مسرحيون يشددون على أهميتها ويتساءلون: البعثات الخارجية أين؟ ولمن؟

مسرحيون يشددون على أهميتها ويتساءلون: البعثات الخارجية أين؟ ولمن؟

العدد 540 صدر بتاريخ 1يناير2018


بنظرة تاريخية قال د. كمال عيد: يرجع تاريخ البعثات المصرية في الإخراج المسرحي إلى بدايات القرن الماضي التي شهدت عمالقة المسرح ومنهم ذكي طليمات وفتوح نشاطي وجورج أبيض، وبعد إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية سافر اثنان من خريجيه في بعثة إلى باريس لمدة ثلاث سنوات وهما نبيل الألفي وحمدي غيث. تابع: وفي عام 1958 أرسل الرئيس جمال عبد الناصر مجموعة لدراسة الإخراج المسرحي، منهم سعد أردش إلى إيطاليا، وجلال الشرقاوي وحسين جمعة وكمال ياسين إلى فرنسا، وفاروق الدمرداش ومحمد عبد العزيز إلى إنجلترا، ثم في عام 1964 سافر إلى إنجلترا أحمد ذكي وأحمد عبد الحليم، بينما سافر كرم مطاوع إلى إيطاليا في منتصف الستينات، مشيرا إلى أن هناك جيلا مهما لحق بهذه البعثات ومنهم سمير العصفوري والمخرج أنور رستم، وأكد عيد على أن كل من ذهبوا في هذه البعثات هم من أسسوا مهنة الإخراج في مصر، بما قدموه، حيث انتقل الإخراج المسرحي في مصر من الارتجالية إلى العلمية المقننة.
أشار كمال عيد إلى أن المعايير في الماضي كانت أكثر صرامة وجدية، وكانت تعرف عن طريق الإعلان العام في الصحف ووسائل الإعلام، أما اليوم فلا أحد يعرف ما هي المعايير، إذ تبقى سرية، منوها بأن تصحيح المسار يحتم التدقيق واختيار المبعوثين عن طريق الإعلان، ووضع معايير موضوعية، وعن طريق لجنة من إدارة البعثات وليس وزارة الثقافة، كما كان يجري في كل بعثات المسرح منذ عام 1957.
تابع عيد: ويجب أن تتوفر مجموعة من الأوراق ومنها مستندات التخرج والبيانات الشخصية ومدة التدريب قبل السفر وجميعها مسائل قانونية تؤهل المبعوث للالتحام مع نظريات المسارح العالمية، وعن المعايير التي يجب اعتمادها فقال: اختيار المتفوقين علميا من دارسي المسرح أكاديميا وأن يكون الاختيار سليما، لا يراعي إلا الحقيقة العلمية ومستوى المختار، بالإضافة إلى ضرورة التقيد بسن المبعوث الذي حددته إدارة البعثات، ومن المهم بعد ذلك أن تكون هناك رقابة سنوية على المبعوثين كما فعل ذكي طليمات في الأربعينات من القرن الماضي، بزيارته لهم وتوجيههم أثناء الدراسة.

ثقافة غائبة
بينما قال الدكتور سناء شافع إن عدم تنشيط عملية البعثات والمنح في شتى العلوم الإنسانية يعد مؤامرة لهدم الثقافة، حيث إن الاطلاع على ثقافات الدول الغربية والعالم الخارجي يعد ضرورة بالغة تسهم في تطوير الحركة المسرحية والفنية والعلمية، ووجود البعثات أمر هام، خاصة في مرحلة الانحطاط الثقافي التي نمر بها، الأمر الذي يجعلنا في حاجة إلى إعادة صياغة الشخصية المصرية، تابع: ولكن للأسف وزارة الثقافة ليس لها استراتيجية، والثقافة في مصر منعدمة. أضاف شافع: عندما كنت في بعثتي إلى ألمانيا الشرقية كان معي في هذه البعثة ما يقرب من 60 مصريا، يدرسون جميع التخصصات العلمية، في الطب والعمارة والفن والزراعة.. إلخ.

