شريف الدسوقي: الجائزة تكليل لمجهود سنوات طوال من العمل على النفس

 شريف الدسوقي: الجائزة تكليل لمجهود سنوات طوال من العمل على النفس

العدد 590 صدر بتاريخ 17ديسمبر2018

شريف دسوقي ممثل وكاتب ومخرج مسرحي، ومدرب تمثيل، من مواليد الإسكندرية.  بدأ رحلته مع المسرح  منذ نعومة أظفاره، فقد عمل والده مديرا لمسرح إسماعيل ياسين وكان دائما ما يرافقه إلى المسرح.شارك في العديد من العروض المسرحية وعشق فن الحكي، وقدم العديد من العروض المسرحية من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة والفرق المستقلة داخل مصر وخارجها ومركز الابداع ومركز الجيزويت الثقافي وغيرها من الهيئات والمراكز الثقافية.
بدأ رحلته السينمائية ممثلا بفيلم روائي قصير ( اعمل كده ) مع النجم خالد ابو النجا إخراج مارك لطفي 2006، ثم ( حرب أطاليا ) مع النجم عمرو واكد 2008 إخراج أبو بكر شوقي، شارك في عدد من الأعمال الفنية بجانب فيلم (ليل خارجي)  ومنها الفيلم الروائي القصير (حار جاف صيفا) اخراج شريف البنداري  و(حاوي) اخراج ابراهيم البطوط و(العنف والسخرية)، كما شارك في مسلسل «زي الورد» بطولة يوسف الشريف عام 2012.
التقينا به عقب حصوله على جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي انتهت فعاليات دورته ال40 مؤخرا, عن دوره في فيلم (ليل خارجي)  للمخرج أحمد عبد الله.
- بداية، ماذا تمثل لك  هذه الجائزة؟
أحمد الله كثيرا فهي بمثابة تكليل لمجهود سنوات طوال من العمل على النفس  سواء داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة او الفرق المستقلة ومسرح المحترفين ( بالعربي الفصيح ) مع لنيين الرملي عام 1989 ، وامتد ذلك بترشيحي لجائزة تمثيل عن فيلم ( حاوي ) الذي حصد أفضل فيلم في الدوحة 2010 ، وقبلها بين عام 2006 و2008 قدمت بعض الأفلام الروائية القصيرة مع عماد ماهر و عماد مبروك بمركز الجيزويت الثقافي، وهم من أهم من أسسوا للسينما المستقلة بمصر، وتجربة ( حار جاف صيفا ) مع الممثل القدير محمد فريد، والفنانة ناهد السباعي من اخراج شريف البندري والذي فاز بجائزة أفضل فيلم في المهرجان القومي للسينما في دورته 38،   تركت هذه السنوات والتجارب بصمة حقيقية  عبر الاحتكاك بخبرات أجنبية مثل ( كلين ستيفن ) لأتأكد  أن ما تعلمته وأعلمه صحيحا ، وإننا نقوم بتدريب الممثل وفق منهج علمي. بالإضافة لتجارب مسرح الحكي التي بدأتها منذ عام 2001 بعرض في افتتاح مكتبة الإسكندرية مع بعض الفرق المستقلة من النمسا وألمانيا والدوحة والمغرب والجزائر وتونس ، وقد حققت جوائز تفوق الـ 16 جائزة في الكتابة والإخراج والتشخيص .
- كيف تم ترشيحك لهذا الدور  في فيلم (ليل خارجي)؟
المخرج احمد عبد الله والمنتجة هالة لطفي يعملان منذ فترة ككشافي كرة القدم، مع الاختلاف ، فهما يزيدان ثقافة وعلما،  كغيرهم من المخرجين أمثال إبراهيم البطوط وشريف البنداري.. ينزلون إلى محافظات مصر يبحثون عن الموهوبين، ومن قبلهم السيد بدير وابو السعود الابياري ، وهذا هو ما حدث معي من قبل إبراهيم البطوط في فيلم ( حاوي ) اما عن تجربة ليل خارجي فقد فوجئت عام 2013 وكنت معتكفا في بيتي ولا أخرج ، ينتابني إحساس أن سني يكبر، وحزين على  حال المسرح ،  وكان على صلة بي عماد مبروك ( جوكر السينمائيين المستقلين ) – على حد تعبيره – وكنت  وقتها لم ألتقي  بالمخرج احمد عبد الله  لكني كنت على علم بأنه متابع لما أقدمه وسعيد به ، ثم التقيت به في أحدى الفعاليات التابعة  لصندوق التنمية الثقافية في منتصف يناير 2017 ، وتكررت لقاءاتنا ، ثم أعطاني أول نسخة من الفيلم ، وأحب أن اقول  إلى أننا وصلنا ل 11 نسخة عمل في أخر الفيلم .
