«المسرح السكندري» في عيون فنانيه

«المسرح السكندري» في عيون فنانيه

العدد 580 صدر بتاريخ 8أكتوبر2018

يعد المسرح السكندري مسرحا ثريا ومليئا بالتجارب قديما وحديثا، أفرز كثيرا من كبار رواد الفن المسرحي، حيث يعتبر الكثيرون أن الإسكندرية هي عاصمة بل ورائدة الفن والثقافة في مصر.. فكيف كان المسرح السكندري؟ وكيف هو الآن؟ وأين يقع في خريطة المسرح المصري؟ ومن هم رموزه ورواده وأهم فنانيه؟ ومعنا فتح السكندريون صدورهم وشجونهم للحديث عن مسرحهم في ملف كبير يطول فيه الحديث ويحتاج إلى حلقات عديدة.
البداية مع الفنان القدير عثمان محمد علي حيث يوضح لنا لمحة تاريخية عن المسرح السكندري قائلا: العصر الذهبي للمسرح السكندري كان في الخمسينات والستينات، حيث شهدت ازدهارا كبيرا في المسرح الخاص قبل المسرح العام الذي كان يأتي من القاهرة، فوجدت في الإسكندرية فرق قطاع خاص منها الفرقة القومية التي أنشأتها أنا ومعي الأستاذ محمود صبحي مدير مصلحة الفنون بالإسكندرية. ثم قامت فرق أخرى منها فرقة أبناء الشرقية التي أقامت عروضا كثيرة وكان رئيسها أحد الأطباء ويهوى التمثيل وهو الدكتور لطفي بيومي، وقدم مسرحية اشتهرت جدا أيامها اسمها (الطرطور الأعظم)، ثم كونت أنا الفرقة القومية وقدمت على مسرح إسماعيل يس الكثير من الأعمال، ثم جاءت فرقة عادل خيري وكان معنا منير فتح الله ود. فؤاد، وقدما أعمالا من إخراج حسن عبد السلام ومن إخراجي أيضا، وأقمنا نهضة مسرحية كبيرة حتى أنشئت فرقة الإسكندرية التي ضمت الكثير من خريجي الجامعة الموهوبين وكان على رأسهم عايدة حسن إسماعيل وسميرة عبد العزيز وعبد الله علي عبد الله وأمين هاشم ومحاسن عبد اللطيف، وأخرج للفرقة الفنان نور الدمرداش، كما أخرج د. كمال عيد مسرحية (الحضيض)، وقدمت الفرقة أعمالا عظيمة ثم جاء يوسف وهبي وأنشأ فرقة في الإسكندرية وضم إليها الكثير من السكندريين ومنهم وحيد سيف وكنت معهم في هذه الفرقة، وقدمت عروضها على مسرح سيد درويش الذي كان اسمه قبلها تياترو محمد علي، ثم جاء المحافظ حمدي عاشور وكنت حينها أقدم على المسرح مسرحية في ذكرى سيد درويش وطلب من المحافظ أن أبلغ الجمهور أنه استبدل اسم مسرح سيد درويش بدلا من محمد علي، وكان ذلك في حضور الفنان الكبير بديع خيري الذي حضر من القاهرة على كرسي متحرك في سيارة إسعاف وكان ذلك عام 1963.. كما كان المخرج محمد فاضل يساعد نور الدمرداش في فرقة الإسكندرية التي تم تكوينها.
أضاف: وتم تكوين فرقة في قصر الحرية كنت أنا ويوسف داود ومحمود عبد العزيز أثناء تولي محمد غنيم قصر الحرية وقدمنا مسرحية “مأساة الحلاج” لصلاح عبد الصبور أكثر من مرة في أكثر من مكان، وكان معنا جمال إسماعيل مفتشا للمسرح المدرسي، وكان يوجد ما يسمى بالجامعة الشعبية ولها فرقة خاصة بها، التي أصبحت بعد ذلك قصر ثقافة الحرية وكان رئيسها محمد عثمان رئيس الجامعة الشعبية ثم ألغيت الجامعة الشعبية وأنشئ قصر ثقافة الحرية كأول قصر ثقافة بالإسكندرية وكان المؤلف الكبير محمود دياب أول مدير قصر ثقافة بالإسكندرية. ثم جاء فاروق حسني مديرا لقصر ثقافة الأنفوشي وأنشئت جماعة تسمى الاجتياز بقصر الحرية وكان مع فاروق حسني المؤلف السيد حافظ الذي قدم مسرحيات عظيمة جدا.
