العدد 569 صدر بتاريخ 23يوليو2018
استقبلت خشبات المسارح 19 يوليو الماضي فعاليات المهرجان القومي في دورته الجديدة، دورة محمود دياب، التي تستمر حتى 2 أغسطس المقبل، ويتنافس فيها 35 عرضا داخل مسابقة واحدة. “مسرحنا” استطلعت آراء عدد من المسرحيين في عدد من الأسئلة المثارة وهي: هل التسابق يضعف من قيمة المهرجان أم كان من الأفضل أن يتحول المهرجان لمجرد ملتقى للمسرح؟ كذلك، هل العمل على تقليل عدد العروض المشاركة يرفع من قيمة المهرجان؟ وهل من الأفضل أن يتم عمل مسابقات نوعية داخل المهرجان أم أن الأفضل أن تتسابق كل العروض داخل مسابقة واحدة؟
قالت الدكتورة هدى وصفي: هناك وجهتا نظر، فالبعض يرى أن وجود مسابقة يقوم بعمل تحفيز كبير للمخرجين الشباب وبشكل عام وفي بلادنا العربية وجود التسابق والجوائز يعنينا فنيا ومعنويا، فعند حصول مخرج ما على أفضل عرض وحصوله على جائزة يعد نوعا من التحفيز له، وخصوصا في ظل وجود ميزانيات صغيرة، بالإضافة إلى أن إمكانيات الشباب ليست كبيرة ووجود جائزة مادية ومعنوية يكلل مجهودهم وإلغاء المقابل المادي أو الجوائز يسبب إحباطا لهم، ومن وجهة نظري أن الجميع لا يقتنع بفكرة عدم التسابق، ولكن أود أن أقول إنني لست ضد إقامة ملتقى للاطلاع على أفضل ما قدم في المسرح، ولا يضعف من قيمة المهرجان القومي، على أن يكون للملتقى جوائز معنوية بشكل معين، على سبيل المثال شهادة ورقية أو لوحة أو درع يحمل شعار المهرجان.
أما عن الشق الآخر الذي يتعلق بتقليل عدد العروض المشاركة، فقالت: “في مهرجان لندن للمسرح الذي يقام كل عامين يشارك 20 عرضا فقط، ولكن وجود 35 عرضا يعني أن لجنة التحكيم ستشاهد 3 عروض يوميا وهي مسألة شاقة، ومن وجهة نظري أن يقام المهرجان على مرحلتين، على أن يتم التصفية في المرحلة الأولى التي تؤهل للمرحلة الثانية بوجود أفضل 20 عرضا على سبيل المثال، أعتقد أن ذلك جيد. وعن اقتراح وجود مسابقات نوعية داخل المهرجان، أوضحت أن ذلك مطروح، ولكن تم مقابلته بالكثير من الاعتراضات منها عدم وجود تصنيفات، وأنا لست ضد الفكرة وهناك ضرورة للنظر في المهرجانات الدولية واستلهام نجاحاتها، خاصة في البلاد التي تتشابه ظروفها معنا.
تحفيز المبدعين
فيما قال المخرج ناصر عبد المنعم: المهرجان القومي غرضه التسابق، فهو يخلق حافزا لدى المبدعين وهي الفلسفة التي أنشئ عليها منذ عام 2006، تحفيز المبدعين على تقديم أفضل ما لديهم، وهذا لن يحدث بلا تسابق، وحصول مخرج على جائزة سيجعله يطور من عمله وأدواته، وكذلك جميع القائمين على عناصر العمل المسرحي من مهندس ديكور أو موسيقى.. إلخ. فالمهرجان هدفه الرئيسي الارتقاء بالمهنة والتحفيز على الإبداع.
وعن إمكانية أن يكون العدد أقل، قال: يجب أن ننظر إلى كم المنتج المسرحي المصري، فعلى سبيل المثال المسرح الكنسي يقدم أكثر من 1000 عرض وهيئة قصور الثقافة تتجاوز 300 عرض بالإضافة إلى إنتاج الجامعات والبيت الفني، فهناك حالة من الزخم الإبداعي.
ووجهة نظري أن العدد المشارك يتناسب بشكل كبير مع الزخم الإنتاجي القائم، فنحن في بلد كبير تعداد سكنه يتجاوز المائة مليون نسمة وبها الكثير من المؤسسات التي تقوم بإنتاج مسرح وهو ما تفتقده دول أخرى.
