د. حسين عبد القادر: المسرح المصري تأرجح بين مفهومي الكم والكيف

 د. حسين عبد القادر: المسرح المصري تأرجح بين مفهومي الكم والكيف

العدد 571 صدر بتاريخ 6أغسطس2018

عشق المسرح منذ طفولته وكانت بدايته في المسرح المدرسي وعندما التحق بمرحلة الثانوية ازداد شغفا بالمسرح، إلى أن التحق بكلية الآداب قسم علم النفس لتزدهر موهبته ويحصل على الكثير من الجوائز في المسرح الجامعي الذي يعد محطة هامة في مسيرته، حيث نال فيه الكثير من الجوائز.
هو مسرحي من طراز فريد، دراسته في الماجستير عن علاج الفصام «الشيزوفرينيا» بالتمثيل، كانت أول رسالة عربية في هذا الميدان. قدم إسهاما مهما في مسرح الغد حين كان مديرا له، فكانت من أزهى عصور فرقة الغد للعروض التجريبية عندما تولى إداراتها. جمع بين ميادين مسرحية متعددة. التقينا بالدكتور حسين عبد القادر في حديث عن مشواره المسرحي وتاريخه وذلك بعد تكريمه في الدورة الحادية عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري.

 - ما شعورك بعد أن تم تكريمك في المهرجان القومي للمسرح؟

لا شك أن للتكريم معنى خاصا، تتعدد لحظات ميلاد الإنسان وقد نشأت علاقتي بالمسرح منذ الصغر فأنا من مواليد الثلاثينات من القرن الماضي، وعندما شببت عن الطوق كانت المدرسة الابتدائية تهتم بمسرح الأطفال فقد كانت الدراسة الابتدائية أربع سنوات والثانوية خمس سنوات وفي السنة الرابعة نحصل على شهادة تسمى الثقافة ثم البكالوريا، وتكون تخصص فلسفة أو رياضة وكان بعض من قدري أني التحقت بالمدرسة الثانوية في سن أصغر، حيث كانت مدرستى هي مدرسة علي مبارك بالحلمية الجديدة وكان من خريجي هذه المدرسة مجموعة من كبار الفنانين منهم الفنان القدير محمد الدفراوي والمخرج الكبير حسن عبد السلام والأستاذ أنور إسماعيل عضو المسرح القومي والأستاذ أحمد طنطاوي، وكان يخرج في مسرح الخديوية الثانوية المبدع حمدي غيث والأستاذ كمال ياسين وقد شاركت في عرض ماكبث من إخراج الأستاذ إبراهيم سكر لكنني كنت طالبا شقيا فالتحقت بعد ذلك بمدرسة الإسماعيلية الخاصة ولعبت دور ماكبث ثم لعبت دور هاملت وقد أخرج لنا الأستاذ عبد الغفار أبو عطا، وفي منتخب جامعة عين شمس قدمت عرض «سيأتي الوقت» لرومان رولان وذلك عام 1959 وقد أخرجها لنا الراحل خالد الذكر الأستاذ عبد الرحيم الزرقاني، وكان منتخب عين شمس في هذا العام يضم مجموعة من كبار المسرحيين وهم الفنان القدير سمير العصفوري والفنانة انعام سالوسة والفنان جورج سيدهم من كلية الزراعة والفنان محمود ياسين من كلية الحقوق والراحل عبد الله حسين، وكان المخرج سمير العصفوري يميل لإخراج الكوميديا وأنا اميل لإخراج التراجيديا.
 - ما أهم الأعمال التي قدمتها في المسرح الجامعي آنذاك؟
في المرحلة الجامعية كنت مقررا للجنة الفنية ووكيلا لاتحاد الطلاب، ونحن طلابا كنا نقوم بإخراج أعمال لكلية الآداب منها مسرحية الجلف أو الدب ترجمة الفنان الراحل ذكي طليمات ومسرحية الأب لأوجست سترنديرج والتي أخرجها الراحل نور الدمرداش ومسرحية حلاق إشبيلية لبومارشية وبعد التخرج كان المسرح القومي أعلن عن اختيار ممثلين وتقدم المئات وكانت اللجنة تضم الدكتور سعد أردش والفنان كمال ياسين والأستاذ أحمد حمروش مدير المسرح القومي، وكنت من أوائل الجامعيين الذين التحقوا بالمسرح القومي، ثم انتقلت للمسرح العالمي ولعبت عدة أدوار منها «كاسيو» في عرض عطيل من إخراج حمدى غيث وهوراشيو في هاملت إخراج سيد بدير وعرضت هاملت بالاوبرا، وقد أخرجت الكثير من الأعمال وحصلت بها على قناع الجامعات ومنها «بكيت أوشرف الله» لجان آنوي ونص إميل حبيبي (لكع بن لكع) لتجارة القاهرة وكنت أصر على أن أقوم بالإخراج لكلية تمثل الجامعات بمواجهة المنتخبات الأخرى وكان الزميل الفنان القدير فهمي الخولي يقدم لمنتخب عين شمس مسرحية باب الفتوح وكثير من الأعمال التي قدمتها كانت تقدم في المسرح القومي مثل القصة المزدوجة للدكتور بالمى وقدمها المسرح القومي باسم دماء على ملابس السهرة.