تابع: تشكلت بعد ذلك فرق كثيرة مثل فرقة الفراعنة، وبدأ المسرحيون ينتقلون إلى القاهرة لظهور التلفزيون فاضمحل المسرح السكندري إلى حد كبير. وقد أفرز المسرح السكندري عددا كبيرا من الفنانين المسرحيين الكبار. أما في النوادي الرياضية فقد أنشئت في كل نادٍ فرق مسرحية في نادي سموحة ونادي الصيد ونادي أصحاب الجياد.
ويستكمل المخرج السكندري صبحي يوسف التأريخ لما بعد تلك الحقبة، فيقول:
كان للمسرح في كليات جامعة الإسكندرية نشاط مميز يتعدى فكرة كون المسرح نشاطا طلابيا، فتجد أن كليات الجامعة استعانت بمخرجين كبار جدا ليقدموا أعمالا عظيمة أذكر منهم الأساتذة: محمود مرسي، نور الدمرداش، حسين جمعة، هاني مطاوع.. وأتذكر أسماء بعض الطلاب أبطال هذه العروض الذين أصبحوا نجوما في مجالات مختلفة كالأساتذة محمود عبد العزيز، وحيد سيف، د. محمد غنيم «وكيل أول وزارة الثقافة الأسبق»، سميرة عبد العزيز، مدحت مرسي، المخرج سيد الدمرداش، يوسف صليب “يوسف داود” الله يرحمه.
كما أسس المرحوم علاء رفعت فرقة خاصة أسماها المسرح الجامعي ضم لها معظم نجوم المسرح بكليات الجامعة المختلفة منهم الأستاذ محمود عبد العزيز وضم بعض العناصر من خارج الجامعة منهم الفنان أحمد آدم.
تابع: وكانت هناك مجموعة الاجتياز التي كونها الأستاذ السيد حافظ وأخذت منحى متميزا. كما كان هناك نشاط ملحوظ لفرقة “نجيب الريحاني السكندرية” بقيادة الأستاذ منير فتح الله. طبعا إلى جانب فرق قصور الثقافة التي كان أبرزها نشاطا (الحرية/ الأنفوشي) وكذلك فرق مراكز الشباب بالذات (الشلالات والنصر والحرية) حيث برز منها أسماء محمد مختار ومرسي إبراهيم (والد المخرج الحالي محمد مرسي) وناجي أحمد ناجي ومحمد مرسي الكبير وعادل شاهين والقائمة تطول. وكانت المراكز الثقافية الأجنبية تقدم نشاطا مسرحيا متميزا أذكر منه مجموعة المركز السوفياتي بقيادة الأستاذ حسين عبد ربه ومعهد جوتة بقيادة الأستاذ نبيل سعودي. وكذلك كان نشاط المسرح المدرسي نشاطا عريضا مبهرا تحت قيادة الأساتذة الكبار إسماعيل عزمي وعثمان محمد علي. وفايزة يس وسيد الدمرداش وناجي أحمد ناجي وغيرهم.
أضاف: شهد عام 1981 إنشاء قسم المسرح بكلية الآداب باعتباره أول قسم للمسرح في الجامعات المصرية على يد المرحوم الأستاذ الدكتور لطفي عبد الوهاب يحيى، وكنت من أوائل الذين التحقوا به واستعان القسم بعدد من الأساتذة الكبار للتدريس من خارج الإسكندرية، وفي عامه الأول استعانت إدارة النشاط بكلية الآداب بالأستاذ فهمي الخولي ليخرج عرضا للكلية إلى جانب تدريسه لمادة التمثيل بقسم المسرح. وشهد هذا العام أيضا قرار د. سمير سرحان بإنشاء الفرق القومية المسرحية بالمحافظات. لذلك كان هذا العام بمثابة تحول جديد في مسار المسرح السكندري. فهو قسم أكاديمي متخصص يفتتح وفرقة يعاد تشكيلها بمسمى جديد وإدارة جديدة مما حفز وزاد من الفعاليات المسرحية في أرجاء الإسكندرية، وتبع ذلك قيام الفنان عبد الغفار عودة كمدير للمسرح المتجول آنذاك بافتتاح مسرح الغرفة داخل مسرح سيد درويش ليكون مضاء طوال العام بدون إجازة.