وعن فكرة وجود مسابقات نوعية داخل المهرجان، أشار إلى أن ذلك يجعل المهرجان فئويا، ومسمى المهرجان القومي يعني أنه مظلة تشمل جميع أنواع الإنتاج المسرحي، وهناك من اقترح فكرة وجود قسم للهواة والمحترفين، وقد سبب ذلك الأمر تداخل الكثير من المصطلحات ومحاولات التعريف، وهو ما يأخذ وقتا طويلا. إن وجود مهرجان قومي يعني كل الفروع تتنافس بشكل واحد.
أنماط الإنتاج
وأشار الدكتور محمود نسيم إلى أن الملتقى، على سبيل المثال المهرجان التجريبي، تخفت حدة الاهتمام به، وأن التسابق يقوم بعمل تحفيز أو دافع، ويرى أن المهرجان عبارة عن حوار مع واقع فني واجتماعي، وهذا الحوار له أشكاله المختلفة ويستمد ليس فقط من تقديم عروض، ولكن من الأنشطة المصاحبة للعروض مثل الندوات الفكرية والنشرة، ووجود التسابق يعطي صفة للمهرجان وإلا سيكون عبارة عن تجاور وتراكم عروض.
أضاف نسيم: هناك لائحة للمهرجان تحدد نصاب العروض الممثلة من الهيئات المختلفة سواء من البيت الفني أو الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهاتان الجهتان تمثلان أكبر إنتاج يليه إنتاج الجامعات والفرق المستقلة والحرة ومؤسسات المجتمع المدني، ومع ذلك لا أعتقد أن لائحة المهرجان تنص على مشاركة 35 عرضا، وسواء كان ذلك في اللائحة أم لا فإن ذلك يقوم بعمل نوع من أنواع الترهل ويجعل فكرة المهرجان مجرد إتاحة فرص وينفي فكرة التسابق لأن التسابق كما نعلم هو قرار كيفي.
وعن اقتراح وجود مسابقات داخلية في المهرجان، أشار الدكتور محمود نسيم إلى أنه تم مناقشة هذا الأمر عام 2006، وذلك عندما لاحظنا أن هناك عروضا من البيت الفني للمسرح تنافس عروض الجامعات التي تعتمد على ميزانيات صغيرة، فعلى سبيل المثال كيف لعرض تم إنتاجه من المسرح القومي أن ينافس عرضا من نوادي المسرح؟ فهناك صعوبة في المقارنة وهناك ضرورة إلى تجزئة المشاركات استنادا إلى أنماط الإنتاج فلا يمكن في ظل وجود اختلاف في الأنماط الإنتاجية توحيد مقياس التحكيم.
وقال المؤلف والسيناريست كرم النجار: أنا مع التسابق، وذلك لأن أي عمل يقدم لا بد وأن يكون وراءه حافز، وبالأخص لأننا نتحدث عن مهرجان قومي، وهو ما يحتاج إلى إثابة كل من قام بمجهود مخلص ومحترم.
وعن العدد المشارك، قال: المهرجان القومي يعني مشاركة كل الجهات التي تقوم بإنتاج مسرح، فما الخطأ في هذا الكم؟ فهي تعد احتفالية تضم ما تم إنتاجه طوال العام.
أما عن فكرة عمل مسابقات نوعية داخل المهرجان، فقال: فكرة لا بأس بها ولكنها تحتاج إلى إعداد جيد.
اللعب مع الكبار
الدكتورة مايسة ذكي أيضا قالت إنها تميل لفكرة الملتقى، وخصوصا في الوضع الثقافي الراهن المليء بالضغائن والخلافات والتحزبات والتحيزات، والجوائز تساهم بشكل كبير في خلق حالة معنوية ونفسية غير جيدة، وتحول المسرح إلى مجال للتسابق وليس للإبداع، ونحن في أمس الحاجة لاستقطاب الجمهور، ولا نحتاج إلى المباهاة بالحصول على جوائز.
أضافت: اللائحة نتاج قرائح مسرحية هامة ومنها الدكتورة نهاد صليحة والدكتور سعد أردش ومجموعة من المسرحيين الكبار الذين بذلوا جهدا كبير ليصلوا لتوسيع دائرة المهرجان لتشمل عروض هيئة المسرح وعروض الثقافة الجماهيرية والفرق المستقلة والهواة والجامعات والمجتمع المدني، لتكون هناك فرصة لجميع جهات الإنتاج للمتميز.
