ثريا حلمي متعددة المواهب

ثريا حلمي متعددة المواهب

العدد 568 صدر بتاريخ 16يوليو2018

الممثلة المصرية القديرة ثريا حلمي فنانة شاملة بمعنى الكلمة، فهي تجيد التمثيل والرقص والغناء، وإن كانت قد اشتهرت في بداياتها بخفة ظلها ومهاراتها في إلقاء المونولوجات. واسمها الحقيقي زكية على محجوب، وهي من مواليد 26 سبتمبر عام 1923 بمدينة “مغاغة” بمحافظة المنيا، لأسرة فنية فوالدها بالرغم من أنه كان يعمل في تجارة الطرابيش، إلا أنه كان بجانب التجارة يعمل عازفا للموسيقى، كما كان يعمل أيضا كوكيل للفنانين ومتعهدا للفرق الفنية في الأفراح والحفلات، أما شقيقتها الكبرى فهي المطربة ليلى حلمى التي نجحت في تحقيق قدر معقول من الشهرة. 
ويذكر أن “ثريا” قضت فترة من طفولتها مع والدها وشقيقتها ببلاد الشام (بكل من مدينتي “دمشق” و“بيروت”)، حيث كان والدها يجوب بعض الدول العربية لتقديم فنه والترويج له. ويذكر أنها بعد ذلك وخلال مسيرتها الفنية قامت بعدة جولات فنية ببعض الدول العربية الشقيقة، فسافرت إلى العراق لمدة عامين، كما قامت بإحياء عدة حفلات في ذكرى عيد الإستقلال لدولة “الجزائر”.
كانت بدايات “ثريا حلمي” للإقتراب من عالم الفن عندما كانت تذهب إلى المسرح مع شقيقتها الكبرى المطربة ليلى حلمي، والتي سافرت في منتصف الثلاثينات مع الفنانة ببا عز الدين في رحلة إلى تونس والمغرب، وعندما عادت إلى “مصر” عملت معها في صالتها، وكانت “ثريا” - وهي في الثامنة من عمرها - تذهب مع شقيقتها للمسرح وتشارك بتقديم فقرات من الرقص والغناء حتى أطلق عليها الطفلة المعجزة، وكان أجرها الشهري خلال فترة عملها بالفرقة 18 جنيها. وحينما بلغت “ثريا” عمر الخامسة عشر (عام 1938) بادرت شقيقتها بتقديمها كمنولجست إلى “ببا عز الدين”، التي أقتنعت بموهبتها وقررت ضمها إلى فرقتها. وكانت أولى مونولوجاتها: “سيكا ميكا”، و“شاور عقلك على مهلك”، واستمرت بالعمل في صالة ببا لمدة ست سنوات. انتقلت بعد ذلك مع زميلها إسماعيل يس (بناء على نصيحة أنطون عيسى زوج “ببا عز الدين” وهو نفسه ابن شقيقة “بديعة مصابني”) إلى صالة “بديعة مصابني”، وكانت قد تألقت في فن “المونولوج”، واستمرت في ذلك منذ عام 1940 حتى عام 1966. 
وخلال مشوارها الفني قدمت ما يقرب من ثلاثمائة مونولوج سواء من خلال الصالات الفنية أو لأفلام السينمائية أو على خشبة المسرح ببعض الحفلات الغنائية، ومن أشهر تلك المونولوجات: “عيب إعمل معروف”، “إدي العيش لخبازه”، “حب وطب”، “إدينى عقلك”، “إنت تزقنى فشر”، “أشتاتا أشتاتا”، “أنا كده وطبعي كده”، “فتح يا بني فتح”، “أخاف وأكش”، “ما نيل المطالب بالتمني”، “أما إنت جريء والله”، “كل شيء جميل”،  و“عايز أروح” (بمشاركة إسماعيل يس). وكان أشهر من كتب لها المونولوجات بيرم التونسي، أبو السعود الإبياري، حسن الإمام، إبراهيم عاكف، السيد زيادة، ومن الملحنين الذين شاركوا في تلحين تلك المونولوجات الفنانين عزت الجاهلي، محمد صبرة، علي إسماعيل، حسن أبو زيد. ويذكر أنها قد إعتزلت غناء “المونولوج” وتفرغت للتمثيل منذ عام 1966.
