المهرج تيل  صورة من متغيرات البيئة الكبرى

المهرج تيل  صورة من متغيرات البيئة الكبرى

العدد 563 صدر بتاريخ 11يونيو2018

يظل المسرح نشطا بنشاط متغيرات البيئة الكبرى فهو مركز أو نقطة داخل دائرة المتغيرات لتلك البيئة  بمستوايتها “ الاجتماعية ، والقانونية ، والاقتصادية ، لذلك نجد أنه برغم أن النص الأصلى (تيل أويلينشبيغل ) تدور أحداثه فى فلاندريا بالقرن السادس عشر حول الانتظار للبطل القادم منذ آلاف الليالي .  فإن تناول صناع العمل للنص الأصلي بعنوان ( المهرج تيل ) انطلق من خلال تطوير الفكرة الأصلية لتناسب الواقع المجتمعى داخل البيئة المعاصرة حيث استخدم مخرج العمل  شخصيتين من المهرجين .. وتم توظيفهما لإحداث التفاعل والبهجة  لدى المتلقي ، إلا أن تواجدهما طوال زمن العرض قد أحدث بعض المؤثرات السلبية لدى بعض المشاهدين  فى استيعاب الرسالة الفنية . 
يبدأ العرض المسرحى بحالة من الثبات فى وضعية الشخصيات رقودا على الأرض مع الموسيقى ثم تبدأ الحركة بالمهرجين بإيقاظهم وهم شخصيات من العوام تعبر عن الشرائح المختلفة للمجتمع ، مع أن العرض لشخصيات عبر عنها المؤلف الروسى “ جريجورى جرين “ لأحداث فى القرن السادس عشر إلا أن استخدام القميص والسروال للشخصيات ، تميل إلى الزي العربى فى العصور السابقة قد تميل أكثر إلى آخر العصر المملوكى كزى للعوام أو البسطاء داخل شريحة المجتمع .. قد تمتزج تلك الفترة بذاك فى نفس الفترة التى يحاكى عنها النص الأصلى ، وإطلاله به على واقعنا المعاصر فهو امتداد للماضى وإن اختلفت السيكولوجيات على مدى القرون بين الماضى والحاضر وقد مرت المجتمعات بفترات ثُبات وحركة  داخلها تناقضات تميل إلى العبثية على سبيل المثال .. هل يعقل أن السماك يكون القاضى بأمر الملك فيليب الثانى ؟ لنرى أن المجتمعات مرت بفترات من العبث فى العلاقات بين العوام وذوي النفوذ السلطوى فعبر عنه المهرجون داخل تلك المجتمعات ، ومن الواضح أن مخرج العمل أحدث مزجأ  للشخصيات من خلال الملابس رغم التناقضات بين الشخصيات على سبيل المثال .. الفحام الذى وضحت شخصيته من ملابسه  وبين شخصية السماك الاثنين صاحبي حرفة  الفحام  ملابسه تدل عليه والتناقض هنا ليس للشخصية ولكن لدلالة الحرفة التى يمتلكها كل منهما طبيعة صانع الفحم ( طاقة )  وطبيعة السماك ( الطعام ) وكلاهما طاقة ، قدم لنا العرض دلالة قوية أيضا فترات الوشاية من خلال السماك والفحام  الذى يؤدى إلى فقدان الطاقة ، ونذهب بهذا المعنى ليؤكده العرض من خلال برواز من جزئين وهو الانقسام قد يكون انقساما سيكولوجيا أو انقساما  طبقيا داخل المجتمع وقد نستخرج معنى آخر وهو تشويش الصورة الجمالية أو كسرها الذى ينتج عنها معاناة وآلام تنتج عن كسر الصورة الذهنية لدى بعض أفراد المجتمع تجاه أشخاص معينة ، حتى أحدثت عنده صدمة نتيجة لتشوش تلك الصورة التى فى مُخيلته ، فينتج عنها حالة من الإحباط ، وهى حالة السكون فى الحركة  الذى بدأ به العمل المسرحى ( المهرج تيل ) ونربط ذلك ببرواز المرآة الذى لا نرى فيه أنفسنا لأنه فارغ من الأداة التى تعكس لنا الصورة لواقع مُبهم . وندخل إلى قصر الملك فيليب لنرى الأعمدة التى تحمل السقف رؤس الشياطين أعلى التاج عقرب ذهبى ، ودائما ما يقف فيليب ظهره للجمهور هذا ليس خطأ ولكن هى لحظة يسبح المشاهد بعقله مع أعمدة القصر ليصل إلى معنى خاصا  به وإن اختلفت المعانى من متلق  لآخر ، نخرج من قصر الملك فيليب إلى دلالة الألوان فى العمل المسرحى ( المهرج تيل ) ألوان الملابس للعوام تكون متقاربة فى درجة اللون ، ليعطى التشابه فى الشخصيات وتشابه الآلام وإن اختلفت اختلف أسلوبها ومصدرها ، شخصية المرأة التى تظهر فى عمق المسرح على العرش تارة وداخل البرواز المقسوم تارة  أخرى تظهر فى صمت وثبات عادة وهى ترتدى ملابس تقليدية هى لوحات تتفجر منها معانى كثيرة النظرة تجاه المتلقى إما أن تطرح عليه تساؤلات ، أم أنها راضية عن المتغيرات سريعة الإيقاع داخل المدينة ، أم تتذكر الماضى لتنظر به إلى المستقبل لتلك المدينة التى تكون فى حركة سكون وحركة دائمة ، ولكن الحركة هنا داخلية أى إنها حركة  صراعات داخل الذات الإنسانية ، وليست حركة إيجابية إلى الأمام وهو المعنى الذى نتج عند حكم السماك على الفحام بالسجن وهو فقدان الطاقة التى تجعل العجلة تدور بفكر واع  مع المتغيرات داخل دائرة البيئة الكبرى بدون المهرج .. وما علاقة “ تيل “ بالرسم والموسيقى وهو مهرج ؟ وضح هذا فى حوار تيل مع فيليب ، الرسم والموسيقى من الفنون التى تسيطر عليها المشاعر والأحاسيس الصادقة للفنان ، فكيف يرسم “ تيل “ صورة “ لفيليب “ وبداخل نفسه  صراعات لواقع يعيشه الفنان ؟ والتشكيل الحركى للعرض عبارة عن كتلة تدل لوحدة الشخصيات صورة تبدو فيها التوحد وسرعان ما يظهر البرواز المقسوم ، ليكذب ذات الصورة ، ليظهر لنا التناقض فى كل شىء  ما يميز عرض “ المهرج تيل “ تناسق الألوان فى عنصري  الملابس والإضاءة لتمتزج بألوان الديكور لتُخفى ضعف أداء بعض الشخصيات على المسرح ومع ذلك فهى صورة متناسقة التشكيل والمساحة داخل إيطار الصورة العامة للعرض المسرحى  ( المهرج تيل ) الذى قام بعمله فنانو فرقة سوهاج القومية المسرحية.  
 


أحمد خضر