استعراض لكتاب «مقامات القدس» في المسرح العربي لعبد الرحمن بن زيدان

استعراض لكتاب «مقامات القدس» في المسرح العربي لعبد الرحمن بن زيدان

العدد 538 صدر بتاريخ 18ديسمبر2017


عالج الكتاب المصريون القضية الفلسطينية وقدموا مأساة القدس كمدينة إنسانية
 حول القضية الفلسطينية وتناولها الدرامي في المسرح أصدرت الهيئة العربية للمسرح كتاب (مقامات القدس في المسرح العربي الدلالات التاريخية  والواقعية)، للناقد والكاتب المسرحي المغربي د. عبد الرحمن بن زيدان، في سلسلة الدراسات، عام 2012، يحتوي الكتاب على 479 صفحة، والذي سوف نعرض استقراء له بالتركيز على موضوع القضية الفلسطينية والقدس في المسرح المصري، وقد تناول المؤلف في هذا الكتاب أربعة عشر مبحثا، بالإضافة للمقدمة أو ما أسماها بالعتبة، وهي المدخل الذي ولج منه للموضوع، حيث قسمها قسمين الأول بعنوان مواضيع عربية في أزمنة المسرح العربي، حيث تناول فيها طرح السؤال النقدي حول مضامين القضايا التي تكتب للمسرح والتي منها قضية فلسطين والقدس، حيث يرى أن هوية المسرح العربي بقضاياها التي يعالجها أدبيا وفنيا، تعتبر مظهرا من بين مظاهر الهوية الثقافية العربية. وتعتبر مظهرا من مظاهر التجريب المسرحي لأن المسرح صورة هذه الهوية وحقيقتها ومتخيلها، وزمانها وصوته المعبر عن الواقع. ويقول إن هذا المسرح العربي من بدايته إلى الآن ظل مرتبطا بالواقع العربي بكل ما عرفه هذا الواقع من إحباطات وصراعات اجتماعية وتحديات من أجل البقاء وإثبات الذات إصرارا على تحصينها من الضياع، مؤكدا على ضرورة الربط بين المسرح العربي والواقع الثقافي والحضاري وأنه عندما يعيد النقاد قراءة تاريخ هذا المسرح فإن ذلك سيقودنا للإجابة عن تساؤل (المسرح العربي إلى أين؟). ويتناول المؤلف مكونات هذا التساؤل حول الأجوبة المطروحة والكيفية والإحداثيات والمعوقات والأفق ومستويات الوضوح والغموض، متداخلا مع الاستفهام حول قدرة هذا المسرح على امتلاك قدرته في الإبداع والتواصل وقدرته على تمثل التغيرات التكنولوجية والحضارية التي غيرت و جه العالم، وكيف سيحافظ على قوة تماسك الهوية العربية وسلامتها، وهل الحديث عن هذا المستقبل الغامض معناه محو التجارب الماضية ومحو ارتباطه بقضية القدس التي شكلت موضوع حياته في تجاربه وشكلت معاني تجاربه في مواقفه؟ ثم يصف المسرح ويعرفه بأنه ظاهرة اجتماعية وثقافية وفنية وتخيلية بامتياز، ظاهرة تقوم برصد أحوال الناس والنفسيات والمجتمع والعالم، لتكوين ظواهر مسرحية غير مهربة من تجارب أخرى إلى تجارب المسرح العربي وغير منقولة من قوالب صماء مفرغة من محتواها العربي، مع التفاعل مع دعوات الاصالة والمعاصرة والتعامل مع  التراث العربي والإنساني. ويعتبر المؤلف أن تقديم مصنفا يحمل عنوان (مقامات القدس في المسرح العربي: الدلالات التاريخية والواقعية) حلقة هامة من بين حلقات المسرح العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا، إسهاما منه في تسليط الأنوار على العديد من القضايا التي دخلت في للتركيب الدلالي للعديد من النصوص المكتوبة والعروض المسرحية حول القدس. ويرى أن الموضوعية التي تعرف القيمة الرمزية للترابط بين مكونات التاريخ وحلقاته هي التي ستعيد قراءة الفعالية الإنتاجية المسرحية العربية حول القدس، قراءة مبدعة تكشف عن المواضيع التي اشتعلت عليها هذه الإنتاجية.