شاركت بالتمثيل في عدد كبير من الأفلام، وتنوعت أدوارها بين الأدوار الكوميدية وبين بعض الأدوار الميلودرامية، ومن أبرز أعمالها السينمائية: “اليتيمتين” مع الفنانين فاتن حمامة وفاخر فاخر ونجمة إبراهيم، ومن إخراج حسن الإمام، “إسماعيل يس في بيت الأشباح” مع الفنانين: إسماعيل يس، كمال الشناوي وميمي شكيب ومن إخراج فطين عبد الوهاب، “إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة” مع الفنانين إسماعيل يس وزوزو حمدي الحكيم ونجمة إبراهيم ومن إخراج حمادة عبد الوهاب، “زقاق المدق” مع الفنانين شادية وصلاح قابيل وحسن يوسف ومن إخراج حسن الإمام.
وجدير بالذكر أنها كونت ثنائيا فنيا ناجحا مع النجم الكوميدي إسماعيل ياسين، وكان أول تعاون بينهما عام 1940، وذلك من خلال عملهما معا بمسارح الصالات، ثم شاركته بعد ذلك في عدد كبير من الأفلام ومن بينها: إسماعيل يس في بيت الأشباح، إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة، تحيا الستات، عريس الهنا، آمنت بالله، القرش الأبيض، كازينو اللطافة، ليلة الحظ، ليلة الجمعة، الستات عفاريت، صاحبة الملاليم، أحبك أنت، دموع الفرح، نص الليل، بشرة خير، الهوا مالوش دوا، الحب بهدلة، حلال عليك، كلمة الحق، حلاق بغداد، كيلو 99، حظك هذا الأسبوع، إسماعيل يس للبيع.
كانت موهوبة جدا في الرقص الشرقي لدرجة أنها تلقت عروضا للعمل كراقصة، لكنها كانت مهتمة أكثر بالغناء والمونولوج، ثم التمثيل الذي نجحت في تأكيد موهبتها  من خلاله وتحقيق شهرة كبيرة حتى أن الفنان الراحل نجيب الريحاني عرض عليها أكثر من مرة الإنضمام إلى فرقته، لكنها ظلت مترددة وغير قادرة على حسم القرار حتى رحل عن عالمنا. 
برعت الفنانة الكوميدية ثريا حلمي، في أداء شخصية الفتاة الشقية المرحة، وامتازت بتقديم عدد من المونولوجات من خلال بعض الأعمال الفنية التي شاركت فيها، وهي بذلك تعتبر الفنانة الوحيدة التي أجادت التمثيل مع تخصصها في غناء المونولوج. ويذكر أنها قد شاركت فى بطولة وأداء الأدوار الرئيسة بعدد كبير من المسرحيات بمسارح الصالات وفرق القطاع الخاص، وكذلك بستة عروض فقط بفرق مسارح الدولة المختلفة، ومن أهمها: “لوكاندة الفردوس” عام 1964 مع عبد المنعم مدبولى وأمين الهنيدى ونجوى سالم، “مع خالص تحياتى” عام 1980 مع عبد المنعم مدبولى، عقيلة راتب وفؤاد أحمد، و”وداد الغازية” مع هدى سلطان، عادل أدهم ومحمد أحمد المصري.
تزوجت في أوائل أربعينيات القرن الماضي من المنتج الفني أنطون عيسى (إبن شقيقة بديعة مصابني) الذي كان متزوجا قبلها من الراقصة ببا عز الدين، وقد قام بإشهار إسلامه خصيصا لكي يستطيع الزواج منها.
ويحسب لهذه الفنانة القديرة والإنسانة الرائعة تطوعها بالمشاركة ببعض الأنشطة الإجتماعية، ومن بينها مشاركتها في “قطار الرحمة” و“القافلة الفنية” التي جابت كافة المدن المصرية في عام 1954 من أجل جمع التبرعات لبناء الجيش المصري، (استمرت في هذه الجولة حوالي عشرين يوما)، وذلك بخلاف مواقفها المشرفة مع زملائها، تلك المواقف التي تثبت آصالتها وشهامتها ومن أوضح الأمثلة على ذلك استضافتها للفنانة الكبيرة تحية كاريوكا بمنزلها بعد طلاقها من الفنان فايز حلاوة والذي أصر على طردها من شقة الزوجية.