 - كنت أول من قدم تجارب جريئة وهامة لجامعة الأزهر.. حدثنا عن تلك التجارب؟
نفيت نفسي بإرادتي للمسرح الجامعي وأخرجت لجامعة الأزهر عرض العادلون لألبير كامو وعرض الشعلة للمؤلف والكاتب الكبير هنري كيستماكرز والكل في الميدان لجيجاو، والمسرح كان يغزو الأزهر، فنشر عبد الفتاح البارودي قائلا: كيف يدخل كامي الملحد جامعة الأزهر؟ وأشاد الراحل د. موافي بالتجربة التي قمت بها حتى يجاز النص في وزارة الثقافة.
 
 - حملت الدورة الحادية عشرة للمهرجان القومي اسم المؤلف الراحل محمود دياب حدثنا عن الصداقة التي جمعت بينك وبين هذا المؤلف الكبير؟
أود أن أقدم تحية خاصة للزميل الدكتور حسن عطية للنقلة الكيفية التي يدير بها المهرجان، وخالد الذكر محمود دياب كاتب يستحق التقدير وصداقتي به تمتد منذ أن قدمت مسرحية البيت القديم التي فازت بجائزة مجمع اللغة العربية وقدمها المسرح الحديث من إخراج علي الغندور، الذي بدأت علاقتي به عندما كنا نعمل بفرقة المنصورة، وكنت أقوم بدور هوراشيو في مسرحية هاملت وكانت تعرض في دار الاوبرا، وكنت أقيم في حجرة واحدة مع الأستاذ عمر عفيفي ذي الروح المرحة العذبة وكان الفنان علي الغندور يأتي إلى غرفتنا ومعه محمود دياب، وكانت تربطني صلة قوية بعلي الغندور فقد اشتركت معه ومع الدكتور أيمن رستم في اختيار فرقة المنصور المسرحية للثقافة الجماهيرية، ونشأت الصلة العميقة مع محمود دياب خاصة عندما اختلف مع المخرج حسام الدين مصطفى في توزيع أدوار فيلم «الأخوة الأعداء» التي صاغها سينمائيا، عن قصة الأخوة كرامازوف لديستوفكسي، وكان سبب المشكلة هو إصرار حسام الدين مصطفى علي ممثل بعينه ليلعب الدور المكافئ لشخصية إليوشا الراهب الذي هرب من فساد أسرته، وقد طلب مني محمود دياب دراسة فرويد التي تحمل عنوان الأخوة كرامازوف وجريمة قتل الأب وهي دراسة قدمها فرويد كمقدمة لطبعة ألمانيا لأعمال ديستوفسكي.