 - ما هي كواليس العمل إذن والمنهج الذي يعمل من خلاله مخرج الفيلم؟
المخرج احمد عبد الله يعمل بمنهج علمي، يجعل الممثل يصدق الحكاية، فهو يقدم حكاية واقعية / حياتية، زرع الحكاية  داخلنا أنا وكل نجوم الفيلم، حتى أصبح كل منا سعيد بشخصيته،  وما ان انتهينا من البروفات حتى بدأنا التصوير في مايو 2017، الجميع كان أسرة واحدة ، نذاكر سويا ونتقابل سواء في البروفات أو لقاءات خارج المقابلات الرسمية ، ثم  فوجئنا بعد قراءة المشهد لأول مرة في أول يوم تصوير أن المخرج يطلب من كل ممثل الارتجال بناء على فهمه للشخصية والمشهد، ظننا في البداية أنه يختبر ذكاءنا، فلم أجد أية صعوبة ـ، فعندي في وجداني زخم من الحكايات باعتباري حكاء، حكاياتي من الشوارع، واحتفظ  بمخزون كبير من كاركترات المصريين، ومع الوقت أصبح العمل، مرتكزا على الارتجال ليس على الحفظ، وهي طريقة ستانسلافسكية بحته، مما أعطاني أريحية في استدعاء المخزون لتظهر شخصية مصطفى/ سائق التاكسي داخل الفيلم، الذي يعمل سائق في شركة إنتاج ثم سائق تاكسي في غير اوقات عمله مع شركة الانتاج .
- باع طويل وجهد مبذول داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة .. كيف تقيم الوضع داخل الثقافة الجماهيرية اليوم؟
دون أدنى  مجاملة، أهم اساتذتي على الإطلاق أخي وأبي الناقد محمد الروبي، رئيس تحرير جريدة مسرحنا، فهو من أهم من احتوونا كجيل يبحث لنفسه وقتها عن مكان، وقد كنت موظفا في الهيئة من عام 1997 وحتى 2007 وانصرفت عن الوظيفة بإرادتي التامة وقررت احتراف التمثيل والإبداع وفقط، فالهيئة قامت بمبدعيها لا بموظفيها، وهي لحظة كانت تتطلب أن نقلب الطاولة وبمعاونة ثلاثة من أساتذتنا هم د. أيمن الخشاب، وطارق عبد المنعم، و علي الدين الحكيم، فقد كانوا مدركين ان الجيل القادم لم يعد طموحه قاصرا على قلب الطاولة ولكنهم يطمحون في إدارة المواقع الثقافية، فالموظفون احتكروا الهيئة بداية من رئيس الإدارة المركزية وحتى مندوب الصرف، فلم  يفكروا في ظهور مخرج جديد وفنانين جدد، ودعمنا أيضا من أساتذتنا سامي طه، د. محسن مصيلحي، نزار سمك، وكل هذا الجيل الذي ساندنا ووقف في ظهورنا وهذب ألفاظنا ، الى ان ظهر جيل التسعينيات وهو جيلي ومكثنا حتى 2003 محتكرين لكل جوائز نوادي المسرح والقصور والبيوت، واحتكروا هم جوائز القوميات ويشهد على ذلك أستاذنا محمد الروبي، فهذا بفضل الله ثم بفضلهم، ومن أبناء هذا الجيل مصطفى ابو سريع ، وأنا أدرب تمثيل من أكثر من 18 عاما وأبنائي نجوم اليوم أؤهلهم للعمل والاحتراف .
 - قدمت عروضا في نوادي المسرح منذ تأسست ، كيف ترى هذا المشروع اليوم ؟
الأستاذ العظيم سامي طه ورفاقه ممن رسخوا  لهذه التجربة التي تقوم على منهج جروتوفسكي ( المسرح الفقير ) ونتيجة تبني هؤلاء الأساتذة لجيل التسعينيات حمونا من سطوة الموظفين في ذلك الوقت، ومن هنا كانت المقاومة / اقصد المقاومة الفنية ، ولم نستسلم كالجيل الجديد الذي يستسهل اليوم باحثا عن منحة للخارج او المؤسسات المستقلة التي تستقطب الشباب دون تدريب و دون اكتساب خبرات على مدى سنين ، لذا فالمقاومة تتمثل في تقديم العرض / الفن دون أن توقفنا العوائق المادية .
تجربة نوادي المسرح كانت ميزانيتها حوالي 300 جنيه، وكنا نعمل بها، بينما الجيل الجديد لا يعجبه 2500 جنيه، ورغم تحركي نحو الاحتراف عام 2012  ورغم إني مخرج معتمد بالهيئة إلا أني رفضت الشريحة إيمانا بتجربة النوادي، وقدمت في ذلك العام ( واحد عصافرة ) وهو عرض حكي من الشوارع والبيوت، وتم عرضه 2012، وكانت السينوغرافيا مجرد جنزير طوله 25 مترا مربوط في يدي، وفزت بجائزة أفضل ممثل وجائزة عن السينوغرافيا وأشاد د. أيمن الشيوي بهذه التجربة كثيرا ، اما الآن فالشباب لا يبحثون إلا عن مكاتب الكاستنج .
-وما رأيك في مسرح الدولة الآن بشكل عام؟
مشكلة مسرح الدولة تتمثل في ابتعاد النجوم بسبب ضعف ميزانيات الانتاج، فلك ان تقارن بين اجر النجم في مسرح الدولة الذي يستغرق بروفات شهر ونصف او يزيد، مقارنة بعقد التصوير، فمسرح الدولة يرتكز على التجارب الشبابية التي يقدمها د. اشرف زكي، او غيره من الأساتذة. اما الشباب اليوم فلا يستطيعون  مقاومة إغراءات عروض التليفزيون والسينما، مما أدى لاختفاء الممثل،  واختفت أجيال صدقت وآمنت وتعلمت اذكر لك مثالا مسرحيات قدمها مسرح الدولة (الوزير العاشق) سميحة ايوب وعبد الله غيث إخراج فهمي الخولي، (ولن تسقط القدس) للنجم الراحل نور الشريف إخراج فهمي الخولي ، وهنا أشير إلى ان رئيس البيت الفني وقتها كان د. عبد الغفار عودة ، الذي أسس لمسرح الغرفة، وكنا نتعارك بالطوابير لمشاهدة هذه العروض في مسرح سيد درويش بالإسكندرية وقاعة يوسف إدريس بالسلام، هذه الملحمية التي تحيلك الى التصديق أكثر، فمن الذي حقق هذه الصحوة بعد عبد الغفار عودة؟ فالريادة هنا أن تكون قائدا ومديرا،  عندما يتحقق ذلك تحدث صحوة فنية في مسارحنا.
- وماذا عن مسرح القطاع الخاص ؟
مسرح القطاع الخاص كان ينافس وبشراسة ، مثل فرقة الفنانين المتحدين لسمير خفاجه، انا مازلت أتعلم من مسرح القطاع الخاص، شاهد ماشفش حاجه التي شاهدتها على مسرح (كوته) بالإسكندرية، ولكن أزمته الآن في أزمة دور العرض وإغلاقها، كمسرح (كوته) الذي احدثك عنه، اذكر أنني في فترة من الفترات كنت ادخله بفرقتي  من الصباح حتى الإظلام وهو مسرح مهجور ولم يسألني موظف من انتم وماذا تفعلون هنا ؟!  وقد نشرت فيديو على اليوتيوب عن هذا المسرح، وقد أصبح مكانا للمتسولين وأصبح مهجورا لسنوات طويلة. قُدمت على هذا المسرح اعمال  كثيرة منها  مدرسة المشاغبين والعيال كبرت و من أوائل الثمانيات الى أواخر التسعينيات كان هناك فرقة الابياري ومصطفى بركة وفرقة الفنان سعيد صالح، وضم مسرح القطاع الخاص كل فناني الإسكندرية الموهوبين ، الذين كانوا ينتظرون الصيف وينتظرون معه مسرح القطاع الخاص  ونجومه ، وجمهوره العربي والمصري، كنا نعلم بقدوم الصيف من مسرح الريحاني بكامب شيزار، سيد زيان ومظهر ابو النجا ومحمد نجم / عش المجانين ، ومسرح إسماعيل يس ، وكلها مسارح  منها ما هدم ومنها ما هو مغلق ، ولم ينج  منها الا مسرح ليسيه الحرية وبيرم التونسي بجهود د. اشرف زكي نقيب المهن التمثيلية ورئيس أكاديمية الفنون .
- ما رأيك في مهرجانات المسرح الرسمية أو التي تنظمها الفرق الحرة بمصر ؟ وهل ترى عدد المهرجانات في مصر كافيا ؟
لا، عدد المهرجانات بالطبع قليل مقارنة بالموهوبين، فعدد المهرجانات لا يسع الموهوبين في كل المحافظات ، ولكننا كنا محظوظون بأساتذتنا ، الموهوبون بحاجه لكوادر قادرة على تنظيم مهرجانات وتسافر للمحافظات بغض النظر عن المادة والإنتاج ، وقد أسسنا مهرجانا بالجهود الذاتية باسم ( اسكندراما  وهو مهرجان حيوي قدم الكثيرين . فالسكوت والموافقة معناهما ان تظل المأساة سنوات ، لذا لجأ الموهوبون لخلق مساحات جديدة خارج المساحة الكلاسيكية، قدموا  عروضا في الحدائق وعلى البحر وعلى النيل ، ويجب علينا جمعيا ان نظل هكذا نقاوم ، مقاومة فنية .
- ما مشاريعك القادمة ؟
بعد صدى الجائزة سافرت إلى المغرب للمشاركة في ختام مهرجان مراكش الدولي وهو من أهم المهرجانات في الوطن العربي و حضر المهرجان روبير دي نيرو ، وهناك بعض الترشيحات والمقابلات لأعمال سينمائية قريبة بإذن الله .

 


عماد علواني