وفي تصوري أن ثمانينات القرن الماضي كاملة كان بإمكانك أن تحضر عرضا مسرحيا في أي وقت طوال السنة، فالمسرح كان في كل مكان. ولمن يتذكر سيجد أن فرق القطاع الخاص التي كانت لا بد وأن تفتتح عروضها في صيف الإسكندرية، أصبح بعضها لا يجد دارا للعرض ليقدم فيها عروضه، فأخذ الفنان محمد صبحي مسرح ليسيه الحرية الذي كان قاصرا على عروض المسرح المدرسي وفرقا أخرى من بعده وتم بناء مسرح «العبد» - لا أعرف إذا كان ما زال موجودا أم لا - حتى إن إحدى الفرق استغلت جزءا من حديقة فندق سان استيفانو وحولته مسرحا لعدم وجود دور عرض. وفرقة استأجرت سينما القوات المسلحة الملاصقة لقصر ثقافة الأنفوشي. فيما مسرح الغرفة يقدم عروضا لا تنقطع ويقدم مخرجين وكتابا قدامى وجددا منهم إيمان الصيرفي وصبحي يوسف واستيفان منير وحمدي أبو العلا ورانيا فتح الله وعصام أبو سيف ومصطفى رزق ومحمود أبو دومة وسيد الدمرداش ومصطفى درويش وفتوح الطويل. وبعضها أيضا يأتي من القاهرة فتزداد المتعة وتتسع رقعة التثقيف المسرحي، خاصة وأن هناك ندوة كانت تقام كل ليلة عقب العرض، كما استقطبت هذه العروض عددا من المبدعين في عناصر العرض كالملحنين الكبار حمدي رؤوف وفاروق الشرنوبي والتشكيلي على عاشور والشعراء عوض بدوي وهاني شحاتة وطارق يوسف.. أثناء كل هذا تقدم فرقة إسكندرية القومية عروضا كبيرة كفنان الشعب لعبد الغفار عودة وزيارة الملكة لهاني مطاوع وسقوط الأقنعة لسيد الدمرداش والسؤال لمحمد غنيم، وهناك عروض طلاب قسم المسرح التي أصبح لهم مهرجان في يوم المسرح العالمي أسسه العبد لله وهناك فرق قصور الثقافة تقدم عروضا من إخراج مصطفى رزق عليه رحمة الله، وجميل برسوم وناجي أحمد ناجي وعادل شاهين وأبو بكر خالد.
ويعطينا الفنان القدير المخرج إيمان الصيرفي لمحة أشمل عن المسرح في الإسكندرية في الستينات والسبعينات، فيقول: سأتحدث أولا عن فترة الستينات حيث كان كل موقع وكل مكان في الإسكندرية يقدم مسرحا، فمثلا يوجد مركز شباب الشلالات ومركز شباب إمبروزو ومركز شباب الأنفوشي وغيرهم بالإضافة إلى الفرق الخاصة بالإسكندرية، مثل فرقة الفراعنة وفرقة النجوم المسرحية، وجمعية الدراما بالإضافة إلى قصور الثقافة وكل نادٍ بالإسكندرية به فرقة مسرحية مثل نادي سيدي بشر الرياضي كان به فرقة مسرحية وأقسام الاتحاد الاشتراكي ومنظمات الشباب، كل قسم من الأقسام الإدارية كان له فرقة مسرحية، قسم المنتزة وقسم العطارين وقسم الرمل وغيرها، كما كان يوجد جماعات مسرحية داخل قصور الثقافة غير فرق القصور مثل جماعة الاجتياز التي كان بها مسعد خميس ويوسف عبد الحميد ومصطفى درويش وعارفة عبد الرسول وغيرهم ثم جماعة المسرح الطليعي للسيد حافظ، وكذلك مراد منير أنشأ جماعة المسرح التجريبي بقصر ثقافة الحرية. وأنا عملت مع علي الغندور في أوبريت (ليلة من ألف ليلة) ألحان أحمد صدقي وتأليف بيرم التونسي، وقد صمم ديكوراته الفنان فاروق حسني، والملابس والإكسسوار تصميم سيف وآدهم وانلي.
كما يوجد الكثير من الأسماء والعروض في هذه المرحلة في الستينات ثم السبعينات، وكذلك المراكز الثقافية الأجنبية كان لها دور هام جدا في الحركة المسرحية، مثل المركز الثقافي السوفياتي بقيادة حسين عبد ربه، والمركز الثقافي الألماني (جوته) إلى آخره، بالإضافة لفرق الشركات، وكل هذا يثبت لنا وجود رصيد ضخم وأعتقد مهما جمعنا من معلومات فلن يفي كل الجوانب لأن الإسكندرية هي عاصمة مصر الثقافية.
