النص الكوميدي.. أين هو الآن؟

النص الكوميدي.. أين هو الآن؟

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

يشكو البعض، من حين لآخر، غياب النص الكوميدي، يقولون أين هو الآن، و”كان زمان وجبر”، و”كان فيه وخلص”، حتى إن المسرح الكوميدي - ذات نفسه - ضبط في الآونة الأخيرة يقدم نصا تراجيديا ينظر في عين الموت مباشرة!.. يقولون: لا يوجد كتاب دمهم خفيف فمن أين يأتون بالكلام الفرح، من أين تأتي الكوميديا إذن! ما صحة هذا الكلام؟ هل يعاني مسرحنا فعلا أزمة نصوص كوميدية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا؟  
قال الكاتب والسيناريست فيصل ندا، الذي قدم للمسرح المصري عددا كبيرا من المسرحيات الكوميدية: نعم، هناك أزمة كبيرة، وذلك يرجع إلى ندرة كتاب الكوميديا وما يقدم من أعمال الآن ليس أكثر من اسكتشات يترك فيها العنان بيد الممثل لإطلاق الإفيهات، حتى لو كانت خارجة عن الآداب، فالممثل الكوميدي يعتقد أن الخروج عن الآداب هو وسيلة للشهرة ويتصور أن الإسفاف هو طريقه للوصول إلى النجومية، وهو ما أدى بدوره إلى تراجع المسرح الكوميدي، وندرة كتاب الكوميديا.
أضاف: أذكر أنه أثناء عرض مسرحية “أهلا يا دكتور” قام الممثلون بالخروج عن النص، فقمت بوقف العرض. تابع: مسرح القطاع الخاص كان رافدا هاما للعروض الكوميدية، ولأن الغالبية من مسارح القطاع الخاص مغلقة، فقد قلل هذا من وجود النص الكوميدي، وأنا تكبدت الكثير من الخسائر فترة الثورة لوقوع مسرحي في منطقة وسط البلد، وظللت لمدة ثلاثة أعوام أعاني من عدم إقبال الجماهير على المسرح، أشار إلى أن من أسباب تراجع الكتابة الكوميدية غلاء أسعار النجوم وعدم وجود وسائل دعاية كافية، ومشجعة، مضيفا: القطاع العام يقدم عروضا مسرحية طاردة للجمهور، ولا تشجع الكاتب على تقديم عرض كوميدي وهي تنجح فقط على صفحات الجرائد وفي آراء النقاد. وحتى نشجع الكتابات الكوميدية فعلينا أن نخلق المناخ الجيد للمؤلف، وأن نقوم باستعادة مسرح القطاع الخاص مرة أخرى، إضافة إلى إعطاء الكتاب حقوقهم، ومنها حق الأداء العلني المسلوب، يجب توفير عوامل النجاح المختلفة ومنها الدعاية المناسبة وإعطاء المؤلفين حقوقهم الأدبية والمالية.
تغيرت المواصفات
فيما قال الكاتب محمود الطوخي: عندما كانت مصر مستقرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا كان هناك مسرح كوميدي ونجوم أمثال نجيب الريحاني وعلي الكسار والسيد بدير الذي كان أول من قام بعمل فرق مسرحية للتلفزيون تخرج منها نجوم كثيرون منهم فؤاد المهندس ومحمد عوض، وقد تميزت هذه الحقبة بوجود مجموعة من كتاب المسرح الكوميدي أمثال بهجت قمر وعلي سالم وأبو السعود الإبياري، كنا نقدم مسرحا للمصريين بسعر تذكرة في متناول المشاهد، وصولا إلى فترة الثمانينات عندما بدأ السائحون العرب يغزون المسرح، وكانت مشاهدة العروض جزءا من السياحة فتغيرت مواصفات الكوميديا المصرية وتغير جمهور المسرح الكوميدي وأصبحت الكوميديا تقدم لإرضاء السائح العربي، وشعر المواطن باغتراب عن ما يقدم، وأذكر أنني قدمت مسرحية «بكرة وبعده» في أكثر من 400 موقع وحققت نجاحا ساحقا، وأتساءل: هل نشرت نصوص كوميدية في الفترة الماضية لكتاب كوميديين؟
أضاف: هناك أزمة، والمؤلف الحقيقي لا يقترب من فكرة التأليف قبل بلوغه سن الأربعين، وذلك لأن الكوميديا تعد أصعب أنواع الكتابات، فأنا لم أقترب من الكتابة الكوميدية حتى أصبح عمري خمسين عاما، وأصبح لدي خبرة طويلة، وأقترح حتى نتخطى هذه الأزمة إقامة ورش للتأليف الكوميدي، ومسابقات تفرز مؤلفين للنصوص الكوميدية.
 الدراما التلفزيونية