وبهدوء شديد وبعيدا عن الأضواء رحلت عن عالمنا في التاسع من أغسطس عام 1994 عن عمر يناهز السبعين عاما تقريبا.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما، إذاعة، تليفزيون) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي: 
أولا - الأعمال المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة ثريا حلمي، فقد تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بمشاركاتها بعدد كبير من العروض بمسارح الصالات التي أخرجها نخبة من كبار المخرجين، ومن خلاله أيضا شاركت في عدد كبير من المسرحيات المتميزة حتى أصبحت نجمة، وفي هذا الصدد يجب التنويه إلى أن فترة مسارح التليفزيون وبالتحديد من عام 1962 إلى عام 1966 تعد من أزهى فترات تألق الفنانة ثريا حلمي مسرحيا، وهي الفترة التي شاركت في بطولة عدة مسرحيات بفرق: “المسرح الغنائي الإستعراضي”، “المسرح الكوميدي”، “المسرح المتجول”. 
هذا وتتضمن قائمة إسهامات الفنانة ثريا حلمي المسرحية إبداعها في تجسيد عدة شخصيات درامية مهمة ومن بينها على سبيل المثال: 
- فرق مسارح الدولة:
- “المسرح الكوميدي”: زيارة غرامية، لوكاندة الفردوس (1963)، لا يا بابا لا (1981)، عفريت لكل مواطن (1988).
- “الإستعراضية”: وداد الغازية (1965).
- “المتجول”: أزمة شرف (1983).
- فرق القطاع الخاص:
- “صالة ببا عز الدين”: المعلم خميس، كعبور أفندي، مصوراتي الأنس، (1939).
- “صالة بديعة مصابني”: الحاج بلانشي، الدكتور، باريس في مصر، بقال وعيادة، بيت مجانين، بيجي بيجي بك (1939)، لازم تضحك، جواز باليومية، حاجات تجنن، درس في التاريخ (1941)، ليلة الدخلة (1942)، بابا نويل (1945)، ليلة في الغابة، هنا برودواي، بساط الريح (1946)، علي بابا، عودة الروح، كليوباترة 2000، قصر الحور، ليلة في الأرجنتين، ليلة ما فيش منها، مشاكل الحب، مؤتمر الشياطين، الجامعة العربية، حانة مارسيليا، عصافير الجنة، عطيل المصرية (1947)، مدرسة الرقص، هواش بكاش نتاش، أعياد الغابات (1948)، الفرسان الأربعة (1950)، 
- “شكوكو وفرقته”: تاكسي حصاوي (1948).
- “تحية كاريوكا”: شفيقة القبطية (1963).
- “الفنانين المتحدين”: برغوت في العش الذهبي (1969).
- “الكوميدي المصرية”: طبق سلطة (1969).
- “المسرح الجديد”: واحد مش من هنا (1976).
- “المدبوليزم”: مع خالص تحياتي (1979).
- “الريحاني”: مين يعاند ست (1983).
- “ النجوم الخمسة”: عفوا يا هانم (1986).
- “الفن”: ولا العفاريت الزرق (1988).
- مسرحيات مصورة: بنسيون الأحلام (1970)، الفلوس حبيبتي (1979)، عمي هو السبب (1982)، مصنع الشيكولاتة، كلام خواجات (1984).
وجدير بالذكر أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: عزيز عيد، عبد العزيز خليل، إدوارد فارس، إيليا مفيستو، كمال يس، محمود مرسي، عبد المنعم مدبولي، حسن عبد السلام، السيد راضي، محمد سالم، سعد أردش، فايز حلاوة، محمد أبو داود، جلال توفيق، سعيد مبولي، نبيل منيب، جلال عبد القادر. 
ثانيا - أعمالها السينمائية:
شاركت الفنانة ثريا حلمي في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة واحد وستين  فيلما خلال ما يقرب من نصف قرن، حيث كانت أولى مشاركتها بفيلم “حياة الظلام” عام 1940 وهي في عمر سبعة عشر عاما، في حين كانت آخر أفلامها “ضد القانون” عام 1992 وهي في عمر يناهز السبعين عاما. 
