مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح ... طفل يولد من رحم المقدسات

مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح  ... طفل يولد من رحم المقدسات

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

في مكان بالغ القداسة والخصوصية يولد مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح بالعتبة الحسينية بمحافظة كربلاء بالعراق الذي أقيم في الفترة من 3 إلى 7 مايو 2018 حيث ضم المهرجان عروضا مسرحية للكثير من الدول المختلفة مثل سوريا والعراق وتونس وسلطنة عمان.
وقد بدأ المهرجان بعرض افتتاحي من دولة سوريا بعنوان (بل أحياء) لفرقة المسرح القومي باللاذقية التابعة لوزارة الثقافة بسوريا، إعداد وإخراج لؤي جميل شانا، وقد حمل العرض مفردات خاصة لتيمة شهداء الحروب، والفكرة ببساطة تشير إلى رفض الشهداء لمراسم الدفن إلى أن يتم الأخذ بثأرهم، ولا يخفى علينا أن الفكرة بها تجليات غربية خاصة في تماسها مع نص ثورة الموتى لأروين شو مع إكسابها لونا عربيا في توازي مع ما يحدث في الحروب في بعض الدول العربية وسقوط الكثير من الشهداء دون ذنب.
ولقد لعب المخرج بشكل ثنائي واضح من خلال أربعة تكوينات رئيسية: الأولى شهيدان يرفضان الدفن والثانية جنديان يعملان كحفاري للقبور لدفن الشهيدين والثالثة مسئولا الجيش والرابعة امرأتان إحداهما تمثل أم أحد الشهداء والثانية هي ابنة للشهيد الثاني، وعابا على العرض أن تلك الثنائيات كانت إلى حد كبير غير متداخلة أو مرتبطة مع بعضها البعض. وقد غلب الطابع الهزلي على أداء الجنديين ومسئولي الجيش الكبار، في محاولاتهما المستميتة لإقناع الشهيدين بقبول الدفن، أما الصوت الوحيد الذي خرج من بين تلك الثنائيات هو صوت الطبيبة التي كتبت تقرير الوفاة، فلم يكن هذا الصوت متناغما مع العرض، ومن الممكن أن يعد هذا العرض عرضا عاطفيا في لعبه على تيمة الشهيد إلا أن أصيب هذا العرض بضعف الإيقاع ورتابة الأحداث.
ولا يمكن تجاهل أن هذا العرض باعتباره عرضا افتتاحيا في هذا المهرجان الذي ينطلق من مدينة الشهداء فهو يحمل قصدية وتعمد في البدء به وهذا أمر جاء إلى حد كبير سلبي إذ جاء الطرح الدرامي للعرض ضعيفا.
ثم جاء أول عروض المسابقة بالعرض العراقي (السندباد) تأليف وإخراج الدكتور محمد أحمد عبد الأمير، وقد غلب على العرض الطابع التقني الإلكتروني من الألف إلى الياء فحضرت التقنية وغاب المسرح، حيث تم تغييب المسرح والخشبة بشكل نهائي ولم يستخدم.
إذ اعتمد العرض على شاشة البيرجيكتور تعرض فيلما لرحلة السندباد عبر البلدان المختلفة مرتكزا على لعبة خيال الظل والتي قام بها المؤدي الأوحد في العرض.
إلا أن مشاهد العرض كانت تفتقد الرابط الدرامي وبدأت المشاهد وكأنها رحلة لمجموعة مشاهد لا رابط بينها بشكل جعل من العرض في مشاهده العشرة تقريبا أشبه بمشهد واحد به تنويعات مختلفة، وإن فقد المتلقي بعضا منها فلن يضير العرض في ذلك، وإن زادت فلن يفسد العرض في شيء وهذا يفسر إخفاق العرض في توصيل رسالته الجمالية والفنية والدرامية، فالمشكلة في انفصال ما عرض عن خشبة المسرح بشكل جعل من هذا العرض عرضا يمكن متابعته على مواقع التواصل الاجتماعي ولن يغير في ذلك شيئا.