وقد عمل معي الفنان التشكيلي الكبير عصمت داوستاشي في مسرحية لعلي سالم، كما يوجد أسماء كثيرة جدا في المسرح السكندري يجب الإشارة إليها مثل سعد خواتك الذي كان يقود مسرح جمعية الشبان المسلمين, وفي الشركات المخرج عبد المنعم رزق والد الفنان أحمد رزق، ومحمد هريدي في نادي رياضي وقدمت عروض كبيرة، فكان للمسرح السكندري شأن كبير، بالإضافة للمسرح القومي السكندري الممثل في فرقة المحافظة الرسمية ويشرف عليها وزارة الثقافة ومقرها مسرح سيد درويش وكان يشرف عليها الفنان حسين جمعة، وقدمت مثلا مسرحية (الدنيا رواية هزلية)، ومسرحية (الإسكندر الأكبر) بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي إخراج حسين جمعة. فالإسكندرية لم تكن مجرد محافظة، كما أن الفنانة الكبيرة سميرة عبد العزيز خريجة المسرح السكندري وعبد الحي شحاتة وغيرهما الكثيرون، وشاهدت أرقى عروض قدمها سناء شافع بمسرح كوتة حيث قدم أعلى مستوى من التجريب يتضمن كسر الحائط الرابع وعروض المسرح الملحمي، والتجريب بكل أشكاله، غير الأوبريتات مثل (العشرة الطيبة) قدمه حسين جمعة وأوبريت (شهرزاد) و(ليلة من ألف ليلة)، وقد أخرج للمسرح السكندري كبار المخرجين مثل عبد الغفار عودة وعبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش ونبيل الألفي، لا يفي المجال لذكرها هنا، والأسماء السكندرية التي أثرت الحركة المسرحية كثيرة، فنجد منها مجموعة مسرحية للمخرج محمد مختار وزملائه بمركز شباب الشلالات، ومحمد حسونة وزملائه بمركز شباب إمبروزو، ومركز شباب محرم بك، ومركز شباب سموحة، بالإضافة للأندية الشعبية الرياضية وكان يقام لها مسابقات، بالإضافة للجامعات وفرقها وفرق الكليات ومسابقاتها، وكان الدور الذي تؤديه الثقافة الجماهيرية في هذه المرحلة كبيرا جدا. وحتى ضيوف الإسكندرية الفنانين من المحافظات الأخرى منهم من كان له تأثير كبير في المسرح السكندري وقدموا أعمالا عظيمة في الإسكندرية مثل السيد الدمرداش من بورسعيد ومحمد غنيم من دمنهور ومراد منير من بورسعيد، وفهمي الخولي له تجارب في المسرح البحري أثناء تجنيده في الإسكندرية، وهاني مطاوع عمل للجامعة وللثقافة الجماهيرية.
أما الكاتب الكبير السيد حافظ فيحدثنا عن ماهية وطبيعة الفنان السكندري، موضحا أن الإسكندرية مدينة تاريخية تآمرت عليها كل القوى منذ أن أنشأها الإسكندر الأكبر ورفض سكان مصر أن يسكنوا، تلك العاصمة الجديدة البديعة الفريدة البناء فاضطر أن يستخدم الحيلة والقوانين وأن يستخدم الإعلان للأسر اليونانية كي تحضر إلى مصر وتسكن بالإسكندرية، وحضر اليونانيون ثم حضر الإيطاليون وكان آخر من يحضر إلى الإسكندرية المصريون بناء على قانون أن من فعل جريمة في القطر المصري يكون عقابه الذهاب إلى الإسكندرية مدينة البحر ومن هنا نشأت الإسكندرية كمدينة متمردة غريبة، مدينة لا تشبه المدن الأخرى وهي مدينة يقولون عنها إنها كالملح في الطعم وحادة المزاج، المسرح السكندري أيضا ضحية هذه المدينة، والمسرح أول ما ظهر في مصر كان في هذه المدينة، والمكان الذي عرض فيه أول مسرحية أصبح الأسبوع الماضي للأسف ملكا للبنك الأهلي وبنك مصر ويعملون الآن على هدمه وبناء عمارات شاهقة مكانه، هي أيضا مدينة منحوسة، كل مبدعيها الكبار هربوا منها، سيد درويش وعبد الله النديم وتوفيق الحكيم وبيرم التونسي. والمسرح في الإسكندرية مسرح ثري بأبنائه وكتابه وممثليه، مسرح نشط وفعال ومثير ولكن للأسف الشديد القاهرة تهمشه. ولدينا كثير من الفنانين الكبار الذين خرجوا من الإسكندرية محمود مرسي عملاق السينما والمسرح هذا الذي ترجم كتاب “فن التمثيل” لستانسلافسكي تخرج من جامعة الإسكندرية، ومحمود عبد العزيز وأحمد آدم وكثيرون غيرهم.