وعن تقليل عدد العروض المشاركة، قالت: نحن ككتاب ونقاد ومنظرين دائما ما نكون مثاليين على سبيل المثال في المهرجان التجريبي كانت تصل المشاركات إلى عدد كبير يصل إلى 60 عرضا، بها عروض لا تستحق، وهذا في مصلحة المهرجان لأنه يمنح الفرصة للفرق الصغيرة التي من الممكن أن تكون مبدعة، وقد حفز هذا الشباب على الإبداع بأقل الإمكانيات، توسيع المشاركة يوجد احتمالية لمشاهدة عروض متميزة بشكل كبير.
وعن فكرة تقسيم المهرجان إلى عدة مسابقات داخلية، قالت: أنا ضد هذا الأمر تماما فاللائحة الخاصة بالمهرجان أعطت فرصة تجاور الأنماط المختلفة للمسرح، على سبيل المثال جائزة المخرج الصاعد والممثل الصاعد، وهذا يكسر فكرة التقسيم الحاد بين أنماط المسرح واعتبار المسرح فنا تراتبيا، ولا يوجد ما يضمن تفوق عروض احترافية على عرض للهواة.
والحقيقة، قبل بزوغ المسرح المستقل والتجريبي كنا في أزمة فنية نشاهد عروضا تنتمي لنوعية المسرح الميت، ثم ظهرت مجموعة من الشباب قاموا بتطوير المسرح ليصبح أكثر معاصرة وتطورا، ومن هنا حدثت أزمة كبيرة، فأصبح المحترفون يفضلون الدراما والتلفزيون ويهربون من المسرح، وهناك عشاق المسرح الذين يتفانون ليقدموا كل ما هو معاصر، لذا أنا ضد التقسيم لأن المسرح ليس فنا تراتبيا «فاللعب مع الكبار متعة».
حديث المرجعية
ومن وجهة نظر مختلفة، ذكر الناقد عبد الناصر حنفي أن هناك اضطرابا شديدا ومستمرا نلحظه مع كل مهرجان قومي، ذلك أن كل عام نفاجأ بتغير جديد ولا نعلم ما هو الهدف الأساسى منه، وهذا يحدث لأنه لا توجد سياسية ثقافية مرجعية، فمن المفترض أن المهرجان يقام لهدف محدد تقره وتحدده السياسية الثقافية (المرجعية الثقافية)، ولكن كل عام نجد هناك اعتراضات مختلفة، فعلى سبيل المثال في العام الماضي كانت هناك اعتراضات على تقسيم العروض: داخل المسابقة وعروض مختارة، واعتراضات أخرى تظهر هذا العام حول فكرة التسابق وإلغائها، وقد ظهر هذا الاعتراض في ظروف معينة، وكان أول من نادى به هو مجموعة الفنانين المستقلين وتبنى هذا الأمر المهرجان التجريبي، وكما نعلم فإن الأمر ليس عقائديا، سواء أكان المهرجان تسابقيا أم حالة كرنفالية. الأمر يتعلق بفكرة ماذا نريد؟ وعليه سنعرف ماذا سنقدم؟ والأمر يتعلق بالسياسية الثقافية.
وضرب الناقد عبد الناصر حنفي مثالا بالمهرجان التجريبي والمعاصر، مشيرا إلى أنه كان يمنح جائزة دولية وكان هذا جزءا من السياسة الثقافية، وبعد إلغاء التسابق تحول المهرجان إلى ملتقى فأصبح مختلفا كثيرا، مؤكدا أن المسرح في بداياته بدأ بفكرة المسابقات.
تابع حنفي: المسرح في القرن التاسع عشر في مصر بدأ بتقديم عروض أجنبية فقط، وأكبر ميزانية تم رصدها كانت للفرق الأجنبية التي تقدم عروضا بمصر، وهذا أيضا كان خاضعا لسياسة ثقافية.
وعن فكرة تقليل العروض، قال: من المفترض ان تكون هناك لجنة تعمل طوال العام، تقوم بمشاهدة واختيار العروض التي تمثل حالة المسرح المصري وألا يخضع الاختيار لفكرة «الكوتة».
وعن عمل مسابقات نوعية داخل المهرجان، قال: المهرجان القومي مسابقة عامة ويعد تمثيلا لأفضل العروض في الموسم، وهناك مسابقات كثيرة خارجة سواء للهواة أو الجامعات ومسرح الطفل.