حكايات التراث الإسلامى وعلاقتها بالهوية الثقافية

حكايات التراث الإسلامى وعلاقتها بالهوية الثقافية

اخر تحديث في 2/17/2020 5:29:00 AM

 

إنه شكل من أشكال الهوية الثقافية؛ ليدرك الفرد نفسيًا ذاته. واتسع هذا المفهوم داخل العلوم الاجتماعية لكي يشمل الهوية الاجتماعية، ومن ثم الهوية الثقافية، والهوية العرقية السلالية. وهى مصطلحات تشير إلى توحد الذات فى سياق اجتماعى معين، وتراث ثقافى موحد أو مُتشابه مع مُراعات البعد المكانى والزمانى، كذلك هوية الجماعة وهو التوحد فى الادراك الذاتى المشترك بين جماعة من الناس. ما يُشير على الأقل تقارب وجهات النظر الجماعة الشعبية فى تفسير الأمور والظواهر والأسباب والمقصد ويعود هذا من التأثر بالبعد البيئى الذي إحدى مُعطياته (الأرض) مُستقر الهوية.

ليس هذا فحسب، فتشير الهوية التوحد فى سياقات مختلفة وهى (الأرض، والجنس، واللغة، والدين،والثقافة) مع إختلافات بسيطة فى التوجهات التى ربما تكمن فى التحيز لإحدي العناصر سالفة الذكر دون العناصر الأخرى فهو إنحراف ومناصرة جانب مما يؤثر على جوانب أخرى، قد يتمسك الفرد بالدين فى مُطلقه والتعمق فى تفاصيلة ومُناصرة وتفضيل جوانب معينة فى الدين ما يجعله أن يتخلي عن تمسكه بقدسية الأرض ورسالته فى تعميرها والحفاظ عليها، ربما لا يحترم الجنس الآخر، ربما يناصر اللغة بشدة تطال التطور وتوقفه، ربما يُهمل الثقافة والعادات والتقاليد ليهمشها ويعتبرها من البدع والموبقات والعادات الغير سوية ويستبدلها بعادات قديمة تتوافق مع عناصر زمنية أخرى وإمكانات مادية لا تُكافئ العصر الحالى.

نَحنُ أمام حالة مُتفردة من المزيج لعناصر الهوية الثقافية فى الحكاية الشعبية وهو الدين وآدابه والأرض واللغة وعلاقتها بالتراث الثقافى الشعبى لتُصبح الحكايات الإسلامية أو الدينية ذات الصبغة الثقافية والدينة، هذا التفرد ينتج من تعانق المعتقد الشعبي والإبداع فى الحكاية الشعبية وتوظيف الدين فى نسج تراثه بالموروث الثقافى وعادات المجتمع بشكل خاص؛ ليتشكل من خلاله أخلاق الأجيال الجديدة وليس ذلك فحسب بل أخلاق المجتمع ككل.

"يُحكى أن هناك فتاة تُدعى هادية، وكانت هي أصغر أخواتها، وكان لها أشقاء ذكور يقسون عليها فى المُعاملة، فاشتكت إلى أمها؛ لتعاتبهم الأم على قسوتهم على أختهم الضعيفة، ولكنهم لم يكفوا عن إيذائها.. واشتكت إلى والدهم؛ فنهرهم وحاول اقناعهم، وربما تأدبوا قليلًا ثم عادوا مرة آخرى لتلك المُمارسات، فكثيرًا كانوا ينادونها بألفاظ جارحة وينتقدوها ويستهزأوا بها، فكثيرًا ما كانت تختبئ فى حجرتها منهم حتي ينصرفوا، أو يأتى والديها من الخارج أو حتى يناموا، كما أنهم ظلوا يطرقوا عليها الباب ليعتذروا لها وحين تصالحهم سرعان ما يعيدوا العادة مرة آخرى، فإستمرت فى الإختباء فى حجرتها وكانت لا ترد عليهم حين يطرقوا الباب عليها؛ لتتقي شرورهم.. إستمر هذا الوضع لشهور إلى أن فقدوا أخواتها الأمل فى تواصلها معهم أو اللعب معهم، كما أنها كفت عن الشكوى وأصبحت انعزالية، كانت حجرة هادية يسودها الصمت دائمًا، وحين دقق أخواتها السمع على بابها كانوا يسمعون أصوات همهمات بسيطة، ظنوا أنها تبكي أو تشتكي كعادتها، بدأ أخوات هادية يشتكون إلى الأم أنها لا تلعب معهم ولا ترد عليهم فظلت هاديه على حالها والأم تتابعها حتي فاجأت أمها يومًا بطلب، قائلة: أُمي أرغب أن أتقدم لمسابقة القرآن الكريم، فبادرتها الأم بسؤال، وهل تحفظين سورًا من القرآن يابُنيتي، فأجابت مُسرعة بل أحفظ القرآن الكريم كاملًا ياأُمى، قائلة أُمى لقد كُنت أنفجر باكية أو حزينة من قسوة أخوتي عليَ، وذات مرة كنت أبكي بشدة فأستندت على المكتبة ووقعت يدي على المُصحف الشريف وقرأت منه ما تيسر؛ لتهدأ نفسي ويختفى حزنى وبُكائى، وأصبحتُ أُقبل عليه يوميًا فأصبح مَلاذى وبوحى وثراء عمرى فى قراءة القرآن. تقدمت هادية إلى مُسابقة القرآن الكريم وتلت بعض الأيات فى الإختبار ونالت المركز الأول كما نالت تقدير وإحترام أخواتها التى أبهرتهم بقوتها التى وُلدت من الضعف والإستقواء بالخُلق العظيم والقرآن الكريم"  {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(54) سورة المائدة

كانت تلك القصة سالفة الذكر عن بطلتها هادية هى محور الحديث والنقاش فى ورشة حكي للأطفال أداها المُراسل بأطلس المأثورات الشعبية سلامة الدغيدي، بمكتبة ثقافة سمادون بأشمون المنوفية بتاريخ 14 فبراير 2020، بمشاركة تلاميذ وتلميذات من المعهد الديني الأزهرى، وكانت القصة لتجسيد بعض السلبيات فى ثقافة قهر الرجل للمرأة التي تتربي تلك القيمة فيهم لتصبح الأُنثي مُنكسرة لا نصير لها فى أغلب الأحيان، فيجب أن تسود علاقاتنا المحبة والاحترام والتقدير الذى يأمرنا به الله فى شريعته التى تنبثق منها القيم الأخلاقية والدينية المَنسوجة فى ثقافة المُجتمع وهويته.

شاهد بالصور


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @