«حلول الحارس».. لفرقة الأقصر تناقش التغيرات الاجتماعية بمدينة المائة باب «مدينة الشمس»

«حلول الحارس».. لفرقة الأقصر تناقش التغيرات الاجتماعية بمدينة المائة باب «مدينة الشمس»

العدد 811 صدر بتاريخ 13مارس2023

بهوية مصرية جنوبية خالصة، وخوف كبير على تراثنا المصري القديم، وانتماء لحضارتنا التي لا مثيل لها في العالم كله، يستعد المخرج أشرف النوبي، لتقديم مسرحيته الجديدة «حلول الحارس»، للكاتب الجنوبي أسامة البنا، وبفريق يحب يؤمن بأهمية الفنون ليعبر عن هويتنا ودوره في تأريخ ثقافتنا.
وينقلنا المخرج معه إلى بلادنا الغالية، وموطنه، حيث الأقصر مدينة المائة باب «مدينة الشمس»، وبرها الغربي الساحر، الغامر والعامر بمظاهر الحضارة المصرية القديمة الخالدة، مع عالم جديد، وتجربة جديدة بالمسرح، لفرقة قصر ثقافة الأقصر، بإقليم جنوب الصعيد الثقافي، من إنتاج الإدارة العامة للمسرح، التابعة للإدارة المركزية للشؤن الفنية، بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
ويستعد الفريق لاستقبال جمهوره قريبًا، ويجري هذه الأيام البروفات الأخيرة، والتقت مسرحنا بصناع العرض، لتحاول أن تتعرف على ملامح هذه التجربة المسرحية.

مجتمع صغير بغرب النيل
قال المخرج أشرف النوبي: يُلقي النص المسرحي «حلول الحارس»، الضوء على المتغيرات الاجتماعية في مجتمع صغير بغرب النيل بمدينة الأقصر في فترة الثمانينيات بالقرن الماضي؛ نتيجة لمحاولات البعض اختصار الزمن والمسافات بالبحث عن الثراء السريع بلا جهد أو عمل بالتنقيب عن الآثار داخل البيوت التي تقترب من المناطق الأثرية، متجاهلين عن عمد وبدون كل معايير القيم التاريخية والحضارية والإرث التي تمثلها قطعة الأثر التي لا تتعدي في مخيلة وذهنية البعض أكثر من قطعة حجر يُحسن الآخر تضخيم ثمنها ودفع ما يتعدى حدود الخيال.

الخط الفاصل بين الشرف والاجتهاد
وتابع «النوبي»: كما يطرح النص الصراعات الاجتماعية المعلنة وغير المعلنة التي أوجدها المد الأجنبي «الغربي»،  الفردي غير المنظم لتلك البقعة غير المرئية لكثيرين ومدى تأثيره على الجميع بشكل مباشر وآخر غير مباشر، ويطرح أيضًا جمود النسق الاجتماعي رغم ما يطرحه الظاهر من متغيرات في نمط وشكل الحياة داخل المكان، كما يطرح السؤال الأهم: كيف لم يستطع كل هذا الثراء الحضاري والتاريخي والذي يمثل عمق ثقافة وهوية المكان نفسه أن يؤثر بإيجاب على تلك البقعة؟ وكيف يُحاول البعض أن يغض الطرف عن الخط الفاصل بين مفهومي الشرف والاجتهاد الزائف.

طقوس الحفر والتنقيب
وأوضح «النوبي»: يُقدم النص خطًا دراميًا لأسرة بسيطة وفقيرة يعمل عائلها نجارًا بسيطًا بمساعدة ابنيه، والذي لم يهتم بتعليمهما واكتفى بدورهما كسند شكلي له في مقابل الابنة الوحيدة التي اكتسبت قيمها المتعددة من حرصها على التعليم وتفوقها وحصولها على ليسانس الآثار؛ لكنها تجد نفسها زوجة لغفير جاهل تري انتهازي بسبب فقر أسرتها والاستسلام الحبيب ورفيق الطفولة والزميل لهزيمته اجتماعيًا ونفسيًا أمام تلك التحولات السريعة التي أصابت القرية التي رآها الوطن الأوحد الذي لم ير غيره والذي يجد حله في الهروب من المكان لا مواجهة أزماته وأزمة حبيبته هذا الغفير يستغلها ويستغل كل أسرتها كي ينقب داخل بيتهم عن قطعة أثرية تأكد من وجودها داخل هذا البيت بالتحديد، لذا كان عليه أن يُقدم لكل أفراد الأسرة كل ما يسهل له مهمته وكان عليه أن يُظهر لكل من حوله وجهًا لا يملكه، وهنا تظهر مواطن الضعف تجاه العطاء المادي رغم وضوح النوايا والوجوه غير المعلن للجميع ويمضي الخط الدرامي، مارًا على بعض الطقوس الشعبية الاجتماعية في تلك البقعة الجنوبية المهمة، كما توقف عند طقوس الحفر والتنقيب عن القطع الأثرية داخل البيوت، وطرح مفهوم الرصد أو حارس الكنز، وهنا الاستعانة بقصة واقعية من مجموعة كبيرة من القصص التي طرحتها أحداث فرضتها طبيعة المنطقة وحالة الفقر الشديد الذي عانى منه كثيرون وتغيرت أحوالهم تمامًا بعد أن وجدوا ضالتهم.

استخراج الخبيثة
واختتم «النوبي»: النص المسرحي لا يطرح حلولًا لأزمات الفقر والجهل وسرقة وبيع التراث المصري بجنوب مصر المكان الذي يعمل عليه «النص» بقدر ما يطرح سؤال التحول الاجتماعي لمجتمع حمل قيمه ومعتقداته وهويته الراسخة لحقب وأزمنة كثيرة واستطاع أن يواجه أزمات أكبر من الفقر نفسه من قبل كما أنه لم يتوقف كثيرًا عند طقوس استخراج الخبيثة «الأثر» من داخل البيوت لتعدد الطرق التي مارسها عدد كبير من المنقبين ولأنها ليست جوهر قضية النص المسرحي الذي انحاز للجوهر الاجتماعي.

نص من قلب التجربة
وأوضح المؤلف أسامة البنا لمسرحنا: أنه خاض تجربة مهمة دفعته لكتابة نص العرض، وقال: عملت في التسعينيات بالقرن الماضي، وبدءًا من 1993، بالبر الغربي لمدة ثلاث سنوات في معرض البرديات، وتواصلت مع السائحين بالإنجليزية الفرنسية، والإيطالية،  وحول طريقة تصنيع البرديات، وعشت بـ «القرنة»، حينذاك وعاصرت بنفسي، التغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، بالصعيد للفرد والمجتمع كله، والتي طالها المد الغربي، وبدلها من حال إلى حال، وخاصة مجال الآثار، فحاولت أن أعالج ما عايشته بالواقع، من خلال نصي المسرحي، وقمت بعدها ومنذ سنوات طويلة، تتخطى 17 عامًا، بكاتبة  نص «الرصد» وقدمته حينذاك، للإدارة العامة للمسرح، وانتظرت الموافقة لإدراجه بقائمة النصوص المسرحية، التي تجاز من قبل لجنة القراءة، لكنه قوبل بالرفض، علة أن قضيته لا يمكن أن تُعرض، أو يتم تناولها بالمسرح، حيث رأت اللجنة، أن الأعراف وسمات المجتمع الجنوبي، لا تصلح للمساس بها، بوصفها تابوهات، ولا تصلح للتقديم بالثقافة الجماهيرية، والنص يكشف تفاصيل غير أخلاقية وفيما يخص النبش عن الآثار، والحصول عليها، وخاصة  هوية «الرصد» وقد يصل البعض للأثر من خلال طرق غير أخلاقية، ويفضح آليات ومظاهر سرقة التاريخ، وسوء السلوكيات، في البيئة، والأقصر ستظل هي مدينتنا الثرية حضاريًا وتاريخيًا واجتماعيًا لايجب التعرض لها أو لمجتمعها.