أما القسم الثاني  من العتبة طرح به السؤال حول لماذا مقامات القدس في المسرح العربي؟ حيث يوضح أن أهمية هذا المصنف النقدي تأتي من القيمة الوازنة حول ما يقدمه مكن قراءات تتعلق بالقدس، وبالمسرح وبأفكار وبتجارب فنية، تندرج كلها ضمن مدارات الهوية العربية وتاريخها ومعانيها، ويبين أن المقصود بالموضوع في تلك الدراسة هو القدس بكل تاريخها وكيف صارت هذه المدينة حافزا موضوعيا للعديد من فنون السرد والرحالة والمؤرخين والجغرافيين والمعماريين وفنون العرض والفنون البصرية كي يتخذوا من القدس مصدرا لما يريدون إنجازه حول بهائها ومقدساتها وذاكرتها التراثية. ويقول إن الاشتغال على موضوع القدس في المسرح العربي يؤكد دلالة الارتباط بالقضية الفلسطينية التي تمثل مرجعية أساسية لكل التصورات والخطابات والسرود والأحداث التي تدخل في التكوين الدلالي للمتن المسرحي. ويستطرد المؤلف حتى يبين لنا أن تفكيره في هذا الموضوع والكتابة فيه يروم تحقيق مشروع ثقافي نقدي يقوم على عدة اختيارات:
- تتبع مستويات الوعي التاريخي بقضية القدس كما بلورتها العديد من التجارب المسرحية العربية والكيفية التي صاغ بها المسرحيون العرب أفكارهم.
- رصد كل الرموز والعلامات والأساطير والأحداث والوقائع التي دخلت في التركيب الدلالي للرؤية التاريخية لتاريخية هذا النص وللقضية وللتجريب المسرحي المجدد.
- جمع ما تشتت من أفكار وتجارب ونقد تناولت موضوع القدس في نصوص تنتمي إلى المسرح العربي لكنها دخلت في طي الكتمان.
- تقديم مقاربة نقدية جديدة في كتاب نقدي جديد في موضوع تلقي المسرح العربي لقضية القدس بالتحليل الإجرائي التطبيقي لمجموعة من النصوص المسرحية المختارة.
ثم يشرح المؤلف سبب ودلالات اختياره لمصطلح مقامات عنوان للكتاب وجدوى صياغة العنوان، وجدوى موضوعات مباحث الكتاب.
فإذا ما انتقلنا إلى المبحث الأول وهو بعنوان (سياقات القدس والصراع من أجل البقاء):
 بادئا بتساؤل معنون: لماذا التعتيم الإعلامي على فلسطين؟ موضحا في متنه أنه لا يمكن للتعتيم الإعلامي المغرض أن يحجب الحقائق التي كونت الوقائع التاريخية الكبرى حول فلسطين والقدس، لأن تاريخ فلسطين سيبقى مضاء بمشكاة تاريخ الفلسطيني ويبقى ناصعا بمقاومته، وتبقى الوقائع والتواريخ والأحداث حول القدس حاضرة بشرعية تاريخية تفضح هذا التعتيم. كما تنخرط الكتابة الإبداعية  الفلسطينية في الكشف عن عسف التزوير وسياسته وتكتب عن القدس بكل ما 0خزنته الذاكر في ذاكرتها الحية من مأساة شعب ومأساة مدينة ومأساة وجود لتسلط الأضواء على ما خفي منه وتجلي ما استتر لتنطق بما صمت. فنجد الأجناس الأدبية والفنية أصبحت بديلا عن التعتيم والمغالطة والتمويه وتستمد قوتها الدلالية من دلالات المدينة نفسها، حيث تحفل أحياز الإبداع العربي بموضوع فلسطين، وتيمة القدس بكل أبعادها الإنسانية والتراجيدية وتحفل بالمرجعيات التي تحرك الكتابة الدرامية.