غياب الفلسفة
وقال د. أبو الحسن سلام: لا يوجد مشروع قومي يشكل وحدة وخيطا واحدا يجمع ويربط بين المؤسسات المتقاربة، بحيث تصبح هناك فلسفة واحدة تمضي نحو هدف وتوجه واحد وهو إعداد جيل مؤهل ومطلع على أحدث الأمور، سواء تطبيقا أو تنظيرا.
أضاف: تعمل هذه النظرة التأسيسية على تحديد فلسفة كل وزارة والجهات التابعة لها، مثلا: وزارة الثقافة تتبعها مجموعة من الهيئات والأكاديميات، وكل له فلسفته والهدف من إنشائه ومن الضروري أن تتكامل فلسفة كل جهة، فإذا وجدت هذه الفلسفة سيوجد برنامج ممتد يعمل وفق منهجية محددة إزاء تأهيل الشباب وتمكينهم من أحدث المستجدات.
الجائزة ليست المعيار الوحيد
بينما قال المخرج ناصر عبد المنعم: في دورة المهرجان القومي 2016 طالبت بتفعيل البعثات الخارجية ضمن توصيات المهرجان، وشدد وزير الثقافة على هذا الأمر، ولكن هل نملك شيئا سوى المطالبة؟ أضاف: إنه دور وزارة الثقافة والجهات المنوط بها هذا الأمر كالعلاقات الثقافية الخارجية، وهناك عدد من الجهات تأتي لها منح كبيرة سنويا وتقوم بتحويلها إلى الوزارات، ولكن لا يتم تفعيلها.
وأكد أن هذه البعثات هامة جدا خاصة للشباب الواعد، ولا أقصد البعثات التي تمتد إلى خمس سنوات، لكني أقصد المنح القصيرة التي تستغرق من 6 أشهر إلى العام، بما يتيح اكتساب الخبرة والتعلم والاحتكاك. أشار عبد المنعم إلى أن المعيار الوحيد الذي يجب توفره في المبعوث هو النبوغ والإبداع في المجال، وليس الحصول على جائزة، ومن المهم أن تكون هناك لجنة خاصة للوقوف على نبوغ الفنانين في مجالات متنوعة في العمل المسرحي.
تابع: فعلى سبيل المثال المخرج أحمد السلاموني مخرج عرض السفير «نادي مسرح الفيوم» الذي ذهب إلى الأردن على الرغم من عدم حصوله على جائزة، ولكن كانت لديه الموهبة التي يجب العمل على تطويرها وهو الأمر الذي يجب وضعه في الاعتبار عند اختيار من يتم إرسالهم للبعثات، موضحا أنه يجب التركيز على محافظات مصر، بحيث تتحقق فكرة العدالة الثقافية.
وأوضح ناصر عبد المنعم إلى أن البعثات في الستينات كانت ضمن توجه الدولة، وليست نتيجة مطالبة الفنانين.
وقال مهندس الديكور عمرو عبد الله إن اختيار المبعوثين للخارج لا تتم وفق آلية أو معايير علمية محددة، من خلالها يستطيع من يذهب لهذه البعثات أن يفيد ويستفيد، مشيرا إلى أن هناك قطاعات خاصة بالمسرح تقوم بإرسال غير متخصصين إلى الخارج. مقترحا أن تقوم الجهات والقطاعات المسرحية المختلفة بترشيح عدد من الأسماء، يتم اختبار كفاءتها للاختيار من بينها، فالبعثات هامة للغاية للحركة المسرحية حيث ستساهم في إحداث نقلة نوعية في جميع عناصر العرض المسرحي.
 أين نحن من البعثات الخارجية؟
المخرج محمد علام بدأ حديثة بتساؤل: أين نحن من البعثات الخارجية؟ مؤكدا أن الاحتكاك بين الثقافات من الأمور الهامة جدا، حيث من الضروري أن نتعرف على أفكار المخرجين والممثلين هناك وعلى النقلات الحديثة في المسرح منها الهيلوجرام أو المسرح الرقمي الديجتال ومسرح الصورة.
وأضاف: لدينا خامات جيدة من المسرحيين الشباب، ذهابهم لهذه البعثات سيساهم في تطويرهم وتطوير الحركة المسرحية، والمعيار المهم للسفر هو أن يكون الحاصلون على البعثة قد أثروا بعملهم الحركة المسرحية، وقدموا فرجة مسرحية مختلفة، بالإضافة إلى تميزهم عن أبناء جيلهم، وأن يكون لديهم عروض حققت إقبالا جماهيريا كبيرا، ويرى علام أن الإخراج المسرحي يحتاج إلى تغذية رؤية الفنان وإثراء فكره بمجموعة من الوجبات المسرحية المختلفة من أماكن وبلدان مختلفة.
وقال المخرج إسلام سعيد: أعلم أن قانون جائزة الدولة للإبداع الفني هي أن تكون مدة البعثة ثلاث سنوات، والآن أصبحت 6 أشهر، وتساءل: فهل هذا وقت كافٍ لتلقي الخبرات والتجارب؟
اما التساؤل الأهم - حسب قوله – فهو: أين الدولة من الحاصلين على جوائز هامة؟ مشيرا إلى أن هناك عددا كبيرا من الموهوبين سافروا ودرسوا في أوروبا، وعندما عادوا إلى الوطن صدموا بالواقع العملي.
وعن بعثته لإيطاليا، قال: كانت تجربة هامة، وأضافت لي الكثير، وكان هناك شخصية دولية هامة وهي الدكتورة جيهان ذكي رئيس الأكاديمية العالمية بروما ساندتنا كثيرا، وأشار إسلام إلى أن معايير البعثة يجب ألا تخرج عن ندرة التخصصات والتميز الشديد، وأن يكون الفنان موهوبا في عدة تخصصات، وأن يتفرد الشخص بامتلاكه مجموعة من السمات العلمية والشخصية.