نبش المقابر الأثرية
وأضاف «البنا»: ومنذ ثلاث سنوات، حدثني أشرف النوبي وذكرني بالنص القديم«الرصد»، وطلب مني أن أعيد كتابته من جديد، ليقدمه، فأعدت كتابة النص باسم «حلول الحارس»، ليصلح لهوية  فرقة الأقصر الآن، والذي يرصد التحولات الاجتماعية التي أصابت منطقة القرنة الأثرية التاريخية في مطلع وأوائل الثمانينيات بالقرن العشرين، بسبب نبش المقابر الأثرية وسرقتها وبيعها، في منطقة الحي الغربي بالأقصر، وتأثير كل هذا على بنية المجتمع المحافظ المعتز بتاريخه وحضاراته، وسعدت بعودتي، ثانية للمسرح، والمشاركة بالتأليف والأغاني والأشعار.
واختتم : شاركت مع «النوبي»  كمؤلف في ثلاثة نصوص، وشاعرًا مؤلفًا للأغاني  في 15 عرضًا، ترتكز جميعها على المعالجات الاجتماعية، تخص ثقافتنا، والتي نؤمن أننا أولى بمن سيعالج قضايانا الشائكة ويطرحها  من خلال المسرح المصري، وأتقدم بكل الدعاء والتوفيق لفرقة ثقافة الأقصر ولكل المشاركين بالعرض.


الأقصر في التاريخ والحضارة
وتقول مهندسة الديكور د. داليا فرح رئيس قسم الديكور، كلية الفنون الجميلة، جامعة الأقصر: «حلول الحارس».. يُعالج قضية اجتماعية ووطنية في آن واحد، ففي أحد المستويات يناقش العرض الفروق الطبقية بين المهمشين الفقراء من جانب والأثرياء من مصادر غير مشروعة من جانب آخر، وفي ثالث يناقش العرض جريمة تهريب الآثار وما تمثله من إساءة للمكانة التاريخية والحضارية لمجتمع ومدينة الأقصر، ويكشف العرض عن الانحرافات التي يرتكبها البعض من أجل تحقيق الثراء السريع، وبما يسيء إلى تاريخ الأقصر وما شهدته من عصور تاريخية زاهرة خلفت لنا موروث ثقافي وحضاري مؤثر في وجدان العالم أجمع، وهذه القضايا وما يرتبط بها من دلالات قمت بمناقشتها مع مخرج العرض أشرف النوبي وقمت بوضع تصور ملائم للسينوغرافيا، ليعبر عن فكرة الطبقية الصارخة وما يرتبط بها من دلالات ومضامين التلاعب بمقدرات الضعفاء والمهمشين، واستغلال حالة الهشاشة الاجتماعية التي تجعلهم فريسة سهلة للاستغلال، وهي قضية مجتمعية تتطلب معالجتها من خلال رفع مستوى الوعي للأفراد وتحسين ظروفهم المعيشية من خلال التعليم الجيد والتنمية المستدامة، التي تحقق رفاه المجتمع واستقراره.

مفاهيم الطبقية والمخادعات
وأوضحت «داليا»: المعالجة التشكيلية للعرض ذات طابع شعبي تعبيري، مع قدر من الرمزية، حيث يتم التعبير سيميائيًا عن مفاهيم الطبقية والمخادعات ومعاناة البطل المقهور. وتم توظيف العلاقات الخطية والملامس والألوان لتحقيق هذه المضامين في تصميم المناظر، كما تم تصميم الأزياء بما يلائم نفس الأسلوب وبما يعبر عن شبكة العلاقات بين الشخصيات والحالة النفسية والسمات الشخصية لكل منهم.
واختتمت: تعد هذه التجربة الثامنة التي تجمعني بالمخرج أشرف النوبي، والذي شرفت بالتعاون معه في تجارب متميزة عديدة مع عدة فرق مسرحية بمحافظات مختلفة، أتمنى أن يحظى العرض باهتمام أهالي مدينة الأقصر وأن يكون له دور ثقافي مؤثر في تصويب المفاهيم الخاطئة المرتبطة بتهريب الآثار والتأكيد على أهمية التنمية المستدامة للمجتمع، وهو الدور المنوط بفن المسرح الذي يمثل مرآة تعبر عن أحوال المجتمع وقضاياه بهدف الوصول لواقع أفضل.