الإسكندرية مدينة تلد المبدعين وتقدمهم، ولكن المسرح السكندري محاصر، فشل يوسف وهبي في إقامة فرقة الإسكندرية عندما اختاروا له مسرح الأنفوشي وسمي المسرح باسمه واجتمعت الفرقة لكن لم تكتمل التجربة، وحتى هذه الساعة أؤكد أن الفرق الكثيرة في الإسكندرية تكاد تكون متفوقة كثيرا عن الفرق في القاهرة لكن مشكلتها تجاهل الإعلام والمسئولين وضعف الميزانيات وقلة الإمكانيات وقلة المسارح التي تحولت إلى مبانٍ استثمارية، ولديها مؤلفون وممثلون كبار.
أضاف: وتعد أول فرقة مسرح تجريبي ظهرت في مصر كانت جماعة الاجتياز بالإسكندرية سنة 1970وكان أعضاؤها السيد حافظ ومسعد خميس وفاروق حسني ويوسف عبد الحميد ومحمد نوار ونازك ناز وعادل شاهين، ثم ظهر بعد ذلك حسين عبد ربه ليقدم استوديو الدراما في المركز الثقافي السوفياتي ويقدم نخبة رائعة من الممثلين ثم ظهرت في نفس الوقت فرقة المسرح الطليعي بعد أن انشقت فرقة الاجتياز إلى فرقتين، وأيضا تكونت فرقة المسرح الدراما لأبو الحسن سلام أو استوديو الدراما في حي المنشية مع منير فتح الله.
تابع: في حرب 73 كان المسرح السكندري أول من قدم مسرحا للمقاومة عن الحرب كانت فرقة المسرح الطليعي حيث قدمت (وطني يا وطني) و(أحبك يا مصر) مع الفنان حمدي رؤوف وعلى محمود الملحن وأحمد آدم وغريب محمود وصلاح الدمرداش. كما ظهرت فرقة الدراما لمنير مراد.
مدينة الإسكندرية ثرية جعلت أم كلثوم تأتي كل شهر مرة في مسرح سينما الهمبرا.. والجمهور السكندري جمهور عريق وله تاريخ.

ويوضح المخرج الشاب محمد مكي دلالات نهضة مسرحية سكندرية معاصرة، مؤكدا على أن الحركة المسرحية السكندرية حركة قوية منذ سنوات طويلة وزادت الآن، فالإسكندرية أصبح بها مهرجانات ومن كثرة الزخم المسرحي أصبحت المشكلة تكمن في كيفية تنظيم الجداول وتنظيم تواريخ المهرجانات بحيث لا تتداخل معا، فنجد لدينا مثلا منذ زمن قديم مهرجان المسرح الجامعي الذي يقام كل عام، ومنذ فترة نجد في مكتبة الإسكندرية في أواخر يناير ملتقى أوروبا البحر المتوسط والقائم عليه د. محمود أبو دومة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية ويستقطب فيه دولا عربية وأوروبية ويعد عرسا فنيا كبيرا، كذلك بعض العروض المنفردة للصم والبكم من خلال منحة الشباب المبدع وحصلت أنا عليها ثلاث مرات، ويتم اختيار ثلاثة عروض سنويا بمنحة عشرين ألف جنيه لكل عرض, بالإضافة لعروض الشوارع الخلفية تحت قيادة د. محمود أبو دومة، كذلك مهرجان مسرح بلا إنتاج الذي يقيمه د. جمال ياقوت والذي بدأ به إنتاجا محليا على مستوى مصر ثم توصل لأن أصبح من أهم المهرجانات المسرحية السكندرية الدولية، ومشاريع المكتبة من عام 2010 وإلى الآن تولاها الفنان هشام جبر، وتحاول المكتبة الآن إقامة المهرجان المعاصر الذي قد يكون عوضا عن مهرجان ملتقى أوروبا البحر المتوسط، ومهرجان الشرائح ونوادي المسرح والفرقة القومية، بالإضافة إلى بعض الفرق المستقلة التي أثبتت وجودا كبيرا على الصعيد المحلي والدولي، وفي الفترة القادمة المخرج سامح بسيوني يجهز لورشة كبيرة بالإسكندرية عن طريق البيت الفني للمسرح تستقطب الشباب الموهوبين لتعلم فنون المسرح بدون مقابل.
