المثل الشعبى مؤرخًا لحياة المصريين من عصر المماليك إلى عصرمحمد على باشا

المثل الشعبى مؤرخًا لحياة المصريين من عصر المماليك إلى عصرمحمد على باشا

اخر تحديث في 9/23/2019 5:12:00 AM

اللسان عدو القفا

حماقة بلا جاه صفع حاضر

سك بمنفعة ما على القفا منه مضرة

صفعة بنقد خير من بدره بنسية

تمثلت تلك الأمثال الشعبية فى عهد الرقعاء والمماليك وأوساطهم  فى أفات سلوكية كانت شائعة فى العصر الوسيط وهى آفة (الصفع) وقد وردت إشارات كثيرة لهذا السلوك فى كتب المؤرخين مثل (وليم أوسلى ، بوركهارت) فقد جاء أن جماعة من المماليك كانوا ينتهزون فرصة ازدحام الطرقات بالمارة وينبثون وسطهم لخطف عمائمهم وصفع أقفيتهم وحرق لحاهم بالنار[1] وقد كانت هذه العادة منتشرة بين العامة، وقد أشار إلى ذلك أيضًا الشاعر أبو حسن على بن عبدالواحد الملقب بصريع الدلاء، وهو من كبرا الشعراء التحامق فذكر عادة الصفع فى أشعاره يقول[2]:

مَن صفع الناس ولم يدعهم .:. أن يصفعوه فعليهم اعتدى

وفى موضعٍ آخر:

كأننى وجنود الصفع تتبعنى .:. وقد تلوت مزامير السرطانات

ينقسم حكم المماليك فى مصر إلى أسرتين رئيستين، وهما: أسرة المماليك البحرية ثم أسرة المماليك البرجية أو الشركسية، نجد أن أفضل تعريف لمصطلح المماليك أنهم عناصر تولت حكم مصر بعد سقوط الدولة الأيوبية، وهم جماعة من الرقيق جلبوا من بلدان مختلفة مثل القرم والقوقاز والقفجاق وأسيا الصغرى وفارس وتركستان وبلاد ماوراء النهر، وكلها أقاليم أسيوية، وهم خليط من الأتراك والشركس والروم والروس والأكراد وبعض البلدان الأوروبية.

وقد فرض المماليك على أنفسهم عزلة ورفضوا الاختلاط أو التزاوج من سكان مصر والشام مما أوجد فجوة بين هؤلاء الحكام ومحكوميهم وترك أثرًا واضحًا في المجتمع المصري آنذاك.

كان يتم شراء المماليك من تجار النخاسة والذين يجلبونهم في الغالب من أسرى الحروب التي دارت بين الأتراك والمغول على أثر خروجهم من منطقة الاستبس في آسيا، بالإضافة إلى أن بعض الناس في بلاد الترك باعوا أولادهم في أسواق النخاسة على أمل أن يصبحوا في يوم سلاطين، خاصة بعد أن قامت دولة المماليك وأصبح المماليك سلاطينا، تجدر الإشارة إلى أن تاجر المماليك كان يلقب بالخواجا أو تاجر الخاص.

وكان المملوك يُنسب إلى أستاذه الذي اشتراه مثل بيبرس البندقداري نسبة إلى أستاذه ومربيه علاء الدين البندقداري، أو يُنسب إلى الثمن الذي اشتري به مثل قلاوون الألفي، أو يُنسب إلى التاجر الذي جلبه مثل المؤيد شيخ المحمودي نِسبة إلى الخواجا محمود شاه الرومي الذي جلبه.

 

وبالإشارة إلى عصر محمد على باشا كان هناك ثراء من الفنون القولية فى مجال الأمثال الشعبية التى تفسر الكثير من العلاقات القائمة فى هذه الفترة بين الحاكم والمحكوم وبمعنى أدق بين الحاكم والرعية حيث سادت التراتبة فى هذا الوقت ليبرز المواطن المصرى فى قاع المجتمع على الرغم من سمو وعلو الحالة الإقتصادية ولكن كان الخير إن قل أو زاد لأهل غير أهلنا فقد كان أغلبهم أجيرون ربما بلقمة العيش...

إستمرت هذه الأمثال الشعبية بدورها حتى الأن نظرًا لمواكبتها اللغة العامية الغير مُتأثرة بثقافات دخيلة بشكل كبير فما زالت باقية حتى الأن ومنها:

- إذا كان القمر معاك لا تبالى بالنجوم        تحديث: (إللى معاه القمر عمره ما يبص للنجوم)

- إذا جاء جاء الماء طوفان اجعل ابنك تحت رجليك  تحديث: (إذا جالك الطوفان هات ولدك تحت رجليك)

- أنت مغسل وضامن جنة

- خير البر عاجله

- ضربتين فى الراس توجع

- الجنازة حامية والميت كلب  تحديث: (الجنازة حارة والميت كلب)

- لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد تحديث: (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد)

- صام سنة وفطر على بصلة تحديث: (يصوم يصوم ويفطر على بصلة)

- من خلف ما مات            تحديث: (إللى خلف ما ماتش)

تعود هذه الأمثال الشعبية إلى عصر ولاة مصر، مازالت تؤدى دورها بما يعنى تواصل الروح المصرية وعمق حضارتها التى صارت سلوكًا تلقائيًا وأن التطورات الحضارية المادية لا تستطيع ان تغير جذريًا من السلوك الشعبى أو الخصوصية الوطنية، هذا من منظور د. إبراهيم أحمد شعلان 1999، الذى أختلف معه الأن نسبيًا وهذا للتطور المرعب فى طرق التواصل الإجتماعى الذى غير التحية ذاتها لتصبح Hi & Baye)) أصبح اللقاء ليس فى المقهى أو على (المسطبة) أو حتى على الناصية لقد أصبح اللقاء عبر ال(CHATS) وهذا بدوره غّير بشكل جذرى الكثير والكثير ليجعل العالم مُختلفوين فقط فى اللغة بل يجمعهم كل مُستحدث ليكونوا مستنسخات وربما قريبًا نصبح أصحاب لغةٍ واحدة لتضيع الهوية، والدليل الدامغ النظر إلى السواد الأعظم من عموم الشعب المصرى منذ 50:60 سنة والنظر إلى الشباب الذين يمثلوا الأغلبية الأن هل هؤلاء على شاكلة المصريين أم إحتل الإغتراب عقائدنا وثقافاتنا.