ممثلو العرض
وقال عبد الرحمن الشنتيري: أقدم شخصية «الغريب»، والذي تُعد تحديًا جديدًا، لي كممثل، ففي الموسمين الماضيين، بمسرح الثقافة الجماهيرية، لعبت دورين متماثلين في سماتهما الخارجية، ويحملان نمط «الشيخ» لكنهما كانا مختلفان، عن بعضهما، وكان أولها الدرويش في عرض «أم العواجز»، وهو ذاك النصاب الذي يتربّح من الجميع، والدور الثاني، شخصية الشيخ والمُعلم الصوفيّ في عرض «تجليات الوجد»، عن رواية مسيو إبراهيم وزهور القرآن»، وبهذا الموسم أقدم شخصية مغايرة ومختلفة تمامًا، في «حلول الحارس»، وقد نصف الأدوار الثلاثة بأنها نمطية لشخصية شيخ إلا إن كل شيخ وله طريقته وطريقه، فبعرضنا الجديد، الشخصية أقرب للساحر، والتحدي الأكبر كان في التدرّب على اللهجة التي سيتكلم بها هذا الغريب، وأتمنى أن نوصل أفكار ورؤية المخرج، ونعبر عن رؤيته، وللجمهور الواعي المتلقي لفكرة العرض، ونحظى بإعجابه وحبه الكبير.  
وتقول أسماء أبو حجر: أجسد شخصية «حميدة»، أم «عليّة»، وهي أم لا يشغل بالها، غير تحقيق أهدافها ومطامعهما بأي وسيلة، ولا يهمها في ذلك سعادة ابنتها، حيث تطمع في أموال عبد الحميد زوج ابنتها، وتنظر له فقط كأنه خزانة كبيرة للمال، ووسيلة لتحقيق المصالح التي لا تنتهي، ولذا تعارض ابنتها في حبها لمحمود الفقير، وتوظف الأم اعتقادها بالخرافة، فتلجأ إلى الدجل والشعوذة متعللة أن ابنتها تلبسها الجان، أوأحدهم، قام بصنع عمل لها، كان سببًا لتكره لزوجها، هي أم أعمى بصيرتها المال الذي يمتلكه عبد الحميد، والمصالح التي يحققها له، والذي يمثل لها، المُخلِّص لهما، ومن سيرفع شأنهما، ومكانتهما بين كل أهل بلدتهما.

بطاقة العرض
«حلول الحارس».. من بطولة وتمثيل: سنبل فهمي في دور «عبد الحميد»، أشرف أنور «طايع»، شريف النوبي في دور «مصطفى»، هيثم الجعفري في دور «خيري»، هاجر محمد «عليّة»، أسماء أبو حجر في دور «حميدة»، حمزة عبد الرحيم «محمود»، عبد الرحمن الشنتيري في دور «الغريب»، وبمشاركة: منة الله أحمد خليفة، منة الله ممدوح محمد، شهد شمس الدين مصطفى، عفاف أحمد خليفة، سلمى ممدوح الأمير، محمد أشرف النوبي، أحمد محمد شمروخ، روماني أسعد أقلاديوس، فارس صبري فراج، عبد الله حسن سالم، آية محمد أبو الحجاج.
والمسرحية من ديكور وأزياء د. داليا صالح فرح، تأليف وأشعار: أسامة البنا موسيقى وألحان: محمد الحاوي، تعبير حركي واستعراضات: سمير نصري، إضاءة كرم نبيه، وإخراج أشرف النوبي.
 


همت مصطفى