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى نقطة أخرى تدور حول القيمة الرمزية للقدس في المسرح موضحا أن  القضية الفلسطينية غدت وقضية القدس مكونين أساسيين وحيويين في البداع المسرحي العربي الحديث، وأن هناك غيمان راسخ بقوة  العلاقة الجدلية المتينة  التي تجمع أطراف المعادلة الثقافية في الإبداع المسرحي العربي، طرفاها القريبان من بعضهما، القضية الفلسطينية والقدس من جهة والإبداع بمختلف اجناسه السردية والفنية من جهة ثانية، مؤكدا على أن الإبداع العربي لم يرضخ لمخطط التعتيم الذي تمارسه كل سياسة تريد أن تبقي القضية الفلسطينية بدون معنى وبدون صوت وبدون حقيقة.
ثم يتحدث عن اللحظات العصية في الصراع حول القدس، لافتا الانتباه للحضور القوي للقدس في العديد من التجارب المسرحية العربية، وحضور توظيف رمز صلاح الدين الأيوبي المحرر للمدينة والمحرر لبيت المقدس في واقعية الأحداث المستمدة من عمق التاريخ العربي الإسلامي. كما تحضر في هذه التجارب تيمة الضياع المتعلق بضياع الأرض والإنسان والذاكرة، يوازي هذا الضياع استحالة التنازل عن المقدسات مواجهة القهر السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشجب بناء الجدار العنصري وتمجيد انتفاضة أطفال الحجارة لاستعادة ما ضاع. ويستكمل موضحا أن العديد من النصوص التي تناولت تلك القضية نجدها لا تشتغل إلا على الوعي الجمعي داخل مأساة مدينة القدس ولا تتعامل إلا مع الوجدان العربي العام وعلى القيم الأخلاقية والجمالية فتوسع من دائرة الموقع الهامشي للقضية كما يردها التعتيم أن تبقى في الهامش، متحدثا المؤلف عن الرموز والدلالات لحضور المدينة في هذه الأعمال الإبداعية.
ثم ينتقل إلى نقطة أخرى مبينا كيف صارت مقامات القدس في الإبداع المسرحي العربي موضوعا للتفكير، وأن صياغة كل نص مسرحي يتناول قضية القدس لا تخلو من غرابة في مستويات  البناء وفي مستويات رص الأنساق، وتوليد دلالاتها التي جعلت كل نص مسرحي مسكونا بالجرح والقلق بوعي يجفو السكوت، ويعمل على ترويج المعرفة والالتزام بالتعريف جماليا بالقضية الفلسطينية، والإعلام بالصراع العربي الإسرائيلي حول القدس. حيث فضحت العديد من النصوص الانتهاكات واساليب التعذيب والإهانة والقسوة الممارسة على المقدسي أسيرا كان أو طليقا، وحالات التعذيب النفسي والتنكيل الجسدي، وكيف قدم المقدسيون الشهداء والجرحى والأسرى بعد أن أجاز الاحتلال التعذيب قانونا في منتصف  الثمانينيات من القرن العشرين.
ويؤكد المؤلف على أن الاختلافات التي تؤسس خصوصيات كل نص مسرحي حول القدس هناك خاصية الترميز الذي يحيط بطقوسية كل عرض، وهناك خاصية الإيحاء الذي يقابله الخطاب المباشر، وهناك الخطابية التي تنطق بها بعض النصوص شحذا للهمم ورفعا للروح المعنوية وتكرارا للدعوة إلى الجهاد، وهناك المبالغة في تناول الموضوع تناولا عاطفيا تغلب عليه فورة الحماس والتحريض والمبالغة والاستعانة بلغة وكلام المؤرخين والشعراء، والروائيين لكتابة حوارات الدراما بشخصيات واقعية. كما أن هناك الكتابة الشعرية للنص الدرامي ويواصل المؤلف موضحا مستويات تلك الكتابة وتعددها وتنوعها الشكلي، وأن هناك مسرحة للعديد من النصوص الروائية الفلسطينية.