أما الأمثال العربية عند المصريين المحدثين:

- إذا كان معك نحس لا تسيبه يجيك أنحس منه               تحديث: المنحوس منحوس لو علقوا على دماغه فانوس

يعبر هذا المثل عن الاستعداد لتحمل شدة الكارثة وتجاوزها خوفًا مما قد يأتى به الغيب، وهذا المثل يشير إلى خيانة الخدم وقلة أدبهم التى أصبحت محل شكوى عامة من انحاء مصر كلمة (تسيبه) فى المعنى المجازى العام (يترك الشئ)، (يلقيه بعيدًا) كلمة (نحس)[3]

تغير المعنى والمضمون وموضع المثل فى إستخدامه فقد إختص المثل بصيغته الأولى فى عصره أنه يقاوم ظاهرة الخدم عديمي الأخلاق نظرًا للفوارق الإقتصادية الفجة وإختلاط الثقافات كذلك إمتهان الجنسيات المختلفة لهذه المهنة كذلك أصحاب اللغات المغايرة للهجة المصرية التى كثيرًا ما يُساء الفهم، أما فى وقتنا الحالى وما سلفه من زمن قريب تطور المثل فى المضمون والإستخدام ليشير إلى النحس بشكل عام أن المنحوس يظل منحوسًا حتى لو علقوا على (رأسه) فانوس يضئ له طريقه أو يميزه بالخير حتى.
- إذا كرهك جارك غير باب دارك    تحديث: أصبر على الجار السو يايرحل يا تجيله مصيبة تاخده

العلاقة الحميمية بين الجيران فى الشرق أكثر منها فى أوروبا، كما أن راحة الأسرة تعتمد غالبًا على استمرار التناغم بينها وبين هؤلاء الذين يعيشون فى بيوت متجاورة.[4]

أما فى سياقه بعد التحديث تمنى على الجار وليس على نفسه ففى السياق الأول كان مسالمًا لدرجة أن يغير منزله ليبتعد عنه ويلقي جيران جدد جديرين بمجاورته، أما فى السياق الحديث أكثر عدوانية فقد تمني أن يرحل جاره أو تأتى مصيبة تقتله أو تأخذه بعيدًا وهو لم يبرح مكانه.

- إذا كثرت الألوان أعرف انها من بيوت الجيران    تحديث: (الجيران لبعضيها)

من العادات الشرقية أن يزود الجيران مطابخ بعضهم البعض بما يحتاجوه فى المناسبات العائلية، ويدل هذا المثل على أنه عندما يتكفل شخص بحفل فإن هذا يدل على أنه استدان لذلك يعاونه الجيران فى إكمال ليلته بروح التوافق فى قضاء الحاجه والمساعدة فى الفرح والحزن.

يأتى المثل فى نسخته الجديدة الجيران لبعضيها إذا نظرنا الأن إلى الكثير من البلاد الريفية وبشكل خاص بعض قري الصعيد ومحافظة الشرقية نري التعاون ربما يفوق أصحاب المناسبة فى المشاركة فى الأفراح والأحزان وخصوصًا فى الأحزان لا يتعب أهل المتوفي فيكفيهم مصيبتهم فى فقيدهم ويتكاتف الجيران جميعًا فى مضايفة المُعزيين من طعام وشراب وحسن استقبال... أما البنات فيتشاركوا الملابس فى الأفراح، كذلك الجيران فى الحقول (يُزاملون) يعاونون بعضهم البعض فى أداء الأعمال فى الحرث والزرع.

مما سبق.. قد يبقى المثل بمفرداته مع تغير بسيط لا يرقى للتغيير لا فى المقصد او المضمون، وقد يبقى المثل بمفرداته مع تغير جذرى فى المقصد أو الموقف رغم بقاء معظم مفرداته كما هى..

وهذا يشير إلى حاجة الراوى الجديد لتطبيق المثل وتناقله عبر أجيال أخرى فقد يطبق المثل المستخدم لمئات السنين فى موضع مُغاير لما قد إتفق عليه الجمع الشعبى لينقله السامع فى موقف مماثل وقد ينقل ما بعده بشئ من التحريف فى المضمون أو المفردة، كل هذا قد يستغرق عقودًا وكانت هذه جزء من رحلة المثل.

 


[1] المجتمع المصرى، سعيد عبدالفتاح غاشور، صـ83 نقلًا عن أبى المحاسن بن تغرى بردى فى (حوادث الدهور).

[2] الحياة الفكرية، محمد كامل حسين صـ186-187

[3] تعنى شخص سئ الطالع ولكنها فى مالثل تعني شخص سئ الأدب والأخلاق والمصريون عمومًا مولعون بإستخدام المجاز: من كتاب جون لويس بوركهارت ، العادات والتقاليد المصرية من الأمثال الشعبية فى عهد محمد على باشا، ترجمة د. إبراهيم أحمد شعلان.

[4] العادات والتقاليد المصرية من الأمثال الشعبية فى عهد محمد على باشا، ترجمة د. إبراهيم أحمد شعلان صـ75.

شاهد بالصور


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @