حمامة بيضا مشقشقة.. قصة لا تنتهي!

حمامة بيضا مشقشقة.. قصة لا تنتهي!

اخر تحديث في 4/12/2020 10:57:00 PM

محمد إمام صالح

"زر ورد أحمر مزنهر، وحمامة بيضاء مشقشقة، بخور وحنة جاوى، وريالين فضة".

كانت هذه طلبات أحمد زكي من معالى زايد في فيلم "البيضة والحجر" ليحل لها مشكلة أنها تُسخط قردا بسبب عمل على "قدم نملة".

عندما يقع بعض الناس في مشاكل أو يصابون بمرض ما حتى وإن كان نزلة برد، أو يفشلون في مشروع تجاري، خطبة، زواج وما شابه، ينصحهم المقربون بالذهاب إلى شخص عالم ببواطن الأمور وخفاياها يسمونوه "شيخا" –لفظة شيخ هي الدارجة لدى عموم الناس حتى وإن كان صاحبها ليس له أية علاقة بالدين!

عادة ما يكون أصحاب المشاكل من متوسطي التعليم أو الثقافة وفى بعض الأحيان من المتعلين والمثقفين، والغريب أنهم يذهبون إلى هؤلاء لعلاج أية مشكلة بناء على تشخيص من المقربين لهم، فقد يكون سبب المشكلة من وجهة نظرهم الحسد، مس من جان سلطه عليهم أعداؤهم، أو "معمولهم عمل"، "مخلوع" –وهى كلمة عربية فصيحة تستخدم للتعبير عن الرعب الشديد في صعيد مصر-، "مربوط" –أي لا يستطيع أداء دوره كزوج في التناسل- أو "مشهورة" –لفظة تستخدم للتعبير عما يصيب الإناث من بعض الأعراض مثل توقف دفق اللبن للمرضعة أو تأخر الإنجاب، أصابتهم لعنة من السحر. كما يلجئون إلى "المشايخ" لحل مشاكل مثل انتشار النمل، الصراصير، عقارب...إلخ!!

"إحنا عايشين في مجتمع غير علمي وأي محاولة للتعامُل بشكل علمي هي محاولة غير علمية بالمرة"–حسن سبانخ/عادل إمام في فيلم الأفوكاتو.

فلا يذهب الناس إلى الأطباء أو حتى إلى الكيميائيين للتخلص من الحشرات، يتخذون طريق ما وجدوا آباءهم عليه وهو "المشايخ".

يصنف الناس هؤلاء المشايخ لصنفين:

الأول: الشيخ القارئ وهو الذى يذهب إليه الناس ليقرأ لهم ما تيسر له من قرآن كريم وأدعية وابتهالات حتى وإن كانت بلا ترتيب، وغالبا ما يتواجدون في الساحات الشعبية، فإن نجحوا في حل المشكلة!! فنِعْمة وفضل من الله، وهو شيخ قوى. ويتحاكون بقصص وروايات عن قدراته الخارقة أما إن فشل فهو ضعيف ويبحثون عن غيره.

الثانى: الشيخ السفلي، وهو المتعامل مع الجن السفلي وهو المنوط بحل الأعمال والربط وما شابه من تلك المشاكل وهو أشدهم شرا.

يقرأ هؤلاء "المشايخ" من كتاب لا أدرى من كتبه. ويكتبون كتبا تسمى أحجبة، تكتب أحيانا بلغة عربية غير مفهومة فهى تراكيب من كلمات شتى، وأحيانا أخرى تكتب برموز وأرقام وجداول ومجموعة من الأسماء المبهمة، لتتجلى لهم حقائق الأمور.

حل مشكلة تأخر الحمل

فمثلا عند مشكلة تأخر الحمل يُطلب من صاحبة المشكلة طلبات غريبة مثل: أن تدخل من تريد الحمل قبرا ليلا ويُفضل أن يكون لأجانب مثل قبور الفرنسيين والإنجليز!! وعلى رعبها الذى تكون فيه يُفزعها حارس المقبرة لتنتهى "المشاهرة/الحسد/ سبب المنع"، أو أن تذهب فوق قمة جبل مرتفع بجوار قبة "أبو الهواء" فى أسوان لتتدحرج من فوقه سبع مرات –هذا إن عاشت بعد المرة الأولى-.

وهناك من يرى أن حل هذه مشكلة يكون أن تمر سبع مرات من فوق جثتي أطفال توأم ماتوا حديثا!! وفي أبسط الحالات يقومون بتشريط وتر "أكيلس" في القدم اليمنى بموسي للحلاقة مع المرور حتى ينزل الدم، وتمر من فوق صابون وعُقد مربوطة.  -عزيزى القارئ الأحداث السابقة جميعها حقيقة-

العلاج بين الطب والسحر في مصر القديمة:

يعتقد العرب عامة والمصريون خاصة بهذه الأمور، فما يصرفه الناس على هذه الأمور يكاد يصل للمليارات وما يصحبه من جرائم أخرى سواء كانت مادية أو جنسية وقد تصل إلى القتل –قُتلت أم وابنتها في الأقصر نتيجة هذا الاعتقاد- ولكن هل لهذه الحكاية أصل؟

يرجع أصل هذه المعتقدات إلى مصر القديمة، حيث ذهب بعض الناس إلى الأطباء والكهنة والسحرة والعرافين لحل مشاكلهم. وكان هؤلاء المعالجين يستخدمون الأدوية الطبية والرقى والتعاويذ لعلاج هذه الأمراض كل في تخصصه. وقد يتكامل الاثنان معا لعلاج حالة ما، ففي رسالة شهيرة أرسلها خاتوشيلي ملك "خيتا" إلى رمسيس الثانى يطلب منه طبيبا يعالج شقيقته لكي تنجب، ولكن يرد عليه رمسيس الثاني أن أخته قد تجاوزت الستين ومن الصعب أن تنجب، ومع ذلك سيرسل له طبيبا ماهرا وكاهنا مرتلا. ويتبين لنا من هذه الرسالة أن الطبيب سيعالج بالدواء، أما الكاهن المرتل فيستخدم التعاويذ.

والكاهن المرتل يقوم بتلاوة التعاويذ وحفظها وأحيانا تأليفها، للقضاء على الأمراض المستعصية التي يعتقدون أن مسببها العفاريت أو الموتى. أما الساحر فربما يكون دوره مقتصرا على علاج لدغات العقارب والثعابين أو كتابة التعاويذ للحماية منها وللشفاء من الأمراض.

والعراف أحد ألقاب السحرة وهو العارف بالأشياء، وكانت مهمته في أغلب الأحيان معرفة مسبب الأمراض سواء كان عفريتا أو معبودا.

وقد كانت تكتب التعاويذ بلغة مفهومة أو طلاسم بلغات أجنبية تشبه في وقتنا هذا "الأحجبة"، يعلقها المريض في رقبته أو يضعها تحت وسادته. ومع تواتر الزمن توارث المصريون هذه العادات فأصبحت جزءا لا يتجزأ من عقيدة شعبية راسخة، لا تفلح معها أية محاولة علمية للقضاء على هذه المعتقدات غير العلمية.

............

انظر ليلى عزام، التعاويذ السحرية ضد الأمراض في عصر الدولة الحديثة، رسالة دكتوراه، كلية الآداب جامعة حلوان، ص314 وما بعدها


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @