العدد 582 صدر بتاريخ 22أكتوبر2018
ينطوي عرض «هي وعشاقها» الذي قدمه طلبة كلية التجارة بجامعة حلوان من تأليف فريدرش دورينمات وإخراج محمود حمدي، والذي قدم ضمن المهرجان الدولي الأول للمسرح الجامعي، على مجموعة كبيرة من الأفكار الكوميدية التي تراوح ما بين كوميديا الشكل أو الصورة وكوميديا الفعل الدرامي المبني بعناية من قبل المؤلف وكوميديا نابعة من الاشتعال الدقيق على فنون أداء الممثل، والحقيقة أن طلبة كلية التجارة ورغم كونهم ما زالوا عند أخطاء البدايات سواء في زخرفة البانوراما بما لا يلزم أو حتى في الوقوف على أهمية بعض عناصر العرض المسرحي المكملة لطبيعة التكوين الجمالي، إلا أنهم على ما يبدو من طريقة تشغيل العرض كانوا متمسكين تماما بالوعي الفارق خاصة حين يتعلق الأمر بفنون أداء الممثل ودوره في اللعبة المسرحية، وتلك الخاصية وحدها كانت كفيلة بتمرير البهجة للمشاهدين؛ إذ إن معظم اللاعبين بدا لي أنهم معجونون بروح الكوميديا التي تستلهم الكاريكاتير وفنونه في رسم المواقف والأحداث، كما بدا تكوين اللعبة الدرامية بهذا الألق الأدائي يموج بكثير من المواقف الكوميدية النيرة التي تعتمد على كشف التكوين وفضح المواقف وعناصر العرض، فإحدى ميزات التناول ذلك الكشف المحبب للمتلقي، وهو بالمناسبة كشف يليق بأهمية التكوين الذي كتبه دورينمات ويجعل المتلقي شغوفا بمتابعة الحدث وما يرمي إليه من فلسفة داخلية، فمنذ البداية هناك إشارة دالة على اللعب المسرحي من خلال وضعية الممثلين والشرح الذي كانوا يقدمونه لطبيعة الحدث منذ البداية حتى يكون المتلقي واعيا بالتكوين الداخلي وبالإشارات وعمليات التطوير التي تتعلق عادة بإيقاف تسلسل التيمات والأحداث لشرح المكون والإطار المغلف للحيوات الغريبة وكيفيات التعاطي معها، فمن الممكن أن يوقف الحدث أحد الممثلين ليقول لك من هو وكيف وجد في هذه الأحداث العجيبة المشتبكة وما يمكن أن يقوم به في المستقبل.
موضوع العرض يتعلق بامرأة لعوب تدعي «إنيتاسيا» تعرف تماما كيف تستحوذ على قلوب أزواجها الأربعة وتوهمهم تباعا أنها شريفة مخلصة لكل واحد منهم. واللعبة تبدأ مباشرة بعد قتلها لأحد أزواجها حيث اكتشف المسئول الأول عن القضاء في البلدة كونها قامت بالقتل عمدا وعرفها بنفسه على اعتبار أنه زوج المرأة التي كانت بصحبة الزوج أثناء عملية القتل، ورويدا رويدا يعرض عليها الرجل عدم الزج باسمها في أية قضية لو أنها وافقت على الزواج منه، وبينما تبدي موافقتها على تلك الزيجة تعرض علينا أحداث تقول بأنها قتلت زوجها بعد حصولها على زجاجة السم من عشيقها الذي هرب من هول الموقف. أحداث متشابكة ومركبة وكلها تأتي عبر حكايات تكشف الماضي وتعقد المستقبل وتبين كم هي امرأة داهية تسيطر على قلب كل منهم بحديثها الناعم وجمالها الذي ينسي كل منهم الجانب المظلم من تكوينها.
في نهاية الحدث الدرامي وبعدما كشف رجل القضاء شخصيتها وقرر قتلها على نفس الطريقة تكون هي قد فكرت في التخلص منه بنفس المنهجية وحتى لا يقف في طريق طموحها وجمعها للمال ينتهي الحدث وقد قتل كل منهم الآخر وحتى راوي الحدث تعرض للقتل من جانب مجموعة من معارضيه سياسيا، وهكذا ينتهي الحدث من حيث بدأ بأناس يطلقون النار، وهي طريقة في البناء تتلحف بالتيمة الدائرية التي تكشف مكوناتها منذ اللحظة الأولى وتعيد ترتيب الأحداث وفق منهجية تراوح بين الماضي والحاضر، والمهم هنا هو التركيبة الكوميدية الشيقة.
لن تجد في هذا التكوين أي ديكورات ذات قيمة كبيرة فقط منضدة تتوسط خشبة عارية وكرسيان يحتضنان المنضدة وعلى مجموعة الممثلين أن يحيطوا الأحداث بألعابهم الدرامية وأخيلتهم الكاريكاتيرية ذات التراكيب المعقدة، وحتى طريقة استخدام الإضاءة كان المقصود بها الإشارة لطريقة اللعب والاتكاء على صنع أخيلة في البانوراما تعكس الممثلين في صور وأشكال ذات طابع كوميدي يهتم بخيال الصورة وأثرها الجمالي.
المخرج هنا لم يكتفِ بهذا التكوين الذي أشرنا له ولكنه طمع في التأثير بطريقة أخرى على مخيلة المتلقي من خلال بعض الأحداث السينمائية البدائية من خلال شاشة خلفية بدت باهتة في يوم العرض، ويبدو أن حظ الفرقة كان جيدا حيث لم ينشغل معظم الحاضرين بذلك الخيال الذي بدا عبئا على الأحداث المركبة.
كما جاءت موسيقى العرض أيضا عبئا على ذلك الوعي الجمالي، فبدت وكأنها علامة استفهام ويمكن بسهولة التخلص منها أو استبدالها بسيج وموتيفات تساعد تلك الحركات وطريقة الأداء التي تشع وعيا وقدرة على تلوين الحدث.
بعد العرض كنت مشبعا بتلك الروح الكوميدية التي أعطتنا الأمل في المسرح الجامعي، وما يمكن أن يقوم به من أدوار، ووقفت أشكر فريق التمثيل بجامعة حلوان على هذا الوعي الفارق والقدرة الجميلة على التحليق بالكوميديا نحو سماوات لا تكتفي بدغدغة المشاعر وتكوين التيمات المرحة، وإنما تغوص في قلب الحدث بروح معقدة تجمع أكثر من طريقة أداء وأكثر من فهم عن كيفيات إدارة المشهد المسرحي، فشكرا لفريق التمثيل بكلية التجارة جامعة حلوان على هذا العرض الممتع. وشكرا لإدارة المهرجان كونها حرصت على تضمين العرض في الليلة الأولى من ليالي ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي، فبداية مثل تلك كفيلة بدفع الروح لأي فعالية ثقافية تطمح في تقديم نفسها بشكل مختلف.