محاضرات الإنتاج المسرحي تفتح أفاق جديدة في «أبو الفنون»

محاضرات الإنتاج المسرحي تفتح أفاق جديدة في «أبو الفنون»

العدد 662 صدر بتاريخ 4مايو2020

خلال ملتقى محاضرات وورش المسرح “أون لاين” والذى نظمته مؤسسة “س” للثقافة والإبداع ، والذي تضمن عدد من المحاضرات في مختلف فنون الاداء لعدد من كبار الأكاديمين والمسرحيين على مدار 6 أيام خلال الفترة من 15 حتى 20 أبريل 2020.
وقد تضمنت المرحلة الأولى من  المحاضرات محاضرة  في الإنتاج والتسويق المسرحى للدكتور جمال ياقوت أستاذ المسرح بجامعة الإسكندرية، بالإضافة إلى محاضرة التأليف المسرحى للكاتب المسرحى محمد عبدالحافظ ناصف، رئيس المركز القومى لثقافة الطفل، ومحاضرة الإضاءة لمهندس الديكور حازم شبل، ومحاضرة عن مسرح الشارع للمخرج العراقى د. بشار العليوى.
أما عن محاضرات الإنتاج المسرحي للدكتور جمال ياقوت المخرج المسرحي، وأستاذ التمثيل والإخراج المساعد قسم المسرح جامعة الأسكندرية، والمقررة على طلبة الفرقة الثالثة بقسم الدراسات المسرحية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وطلبة قسم الدراما والنقد بجامعة عين شمس. والتي تتعلق بالكتاب الأول من موسوعة الإنتاج المسرحي وهو “مقدمة في الإنتاج المسرحي”
ويقول ياقوت في بداية الموسوعة أن عملية الإنتاج – بصفة عامة – لها  أهمية كبرى في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية، إذ يُعدُّ “الإنتاج وسيلة لإشباع الحاجات الإنسانية مثل “الطعام، الشراب، الملبس، المسكن، التعليم.. إلخ”، كما يُعد الإنتاج أحد أهم مصادر الدخل، فالعاملون القائمون بالأفعال الإنتاجية يحصلون على أجورهم، في حين يحصل أصحاب رأس المال على العوائد، وبالتالي فإن العملية الإنتاجية تعني بتحقيق ما يسمى بـ “القيمة المضافة” والتي تتم بواسطة العنصر البشري، ومن هنا تبرز أهمية الإنتاج بوصفه الآلية التي تتغير بها ملامح المدخلات بهدف الحصول على منتجات صالحة للاستخدام.
مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي من عملية الإنتاج هو تحقيق رغبات المستهلك المحتمل، فقد لجأت الشركات والمؤسسات الإنتاجية إلى وضع استرتيجيات من شأنها تحقيق هذا الهدف، ومعه تتحقق الأهداف الخاصة بهذه المؤسسات سواء كانت هذه الأهداف تتعلق بالربح المادي أو غيره من الأهداف، مثل نشر الوعي بموضوع ما، أو التعليم، أو تطوير الصور الذهنية لبعض المؤسسات المحلية أو الدولية، مؤكدًا على أن هناك ندرة في الدراسات التي تهتم بالجانب الإنتاجي في مجال الفنون عامة، والمسرح خاصة في عالمنا العربي، ويرجع ذلك إلى أننا لا نتعامل مع المسرح بوصفه صناعة، فقد يكون للإنتاج السينمائي حظ أفضل في الاهتمام بهذا النوع من الدراسات ذلك لأن العالم – بما فيه دول الشرق الأوسط – يتعامل مع السينما بوصفها صناعة تحقق الكثير من الأهداف سواء الربحية أو غيرها، أما المسرح، فما زلنا للأسف نتعامل معه على أنه نشاط ترفيهي أو خدمي، حتى في ظل بعض تجارب المسرح التجاري المحدودة في العالم العربي.
لقد واجهتُ صعوبات كثيرة أثناء إعدادي لبحث الدكتوراه في مجال الإنتاج المسرحي بسبب الندرة الشديدة للمراجع التي تناقش هذا الفرع المهم من دراسات الفنون المسرحية، كما لاحظت أن المعاهد والكليات المتخصصة لا تقوم بتدريس مادة للإنتاج المسرحي، عدا قسم الدراسات المسرحية بكلية الآدب بجامعة الإسكندرية الذي يدرس مادة الإنتاج المسرحي لطلبة الفرقة الثالثة في مرحلة الليسانس، ومادة الإنتاج والتسويق لطلبة الدراسات العليا في مرحلة الماجستير، كما يدرس قسم المسرح بجامعة عين شمس مادة الإنتاج بوصفها مادة اختيارية في مرحلة الليسانس، أما في الغرب فهناك أقسام للإنتاج في المعاهد والكليات المتخصصة في فنون المسرح.