وبالإسكندرية مسرح بيرم التونسي للبيت الفني للمسرح وقسم المسرح بكلية الآداب وقسم التمثيل والإخراج التابع للمعهد العالي للفنون المسرحية، كل هذا يفرز للوسط السكندري حركة مسرحية محترمة، وما زاد عليه مهرجان نقابة المهن التمثيلية بقيادة د. أشرف زكي وكانت أول دورة العام الماضي. يوجد عرس مسرحي كبير وتوجد مواهب كثيرة تظهر على الساحة تأخذ وقتها بالإسكندرية لحين النضوج ثم تتجه إلى القاهرة لتكمل المسيرة الفنية.
أضاف: توجد كتيبة كبيرة وأسماء لامعة من الفنانين السكندريين مثل د. جمال ياقوت والفنان محمد مرسي المسئول عن مركز الإبداع، وهو يقيم مهرجانات مسرحية كانت محلية في بداياتها حتى أصبحت دولية كما يقيم ورشة للإبداع لا تقل فنيا عن أي ورش أخرى وتخرج منها عدة دفعات، كما يوجد لدينا بالإسكندرية أيضا فنانون مؤثرون آخرون مثل أحمد جابر وريهام عبد الرازق وعبد العزيز ورامي نادر ومحمد الطايع، ومؤخرا أحمد عماد خريج فنون مسرحية بالإسكندرية وإسلام وصوف خريج كلية الحقوق، وأحمد عزت خريج قسم المسرح، يثرون الحركة المسرحية، منهم من شارك بالمهرجان القومي وكذلك يوجد ممثلون كثيرون ذات أسماء ويعدون واجهة سكندرية, مثل مصطفى أبو سريع وحسني شتا وأحمد السيد وولاء الشريف وإيمان الشريف، وإيمان إمام، والحركة المسرحية ليست مقتصرة على ممثل ومخرج فقط بل توجد عناصر أخرى، فلدينا العالمي إبراهيم الفرن في الإضاءة، ود. محمد حسني في الموسيقى، وكذلك أحمد ومحمد حمدي رؤوف، ووليد جابر في الديكور والملابس، ودنيا عزيز في الديكور، ومحمد المأموني في الجرافيك واستخدام الفيديو بروجيكشن، ولدينا محمد ميزو من أهم مصممي الاستعراضات في مصر.
عرس فني كبير في الإسكندرية يجب أن نسلط إليه الضوء بشدة. الإسكندرية بها نشاط ومهرجانات كثيرة قد لا يعلم عنها أحد سوى سكانها، وهي لا تقل أبدا عن العاصمة، فالإسكندرية بالنسبة لي هي هوليوود الشرق، غير الطبيعة التي حباها بها الله وهذا بالطبع أثر في كل معتنقي الفن بالإسكندرية.
