«رغبة» الصيني و«لحظة قصيرة» الفرنسى يستعيدان ذاكرة المهرجان التجريبي

«رغبة» الصيني و«لحظة قصيرة» الفرنسى يستعيدان ذاكرة المهرجان التجريبي

العدد 573 صدر بتاريخ 20أغسطس2018

استضافت سينما مركز الهناجر الأسبوع قبل الماضى ضمن برنامج (ذاكرة التجريبي)، ندوتين وعرضين مسرحيين بمناسبة اليوبيل الفضي لمرور 25 سنة على بداية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهما مسرحية “ رغبة “ إنتاج صيني، و “ لحظة قصيرة “ انتاج فرنسى بحضور الدكتور محمد أمين عبد الصمد، المشرف على برنامج (ذاكرة التجريبي)، وكلا من الدكتور مصطفى سليم، رئيس قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، متحدثا عن المسرح الصينى ود. محمد سمير الخطيب متحدثا عن المسرح الفرنسى وارتباطه بالمسرح المصرى وبحضور عدد من المسرحيين.
نوه د. محمد أمين عبد الصمد، المشرف على البرنامج ، في ثاني ندواته عن تقديم 5 عروض قبل بداية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، مشيرًا إلى أن هناك تفكير أن يمتد البرنامج طوال العام بعرض كل أسبوع ، مؤكدا على  وجود التسجيلات في إدارة التجريبي، وإن كان البعض منها يعاني ويحتاج إلى  معالجة ، وقال عبد الصمد أنه توجد ضرورة لإتاحة مثل هذه العروض للأجيال التي لم تعاصر فعاليات المهرجان في بداياته .
نوه  د. محمد أمين عبد الصمد، إن عرض “رغبة” إنتاج صيني، للكاتب الأمريكي يوجين أونيل، الذي تجاوز فكرة الأقيليمة والمحلية بسبب الأفكار العامة والشاملة التي تطرح في كتاباته، لنرى أن النصوص التي تقدم في ثقافته يمكنها أن تعبر عن قضايا ثقافات أخرى ، فالكاتب الأمريكي عاش منذ 1888 وحتى 1953 ليعايش الحرب العالمية الأولى والثانية، وأيضًا الصراع الداخلي ما بين إلغاء العبودية وما يرتبط بها اقتصاديًا.
وقال د. مصطفى سليم، رئيس قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية: تتلمذت في مادة مسرح الشرق الأقصى على يد الأستاذ الدكتور فوزي فهمي، والدكتور مصطفى يوسف، والدكتورة منى صفوت، ومثلما قالوا بدأت أتعمق في دراسة مسرح الشرق الأقصى لدرجة أنهم بدأوا يتنازلوا عن المادة، وإعطاءها لي سواء بجامعة عين شمس، أو المعهد العالي للفنون المسرحية، وقناعة البعض بأني تجاوزت أساتذتي، ولكن هذا لم يحدث إنما الأجيال تختلف، فأساتذتي كانوا يدرسون المادة الخام ولكن اهتمامي بالميديا جعلني أصل لأفلام ووثائق مصورة وتشريحها، وكيفية العزف عليها، فتلك المسألة عندما جربتها أول مرة على الطالب بدأ يسمع الكلام ويرى الصورة تجربته اختلفت كثيرًا.وتابع: مسرح الشرق الأوسط لا يمكن فهمه من خلال النصوص المترجمة إطلاقًا، بالعكس عندما تشاهد الصورة ستفهم أن هذا المسرح لم يكن من الغريب أن  تسبب في صدمة فنية وحضارية لكبار كُتاب أوروبا في الثلاثينات عند تقديم (أوبرا بكين) التي تعتبر قمة العظمة والثقافة لدى الصينيين، وتشبه في قصتها حكايات القديسين. وأشار د. مصطفى سليم إلى أن الطفل يؤخذ في سن السابعة في أوبرا بكين، ويبدأ تدريبه، وأحيانًا يتم التضحية بصورته الذكورية ة من أجل تقديم دور البطولة الذي يجسد من خلاله شخصية امرأة، والغريب أنه في معظم روايات المسرح الصيني أن البطل هو المرأة التي تصنع وتغير الأحداث وليس الرجل، وأن أشهر ممثل في تاريخ الصين الذي فعل هذه الصدمة في بريخت وكُتاب أمريكا وأوروبا لدى عرض (أوبرا بكين)، كما يجب الحفاظ على صوته الناعم الذي لا يتغير مع الزمن، فيتم بالفعل عمل أشياء قاسية جدًا في تركيبته كبني آدم، لذلك يتم رفعه في منزلة القديسين لأنه يضحى بكل شئ من أجل إمتاع المتفرج.