وقال الكاتب مصطفى حمدي: نعم، هناك أزمة عامة في النصوص المسرحية لأن أغلب الكتاب المسرحيين يتجهون إلى كتابة الدراما التلفزيونية، لعدم اهتمام الدولة بالكاتب المسرحي ورعاية الكتاب، سواء الكوميديا أو التراجيديا، فلماذا يكتبون للمسرح؟ وكما نعلم فبدون نصوص مسرحية لا يوجد مسرح، إضافة إلى أن الكوميديا أصعب أنواع الدراما، لذا هناك ندرة في الكتاب المتميزين للكوميديا. تابع: هناك اختلاف في نوع الكوميديا في الوقت الحالي، حيث أصبح الذي يضحك هو الإفيهات الخارجة، وذلك يرجع إلى مواقع التواصل الاجتماع التي قامت بتغيير مفهوم الكوميديا، فلم تعد كوميديا الموقف هي القادرة على إضحاك الجمهور، وقد عملت فترة في «تياترو مصر» وكان الأمر يعتمد على إطلاق الإفيهات بغض النظر عن الموضوع.
أضاف: كذلك هناك قلة الأماكن المتاحة على مسرح الدولة وغياب مسرح القطاع الخاص، فلا تتوافر مسارح لتقديم عروض مسرحية سوى عدد قليل مثل ساقية الصاوي، وقد انتشر الارتجال بشكل كبير والاسكتشات السريعة، مما أدى إلى انخفاض مستوى الكوميديا.
ما أكثر النصوص الكوميدية
ومن وجهة نظر أخرى ذكر المؤلف محسن رزق أنه لا توجد أزمة نصوص كوميدية، ولكن هناك أزمة ثقافة وفكر عند الكوميديانات، فالنصوص الكوميدية عندما تعرض على الكوميديانات يقوم الفنان بتعديلها وفقا لأهوائه، هناك عدد كبير من النصوص الكوميدية، ولكن ما أكثرها وما أقل الثقافة، الجميع ينظرون إلى تجربة مسرح مصر ويودون أن يقدموا تجربة مماثلة.
أضاف: مسرح مصر نوع من أنواع المسرح قائم على الارتجال، يحوي قدرات كوميدية فردية. تابع: الفكرة المسيطرة الآن على ما يقدم من عروض كوميدية وجود النجم وعدم الاهتمام بالنص الذي يقدمه، لذا يجب قلب الآية بأن تقوم جهات الإنتاج باختيار النصوص الجيدة أولا قبل النجم، والعمل الناجح يفرض نفسه ويجلب جمهوره، وأنا ضد الرأي الذي يقول إن ذوق الجماهير تغير.
*اختلف ذوق الجماهير واختلف الضحك
ويرى السيناريست والمؤلف نادر صلاح الدين على أن ذوق الجماهير اختلف، كما اختلف الضحك، وإن المشكلة هي أن نسبة كبيرة من النجوم لم يطوروا أنفسهم ولم يواكبوا هذا التغير، وأيضا تغيرت سمة المسرح فلم نعد نستطيع أن نقدم ما كان يقدم في السابق، من تقديم عرض من ثلاثة أو أربعة فصول، وإذا أردنا ذلك فعلينا أن نطعم ذلك بعدد من النجوم، وكما نعلم فإن إمكانية إنتاج المسرح لا تسمح بذلك. أضاف: نعم هناك ندرة في كتاب الكوميديا، إضافة إلى أن كبار الكتاب لم يتركوا حلقة وصل بينهم والأجيال التي تلتهم، وأرى أن هناك ضرورة لأن يحدث تواصل بين الأجيال، مشيرا إلى أن هناك كتابا جيدين ولكن غير مؤهلين، يجب تدريبهم بشكل، ويجب تطوير ورش الكتابة بشكل يفيد الكاتب إضافة إلى ضرورة أن يلم الجيل الحالي بما كان يقدم من عروض مسرحية.
كوميديا الصورة مسيطرة
وقال المخرج محمد علام: نعم، هناك أزمة في النصوص الكوميدية، إضافة إلى ندرة كتاب الكوميديا الاستعراضية، مما يجعل المخرجين يقومون بعمل ورش عمل للكتابة يبذل بها المخرج مجهودا كبيرا. وأضاف: لا يجب أن نعتمد على الكتاب الشباب فقط في تقديم نصوص كوميدية، ولكن علينا أيضا أن نستعين بكتابات كبار المؤلفين في الكوميديا أمثال الكاتب محمود الطوخي، وأستطيع الاعتماد على نصوص كبار الكتاب وتقديمها بروح العصر. تابع: الكوميديا تغيرت كثيرا، سيطرت كوميديا الصورة وكوميديا الإفيه اللفظي، إضافة إلى أن «السوشيال ميديا» أوجدت نوعا جديدا وهو كوميديا الكوميكس يوظف في المسرح. أشار إلى أن هناك ضرورة لأن يعلن كل مؤلف عن نفسه وأن يقدم نصوصه إلى مديري المسارح.
تغيير مفهوم الكوميديا