ثم عقب عرض السندباد عرض (العريش) لفرقة مسرح مزون بسلطنة عمان، تأليف موسى البلوشي وسينوغرافيا وإخراج: يوسف البلوشي، وقد حمل العرض قضية مجموعة من العميان من كانوا يبصرون ثم أصيبوا بالعمى وربما هم من أصابوا أنفسهم بالعمى كي يعتزلوا العالم الخارجي والمكوث بعيدا عن ضوء الشمس (الحرية)، وغلق النوافذ التي يستطيعون من خلالها التفاعل والاندماج مع العالم الخارجي، ثم يأتي ذلك الغريب الذي يحاول أن يفتح النوافذ وأن يدخل الشمس إلى هذا العريش، فيرفض العميان ويكبلونه بحبالهم، وفي حالة من الصراع هنا وهناك ترفض المرأة الوحيدة في العرض الظلام والخروج إلى شمس النور وقد قامت بهذا الدور الفنانة (زينب البلوشي)، ولقد جاء العرض في تشكيلاته الدلالية عن صراع ظلام والموت والجهل وشمس الحرية المأمولة.
ثم نأتي للعرض العراقي (أصوات من هناك) للفرقة الأولى لقسم المسرح بكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، حيث جاء العرض في إطاره الكيروجرافي المتضمن للبانتومايم وبعض من الرقص المعاصر، وأشار العرض إلى قضية إنسانية بالمقام الأول حول فكرة كون الإنسان فانيا وسوف يحاسب عن كل ما يقوم به سواء كان خيرا أم شرا، فلما كل هذا الصراع الإنساني الذي يبليه الإنسان بحياته عابثا بكل المعطيات التي منحه إياها خالقة؟ فيغدو العرض في دائرة عبثية مفرغة نهايتها الموت الحتمي.
يؤخذ على العرض تكرار المفردات الحركية والحروف الأدائية ما بين ثلاث حركات فقط طيلة العرض، ويحسب للعرض السينوغرافيا المتميزة على المستوى الجمالي والتشكيلي في توصيل الجو العام للعرض المسرحي للمتلقي المشاهد، وكأنه عقد صناع العمل عقدا ضمنيا مع الجمهور المشاهد بأن كل من دخل لقاعة المسرح بمثابة الدخول إلى المقبرة والموت الحتمي على الجميع.
يليه العرض المسرحي التونسي (أسرار العشق) سينوغرافيا وإخراج حافظ خليفة، صياغة نص محفوظ غزال، تمثيل المنجي بن إبراهيم، كمال العلاوي، محمد توفيق الخلفاوي، خبيب العباري، ويأتي العرض في مجموعة من المشاهد التي تحاكي أسرار العشق الإلهي في إطاره الصوفي مستخدما في هذا الطرح منطق الطير والإطار الديني والكثير من عبارات رابعة العدوية في الحب الإلهي.
فلقد تعمد صناع العمل اللعب على المضمون وما وراء المضمون من قصص قديمة ودمجها مع أطر حديثة؛ إذ نرى رسالة الطير تمتزج مع تصوف رابعة العدوية ونحيا أجواء دينية خالصة مع هدد سليمان، إلا أننا سرعان ما نبحر في سماء جديدة أو تحديدا صحراء جديدة بحثا عن الشخصية الغائبة، ربما هي المخلص أو العدل أو ربما هي صاحب القرار ذاته.
ومن هذا، فقد أخذنا العرض في رحلته في البحث عن هذا العشق الإلهي في عده مشاهد لعبت فيها الإضاءة دور الزمان والمكان وجاءت السينوغرافيا في تشكيلات دلالية ورمزية تدل على المعاناة التي يعانيها هؤلاء العُشاق من ألم وحب وتمني وترجي وأمل في إيجاد النور والطريق.
وأخيرا، العرض السوري (شكسبير ملكا) لفرقة المسرح القومي باللاذقية التابعة لوزارة الثقافة بسوريا، تأليف رضوان شلبي، إعداد وإخراج لؤي جميل شانا، تمثيل: نبيل بريش، عبد الناصر مرقبي، اليسار صقور، لما محمد، فايز صبوح، محمد أبو طه، وجاء العرض من خلال الطرح الهزلي الكوميدي حيث إصدار الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا قرارا بمنع شكسبير من كتابة التراجيديا التي أصابت شعبها بالحزن والاكتئاب، والبحث عن مؤلف يكتب الكوميديا، وبالفعل ترسل لموليير بفرنسا كي يأتي لبريطانيا ليكتب نصوصا كوميدية للشعب البريطاني. وفي صراع كوميدي هزلي بين هذا (شكسبير) وذاك (موليير)، نشأ عرض كوميدي مستخدما فيه المخرج تقنيتي البيرليسك والجروتسك والفارس في إطار كوميدي، إلى أن ينتهي العرض بتتويج موليير لشكسبير ملكا للكتابة التراجيدية وتحالفهما سويا.