وأضاف د. مصطفى سليم أنه يتم تدريب الطفل أو البطل على الرمال الساخنة، والحطب الملتهب إلى أن يموت جلد قدمه، ليستطيع أن يلف في الهواء وينزل على قدمه ثابت، وهذه المعاناة التي يمر بها ممثل أوبرا بكين إلى أن يصل لدور البطولة تجعله مبهر لدرجة غير عادية، ولا ننسى أن الأكروبات الصينية أحد مصادر مسرح الصين، وأن الموسيقى في الشرق هي المنبع الرئيسي للمسرح ، ولا ننسى أن الديانات نفسها بها فصل كامل عن الأدب المسرحي وكأن الدراما والفن المسرحي شئ مقدس، وليس مجرد عمل للتسلية.
واختتم د. مصطفى سليم حديثه قائلًا: إن أوبرا بكين وصلت لهذا المستوى منذ 300 عام، ولكن لم يتعرف العالم عليها إلا في ثلاثينات القرن الماضي بسبب رحلة (ماي لاي فانج)، والتي كان من أثرها أن يتحول بريخت للمسرح الملحمي ونظريته في ظهور مسرح القسوة في أوروبا، بالإضافة إلى أن أوبرا بكين تعتمد على الموسيقى ولديهم الآلات الإيقاعية والوترية التي كان لها دور البطولة، وحديثًا في نهاية القرن العشرين أدخلوا الأوركسترا الغربي وقوبلت تلك المسألة باستحسان المتلقى، مشيرًا إلى أن المسرح الصيني هو أكثر مسارح الشرق الأقصى قدر    ة على التحاور مع المسارح العالمية، لأن المسرح الهندي والياباني كانوا منغلقين على أنفسهم، لكن المسرح الصيني بسبب نشأته وارتباطه بفن الأوبرا استطاع أن يتحاور مع المسرح الأوروبي بسهولة.
وفى السياق نفسه عقدت ضمن برنامج ذاكرة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى، بسينما الهناجر، ندوة عن العرض المسرحى الفرنسي (لحظة قصيرة ) تحدث فيها الدكتور محمد سمير الخطيب، وأدارها الدكتور محمد أمين عبد الصمد المشرف على البرنامج.
قال د. محمد أمين عبد الصمد، إن عرض “لحظة قصيرة” إنتاج فرنسي،  مشيرًا إلى أنه عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر كان معها مسرحها الخاص ، ولكن هذا لا يمنع أن هناك بعض المصريين الذين كانوا يحضرون لمشاهدة تلك العروض، ثم كانت هناك البعثات التي أرسلها (محمد علي باشا) أثناء توليه حكم لمصر، والتي كان أغلبها يسافر إلى فرنسا لرؤية المنتج الثقافي وخاصة المسرح.
وتابع: كما أن أغلب كتابات المصريين عن المسرح في أوائل القرن العشرين كانت مأخوذة من المسرح الفرنسي، ومن ثلاث كُتاب فرنسيين بالأخص هما جورج فيدو، مارسيل فينول، ولافييش، لأن كتاباتهم كان من الممكن تمصيرها، فأخذها نجيب الريحاني، و يوسف وهبي، بديع خيري، وغيرهم في تلك الفترة.