 - حدثنا عن رسالتك للماجيستر التي كانت أول رسالة في العالم العربي عن علاج مرضى انفصام الشخصية بالتمثيل؟
قمت بتسجيل رسالتي للماجيستر عام 1963 وعندما عرض علي أن أكون معيدا في جامعة الإسكندرية رفضت وقد كان موضوع رسالة الماجيستر هو علاج مرضى الشيزوفرينا بالتمثيل وهي أول رسالة في العالم العربي في هذا الميدان، وفي هذه الرسالة أثبت أن هذا المنهج في علاج المرض ابتدعه العرب على يد العالم ابن سينا، ثم تأتي الدكتوراه أيضا في العلاج الجماعي والسيكودراما ومرضى الذهان.    

 - وماذا عن فترة إدارتك لمسرح الغد؟
عُندما طلب مني وكيل الوزارة أن أتولى إدارة فرقة الغد للعروض المسرحية أصررت على عد أمور.. أولها أن يكون بقرار من الوزير وتخيلت أن د. فاروق حسني لن يوافق لأنه كانت بيننا خلافات على صفحات الجرائد وكانت علاقتي به غير طيبة، وطلبت أمرين آخرين أن يكون هناك قوام فرقة والثاني أن يكون هناك مسرح، فوعدني الزميل عبد الغفار عودة رحمة الله عليه أن تكون الفرقة موجودة وأن المسرح سيتم الانتهاء من بنائه في شهر يولي، وإذ بقرار الوزير يصدر سريعا، ذهبت للفرقة ولم أجد فيها سوى 12 زميلا يذهبون مرة واحدة وهو يوم الأحد ويوقعون ثم يمضون فطلبت من بعضهم - وكان منهم من كنت أقوم بالتدريس له في المعهد العالي للفنون المسرحية - ان نجتمع لنتعارف على بعضنا وكتبت دراسة مطولة عن فرقة الغد للعروض التجريبية «رؤى ومستقبل» ذكرت فيها أن مأساة المسرح في غيبة الفلسفة ومن ثم غيبة التخطيط ومن ثم ترهل الإدارة، بعد ذلك قلت نحن في حاجة إلى المسرح الغني البسيط، فجروتوفسكي يتحدث عن المسرح الفقير أي استخدام الديكورات البسيطة غير المكلفة وكذلك الموسيقى وغيرها، قلت إن مسرح غني يقوم على نص جيد ومخرج جيد وممثلين جيدين، وكل الأدوات المساعدة آنذاك وضربت مثلا بالمسرح القومي الذي استطاع أن يقدم 34 عرضا مسرحيا في أحد المواسم، وطرحت في نهاية ورقة العمل سبعة عشر مسرحية اتفق عليها النقاد وعندما وصلت لرئيس تحرير الكواكب قام بنشرها في ثلاثة أعداد، ثم قمت بانتداب 27 ممثلا من الطاقات المعطلة بهيئة المسرح وهم محبين حقيقيين ثم طالبت بتعيين مجموعة جديدة من 25 فنانا وقمت بعمل اختبارات للمتقدمين بصحبة الأستاذ نبيل الألفي والأستاذ حسن عبد الحميد وطبقت ثلاثة اختبارات نفسية على من تقدموا وهم اختبار للشخصية واختبار للتوافق واختبار للإبداع ثم بدأت معمل تدريبات، فكان يدرب البالية أبن الفنان عمر عفيفي وكان هناك مدرب خيال ظل بالإضافة إلى الدكتور هناء عبد الفتاح الذي يقوم بالتدريب على فنون المسرح.

 - ما أهم العروض التي قدمت في الغد فترة توليك إدارته؟
بدأنا بروفات وتدريبات على سبع مسرحيات في وقت واحد ومن العروض التي قدمت الليلة نضحك تأليف ميخائيل رومان وإعداد وإخراج محمد دسوقي، رحلة الحلاج تأليف عز الدين مدني إخراج د. محمد أبو الخير، فيلو كتيتوس تأليف سوفوكليس وإخراج عاصم رأفت ,الطريق إخراج إسماعيل مختار، فصيلة إعدام إخراج محمد عمر، أرض لا تنبت الزهور إخراج دكتور هناء عبد الفتاح وفى الفترة من 29 أكتوبر وحتى 8 نوفمبر 1995 قدمنا 180 ليلة في الكثير من قصور الثقافة بأحياء القاهرة.