وفي نفس المبحث يذهب بنا المؤلف إلى محور جديد بعنوان جانبي: مسرحيات حول القدس برموز تاريخية، يستعرض فيه العديد من الرموز التاريخية الوازنة التي لها رمزية خاصة في التراث السردي التاريخي، قد وجدت في المتون المسرحية التي لها علاقة بفلسطين،  ولها رمزيتها البطولية في العمل السياسي والعسكري، أهمها شخصية صلاح الدين الأيوبي، الذي ارتبط اسمه بالتحرير، كما ارتبطت به القدس زمن تحدي الغزو الصليبي، حيث تعدد حضوره باختلاف مستويات تشكيل هذا الحضور والحوارات والصراعات من تجربة إلى أخرى ومن صياغة لأخرى ومن فهم لآخر، بالإضافة إلى ذلك وجد المؤلف العديد من النصوص تعود إلى أسطورة شمشون ودليلة، وغلى رمز  المرابي الذي فضح به شكسبير ألاعيب اليهودي في تاجر البندقية، كما وجد العديد من العروض تعود على التاريخ الكنعاني، وإلى الوثائق القديمة والمعاصرة وإلى التاريخ والشعر، وثورة الزنج والكتب المقدسة، وغلى رمز الفدائي والمجاهد والمقاتل، وأطفال الحجارة والتعايش بين الأديان والتصوف وقصة قيس وليلى، لتمكين الدراما من الوصول إلى دراميتها دون أن تنسى تاريخ القدس يجب أن يظل حاضرا في كل المتون المسرحية. ثم يتحدث المؤلف عن الرموز موضحا عمقها ومعاني استقدامها في العمل، والتعامل معها دراميا.
وينتقل بنا بعد ذلك إلى تراجيديا فلسطين بين النكبة والنكسة موضحا فيها سمات البطل الفلسطيني في الأعمال الدرامية، ساردا بعض التأريخ للأحداث الماضية بخصوص القضية الفلسطينية، متحدثا بعد ذلك عن المسجد الأقصى بين المقدس والمدنس، مؤرخا للحقائق عنه، ثم يلج بمطاف هذا المبحث الأول حول اختلاف مرجعيات الكتابة حول القدس. حيث قسمها إلى نصوص كتبت خارج فلسطين وأخرى كتبت في فلسطين المحاصرة ولكل منهما سماته  التي فصلها المؤلف في متن الكتاب. ثم يختتم بموضوع رهانات النص المسرحي العربي حول القدس.
أما  المبحث الثاني في هذا الكتاب فهو بعنوان فلسطين والقدس في المسرح المصري. وفيه يبدأ بعنوان فرعي (المسرح المصري يتكلم لغة السياسة).
يستهل المؤلف هذا المبحث بقوله إن ما يطبع التجربة المسرحية في مصر ويعطيها حضورها القوي،  وهي تسمع صوتها إلى الوطن  العربي، هي رهاناتها إبداعيا على العديد من القضايا الفكرية، والاجتماعية التي ترتبط اساسا بما هو واقعي يوجد ضمن مخاضات المجتمع المصري وتحولاته، ويوجد ضمن الأهمية التي تحتلها مصر في قلب الوطن العربي، ودورها السياسي العالمي. ثم يشرح المؤلف رأي الدكتور على الراعي حول انقسام الإنتاج المسرحي في مصر إلى ثلاثة أقسام مهمة: الأول قدم المسرحية الاجتماعية النقدية، والثاني المسرحية  التراثية والثالث المسرحية السياسية. ويربط بعد ذلك بين الموقع الحيوي الذي تحتله مصر في صيرورة القضية الفلسطينية ودورها الحضاري الذي تستمد منه الصفوة المثقفة وعيها الواقعي والمتخيل لبناء وعيها في الإبداع، موضحا أنه تغلبت إرادة الكتابة الملتزمة بقضايا الوطن على كل ذهنيات المنع، والتحريم التي تصادر الاشتغال بالسياسة في المسرح، حيث صار هم الكتاب المصريين أن يصبحوا جزءا من التاريخ المصري العام، ومن الكتاب الذين حملوا لواء هذه التجربة وساروا بها نحو اكتمال المعنى وتمام الرؤية الدرامية بالسياسة، لطفي الخولي، محمود دياب، ألفريد فرج، يسري الجندي، محمد أبو العلا السلاموني، على أحمد باكثير، عبد