وقال الكاتب كرم النجار: نعم، هناك أزمة نصوص كوميدية، فهناك عدد قليل للغاية يقدمونها ويجيدون كتابتها، مشيرا إلى تغير مفهوم الكوميديا بسبب دخول مسرح مصر ومسرح النهار فأصحب الكوميديا الحالية تعتمد على الإفيهات الخارجة والمبتذلة، من يقدمونها أصبحوا نجوما سوداء، وليسوا نجوما ساطعة، وحالت مثل هذه التجارب دون سطوع نجم أي مؤلف جديد، لأنه لن يستطيع مواجهة هذه الموجة. أضاف: كتابة الكوميديا الراقية من أصعب أنواع الكتابات، بل وأصعب من التراجيديا، وأرى أن هناك ضرورة بالغة لأن يقوم التلفزيون بعمل برنامج أسبوعي يقدم مسرحيات كوميدية، حتى وإن كانت من فصل واحد، ونقوم بعمل لجنة متخصصة لانتقاء الأعمال الكوميدية الجيدة وعرضها، وتكون هناك متابعة بشكل كبير، كما يجب أن يتوفر للمؤلف الكوميدي المناخ المناسب حتى يستطيع أن يبدع.
وقال المخرج محمد جبر: هناك بالفعل أزمة، هناك نصوص كوميدية ولكن عددها قليل للغاية، لا يكاد يكفي، لذلك أصبحت العروض الكوميدية تعتمد على طاقات الممثلين الكوميدية أو الارتجال. وأضاف: اليوم أكثر الاعتراضات تتجه لمسرح مصر فيما يقدمه من كوميديا، وهو مشروع يجب أن يقدم 15, 16 عرضا في العام وهو ما يتطلب وجود عدد كبير من النصوص، ونحن كمخرجين نريد تقديم كوميديا هادفة وجادة، ولكن هل عدد النصوص التي يتم كتابتها كافٍ لتغطية هذا الكم؟ تابع: شكل الكوميديا تغير لاختلاف لغة العصر، وساد الإفيه اللفظي فتغيرت بالتالي لغة الضحك.
وأكد نجم الكوميديا أحمد بدير على وجود أزمة نص كوميدي، مشيرا إلى أن هذه الأزمة هي أساس مشكلة الكوميديا. قال: كان لدينا قديما كتاب عظام في الكوميديا أمثال علي سالم، لينين الرملي، يوسف معاطي، وغيرهم، الآن حتى يعثر النجوم على نص جيد فلا بد أن يبذلوا جهدا كبيرا، واليوم لا يصح أن تعتمد الكوميديا على الإفيهات والنكات، لأن الجماهير أصابها الملل من هذه النوعية، الجماهير تريد عرضا مسرحيا له قوام وهدف وقيمة، وتحكى الكوميديا من خلال الموقف وليس من خلال السخرية، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير من الكتاب، وهناك ضرورة أن تقيم وزارة الثقافة مسابقات للكتاب الشباب، وأن تمنحهم الفرصة لإبراز مواهبهم.
وعن نجوم الكوميديا الراحلين، قال: هناك أجيال من نجوم الكوميديا صنعوا تاريخ الكوميديا مثل نجيب الريحاني والأستاذ فؤاد المهندس، وتلاهم جيل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي ومحمد صبحي وغيرهم، مشيرا إلى أن هناك تواصل أجيال، وفي الوقت الحالي يوجد جيل من الشباب الموهوب في الكوميديا ولكن ما ينقصه هو وجود النص الجيد (المهم الورق).
مشروع اكتشاف
وقال أحمد السيد مدير المسرح الكوميدي: إذا نظرنا إلى الكوميديا بالشكل القديم فنحن لدينا أزمة، ولكن الكوميديا الحالية لكتاب لهم فكر خاص، ويتعاملون مع الكوميديا على أنها حالة معينة مكتملة العناصر، وليست مبنية على الكوميديا فقط، تعتمد على عناصر المسرح والكوميديا أحد عناصرها، واعتقادي أنه لا توجد أزمة بهذا المنطق الحديث. أضاف: الاسكتشات ومسرحيات الوجبات السريعة تتلاشى وتختفي، مسرح القطاع الخاص أصبح إنتاجه محدودا، ينتج عرضين أو ثلاثة عروض سنويا، وما يقدم في الإسكندرية ورأس البر من عروض هي بمثابة مسرحيات التيك أواي، وهي لا تعد عروضا مسرحية، وأعتقد أن هناك ضرورة تحتم أن ننظر إلى الكوميديا في الوقت الحالي بروح العصر ومواكبة المدارس المسرحية الحديثة، ولا يجب أن نقف عند المدارس القديمة، فإذا نظرنا بالمنهج الحديث فسنجد أن لدينا نصوصا وكتابا جيدين ومتميزين ينظرون إلى المسرح على أنه وجبة مسرحية متكاملة، مبنية على جميع عناصر الفرجة المسرحية، ويتفق السيد مع إقامة مسابقات في النصوص حيث تساهم في انتقاء عناصر جيدة وتضخ مجموعة من النصوص الجيدة والمخرجين الجيدين، ولكن الأكثر أهمية هو وجود لجنة تستطيع انتقاء العناصر الجيدة، وعن دور المسرح الكوميدي قال: يقيم المسرح الكوميدي مسابقة لأعضاء فرقة المسرح الكوميدي، حيث سيقومون بتأليف نصوص وإخراجها، وأعتقد أنها ستفرز مخرجين ومؤلفين وفنانين في شتى مجالات المسرح.

 


رنا رأفت