كما عبر د. سمير الخطيب عن سعادته بوجوده في ملتقى ذاكرة التجريبي، قائلًا: أنا من جيل التجريبي بالنسبة إليه أشبه بالعيد، و هو الحلم، أضاف: هذا العام يشهد دورة استثنائية بمناسبة مرور 25 سنة على بداية المهرجان، وهذا يجعلنا نفحص ذاكرة المهرجان، فعندما كنا نشاهد عروض التجريبي كانت تصدم الذائقة الخاصة بنا، مشيرا إلى أن المهرجان بدأ عام 1988 تحت رعاية وزارة الثقافة ثم تبنته أكاديمية الفنون وأكملت المسيرة بعد ذلك، قال : طوال الوقت كان لدينا مشكلة في حياتنا بين الذات والآخر، قدمنا نقلة في المسرح المصري بعد ثورة 1952 بعد جلاء المستعمر، فكان يجب أن نثبت أنفسنا وقتها، وقد أصبح لدينا نزاعين: الأول هو الاهتمام بالثقافة الغربية واستقدام أشكال أجنبية مثل بريخت والعبث وغيرها، أما الثاني فهو العودة  للأشكال الشعبية كما في كتابات توفيق الحكيم، يوسف إدريس، على الراعي، وغيرهم في تلك الفترة.
وتابع: بعد الخمسينات، حدث شئ في السياق الثقافي وهو أن الدولة بدأت ترفع يديها عن المسرح رويدًا رويدًا، واستبداله بالتليفزيون ووسائل الإعلام، بالتالي بدأت تقل قيمة المسرح، وأصبحنا في أزمة أوصلتنا إلى نشأة المهرجان التجريبي،
مضيفًا: عندما تأسس المهرجان في مصر كانت لحظة مفصلية عالمية بالنسبة لنا وهي سقوط حائط بارلين، والكتلة الشرقية، وانتهاء الحرب الباردة، أعقبها انهيار المشروع القومي، فأصبح الهدف من المهرجان هو البحث عن الناقص، ثم جاءت أكاديمية الفنون ليصبح المهرجان ذات أهمية، وبدأنا نشاهد التقنيات التي أحدثت لنا صدمة لأن جميع نصوصنا لغوية، لكن عندما شاهدنا العروض التي تعتمد على الثقافة الجسدية والبصرية اختلفت استجابتنا، وهناك بعض الآراء التي تتهم المهرجان التجريبي بأنه غزو من الغرب تجاهنا.
تابع الخطيب: بدأت أعرف أن هذا المهرجان قدم نقلة نوعية في النسق المسرحي، من ظاهرة النص إلى ظاهرة العرض، وهي منطقة مختلفة تمامًا، فأنا أدين للمهرجان التجريبي لأن رسالة الدكتوراه الخاصة بى كانت عن العرض المسرحي والخبرات التي رأيتها في المسرح التجريبي، ومازلت أحتفظ في ذاكرتي ببعض العروض التي لن أنساها أبدا في حياتي، منها عرض (المتحف المائي، من أجلك فعلت ذلك، عطيل فنزويلا)، تلك العروض التي أحدثت نقلة في وعي أجيال، فكان ظهور المسرح المستقل، وتأسيس فرقة الرقص المعاصر الحديث على يد د. وليد عوني، وهي إحدى مؤثرات المسرح التجريبي.
وأوضح: شاهدنا العروض التي بها توظيف للتكنولوجيا واستخدام للمالتي ميديا، و تأكدنا من أن  علاقة التكنولوجيا بالمسرح هي علاقة وطيدة، وشاهدنا توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة  ، في المسرح من خلال توظيف المقاطع السينمائية في بعض العروض المسرحية.
أما عن عرض (لحظة قصيرة)، فقال د. سمير الخطيب إنه ينتمي إلى منطقة الإنترميديا، وهو نوع معقد وفي منتهى الأهمية، لأنه غير تصوراتنا عن الأداء المسرحي، والسينوغرافيا، والتمثيل، والإخراج المسرحي، فعندما تنظر إلى العرض سترى تفاعلات بين بيئات واقعية، وبيئات افتراضية، بالتالي حدث تفكيك لمفاهيم السينوغرافيا، ولمفهوم التمثيل، مشيرًا إلى أن العرض يتحدث عن مثالة (نحاتة) في الورشة الخاصة بها مجموعة من الرغبات، من خلالها يظهر مجموعة من الأشياء والصور لتوظيف المالتي ميديا، مؤكدًا أن التمثيل في هذا العرض في منتهى الدقة لأنه مأخوذ من التمثيل السينمائي والواقعي، لكن عليك أن تضع في الحسبان أن هناك جمهور، بالإضافة إلى الاستفادة من البث الحي الذي يعتمد على الكاميرا.
واختتم د. سمير الخطيب، حديثه قائلًا: إن الهدف من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي هو البحث عن ريادة مصر.


ياسمين عباس