على مدار خمسة أيام.. «ورشة تطوير الشخصية الدرامية» على هامش التجريبي والمعاصر

على مدار خمسة أيام..  «ورشة تطوير الشخصية الدرامية»  على هامش التجريبي والمعاصر

العدد 578 صدر بتاريخ 24سبتمبر2018

ضمن مجموعة الورش التدريبية الملحقة بفعاليات المهرجان الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر، أقيمت «ورشة تطوير الشخصية الدرامية» التي قام على التدريب فيها مدرب التمثيل الإنجليزي جايلز فورمان، واستمرت لمدة 5 أيام متتالية. ارتكزت الورشة بشكل أساسي على تطوير الإمكانيات لدى الممثل والتعرف على كيفية تطوير الشخصية الدرامية المراد تجسيدها بأبعادها الداخلية وملامحها الخارجية بهدف الوصول للصدق الفني.
في اليوم الأول تحدث جايلز فورمان عن المشاعر التي بداخل كل إنسان، وأن مهمة الممثل هي اكتشاف الطاقة الكامنة داخله، دون إصدار احكام، وأن المنهج الذي يتبعه يرتكز على اكتساب القدرات والشخصيات من داخلنا، فكل إنسان بداخله كل شيء، مضيفا أننا باعتبارنا ممثلين محظوظون لأننا نعيش حيوات كثيرة. ويوضح: بداخل كل منا قاتل سفاح ومن الممتع أن نكون كذلك لفترة ما، ولا يمكن إصدار أي أحكام أخلاقية على أي شخصية نلعبها، ولا يجب أن يشغلنا أحكام الآخرين.
يبدأ فورمان جلسات الورشة يوميا بتمارين الإحماء والاسترخاء وإزالة التوتر بالرقص على موسيقات مختلفة ومتباينة؛ حيث يتوسط أحد المتدربين الدائرة وتقوم مجموعة المتدربين بتقليد ومحاكاة رقصته، بهدف أن يعبر كل متدرب عما داخله من مشاعر متباينة على الإيقاعات الموسيقية، وهكذا بالتبادل حتى يكون كل متدرب قد توسط الدائرة مع نهاية التمرين، ويقوم فورمان بتوجيه المتدربين أثناء التمرين بالصدق في التعبير عن مشاعرهم الداخلية الحقيقية التي تثيرها الموسيقى داخلهم، سواء بالحركة أو الآهات أو الصرخات أو غيرها.
تدريبات الحميمية
قسم فورمان مجموعة المتدربين إلى ثنائيات، ويؤكد على أن أهم ما في التمرين هو التركيز الشديد، وأن يترك المتدرب نفسه على سجيتها، والتأكيد على الحميمية لدى الممثل الذي يدرك أن الآخر يشاهده، وأن المنهج الذي يتبعه يعتمد على استخراج الشخصيات من داخل مشاعر الممثل نفسها، ثم طلب من كل ثنائي مكون من A وB
يحكي A ل B ما فعله منذ استيقاظه في حين B يسمع باهتمام شديد دون رد فعل، ثم يبدي ملاحظاته على A.
وبعد ذلك يقوم بالتبديل حيث يقوم B بالحكي ل A.
ويعلق فورمان بعد ذلك: من الصعب أن يحكي شخص بجدية في حين المستمع بلا رد فعل، وأن التمثيل نتعلمه من خوض التجربة.
تمرين2
يطلب من A أن يحكي ل B قصة مصيرية حقيقية في حياته ساهمت في تشكيل شخصيته وشكلته نفسيا، موضحا أن التجارب المريرة والجميلة هي المخزون، فلا بد أن ندرك هذه القصص جيدا وأن نكون قادرين على استخراجها لأنفسنا وللآخر، فالممثل يجب أن يكون شجاعا ويكشف ما بداخله، فالجرأة بمثابة خصوصية للممثل تميزه عن الآخر الذي يشعر أيضا، لكنه لا يملك القدرة على التعبير عن مشاعره وذاته ثم يترتب على هذه الحكايات مجموعة من التمارين يقول فيها كل متدرب لزميله: أنا أراك ك.... (يذكر وجهة نظره في الآخر)، ثم يقول كل متدرب «أنا أستحق..... (معبرا عما يؤمن بأنه يستحقه).
