الخمارة..  أن تكون الدراما بلا مبرر 

الخمارة..  أن تكون الدراما بلا مبرر 

العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018

“خمارة” تحدث بها جريمة قتل راقصة بدون سبب، ثم يقوم رجال الشرطة بعد ذلك بالتحقيق حول حادث القتل ويتم عمل العديد من الفلاش باك – بعدد شخصيات العرض تقريبا حيث إن كل فلاش باك كان يختلف المتهم أو الشخصية التى يشك فيها رجال الشرطة – ثم تلقي القتيلة مونولوجا فى نهاية العرض يقدم “حكمة” أو رسالة العرض تُلقنها الممثلة للجمهور الذى جلس ساعتين متواصلتين لا يعلم ما الذى يحدث أمامه على خشبة المسرح، لنكتشف أنها ماتت مُنتحرة ولم تقتل وأن ما يحدث منذ ساعتين من الآن على خشبة المسرح لا يمت لي شيء بأية صلة! 
ذلك هو موضوع العرض الذي قدمته فرقة التحفجية المسرحية – وهي فرقة تم إنشاؤها عام 2017، على خشبة مسرح رومانس، من فكرة لأحمد الأباصيري وإعداد وإخراج وائل عاطف.
وكما يتضح من موضوع العرض، فإننا أمام سلاسل أحداث مُجمعة غير مُبررة دراميا حتى جريمة القتل التى قام عليها موضوع العرض غير مبررة دراميا، فكيف لرجل شرطة يقوم بالتحقيق في قضية ما يشك في كل شخصيات الخمارة، ويقوم بعمل سيناريو يختلف باختلاف كل شخصية، ولا يضع ولو مجرد احتمال صغير أو يمهد مجرد تمهيد أن القتيلة قد تكون انتحرت ولم تُقتل؟! 
كما لم يظهر أيضا اهتمام بمدى منطقية أو ترابط الأحداث في العرض، ولكن العرض فى حالته العبثية غير المفهومة يعبر عن حالة المجتمع الذى يحاول تقديمه إلى حد كبير، فكلُ يبكي على ليلاه ولا يوجد رابط يربط بين الأحداث السريعة العبثية وغير المُبررة، فربما أراد المخرج أن ينقل حالة العبث واللامبالاه واللاانتماء السائدة في الوقت الحالى بهذا الشكل، فقد تكون مثلا الخمارة إسقاطا على بلد ما أو مجتمع ما، وشخصيات الخمارة هم شعب هذا البلد، لهذا اختلفت أنماط هذه الشخصيات على مستوى الدراما فهم لا ينتمون لنفس الفكر ولا أيضا ينتمون لنفس الطبقة ولا ينتمون لنفس الفئة وكذلك أيضا اختلفت ثقافتهم، فشخصيات الخمارة اختلفت عن بعضها البعض فى العديد ولكنهم اشتركوا في المصير الذى أدى بهم جميعا للتواجد بالخمارة نفسها.
ضرب العرض في كل الثوابت وأفق التوقعات المعتادة، فمثلا رجل الشرطة يتخفى في زي عاهرة أثناء التحقيق في القضية، رجل الشرطة لا يحب مهنته ولا يحب التمثيل، وجود راقصة مُحجبة على خشبة المسرح، والدة القتيلة تتراقص طوال الوقت على المسرح ولا تبالي بموت ابنتها وتدّعي الحزن عليها، القتيلة نفسها تتواجد طوال الوقت على المسرح بعد مشهد قتلها بل وتُبعث في نهاية العرض لتقول للجمهور كيف قُتلت ولماذا انتحرت.. كل ما جاء على خشبة المسرح حينها بلا مبرر منطقي يجعل المُتلقي يتماهى مع العرض، بل كان مجرد استخفاف بعقل المتلقي، وكأن الدراما الهزلية مجرد أحداث كارتونية وحركات بهلوانية ليس إلا.
كما كان من الواضح أيضا الاختفاء التام للصدق في الأداء التمثيلي لشخصيات العرض، وهذا بسبب تيمة الهزل والعبث التى حاول أن يتبناها العرض، أو أن بالفعل هدف العرض هو الضرب في كل الثوابت وكسر أفق التوقعات.. ربما أكثر من أتقن دوره وحاول أن يخلق له تفاصيل هو شخصية الشاب الشاذ، فقد كان مُنتبها إلى حد كبير لأدائه الجسدي أو الحركي والتمثيلي وأيضا نبرة صوته.
كما اتضح أيضا عدم التزام الممثلين بـ”النص المسرحي” المؤلَف، ففي كثير من الأحيان يخرج الممثلون عن النص خروجا غير مبرر أيضا، فمثلا كان أحد الممثلين يتناقش مع مصمم الموسيقى أثناء العرض “الممثل: شغّل يابني المزيكا، برضو نسيت تشغلها؟”، فاتبع الممثلون طريقتين في العرض إما التلقين أو الخروج عن النص بدون مبرر درامي.. كما أن رؤية المخرج لم تظهر في العرض، فقط مجرد إعداد للفكرة مقدم على خشبة المسرح حتى الممثلون لم يلتزموا بهذه الفكرة المؤلَفة المُعَدة.
أما عن الصورة المسرحية للعرض، فالديكور هو أكثر العناصر التي خدمت العرض في رأيي، حيث كانت الصورة العامة أشبه بالشكل المتعارف عليه للخمارات، ولم يجتهد مصمم الديكور في تشويه هذه الصورة في أفق المتلقي، كما فعل مصمم الموسيقى التي كانت في أغلب الأوقات مزعجة جدا ومُسِفة في أحيان أخرى، وكما فعل أيضا مصمم الملابس الذي شوه أفق المتلقي ولم يكتفِ بكسرها فكيف يدافع عن فكرته ووجهة نظره ورؤيته في وجود راقصة مرتدية الحجاب على خشبة المسرح؟ إلا إذا كان السبب الوحيد هو أن مخرج العرض كان يحاول الخروج عن المألوف وكسر أفق توقعات المتلقي، ولكن سقف التوقعات إنهار ولم يُكسر مجرد كسر.. فإن كان هو الهدف الأساسي للعرض، فالعرض قد حقق هدفه، ولكن هذا “الخروج عن المألوف” كان يجب أن يكون مصحوبا بالمتعة الذهنية للمتلقي بشكل أكبر.


شيماء الباشا