الرحمن الشرقاوي، شوقي عبد الحكيم،  نجيب سرور، رشاد رشدي، شريف الشوباشي، لينين الرملي، والسيد حافظ، كل هؤلاء الكتاب جعلوا من القضايا الكبرى المصيرية ملهماتهم لكتابة واقع ومتخيل الكتابة الدرامية، وجعلوا من التراث قناعا يخبئ بالمجاز الواقع المادي المباشر، فمزجوا بين ماهو معاصر وماهو تراثي، ولم يتخلوا عن معنى القضية الفلسطينية ورمز القدس في مسرحهم. وقد كتب الكتاب المصريون عن القضية الفلسطينية وقدموا مأساة القدس كمدينة إنسانية تتعرض يوميا لكل أنواع الهدم، تتعرض يوميا لكل أنواع الهدم ضمن برنامج صهيوني مدروس يؤمي إلى تغيير معالمها وقدموا مسرحيات عديدة وكتبوا عن مآسي المدينة الفلسطينية وكتبوا عن المجازر. ثم ينتقل بنا المؤلف لبيان رأي د. أحمد سخسوخ حول مسرح المقاومةفي مصر قائلا: (ففي مسرحنا المصري ومسرحنا العربي نجد المقاومة، بمفهومه الأوسع، سواء المقاومة الفلسطينية ضد المغتصب أو المقاومة العربية ضد الاستعمار، أو حتى ضد طغيان الحاكم ، بهذا المفهوم الأوسع للمقاومة قدمت أعمال لكتاب مصريين وعرب على خشبة مسرحنا أهمها ما طرحه على أحمد باكثير في مسرحياته ومنها (شايلوك الجديد) و(شعب الله المختار)، و(إله إسرائيل)، وكذلك ما طرحه عبد الرحمن الشرقاوي في (النسر الأحمر)، وفيها يتصدى صلاح الدين مقاوما الصليبيين)، وفي هذه المسرحيات يكون البطل رمزا للمقاومة ورمزا للتحدي، ومواجهة عدوه. ثم يستطرد المؤلف بعد ذلك: وفي الأجواء السياسية العربية وتناقضاتها وأبعاد هذا الصراع الذي رسم للمسرح المصري شكل وموضوع رؤيته، ورسم له شكل تعامله مع القضية الفلسطينية كتب ألفريد فرج مسرحية النار والزيتون التي أخرجها سعد اردش وهي تعد من بين أفضل المسرحيات التي تناولت القضية الفلسطينية بجرأة توثيقية وتسجيلية اهتم فيها المؤلف بعملية الكشف الدقيق عن الحقيقة الأولى للعدو الصهيوني كمغتصب ومتعصب ودموي وحرف للتاريخ.
ثم يستطرد المؤلف قائلا إن مسرحية النار والزيتون تنتمي إلى المسرح السياسي، مضمونا وموضوعا وشكلا، فيها يفصح الكاتب ألفريد فرج عن معنى الوعي الوطني والطبقي الفلسطيني وهو يقدم خلفيات الثورة الفلسطينية، ويرسم صورة البرجوازي الصهيوني، ثم يسهب المؤلف قليلا في تحليل هذه المسرحية وارتباطها بالمقاومة الفلسطينية. ويقوده ذلك إلى مناقشة الجدوى الفنية من المسرح التسجيلي، ثم يذكر أن الكتابة عن فلسطين في هذا النص محكومة بتفكيك العناصر  المكونة لهذه الحقيقة في سياقها المحلي والعالمي، ومحكومة بفهم تراجيديا الواقع للتمكن من تسليط الضوء على كل العتمات التي تخفي حقيقة هذه التراجيديا، وقد اختار ألفريد فرج التعبيرية بهذا المسرح التسجيلي كشكل من أشكال البحث عن موضوع عربي لشكل مسرحي عربي بموضوع عربي فكانت الرمزية بالوثيقة. ثم يناقش المؤلف تعدد الروافد في بناء وظيفة الشخصية الفلسطينية في النار والزيتون ثم تطويع المفارقات لبناء  الواقع الفلسطيني ثم يوضح في محور آخر أن المقاومة الفلسطينية هي أساس الفعل في النار والزيتون، مبينا أن ألفريد فرج أراد مسرحا تسجيليا يوثق به دلالات المقاومة التي بناها على:
 • أن البطولة في الدراما الفلسطينية حول فلسطين تتشكل حسب مقتضيات كل عصر وظروف وواقع.
 • حلول البطل المأسوي محل البطل التراجيدي.
 • لا يوجد حل لفلسطين وفلسطين مستثناة منه.