الاتجاهات المسرحية
وقال المخرج مصطفى وافي إن الانفتاح على الحركة المسرحية حول العالم ضروري لخلق قيادات جديدة، ومن المهم الإشارة إلى أن هناك الكثير من الاتجاهات المسرحية، غير الممثلة في الحياة الثقافية المصرية، وإذا مثلت فعن طريق جهود شخصية لبعض الأفراد، من خلال ورش، مثل المسرح الجسدي، المسرح الاجتماعي، ومسرح المقهورين، مسرح المنتدى، المسرح التعليمي، المسرح الفقير, مسرح الطفل، مشيرا إلى أن هناك الكثير من المدارس المسرحية خارج الجامعات التي تتجاوز الطرق التقليدية، وكذلك دراسات الصوت التي تدرس المسرح من منظور مختلف وبطريقة مختلفة مرتبطة بلغة الجسد واليوجا، مؤكدا أن هذه الطرق المسرحية الجديدة تحتاج إلى نظرة جديدة من الدولة ليس فقط باستمرار البعثات في مجال المسرح، ولكن بالالتحام بالطرق الجديدة التي تطور الحركة المسرحية تغير المنظور.
بينما قال المخرج والممثل أحمد صبري غباشي إن أهم ما يميز البعثات الخارجية هي فكرة تبادل الخبرات والتفاعل بين أكثر من ثقافة.
وعن تجربته قال: كان لي تجربة في ملتقى الشارقة الذي ضم هذا أوائل مهرجان المسرح العربي الذي يقيمه المعهد العالي للفنون المسرحية، وكانت تجربة مهمة على الرغم من عدم حدوث نتاج مسرحي لها، فقد قامت بتغيير المنظور السائد لدي مع التقاء الرؤى، وهو أمر هام للغاية، تابع: كما كان لي تجربة في تونس وهي رويال شكسبير أكاديمي في مهرجان أيام قرطاج، العام الماضي، حيث شاركت في ورشة خاصة بأعمال شكسبير، وكانت تجربة عملية مهمة، حيث كانت تحوي مناقشات وفرجة وتحليل، وعلى الرغم من حواجز اللغة فقد استفدنا جميعا، لذا أتمنى الاهتمام بعقد مثل هذه اللقاءات والاهتمام بالبعثات الخارجية للموهوبين.


رنا رأفت