 - ما الذي أنهى مشروعك في مسرح الغد؟
توالت بعد ذلك العثرات. كان يوم الاثنين إجازة أسبوعية وكنت أقول إننا في منطقة تتوسط أكاديميات مثل الفنون الجميلة والتجارة الخارجية ويمكن فتح المسرح في هذا اليوم، وفي نحو الساعة العاشرة مساء جاءني مدير دار العرض قائلا لي إنه سوف يطفئ أنوار المسرح بناء على أوامر عبد الغفار عودة، فانطلقت غاضبا كالمجنون, لأن هذا لم يكن أول خلاف، حيث كنت قد تقدمت من قبل بثلاث استقالات بسبب المعوقات التي توضع في الفريق، وأذكر منها أني قلت لعبد الغفار عودة الذي كان في لجنة المسرح ونقيبا للممثلين إنني لا أصنع ذلك لنفسي وإنما للجيل القادم مثلما قدمت الستينات جيل السبعينات، لكنه كان له حساباته الأخرى، ولم يكن أمامي سوى تقديم استقالتي شفاهة، وطلبت عمل لقاء في النقابة التي أشرف بعضوية مجلس إدارتها، على غرار المؤتمر الصحفي الذي عقدته الزميلة الفنانة يسرا في النقابة إثر مشكلتها مع ضابط شرطة قام بمعاكستها، أعددت ورقة من عشرين صفحة كخطاب مفتوح للوزير أشرح فيها خطتي وما نفذته منها وما لم يتم تنفيذه وما تم اقترافه من جرائم من قبل الآخرين، ومعها 14 وثيقة أقلها تؤدي إلى السجن. لكن مجلس النقابة رفض إقامة المؤتمر، فاتفقت مع نقابة الصحفيين وعقدت المؤتمر لديهم وحضره 61 صحفيا، وكتب عني وقتئذ أني حلاج المسرح المصري، كما كتب الناقد محمد الروبي - إذا لم تخني الذاكرة - إنهم يقتلون الغد، كما كتب عني في بداية تولي مهام مسرح الغد «العائد من المنفى لإنقاذ المسرح المصري»، وكذلك أحمد عبد الحميد رحمه الله الذي قال في البداية إنه يستحيل تنفيذ ما أطمح إليه ثم تراجع بعد ذلك وشهد لصالح التجربة وساندتني حركة نقدية لكني كنت قد اتخذت قراري بعد أن أجهضوا التجربة.

- ما أهم المشكلات التي تواجه المسرح؟
مشكلة مسرحنا أنه وقع أسيرا بين مفهومين الكم والكيف، فعندما تولى عبد القادر حاتم طرح مفهوم الكم، وعندما تولى ثروت عكاشة وزيرا طرح مفهوم الكيف، وكان المسرح العالمي يقدم في موسمين 27 عرضا مسرحيا، ورغم أن ثروت عكاشة هو من أرسل سمير العصفوري ومحمد مرجان وأنور رستم إلى بعثات فعندما عاد وتولى وزارة الثقافة بعد عبد القادرة حاتم قام بإلغاء المسرح العالمي من مسرح الجمهورية ليعرض «أنا وهو وهي» ونقلت الحلاج إلى الأوبرا تمهيدا لإلغاء العالمي، وقد كتبت آنذاك ثلاثة مقالات في الأخبار واستضافتنى الناقدة الجميلة سناء فتح الله كما استضافني نائب تحرير الأخبار في زاويته يوم الخميس فكتبت تحت عنوان «تخطيط بلا واقع وواقع بلا تخطيط» وقلت أن هناك من قال لنا الكم ومن قال لنا الكيف وبقى من يقول الكم المكيف أو الكيف المكمم.

 


رنا رأفت