 • إن فلسطين كانت مهم التعايش والتسامح والتساكن إلا أن الصهيونية أفسدت أو أرادت أن تفسد هذه الدلالة الإنسانية.
إن مسرحية النار والزيتون تدعو بمضمونها السياسي والإنساني على تحريك الوعي العالمي بصرخة فلسطين بعد أن أصبحت سلمى هي صوت فلسطين وأصبح المغنون حقيقتها. ويضيف المؤلف قائلا إن هذه المسرحية قد فتحت مجال الكتابة الدرامية حول فلسطين والقدس على مصراعيها، وخلصت موضوعها السياسي من الرموز الغامضة، ووضعت الحقيقة التاريخية أمام امتحانها التاريخي.
يلج بنا المؤلف إلى محور جديد يتمثل في مسرحية (واقدساه) للكاتب يسري الجندي، استغاثة لفك التناقض بين المواقف العربية، بادئا إياه بعنوان فرعي (تراجيديا زهرة المدائن في المسرح المصري)، ويرى أن اختيار زمن نص عرض واقدساه ليقوم على أسلوب الندبة، وتوزيع لحظاته على أزمنة أخرى، تدخل في تركيب دلالات المكان والشخصيات ومستويات الصراع، وإنطاق كل زمن بالأحداث التي تكون تاريخه، وتساعده على مد قنوات التواصل بين كل أزمنته.
ثم تحت عنوان النصوص التاريخية تعيد النظر في التاريخ العربي، يوضح المؤلف أن يسري الجندي قد بنى مسرحيته (واقدساه) بمجموعة من النصوص فيها التاريخ الذي مضي والتاريخ الذي هو استمرار لما فات، ونتيجة له، هناك مكر بناء النص بالتغريب أثناء إدخال نص يرد إعادة النظر في كيفية بناءه، هناك إذن النصوص التالية:
 • النص التاريخي كمتن مغلق يرد اقتحامه بالشخصيات التي تريد فهمه.
 • النص المعاصر الذي يقترب من عمق  التناقضات التي تعصف بالعديد من الثوابت العربية العربية.
 • النص الفني الذي يكسر لعبة الإيهام المسرحي لتغريب الأحداث وإعادة بنائها بمسافات فنية تتجمع خيوطها حين تجتمع المفاهيم الخاصة حول القدس.
 • النصوص الموازية التي تتمثل في أشعار مجدي منصور، سميح القاسم ومحمود درويش.
 • النصوص المغناة من طرف على الحجار والتونسية لطيفة.
كل هذه النصوص تريد أن  توزع دلالاتها على عدة مستويات، تتعلق بزمن ما قبل اتفاق غزة – أريحا، وقراءة التاريخ العربي قراءة تنتقل من محطة تاريخية إلى أخرى وصولا إلى زمن صلاح الدين الأيوبي. كما يرى المؤلف أنه يحسب لهذه المسرحية هو موقفها الطليعي في تناول القضايا القومية، ويحسب لها توحيد الفنانين العرب حول القضية العربية في مواجهة أعدائها.
ينطلق بعد ذلك  المبحث الثالث في هذا الكتاب بعنوان (علامات ساخرة حول القدس وفلسطين في كتابات على أحمد باكثير)،  مستهلا بتوضيح تاريخ القضية الفلسطينية في كتابات على أحمد باكثير، حيث يرى أنه كاتب مسرحي عربي استثنائي في  التجربة المسرحية العربية، لأن ذلك يرجع إلى غزارة ما كتب من مسرحيات، واستثنائي في تأسيسه الوعي بالقضية الفلسطينية، وقضية القدس والتعبير عنها دراميا، وقد كتب أول مسرحية عن فلسطين سنة 1944، وهي (شايلوك الجديد) قبل النكبة، وبعدها (شعب الله المختار) و (إله إسرائيل)، وأخيرا (التوراة الضائعة) التي يكتبها مباشرة بعد نكسة 5 حزيران 1967. في هذه المسرحيات تظهر قدرة الكاتب على أحمد باكثير على ترسيخ الدلالة العربية في موضوعها العربي، وتظهر مهارته في اعتبار التيمات التي يؤرخ بها موقفه حول فلسطين قضية مصيرية شغلته كما شغلت السياسيين والشعراء والروائيين والمسرحيين العرب، ويواصل المؤلف الحديث عن مسرحيات باكثير موضحا القدرة على التفاعل مع الأحداث أثناء مسرحة التاريخ، وكتابته عن الحالة المختلة التي يعيش فيها الوطن العربي، والوعي التاريخي في كتابته للمسرحيات، والالتزام بالبعد السياسي والديني.