ثم: أنا أحب....
ثم: أتمنى لك...
ثم يطلب من كل متدرب تدوين ما اكتشفه في الآخر من خلال الحكايات والتمارين المتنوعة، ثم يطلب عمل حلقة تعارف، يقدم فيها كل متدرب نفسه في جمل بسيطة وقصيرة حول دراسته وخبراته، ثم يحكي فورمان أيضا عن نفسه وعن أساتذته وعن المنهج الذي يقوم بتدريسه، ويوضح أنه بوصفه إنجليزيا يفخر بشكسبير الذي كان ملهما له ولأساتذته بكتاباته التي تدرس الآن في العالم، بينما الأمريكان استعانوا بتلاميذ ستانسلافسكي، ليخرّجوا جيلا من الممثلين، وقد استغل كل من تدرب على أيديهم من الأمريكان عنصرا واحدا مما نص عليه ستانسلافسكي، واتخذ منه منهجا له، وطلب من كل متدرب قراءة وتحضير المشهد الأول من مسرحية هاملت، استعدادا للقاء الغد.
وفي اليوم الثاني تحدث فورمان عن التمثيل والممثل متسائلا ماذا تفعل إذا حصلت على دور رائع في نص مسرحي؟ ويجيب: أن أول شيء هو قراءة النص مرات كثيرة ثم تبدأ مرحلة الأسئلة ومحاولة إيجاد أجوبة شافية لها، والسؤال الأول هو لماذا نقدم هذا النص? ويوضح: أن هذا السؤال يحتاج إلى إجابة فلسفية وسياسية وروحانية، ونظل نسأله حتى نصل لإجابة شافية من جملة واحدة. ولماذا وضع المؤلف هذه الشخصية داخل النص? ثم بعد ذلك نسأل سؤالا آخر: ما هي الأشياء المشتركة بيني والشخصية? وما الذي تمثله الشخصية داخل النص? ومن هنا يتطرق للحديث حول الأسئلة السبعة التي لا بد لأي ممثل أن يجيب عليها في حالة قيامه بتجسيد شخصية ما: من أنا? أين أنا? متى? ماذا أريد? لماذا أريد ذلك? كيف أحصل على ما أريد? ما العقبة أو المانع في سبيل الحصول على الهدف؟ وحول هذه الأسئلة السبعة تطرق للحديث حول أثر الجغرافيا والمناخ والأنثروبولوجيا والثقافات المختلفة على طبيعة أي شخصية يتم تجسيدها، وأن أي ممثل لا يقوم بطرح هذه الأسئلة عن الشخصية، ويجيب عليها إجابات شافية، فهو ممثل كسول، مضيفا: الممثل عندما يدخل إلى خشبة المسرح فهو لا يدخل من فراغ وإنما يجب أن يخلق من أين هو قادم، وعند قراءة أي شخصية يجب تحديد الحياة الخارجية والداخلية لها، فكل شخصية لها قناع خارجي تواجه به العالم، يخبئ وراءه الإحساس بالنقص والرغبة غير المتحققة، وطلب من كل متدرب أن يحدد لنفسه في الغد قناعه الخارجي، وما هي رغبته، وقراءة مسرحية «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور.
