يوم معتدل جدا «مسكن فانتازي»

يوم معتدل جدا «مسكن فانتازي»

العدد 574 صدر بتاريخ 27أغسطس2018

داخل محل ملابس به من المنيكانات الصلبة التي تشبهه في ظاهرها الشكل الأنساني إلا أنها جامدة الأصل لا شعور ولا أحساس، قدم عرض “يوم معتدل جدا” ضمن فاعليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الحادية عشر . من تأليف “سامح عثمان، سامح بسيوني” و إخراج “سامح بسيوني” تدور أحداث العرض حول الشاب “معتدل” الذي يواجهه يوما عنيفا متأزما و يأتي لمحل الملابس الذي يعمل به صديقه لسرد أحداث هذا اليوم له علي سبيل الشكوي، و أثناء سرده، يتم توظيف المنيكانات الموجوده داخل المحل كشخصيات ساهمت في تكوين أزمته اليوميه، وتعتبر تلك المنيكانات هي أولي الدلالات المساهمه في بلورة شكل العالم الأستهلاكي الذي يعاصره هذا المعتدل فالجماد المترسخ هو نفسه من يعمل علي تعنيف يومه بشكل تمثيلي أمام أعين الجمهور.
مما يساهم في بناء رابطا مباشرا بين افكار الأستهلاكية و الرأسمالية بالمجتمع المعاصر، فالبيع والشراء المستمر و المربح يمثل الأستهلاكية بعينها حتي لو كان استهلاكا للنفوس و رصد تأثير هذا المجتمع علي الفرد الأوحد داخل العرض “معتدل” ورسمه كمجتمع ملئ بالبيروقراطية المطعمه بالرياء و المحسوبية لتكون تلك هي الأسباب الكافيه لبحثه عن علاج .حتي و إن كان مؤقتا. مثل مسكن الألام اليومي وبالفعل لجأ معتدل لأول مسكن أمامه وهو النوم، والبحث في حلمه عن ما يسعده، اي البحث عن ما أفتقده في واقعه، ورؤيه مايريد حدوثه، حيث يعتبر الحلم في تفسير علماء النفس، هو مايدور داخل العقل الباطن لينتج أثناء النوم علي شكل مادة فيلمية متخيلة لتكون تلك المادة شبيه بالحلم الفلسفي القديم عند أفلاطون وهي “اليوتوبيا” /”المدينة الفاضلة”  ليحلق خياله في سماء الحلم التي لا علاقة لها بالأرض، بل ورسم أرضا جديدة خالية من كل قبيح لتكون الأرض هي أهم أسباب حدوث الأزمات مثلما مثلها “ارسطوفانيس” في مسرحيتة “الطيور” وإلقاء العاتق علي الأرض و ماعليها، لذا فحلمه ما هو إلا هروبا مؤقتا بالأستغراق في النعاس لعله يكون مسكنا لتلك المعاناة المستمرة. برسم صورة باطنة وكامنه داخل عقله يتمني تطبيقها علي أرض الواقع ويتم تقديم ذلك الحلم في شكل كوميدي إستعراضي، عن طريق طرح الأزمه التي واجهها معتدل، ثم مجئ أنثي رقيقة داخل حلمه ترتدي ملابس ملابس بيضاء كأيقونه للنقاء و الطهر ؛ تدخل علي كل موقف صعب يواجهه معتدل و تلقي جملة ثابته لها طوال أحداث العرض “يا أيها اليوم اللعين كن معتدل” ومن ثم تتحول اللعنه لصفاء ويعتدل الموقف ويظهر في أبهي صوره .
فالعرض يشبهه في بناءه إلي حد كبير رواية “أرض النفاق” للكاتب الراحل يوسف السباعي”، من خلال رصد شخص بعينه وتعامله مع المجتمع اللعين الملئ بالأستغلال و النفاق و البيروقراطية و تقديم حلا فنتازيا مؤقتا سرعان ما ينتهي ويفيق البطل لملاحقة الواقع من جديد، بأختلاف الحل عند كل من بسيوني و السباعي، فالعرض عالج الواقع بالحلم، و الروايه عالجت الواقع بحبوب الأخلاق، فالحل لدي الوسطين فانتازيا من الدرجة الأولي مع أختلاف طريقة المعالجة للتعايش السالم المؤقت داخل المجتمع الموبوء فالوسيطين تتبعا علاقة الفرد بالمجتمع وتأثير كل منهم علي الأخر، و عرض شكل المجتمع من عين البطل و هو مايسمي إصطلاحيا بال Point Of You اي من خلال رؤيه ذلك الفرد، لتظهر انها علاقة في غاية التأزم و التعقيد تصل بالفرد للبحث عن جماليات المجتمع المفقودة بالهروب ويمكن الهروب هنا قدم ممنطقا لصورة جمالية، دون الغوص في أشكال هروب أخري يستخدمها الشباب في البعد عن تلك المعاناة المستمرة أو أساليب عنيفة...
بل بعد العرض عن كل ماهو واقعي، واكتفي فقط ب”الحلم” فهو الطريقة المشروعة الوحيدة في تسكين النفس للصبر علي ماتلقاه من متاعب كما ان الأحلام قابلة للتحقيق، وغيرت في مصائر مجتمعات و شعوب و أعراق في كثير من الأحيان.
ومن هنا يطرح السؤال هل الحلم فقط كفيل للتغير أم أنه يحتاج إلي تنفيذ؟!، وهذا ماعجز العرض عن تقديمه أو حتي طرحه، فقط أكتفي بإدخال الجميع داخل الحلم عن طريق أغنيات و أستعراضات و ألوان متنوعة في الديكورات لفصله عن الواقع طول لمدة العرض ليكون الجمهور ذاته داخل حلما مؤقتا، وبعد إنتهاء العرض سيفيق الجميع من هذا الحلم متجها لمواجهه الواقع من جديد
فالعرض ماهو إلا تنفيس طاقة و شحنه مكبوته في شكل صور / لوحات متخيلة للمساعدة في التعايش من جديد .


منار خالد