ثم يضع المؤلف عنوان يقول مسرح القضية هو القدس ومواجهة تهويدها، متحدثا عن الدلالات التي يريد الكاتب تأسيسها لمسرحه في هذه المسرحية، لإنجاز نص يفتح بصائر المتلقي على ما يذهله من حقائق حول فلسطين، يختارها على أحمد باكثير من التاريخ بقصدية واضحة، تهدف إلى توظيف العلامة التي تستجيب لمسرح القضية، وتساعد على تسييس موضوعه. ثم يتحدث بعد ذلك محللا مسرحية (شايلوك الجديد)، وشخصية شايلوك، قبل أن ينتقل إلى نقطة جديدة عن وهي القدس وفلسطين محورا الحدث الدرامي، والتي يصل فيها إلى الحديث عن مسرحية (التوراة الضائعة)، حيث يقول عنها إن باكثير يستمع إلى قلق الوجود العربي فيكتب عنه لإسماع صرخاته بالكوميديا إلى المتلقي، وفيه يتجول بسخريته إلى أدق تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، ويبني رؤيته ويبني حقيقة الرؤية التراجيدية، التي تكتبها السخرية بنقد هادئ لا يقبل الدجل السياسي الذي يساوم على القضايا العربية، ولا يرضى بخلل الواقع الملئ بالعيوب السياسية، والقرارات السطحية التي يراد بها مواجهة العدو الصهيوني. ويتناول بعد ذلك محورا بعنوان فلسطين والحنين بالتاريخ إلى عوالم عربية إسلامية، وقد تحدث فيها عن مسرحية (هاروت وماروت) وهي مسرحية دينية سياسية، تفسر بعض ما جاء في القصص القديم عن بابل وسبب هلاكها تفسيرا ارتآه الكاتب، واستخدمه أساسا لكتابة مسرحية مسلية، ومتقدمة الفكر، بهذا  أصبحت الكوميديا عنده غضبا ساخرا من الحالة التي كانت سببا في ضياع فلسطين، فهي تسخر من الانكسارات وتسخر من التاريخ المزور، وتسخر من الهزائم.
ينتقل المؤلف بنا إلى محور يتحدث فيه عن فلسطين في مسرح على أحمد باكثير يقظة قومية بكوميديا سوداء، يذكر فيه أن باكثير حين كان يتخلص من زمن الصمت العربي المريب ويقوم بنقد المشروع الصهيوني نقدا لاذعا، يتكلم في نصوصه بحقائق فلسطين، ككيان فكري ووجداني، لكسر كل قيد عنيد، فإنه كان يعلي كلام نصوصه الدرامية فوق صمت الواقع وكان يشتغل على السياسة ويتجاوزها ويتخطى مظاهرها الخادعة. ويذكر المؤلف تحت عنوان بلاغة التمثيليات القصيرة بين التخييل والواقع العربي نصوصا لباكثير كان يعيد بها قراءة الواقع العربي بلغة السخرية التي لا تضيع حقيقة ما يريد قوله أو التعبير عنه، هذه النصوص تعالج القضية الفلسطينية، وتشجب رداءة الوضع العربي الصامت، وتنصف أصحاب الحق الشرعي من الفلسطينيين، وهذه المسرحيات هي:
 • السكرتير الأمين.
 • نقود تنتقم.
 • راشيل والثلاثة الكبار.
 • ليلة 15 مايو.
 • معجزة إسرائيل.
 • المقراض.
ثم يتحدث المؤلف بشيء من التحليل والتفصيل عن هذه المسرحيات القصيرة، موضحا طبيعة الصراع الدرامي وارتباطه بواقع القضية، وأشكال الصراع وبواعثه، ومعناه ودلالاته، والتيمات الأساسية فيها، والتحليل السياسي للشخصيات.