ويجمع المخرج حمدي أبو العلا شتات ظواهر نهوض الحركة المسرحية في الثمانينات قائلا: الفن في الإسكندرية مرتبط بوجود تيارات من الأوروبيين والأجانب الذين كانوا موجودين وكان لهم تأثير، حتى وقت قريب كنت أسكن في منزل به يونانيون يعملون بالإسكندرية كبحارة أو بقالين أو حلاقين من فرنسا وإيطاليا ومالطة، فكانت كل تلك الثقافات تؤثر وتتأثر بالثقافة المصرية من خلال الإسكندرية، فكان لدينا جمعية الدراما التي أنشأها د. أبو الحسن سلام ومهدي بندق وفوزية شبل وحسين الشيخ وكانوا يقدمون تجارب صغيرة، وأيضا كان د. أبو الحسن سلام له دور كبير في إنشاء المسرح الغنائي بالإسكندرية، فكان يقدم أوبريتات ينتجها بنفسه هو ومن معه، فقدم عرضا ضخما من إنتاج شركة النحاس وهو شخصية من الشخصيات الغنية ثقافيا ومسرحيا تعلمنا منه الكثير، أيضا التيار اليساري في الإسكندرية أفرز الكثير من الفنانين منهم أبو الحسن سلام ومهدي بندق وفوزية شبل وإيمان الصيرفي الذي له تجارب مع فرقة الإسكندرية حيث قدم (غيط العنب) وهو من الأعمال المهمة جدا، وأنا قدمت لفرقة الإسكندرية “بعد أن يموت الملك” لصلاح عبد الصبور بطولة محمد مرسي وعزت الإمام وأشجان محمود وهم من أبطال الإسكندرية الكبار، وأيضا لدينا رائد من رواد المسرح السكندري الفنان عبد الحميد سليم، أخو الفنان عبد المحسن سليم، وكان رجلا ضليعا في اللغة العربية وألف كتابا في الإلقاء يُدرس في المعاهد الأكاديمية إلى الآن، وكان له باع كبير في فرقة الإسكندرية التي أخرج لها الكثير من المخرجين الكبار مثل حسن عبد السلام الذي أخرج (المهزلة الأرضية) و(الحلاج) بطولة محمد مرسي، وأيضا الفنان حسين جمعة الذي أخرج كمّا كبيرا جدا منها الأوبريت الضخم (شهر زاد) لسيد درويش وقدم أصواتا مهمة مثل المطرب أحمد حمدي والفنان حمدي رؤوف وخميس عبيد وغيرهم. كما أخرج لفرقة الإسكندرية الفنان هاني مطاوع حيث قدم للفرقة (زيارة الملكة)، والفنان عبد الغفار عودة الذي أخرج (فنان الشعب سيد درويش) وهي من الأعمال الغنائية الضخمة وصمم استعراضاتها علي الجندي وألحان حمدي رؤوف، وكنت أنا وإيمان الصيرفي مخرجين منفذين وكان من أبطالها عزت الإمام ويوسف داود ومحمد مرسي وفرقة إسكندرية وكنت أنا مدير الفرقة في هذا الوقت وعرضت المسرحية بنجاح في المائة ليلة بالقاهرة.
الفنان القدير إيهاب مبروك أكد أن المسرح السكندري له علاقة بجو الإسكندرية نفسه فتوجد علاقة بين البحر والفن، ونجد توافر فرق كثيرة بالإسكندرية، والفن هنا يجذب فقط من يمتلك موهبة حقيقية، لأنه لا يملك الشهرة مثل القاهرة، وكان النموذج الأعلى للفنان السكندري هو مسرح الستينات فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وسعيد صالح وغيرهم.
أضاف: يحتوي تاريخ المسرح بالإسكندرية عددا كبيرا من الأماكن الثقافية مثل قصر ثقافة الأنفوشي وقصر ثقافة الحرية وقصر ثقافة الشاطبي وقصر ثقافة مصطفى كامل وجمعية الشبان المسلمين، وتلك هي التي بدأنا نتعلم فيها التمثيل والمسرح فيما سمي بالطفل المسلم، ثم فرقة المسرح الإسلامي بالجمعية وكان أول من أنشأها المخرج مدحت مرزوق في الستينات والسبعينات وكان بها الفنان عثمان محمد على ومظهر أبو النجا، وبعد وفاة مدحت مرزوق تولى قيادة الفرقة المخرج عبد المنعم كشير، وظلت الفرقة على مدار ثلاثين عاما تقدم مسرحيتين في العام، الأولى صيفا والثانية شتاء، وكانت مسرحيات الشتاء تنقسم إلى جزأين، الجزء الأول لمدة ساعة اجتماعي والثاني لمدة ساعة مسرحية عن التاريخ الإسلامي، وكان ذلك على مسرح خاص بجمعية الشبان المسلمين وكانت تلقى رواجا جماهيريا كبيرا حيث كانت بالمجان في البداية. كنا نعرض لمدة يوم واحد ثم أصبح يومين بعد ذلك، وكان لدينا انتماء كبير لهذه الفرقة لمدة ثلاثين عاما حتى وفاة المخرج عبد المنعم كشير، ويكاد يكون نشاط المسرح الإسلامي قد توقف من حينها، لكن توجد فرق وعروض كثيرة أخرى بالإسكندرية وظهرت الفرق الحرة والمستقلة.