هذا وتضم قائمة أعمالها السينمائية الأفلام التالية: حياة الظلام (1940)، مصنع الزوجات (1941)، العريس الخامس، لو كنت غني (1942)، نداء الدم، العامل (1943)، تحيا الستات، من الجاني، حنان، عريس الهنا (1944)، الصبر طيب، شهر العسل، القرش الأبيض، كازينو اللطافة، ليلة الحظ، ليلة الجمعة، السوق السوداء (1945)، النفخة الكذابة، أنا وابن عمي (1946)، الستات عفاريت (1947)، اليتيمتين (1948)، أحبك أنت، صاحبة الملاليم، نص الليل (1949)، دموع الفرح (1950)، حكم القوي، إسماعيل يس في بيت الأشباح، الدنيا حلوة، أنا بنت ناس (1951)، آمنت بالله، بشرة خير، الهوا ما لوش دوا، الحب بهدلة، حلال عليك، الزهور الفاتنة (1952)، بائعة الخبز، كلمة الحق، حب في الظلام، حظك هذا الأسبوع (1953)، حلاق بغداد (1954)، أحلام الربيع، كيلو 99، تار بايت، إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة، بنات الليل (1955)، ودعت حبك (1956)، إسماعيل يس للبيع (1957)، صائدة الرجال (1960)، موعد في البرج (1962)، زقاق المدق (1963)، كرامة زوجتي (1967)، الحرامي (1969)، دلال المصرية (1970)، درب الفنانين (1980)، لمن يبتسم القمر (1982)، الأرملة والشيطان (1984)، مقص عم قنديل (1985)، الجوع (1986)، جواز مع سبق الإصرار، المليونيرة الحافية (1987)،  ضد القانون (1992)،
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: أحمد جلال، كمال سليم، توجو مزراحي، إبراهيم لاما، أحمد بدرخان، نيازي مصطفى، أحمد كامل مرسي، حسين فوزي، عباس كامل، أحمد سالم، هنري بركات، عبد القادر التلمساني، حلمي رفلة، عبد الفتاح حسن، إبراهيم عمارة، صلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، يوسف شاهين، حسن الإمام، فطين عبد الوهاب، محمود ذو الفقار، حسام الدين مصطفى، حسن رمزي، يوسف معلوف، جمال مدكور، حمادة عبد الوهاب، عيسى كرامة، علي بدرخان، نجدي حافظ، عبد المنعم شكري، كمال عيد، ناجي أنجلو، عادل صادق، عدلي يوسف.  
ثالثا - إسهاماتها الإذاعية:
يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من المونولوجات والأعمال الدرامية على مدار مايقرب من نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد للأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، ومن حسن الحظ أن مكتبة الإذاعة تضم مجموعة كبيرة من المونولوجات التي تم إنتاجها من قبل الإذاعة أو تضمنتها بعض الأعمال الدرامية، وكذلك تضم عددا من حلقات البرنامج الدرامي الشهير: “مطبات في الهوا” من تأليف محمد أبو يوسف وإخراج كامل يوسف.
رابعا - أعمالها التلفزيونية:
عاصرت الفنانة القديرة ثريا حلمي بدايات البث التلفزيوني وبداية إنتاجه الفني مع بدايات ستينيات القرن الماضي، وبالتالي فقد تحملت مشقة مرحلة التأسيس والبدايات، حيث كانت الصعوبة التي تواجه جميع العاملين خلال فترة البدايات هي ضرورة تصوير الحلقة كاملة دون توقف - لعدم وجود إمكانية لعمل “المونتاج” - وبالتالي فقد كانت واحدة من جيل الممثلين والممثلات المسرحيين الذين أثروا العمل التلفزيوني بقدرتهم على الحفظ وأيضا بتفهمهم لطبيعة التصوير ومراعاة زوايا الكاميرا المختلفة. هذا وتضم قائمة إسهاماتها الإبداعية مشاركتها في أداء بعض الأدوار الرئيسة بعدد من المسلسلات والتمثيليات التليفزيونية المهمة ومن بينها: المانشيت الأحمر، عجيب أفندي، صاحب الجلالة الحب، حكايات وهو وهي. 
رحم الله الفنانة القديرة ثريا حلمي التي عشقت الفن ومهنتي التمثيل والغناء بكل الصدق فأخلصت في جميع أعمالها، وبذلت قصارى جهدها في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية التي قامت بتجسيدها، وإن برعت بصفة خاصة في توظيف خفة ظلها ومهاراتها في الأداء الكوميدي بتقديم عدد كبير من المسرحيات الكوميدية، والتي تضمنت بعضها توظيفا أيضا لتميزها في الغناء وإلقاء المونولوجات، وذلك بتضمينها لبعض المونولوجات الإنتقادية الساخرة لبعض السلبيات بحياتنا المعاصرة. 
 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