عقبت العروض ندوات نقدية أثرت المهرجان برؤى مختلفة في قراءة العروض المسرحية المختلفة وقد تشكلت برئاسة الدكتور ثابت الليثي أستاذ فلسفة الإخراج المسرحي بجامعة المثنى، كلية التربية الأساسية (العراق)، وكل من الأعضاء الدكتورة لمياء أنور ناقدة فنية ومسرحية (مصر)، الدكتور محمود سعيد الناقد المسرحي وعضو اتحاد كتاب مصر (مصر)، الدكتور حيدر دشر أستاذ الأدب والنقد المسرحي بقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة (العراق)، الدكتور علي عبد الحسين الحمداني عميد كلية الفنون جامعة البصرة (العراق)، الدكتورة سافرة ناجي أستاذ الأدب والنقد المسرحي بقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (العراق).
وقد تشكلت لجنة التحكيم بالمهرجان من الأستاذ الدكتور قاسم مؤنس - العراق (رئيسا) عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، والأستاذ الدكتور أبو الحسن سلام - مصر (عضوا) أستاذ الإخراج المسرحي بجامعة الإسكندرية، الأستاذ الدكتور عجاج سليم - سوريا (عضوا) عميد معهد الفنون المسرحية بدمشق، الأستاذ الدكتور هيثم عبد الرازق - العراق (عضوا) أستاذ التمثيل بقسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، الأستاذ الدكتور حميد صابر - العراق (عضوا) أستاذ الإخراج بكلية الفنون الجميلة بجامعة واسط بالعراق.
وقد انتهت اللجنة وبالإجماع إلى النتائج التالية:
الجائزة الأولى أفضل عرض متكامل مناصفة بين العرضين (أسرار العشق) سوريا وعرض (العريش) سلطنة عمان، وجائزة السينوغرافيا لعرض (أصوات من هناك) العراق، وجائزة أفضل إخراج للمخرج لؤي شانا وجائزة أفضل ممثل للفنان ناصر مرقبي عن العرض المسرحي السوري (شكسبير ملكا )، أفضل ممثلة مناصفة بين الفنانة شيماء توجان عن عرض أسرار العشق من تونس، والفنانة زينب البلوشي عن عرض العريش لسلطنة عمان.
وقد أوصت اللجنة بعدة توصيات جاءت كالتالي:
 أن يكون هناك تغطية إعلامية أكبر للمهرجان.
 إعطاء وقت أكبر لإعداد العروض المشاركة بالمهرجان.
 أن يكون هناك مشاركات أكثر من تلك التي قدمت بالمهرجان.
وأضيف إلى تلك التوصيات بعض المقترحات التي تفيد المهرجان في ضرورة إعادة النظر في توسيع الرقعة الدولية للدول المشاركة بالمهرجان وفتح الباب لأكثر من رؤى مختلفة لعروض تشاكس المشهد الفني والمسرحي، إلى جانب ضرورة تجهيز خشبة المسرح بشكل يسمح للعروض ذات الإمكانيات الفنية الضخمة بأن تبرز جمالياتها الفنية من خلال ما تعرضه، وأهمية إعداد نشرة فنية خاصة بالمهرجان لتغطية فعالياته من الناحية الفنية والنقدية.
والجدير بالذكر أن العتبة الحسينية قد أخذت على عاتقها إعادة صياغة المشهد المسرحي والفني بكربلاء برئاسة المهرجان للأستاذ علاء الباشق، هادفين في ذلك حقن الدماء وفتح الساحة الفنية بدماء فنية خالصة من الشباب، والاستفادة من الكوادر الفنية والمحترفين من شباب كربلاء المسرحيين، وتعزيز الفن والمسرح الرصين لخدمة العملية الفنية عموما من خلال اتخاذ الفن وسيلة لبناء المجتمع وتعزيز قدرات الشباب العربي بثقافتهم النقدية والفنية من خلال فن المسرح، كي يخرج لنا أول مهرجان مسرحي بالعتبة الحسينية في صورة مشرفة تنم عن قادما أفضل يليق بقداسة المكان وخصوصيته ومرجعيته الدينية.


لمياء أنور