قطط .. دعوة التعايش السلمي وقبول الآخر

قطط .. دعوة التعايش السلمي وقبول الآخر

العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018

الاختلاف سنة كونية، فالاختلاف في اللون والجنس والدين لا يدعو إلى الفرقة، فقد خلقنا الله شعوبا وقبائل للتعارف وليس للتناحر، فقبول الآخر ينشر الحب والخير والجمال ومن يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة مخطئ.
انطلاقا من تلك القيم التي تدعو لقبول الآخر، قدمت فرقة المسرح القومي للأطفال على مسرح عبد المنعم مدبولي (ميتروبول) بالعتبة عرض «القطط» الذي يتبنى دعاوى قبول الآخر والتعايش السلمي وعدم نشر الشائعات التي تولد الحقد والكراهية وتنشئ صرعات تهدم المجتمع.
تبدأ الأحداث بعرض مقطع فيديو يظهر حالة التعايش السلمي في المدينة بين القطط والإنسان، ثم تطلق شائعة بأن القطط مريضة ومرضها يؤثر على صحه الإنسان، وسريعا يدعو رئيس المدينة لاجتماع المجلس للنظر في الأمر واتخاذ القرار المناسب، وبالأساليب المزيفة يصدر قرار بطرد القطط خارج المدينة وتعترض الصحفية عضو المجلس، ويبدو الصراع بين الحق والباطل، وبنفاذ القرار الظالم وفي مكان مهجور خارج المدينة تعيش القطط متباكية على عيشتها الرغدة في المدينة إلا القط ماو المولود والمقيم في الشارع.
ويبدأ ماو بتكوين جبهة مضادة للانتصار للقطط ضد الظلم. حيث يقوم باختطاف رئيس المدينة ويرغمه على العيش مع القطط ليشعر بمدى الظلم الذي فرضه على القطط، وعندما تعلم الصحفية بما حدث تذهب إلى المكان المهجور وتطلب من رئيس المدينة اأن يصحح الأمر ويعترف بالخطأ، لكنه يرفض وبنفس أسلوب الدهاء والمكر يقنع القطط بتركه للذهاب إلى المدينة لكي يحل المشكلة، وعلى الرغم من أن القطط تعلم أنه يكذب فإنها تتركه يرحل لعله يعود إلى رشده. وفي النهاية، نرى الصحفية قد كشفت زيف رئيس المجلس وتقدمه للعدالة وينتهي الصراع وتعود القطط للمدينة.
على مستوى الملابس، فقد حاول المخرج والمصمم تخليق حالة من التنوع اللوني المبهج والقريب من عالم الأطفال عبر فراء القطط الذي شكل الزي الأكثر بروزا في العرض، إلى جانب الأدوار الأخرى للملابس مثل تمييز الشخصيات المتنوعة لشخصيات عالم القطط على المستوى اللوني، ولعل تلك المحاولة لتخليق صورة مسرحية شديدة التنوع والثراء كانت حاضرة على مستوى الديكور والإضاءة، فالديكور عبارة عن منظرين: الأول داخل غرفة اجتماع، والثاني لمكان مهجور بالصحراء ويظهر به الديكور الأول في العمق. وعلى مستوى الإضاءة، فكانت متوسطة السطوع في قاعة الاجتماعات وشديدة في المكان المهجور وخافته في الحلم، وذلك لتحقيق الهدف ذاته وهو خلق حالة من التنوع اللوني وفي طبيعة الإضاءة.
من ناحية أخرى، اعتمد المخرج على عدد من الأساليب والتقنيات الأخرى التي تساهمت في جذب انتباه الطفل مثل تقنية الفيديو لتخليق مستويات بصرية أخرى، وكذلك تحقيق حالة جذب الانتباه، حيث يبدأ العرض بـ”كليب” غنائي عن القطط شاركت فيه مجموعة من الأطفال، وهذا أسلوب بسيط لتصل فكرة المسرحية، وكذلك عرض نشرات أخبار لتدعيم الصراع، وكذلك عرض فيديو الفئران وهي تتلف مقتنيات الإنسان، وهو مشهد يقوم بتجسيد الفكرة الشريرة التي يحلم بها ماو في منامه، ولكنه عندما يستيقظ يرفض هذه الفكرة، مما يدعم فكرة انتصار الخير على الشر، وعلى الرغم من نجاح المخرج باستخدام التقنيى فإن الصورة كانت باهتة لضعف الإمكانيات وعدم استخدام التقنية السينمائية، وهو الدور ذاته الذي قامت به الاستعراضات والأغاني في تشكيل العرض، بالإضافة لدورها في استكمال وبناء الحدث الدرامي.
على مستوى آخر، ربط المخرج ما يدور على خشبة المسرح والمشاهدين في وحدة واحدة من خلال الأداء التمثيلي، ليصبح العرض المسرحي عبارة عن مناقشة بين الممثل والمتلقي، وبالتالي تتسرب الفكرة داخل عقل المتلقي دون شعارات وخطب رنانة وجعل المشاهد يتخذ القرار. فجيل اليوم أكثر وعيا بوسائل التكنولوجيا الحديثة التي بين يديه.
وكانت الفنانة ميرنا وليد كالفراشة ورسمت البسمة على وجوه الأطفال في دور نسمة عضو المجلس، والفنان جلال عثمان الكوميدي الشرير مروج الإشاعات في دور سامي الذي تفاعل مع الأطفال وكان قرارهم أنه لا بد من عقابه، وسيد جبر المبدع الكوميدي الذي تألق في تحريك الأحداث في دور ماو، ومحمود حسن ذو الأداء المتزن في دور الحكيم راف، ونشوى إسماعيل “بوسي”، وريهام حسن «جوجو»، ووائل إبرهيم “بيشو”، وحمزة خاطر “الضابط”، لهم مستقبل مشرق وتحية لمخرج العرض صفوت صبحي لتقديم هذا العمل بإمكانيات بسيطة ونجاحه في توصيل رسالة في ثاني تجربة له بالمسرح القومي للأطفال. أطفال اليوم هم مثقفو وعلماء وقادة المستقبل فمسرح الأطفال بمثابة مصنع الرجال.


جمال الفيشاوي