيب السلطة لمطالبهم ، قال: قدمت المسرحية منذ 10 سنوات وقد وجدت رفضا تاما لتقديم هذه المسرحية ووجدت عقبات شديدة و قدمت العمل بأسلوب الحكواتى فى اسيوط ، و وصف المخرج أميل شوقي الكاتب السيد حافظ بانه كاتب مبدع.