البؤساء..  فى ثوبها الكوميدى

البؤساء..  فى ثوبها الكوميدى

العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018

تحويل الأعمال المأساوية لشكل كوميدي هو أحد الأنماط المنتشرة في حركة المسرح في الآونة الأخيرة، ويتم ذلك عن طريق تناول العمل واللعب على نقاط أو ثغرات بعينها تعطي إمكانية لهذا التحويل وفتح باب لبناء بيئة كوميدية من أصل العمل المأساوي، في إعداد المخرجة مروة رضوان لروايه البؤساء للكاتب «فيكتور هوجو» (1802م - 1885م).
لم يكن الغرض الأساسي وراء الإعداد هو جلب الضحكات فقط، بل صار العرض على نهج مبتكر، عن طريق إدخال عناصر مضادة للبؤس داخل عالم البؤساء، ومن هنا تأتي الكوميديا المولدة للضحك. تدور أحداث رواية “البؤساء” لفيكتور هوجو حول شخصية «چان» الذي عانى من حياة السجن مرارا وتكرارا بسبب ارتكابه فعل سرقة من أجل إطعام أطفال أخته الجياع لنقل المعاناة الاجتماعية التي يعاني منها أبطال الرواية، وبعد خروجه من السجن يلتقي بـ«شارل ميريل» ذلك الرجل الصالح الذي يستقبل جان في منزله، يقوم چان بالهروب من منزل ميريل بعد سرقته له، ولكن ميريل لم يعترف على چان بعد إلقاء القبض عليه بل ويعطيه شمعدان فضة كهدية لچان، ثم يقرر چان أن يكون صالحا فينتحل چان شخصية (عمدة المدينة - مادلين) ويتبنى «كوزيت» (وهي ابنة يتيمة)، ثم تكبر كوزيت وتلتقي بشاب يدعى «ماريوس» وتتزوج كوزيت في النهاية من «ماريوس» وتنتهي الرواية بموت چان. 
أثناء تناول «مروة رضوان» للرواية عملت أولا على تغيير زمن السرد، فقسمت الزمن بين الماضي والحاضر الحاضر يعيش به مجموعة من الجيران يقيمون احتفالا لعيد البؤس، وأثناء إقامتهم لهذا الطقس الاحتفالي البأس تظهر لهم شخصية لا يعرفها أحد تكون هي حلقة الوصل بين الزمنين وسبب العودة إلى زمن الماضي ليحدث الفلاش باك على خشبة المسرح ويأتي زمن الماضي الذي يتضح فيه أن هذه الشخصية المجهولة هو «چان» - بطل رواية هوجو، ويظهر أنه كان يعيش بين هؤلاء في الماضي. وتم سرد حياته بينهم وأنه كان على علاقة حب بإحدى ساكنات هذا الشارع تدعى «شيري» ثم حدث بينهما فرقة. لتكون مروة بذلك قد أعادت ترتيب زمن السرد بشكل مختلف فتضع حدث أخذ الشمعدان أولا ثم حياة چان بين أهل الشارع، ثم حدث التفرقة بين الحبيبين، ثم سرد الجزء الخاص بشخصية چان الأصلية في الرواية التي لم تحذفها مروة، ولكن يتم سردها بصورة سريعة على هيئة أغنية استعراضية تروى «بدايه من دخول چان السجن وحتى خروجه منه»، ومن ثم العودة إلى هؤلاء الجيران من جديد وصحو قصة الحب واعتراف چان بحبه لشيري وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة تعتبر شخصية شيري هي شخصية مستبدلة من قبل مروة رضوان بشخصية «كوزيت اليتيمة»، فقصة حب چان وشيري بديلة لقصة حب (كوزيت وماريوس) في الرواية، ليكون العاشق هو چان ذاته. وأيضا ليكون الحب القائم بين چان وشيري في العرض، مقابلا للحب الأبوي القائم بين چان وكوزيت في الرواية، ولكي يحدث هذا المزج بين كوزيت وشيري، قدمت فارقا عمريا بين شيري وچان قرابة الثلاثة عشر عاما، لتربط بين الحب الأبوي وحب العاشق تجاه شخصية واحدة بهدف ترسيخ فكرة الحب بصورة أشمل مما كانت عند هوجو. كما أضافت شخصية «جميل - صاحب الحانة التي تعمل بها شيري» ليتكون بوجوده مثلث «العاشق، العاشقة، الدخيل» فجميل كان الشخصية التي تعترض طريق چان ويتسبب في جلب المصائب له وإفساد قصة حبه. لتكون شخصية جميل هي الحاملة لأسباب حدوث البؤس في حياة چان وقدمت چان كشخصية قادرة على الخروج من كل ما يوقعه فيه جميل. فهي لم تغير في الرسم من شخصيته في الرواية الأصلية، بل اكتفت بتقديم المناطق المضيئة منها من «حب، تضحية» وعدم عرض جرائمه بشكل تمثيلي على المسرح. ليكسب حب وتعاطف الجمهور طوال أحداث العرض؛ لذا فالمسرحية لم تتنصل من البؤس بشكل كامل، بل وضع في المكان الذي بعد عنه چان، وبعد ظهوره مرة أخرى تتولد لدى سكان الشارع روح الجماعة والتعاون ويقومون بطرد «جميل» من شارعهم. ويهرب البؤس من داخلهم. فاهتمامها برسم الشخصيات جعلها تحذف الجزء الخاص بالثورة والمعاناة الاجتماعية لأبطال الرواية، مما يساعد على تقليل حدة البؤس التي عليها الرواية. ومثلما سعت إلى تقليل البؤس من الحكاية، فعملت أيضا على إزالته تماما من التشكيل البصري المرسوم أمام الجمهور، فسينوغرافيا العرض من ديكور وإضاءة وملابس ومكياچ يتناغمون سويا لعكس حالة من الفرح وعدم وجود البؤس داخل رمزيتهم لما يحتوون من ألوان متنوعة وتصاميم تعمل على إسعاد عين المتلقي وكأن مروة تضع البؤس «كحالة عابرة» على شحصيات العرض فقط، ولكن أساس الحكاية من كافة جوانبها خالية من أي بؤس على الإطلاق. واكتملت هذة الحالة عن طريق الاستعراضات الغنائية التي تضيف حالة من البهجة على العرض، كما عملت الاستعراضات على المساعدة في سرد أحداث الرواية أحيانا واسترجاع وتلخصيص أحداث ماضية أحيانا، وعرض لأحلام الشخصيات ومكنونتها أحيانا أخرى. 
وظفت مروة شاشة عرض على خشبة المسرح لتلعب دورا هاما في الربط بين الماضي والحاضر عن طريق عرض كلمتي «سنعود، عدنا» حتى لا يشعر الجمهور بالتشتت بين الزمنين، وعرضت عليها جملا موضحة للأحداث، واستعراض مشاهد مكملة للحدث الحالي على خشبة المسرح أو مشابهة له من أعمال فنية شهيرة أو مسجلة من قبل أبطال العرض، وأيضا عرضت عليها مشاهد من أفلام مأساوية في بداية العرض تعكس حالة الكوميديا لدى الجمهور، وعلى الرغم من خلوها التام من الكوميديا فإنها تسقط نوعا من أنواع السخرية على البؤس منذ البداية، وبذلك تكون مروة رضوان مؤسسة بشكل واضح لفكرتها في تناول الرواية منذ وضع اسم المسرحية «كوميديا البؤساء» وإخراج عمل بحث عن مناطق مضيئة داخل عالم البؤساء، وتقديمها داخل عرض مسرحي.


منار خالد