تابع: أما عن الفترة التي قمت فيها بإدارة فرقة الإسكندرية، فقد وضعت نصب عيني ضرورة أن تكون العروض المقدمة عروضا هادفة، لذا أضفت فكرة أن العروض المقدمة إن لم تقدم مدلولا أو قيمة للمجتمع فهي ليست فنا وتصبح مجرد إهدار للوقت، فالفن لا بد أن يضيف للمجتمع ولا يقلل منه، وبالتالي أصبحت عودة الجمهور إلى المسرح هدفا رئيسيا للفرقة، وقد حدثت طفرة كبيرة في الإسكندرية في ذلك الوقت في تلك النقطة، فكانت عروض الأطفال قبل ذلك تنتج فقط في القاهرة ويتم عرضها في الإسكندرية كعروض مستضافة، لكنني بدأت بإنتاج عروض للأطفال لفرقة الإسكندرية منها (حكايات عروس البحر)، (رحلة نور)، (شيكو وأمير الغابة)، و(أراجوز دنيا الأحلام)، حيث حققوا إيرادات عالية جدا فاقت مصاريف إنتاجها وتتميز كلها بأنها مسرحيات سكندرية من حيث عناصر وفناني العمل ولم يتم الاستعانة بأي نجوم من القاهرة، كما حدثت أفكار تسويقية جديدة من خلال الإنترنت. وأصبح الممثلون السكندريون غير المعروفين أبطالا ونجوما بالإسكندرية، فقد تعلق الجمهور هنا بجودة المنتج لأنه ليس لدينا نجوم من القاهرة ولكن لدينا منتج جيد.
ويحكي المخرج الكبير مراد منير لنا عن تجربته الفريدة بالإسكندرية، فيقول: قدمت مسرحا للجامعة في الإسكندرية عندما كنت طالبا بكلية الحقوق، ثم أنشأت جماعة المسرح التجريبي وظلت مستمرة فترة طويلة، وكنت أقدم عروضا مصرية وعالمية وتنقلت بها في عدة أماكن فبدأنا في المركز الثقافي السوفياتي، فقدمت (في انتظار اليسار) وقدمت عرضا للشاعر ماياكوفيسكي، ثم في جمعية الشبان المسيحية قدمت نصوصا لتوفيق الحكيم وتشيكوف، ثم قدمت عرضا مهما اسمه (ليلة للمقاومة) حيث قمت بتحويل الأشعار إلى عرض درامي للشعراء محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وهم شعراء المقاومة وتجولت بهذا العرض في أكثر من 60 موقعا بالإسكندرية وعرض أمام أربعة آلاف من جنود الأمن المركزي أيام الأسود، وشعرت أنني لا بد أن أرد على ما يحدث للمقاومة الفلسطينية فقدمت هذا العرض. ثم أنشأت ثلاثة فرق بقصر ثقافة الحرية وهي جماعة المسرح التجريبي قدمت من خلالها عروضا لجان جينيه ويونيسكو، ثم فرقة الزهور لسن الخمسة عشر عاما، ثم فرقة للأطفال مكونة من سبعين طفلا ودربتهم جميعا على منهج استانسلافسكي، وكان ذلك في أواسط السبعينات ثم اعتقلت وأنا طالب في كلية الحقوق، بعد خروجي من المعتقل لم يتعاون معي أي من الفرق المسرحية مع أن اعتقالي كان بسبب مجلة، في هذا التوقيت كان يوجد عدة فرق منها مجموعة الاجتياز للسيد حافظ. وفي ذلك الوقت كنت متأثرا بالمسرح العالمي فكان معظم المسرحيات التي أخرجتها هناك من المسرح العالمي. كما أخرجت مسرحيات للكنائس بالإسكندرية.
تابع: أردت أن أقدم مسرحا مختلفا فكنت أقدم رؤية جمالية مختلفة عن المسرح السائد لمقاومة الكوميديا السائدة حيث نشأت في بورسعيد لبريخت وسارتر وغيرهما، وختم: وللأسف لا يوجد اهتمام بالمسرح السكندري رغم أن الجمهور السكندري ذواق للغاية، ففي عرض الملك هو الملك 1989 على مسرح سيد درويش بالإسكندرية استقبلنا الجمهور استقبال رهيب جدا وكان يرفض انتهاء العرض ويطالب باستمراره. والإسكندرية أخرجت وجوها عظيمة فيكفيها مثلا سيد درويش، والشعب السكندري شعب ذواق، ولو أعطوا المسرح السكندري اهتماما مثل المسرح القاهري فستحدث نهضة مسرحية عظيمة مع هذا الجمهور.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