وفي اليوم الثالث يستكمل فورمان ما بدأه حين طلب من كل متدرب كتابة أي جملتين مفيدتين في ورقتين منفصلتين، ثم تجميع جميع الأوراق في منتصف الفرقة، ثم قسم مجموعة المتدربين إلى مجموعات ثنائية/ كل مجموعة بها a، b. وطلب من كل منهما أن يسحب ورقتين ويقرأهما، وطلب منهما تكوين مشهد بالجمل الأربعة لعرضه اليوم أمامه، وفي بداية اليوم طلب من كل متدرب أن يتواصل مع زميله وتجهيز المشهد المطلوب استعدادا لعرضه، موضحا أن الهدف من تكوين المشهد خلق شخصيات لها أبعاد وتاريخ واضح، وأن يكتسب المتدربون خبرة الإجابة على الأسئلة السبع الهامة التي طرحها بالأمس حول الشخصية: من أنا? وأين? ومتى? وماذا أريد? ولماذا أريد? وكيف يمكن تحقيقه? وما هي العقبة في تحقيق ذلك?
وبالفعل، بدأ الثنائي الأول في محاولة تمثيل الجمل الأربعة، وعمل فورمان على خلق شخصيات كاملة الأبعاد داخل حكاية وتطوير المشهد مرة بعد مرة، واستغرق ذلك وقتا طويلا من طرح الأسئلة والإجابة عليها، حتى اكتمل المشهد، وظهر في النهاية بشكل مختلف تماما عما بدأ به.
وعلق فورمان في نهاية المشهد موضحا أن التمثيل الواقعي يحتاج للاقتصاد في التعبير فهو الأكثر تعبيرا، وأكد على أهمية مرونة جسد الممثل واسترخائه، وأهمية تحديد العلاقات بين الشخصيات والظروف المحيطة، حتى نصل لشيء واضح بما يؤدي للوصول للحظة حقيقية.
وفي اليوم الرابع يتخذ فورمان من شخصية عامل التذاكر في مسرحية «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور، نموذجا للتعرف على الشخصية الدرامية، وكيف يتم التحضير عبر المنهج التمثيلي الذي يقوم بتدريسه في هذه الورشة.
وعن المسرحية يقول: إنها تنتمي للمسرح العبثي، ويتساءل: ما الذي يريده عامل التذاكر؟ ولماذا يختار أن يجعل من الآخر ضحية? ومن هنا يتطرق للحديث عن شخصيات تاريخية اشتهرت بديكتاتوريتها كالقذافي، وكاسترو، وهتلر، وتشرشل، وغيرهم. ثم تطرق للحديث عن الأمراض النفسية التي تصيب الديكتاتور كالنرجسية والبارانويا وغيرهما، مشيرا إلى شخصية ماكبث/ شكسبير، موضحا أن ماكبث لم يكن يريد القتل، ولكن بما أنه ارتكبه مرة فعليه أن يستمر فيه. ويضيف: أغلب من يتسمون بالديكتاتورية لديهم رغبة جامحة وطاقة رهيبة لتحقيق الحلم بلا توقف. وعن عامل التذاكر يوضح أنه تمثّل دور الإله وتوهم قدرته على الإماتة والإحياء (قتل الله وسرق بطاقته الشخصية) حقق هدفه/ الألوهية وارتكب الجريمة الكاملة وألصق التهمة (ضد مجهول)/ الراكب عبده، بصفته واحدا من ملايين المهمشين، ويرجع ذلك إلى الرغبة الجامحة وشهوة السلطة والقتل. ويوضح: ما دامت الروح قد تلوثت مرة، فستستمر في القتل لأنه يصبح ساعتها ممارسة عادية.