مؤكدًا على أن هذه الأسباب وغيرها هو ما دفع لكتابة الموسوعة، والتي تحمل عنوان “ مقدمة في الإنتاج المسرحي” والتي تنقسم إلى ثلاثة فصول تطرق جميعها غلى عمليات الغنتاج المسرحي وعناصرة فجاء الفصل الأول تحت عنوان “الإنتاج المسرحي، الوظائف والموارد”، أما الفصل الثاني فجاء بعنوان “عناصر الإنتاج المسرحي” ، أما الفصل الثالث فقد تناول موضوع “العوامل المؤثرة في عملية الإنتاج المسرحي”  والذي تناول خلاله عدة موضوعات غاية في الأهمية ومنها القدرة التمويلية ، والقدرة التسويقية للعروض المسرحية، وذلك من خلال طرحه لعدة تساؤلات هامة ومنها ما الموضوعات التي يمكن أن تطرحها الموسوعة؟، والتي يمكن أن تؤدي إلى التعامل مع المسرح بوصفه صناعة تهتم بتحقيق الأهداف المرجوة من العملية الإنتاجية سواء كانت هذه الأهداف ربحية أو غير ربحية.
ونوه “ياقوت” خلال المحاضرات التي تناولت العملية الإنتاجية على جميع عناصر العرض المسرحي بكل تفاصيله ، مشيرًا إلى أن الموسوعة تتضمن خمسة كتب متخصصة في جميع أنواع الإنتاج المسرحي والعملية الإنتاجية، وتُعد الموسوعة إضافة مهمة للمكتبة المسرحية العربية، إذا انها تُعد الأولى من نوعها في التطرق لهذا النوع من الموضوعات وهو عملية الإنتاج المسرحي.
ويرتكز الفصل الأول عنوان “الإنتاج المسرحي، الوظائف والموارد”، على ثلاثة وظائف أساسية والتي ترتبط بالعملية الإنتاجية وهي المُنتج، ومدير الإنتاج ومدير تخطيط الإنتاج، أما الفصل الثاني فيقدم شرحًا تفصيليًّا لكل عناصر العملية الإنتاجية في المسرح، وهي  الموارد التي تشكل أهم مدخلات عملية الإنتاج المسرحي بشقيها الفكري، والمادي، فنعرض للموارد البشرية التي تعمل في مجال الإنتاج المسرحي وهي: المنتج، والمؤلف، والدراماتورج، والمخرج، والممثلون، ومصممو العناصر المرئية مثل الديكور والإضاءة والملابس والماكياج، ومصممو الاستعراضات، وكذلك يتعرض لمصممي العناصر المسموعة مثل، الشاعر، والمغني، والمؤلف الموسيقي، وكذلك يعرض الفصل لأفراد الشؤون المالية والإدارية، ومنفذي الأعمال الإبداعية، والأشغال المادية، وأخيرًا نعرض لوظائف المخرج المنفذ، ومدير خشبة المسرح، ومساعدي المخرج، وفريق الإدارة المسرحية.
ويشير “ياقوت”: «إلى أنه عندما تذكر كلمة “إنتاج مسرحي”، يخطر على ذهن الكثيرين مرحلة تنفيذ العناصر المادية للعرض، وما يرتبط بها من ميزانيات تخص تكاليف الخامات وأجور الفنانين والفنيين، من ديكور وملابس وإكسسوارات، وخلافه؛ ذلك لأن هذه المرحلة تحقق الوجود المادي للعرض المسرحي. في حين أن مصطلح الإنتاج المسرحي لا يمكن أن ينحصر في هذا المفهوم الضيق، ذلك لأن هذا المصطلح  يُعنى بكل مراحل العرض من لحظة تفكير منتج ما في تقديم عرض حتى انتهاء جميع ليالي هذا العرض، وعلى الرغم من وجود تأثير مباشر أو غير مباشر للنفقات المالية في كافة المراحل الإنتاجية؛ فإن العاملين الأكثر تأثيرًا في نجاح العرض من عدمه هما تحقق جودة المنتج المسرحي، ووجود استراتيجية ملائمة لتسويق هذا المنتج الجيد».
مؤكدًا على أنه لن يتحقق العاملان إلا باتباع فلسفة إنتاجية واضحة تضع في اعتبارها رسالة المنتِج – سواء كان فردًا أو مؤسسة -  تلك الرسالة التي تحدد طبيعة الدور المنوط بهذا المنتج القيام به، كأن يسعى لتحقيق الربح، أو أن يسعى لتحقيق أهداف أخرى مثل تقديم خدمة ثقافية فنية ممتعة لدافعي الضريبة، أو التأثير في التوجهات السياسية للمجتمع، أو غير ذلك من الأهداف،  كما يجب أن تحدد فلسفة الإنتاج الرؤية المستقبلية للمنتِج والأهداف المرحلية التي يسعى لتحقيقها، ومن هذه النقطة ينطلق الكيان الإنتاجي نحو التغلغل في فكرة التخطيط على المدى الزمنى القصير والطويل، هذا التخطيط الذي يعنى بالمواءمة بين ما تمتلكه المؤسسة الإنتاجية من موارد بشرية ورؤوس أموال ثابتة ومتداولة، وبين المتطلبات التي تسعى المؤسسة لتحقيقها في صورة عروض، أو مهرجانات، أو ورش مسرحية، أو أي شكل من أشكال المشروعات الإنتاجية الأخرى.
مستكملاً :”لذا، يُعد التخطيط الجيد الذي يبنى على الفهم الواعي لفلسفة الإنتاج، هو المحرك الرئيس لبناء منظومة إنتاجية متكاملة تنتهجها الفرقة، أو المؤسسة المسرحية. هذا التخطيط الذي يهتم في الأساس بتحقيق مبدأ التخصيص الأمثل للموارد، وهو ما يعني أن تستخدم الموارد بأنواعها المختلفة طوال الوقت، وبأقصى كفاءة ممكنة. ولكي يحدد المنتج فلسفته الإنتاجية، ويسعى لتحقيق خطة لتأكيد هذه الفلسفة، لابد أن يكون جميع العاملين بالمؤسسة على وعي تام بما تعنيه عملية الإنتاج المسرحي، والتفاصيل المتعلقة بكل مرحلة، وأهدافها، والتداخلات الموجودة في أدوار العناصر الفاعلة فيها.
أما عن العوامل المؤثرة في عملية الإنتاج المسرحي يقول ياقوت :” أن المقدرة المقدرة التمويلية، والتسويقية، تُعد من أهم العوامل المؤثرة على عملية الإنتاج المسرحي ومدى رواج المسرح بوصفه وسيطًا تثقيفيًا أو ترفيهيًا، وتتمثل هذه المقدرة في تواجد مموِّلين يمتلكون الأموال اللازمة للإنفاق على المسرح ويقتنعون بجدوى هذا الإنفاق، وأن عملية تخصص الأموال اللازمة للإنفاق على كافة مراحل العملية الإنتاجية، بحيث تتحول رؤية المخرج- بجهود فريق العمل - مصممين ومنفذين- من المخططات النظرية إلى واقع ملموس ينبض بالحياة على خشبة المسرح، وأن تحقق هذا الأمر مرهون بموافقة المنتج على كافة متطلبات العرض بما يحقق إمكانية استعادة الاستثمارات المنفقة طبقًا لدراسات الجدوى التي يقوم بها المتخصصون،  ولا تختلف مصادر تمويل الإنتاج في مصر فيما بين التمويل الحكومي والتمويل الخاص والتمويل الخارجي عنها في الغرب؛ وإن كان التمويل المسرحي الأوروبي الخاص من قبل شركات الإنتاج كبيرة الحجم هو الذي يقدم الأعمال التجارية الناجحة التي تستمر لسنوات طويلة، أبرزها أعمال المنتج الإنجليزي كاميرون ماكينتوش Cameron Mackintosh الذي يمتلك سبعة مسارح في منطقة West End – London .
أما عن القدرة أو المقدرة التسويقية فبيقول :” يعد التسويق أحد أهم الوظائف التي تمارسها أية مؤسسة أيًا كان نوعها، سواء كانت تهدف لتحقيق الربح أو لا تهدف،  فلا قيمة لسلعة - مهما بلغت درجة جودتها - ما لم يتوفر لها نظام تسويقي قادر على إيصالها للمستهلك، كذلك الحال في المنتج الفني عامة والمسرحي خاصة، فلا قيمة لعرض يحمل من القيم والجماليات ما يحمل، إذا ما قدم في قاعة تخلو من جمهور المتلقين، فلو كان العرض من إنتاج جهة هادفة للربح ستغلق هذه الجهة العرض لأن استمراره يعني تزايد الخسائر الناجمة عن استمرار دفع الأجور والإيجارات والمصاريف الإنتاجية الأخرى بلا عائد، وإذا كانت هذه الجهة غير هادفة للربح- كأن يكون للعرض هدف اجتماعي مثل تقديم قيمة فكرية أو ثقافية بدافع المسئولية الاجتماعية -  سيواجه العرض المصير ذاته لإنفاق الأموال دون تحقيق الهدف المخطط”.
 


سمية أحمد