أما المبحث الرابع هنا فهو عن مسرحية (لن تسقط القدس) للكاتب شريف الشوباشي، صرخة تاريخية لامتلاك الحقيقة حول الوضع العربي، وقد أخرجها فهمي الخولي من إنتاج المسرح القومي، وقد شارك في هذا العمل التاريخي السياسي ثلة من الفاعلين الثقافيين والفنيين في مجال السينما والمسرح والغناء في مصر، وقدمت في موسم 2002 في جو درامي غنائي موسيقي وضع له الألحان والموسيقى التصويرية الموسيقار عمار الشريعي. ويعتبر المؤلف هذه المسرحية عملا مسرحيا سياسيا تنوعت أساليب بنائه وتنوعت سبل الدخول إلى الواقع العربي لمعرفة خباياه، ومعرفة تاريخ القدس. ويتناول المسرحية بالتحليل موضحا أن في هذا النص ليس ثمة مغامرة أشد إصرارا على الكتابة المسرحية من كتابة نص تاريخي موزع بين زمنين هما الزمن الفائت والزمن الحاضر، وتحويل مدينة القدس بأماكنها التاريخية والتراثية والعمرانية ورموزها، وطقوسها وأفضيتها إلى دراما تاريخية تعيد بناء تصوراتها، ببلاغة جديدة تشتغل بهذه الرموز وهذه العلامات ليصبح منطوقها كشفا عن مأساة المدينة فيها. وكان لتفصيل النص وتحليل العرض المسرحي نصيبا كبيرا في متن هذا المبحث.
ونستقرئ بعد ذلك في المبحث الخامس حول صلاح الدين الأيوبي رمز النهضة ورمز القدس. فيتحدث فيه عن أن صلاح الدين الأيوبي هو رمز تاريخي في المسرح العربي. ويتساءل بعد ذلك عن لماذا صلاح الدين الأيوبي في المسرح العربي؟ قبل أن ينتقل إلى المبحث السادس الذي تناول فيه مسرحية الطريق إلى بيت المقدس، ثم في المبحث السابع صلاح الدين والقدس في المسرح المغربي ومسرحية (دعاء القدس) للكاتبين أحمد الطيب العلج ومصطفى القباج. أما المبحث الثامن فقد استعرض فيه مسرح النضال من الثورة الجزائرية إلى مساندة القدس، من خلال محور مدينة القدس تواجه تزييف التاريخ في عرض مسرحية (مسري) للكاتب محمد مأمون حمداوي. ثم انتقل في المبحث التاسع إلى فلسطين والقدس وصورة الانتفاضة في المسرح الفلسطيني، ومسرحية قصص تحت الاحتلال، وخطاب السخرية من الاحتلال، والارتجال والاشتغال على تيمة الانتفاضة، ثم زمن الانتفاضة في مسرحية وبعدين لفرقة عناد، ثم يتساءل حول مسرحية طار الحمام للكاتب عزام توفيق أبو السعود عن إن كانت مأساة أسرة أم مأساة شعب؟ قبل أن يتحدث عن صورة الحكواتي الشعبي في القدس، وخيال الظل الذي يحكي تاريخ القدس، ثم بشيء من التفصيل عن مسرحية (أنا القدس) لفرقة عشتار. أما المبحث العاشر فقد تناول فرقة أورنينا من سوريا، وملحمة الإلياذة الكنعانية، ثم في المبحث الحادي عشر مسرحية (بلا عنوان) لفرقة المسرح الحديث بالأردن، وفي المبحث الثاني عشر مونودراما (عائد إلى حيفا)، ومسرح غنام غنام حول القدس وفلسطين، أما المبحث الثالث عشر فقد استعرض مسرحية (الشهادة على بوابات الأقصى)، وحكمة الحجارة زمن الانتفاضة، حتى يصل إلى المبحث الرابع عشر والأخير والذي تحدث فيه عن شمشون ودليلة كخلفية للكتابة المسرحية العربية عن فلسطين، حتى يصل بنا المؤلف إلى النهاية التي يستعرض فيها ببليوجرافيا النصوص المسرحية العربية بين الحضور والغياب. ثم يعرض لنا في نهاية الكتاب مقتطفات مسرحية عبارة عن صور فوتوغرافية لبعض العروض التي تناولت القضية الفلسطينية والقدس
 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