قام بعد ذلك بإجراء تمرين الإحماء والاسترخاء وإزالة التوتر، عن طريق الرقص على الموسيقى وهو تمرين يقوم به المتدربون بشكل يومي، ثم يأخذهم بالخيال ليعودوا بالزمن للحظة تعرض فيها المتدرب لمضايقة، وأحس ساعتها بالبارانويا فقرر أن يعذب من ضايقه نفسيا، وحاول إثارة العقل وعمل عصف ذهني لاسترجاع اللحظة، عبر تساؤلات، هل تذكر العام والشهر والمكان والزمان ودرجة الحرارة والجملة التي قلتها، وطلب من كل متدرب أن يعيد تكرار الجملة بنفس اللذة ويستمتع بالبارانويا، ويستكمل عصف الذاكرة بتذكر لحظة أخرى حول شخص أحببته ورفض أن يبادلك نفس المشاعر، وتكرار جملة: أنا أراك ك..... وجملة أنا أحتاج منك..... ويختم هذه المجموعة من التدريبات مازحا: علينا أن نشكر كل من آذونا فهم يتركون داخلنا رصيدا من المشاعر لنستخدمه.
وفي ختام اليوم الرابع أجرى تدريبا عن العلاقات، حيث يحكي أحد المتدربين حكاية حقيقية عن شخص ما رفض أن يعطيه شيئا وأثر فيه كثيرا، ويقوم فورمان بتحليل الحكايات والشخصيات داخلها، للكشف عما أسماه الهدف الواعي واللاواعي للشخصية، ويقوم باختيار مشهد من الحكاية، ويختار متدربا آخر لتجسيد الشخصية المضادة، وبطرح الأسئلة الكثيرة والتوجيهات حول تطور المشاهد والشخصيات.
ينتقل فورمان بمجموعة المتدربين لدراسة سيكولوجية يشير إلى أنها طويلة وعميقة جدا قد تستغرق عاما لدراستها، يلخصها في أربع طرق معرفية نستطيع من خلالها أن نتلمس ونرى العالم من حولنا.
وهي (1) الإحساس المادي كالإحساس بالجوع والعطش والشبق الجنسي. (2) التفكير، وهو عملية ذهنية مركبة يمكن من خلالها دراسة كل شيء وبها نتمكن من استخدام الأشياء. (3) الحدس، وهو ما يتم اكتسابه اعتمادا على تجربة سابقة، كأن يلمس طفل نارا، فيعرف خطوها حتى لو بعد 100 سنة فليس بحاجه لأن يلمس النار ثانية، وهي عملية ذهنية لكننا لا ندرك أنها ذهنية. (4) المشاعر، وهي تتمثل فيما نحب أو نكره، مضيفا أن الاستيعاب الأول للعالم يكون من خلال المشاعر.
ويوضح أن كل إنسان يمتلك الأساليب الأربعة لكن بنسب متفاوتة، وأنه في السنوات الأولى من حياة الإنسان تتطور الأساليب المعرفية أكثر من الأساليب الأخرى، فالإنسان كائن شديد التأقلم يحاول دائما تطوير أساليبه الدفاعية المساعدة على البقاء، فنحن نتأقلم كي نضمن لأنفسنا البقاء مما يغير بالفعل شكل أجسادنا.
ويضيف: إن الممثل عند دراسة الشخصية التي يجسدها ينظر للمشترك والمتنافر بينه وبينها، من هذه الأساليب الأربعة، ومن الضروري عمل تاريخ للشخصية سواء من خلال ما يتم استنباطه من النص أو من خيال الممثل بناء على معطيات النص، وساق لذلك شخصية برناردو في مسرحية هاملت شكسبير، وقارن بين المتنافر فيها والمتشابه بينها ونفسه، مضيفا أن الفارق بين فعل التمثيل والتأمل هو أننا في فعل التمثيل لا نحاول الحفاظ على الاتزان، بل هو مجازفات كبيرة مع النفس.
وفي ختام الورشة عبر عن سعادته بمجموعة المتدربين، مؤكدا أن هذا المنهج الذي يعمل في تدريسه يحتاج لوقت طويل جدا لدراسته، وتمنى أن يكون كل متدرب قد استفاد ولو بجزء بسيط مما عرضه خلال أيام الورشة، ووعد بأنه سيحضر في العام القادم لاستكمال ما بدأه هنا.
 

 


عماد علواني