التحنيط والتلقين والأربعين.. طقوس الموت بين المأثور والحياة الأخرى

التحنيط والتلقين والأربعين.. طقوس الموت بين المأثور والحياة الأخرى

اخر تحديث في 4/8/2019 6:59:00 PM

محمد إمام صالح

اعتقد المصريون القدماء في وجود حياة أخرى بعد الموت، فعملوا على حماية أجسادهم والحفاظ عليها من التحلل لكى تتعرف عليه الروح من جديد ويبعث على هيئة أوزير. وبما عُرف عن المصريين من براعة في الطب، فقد أدركوا مبكرًا أن سبب تحلل الجسد بعد الوفاة هو وجود السوائل داخله؛ فلجأوا إلى ما يعرف بالتحنيط، وعقب الوفاة يجهز الأهل جثة المتوفى ويذهبوا به إلى خيمة التحنيط، حيث كهنة يرتدون أقنعة "أنوبيس" رب التحنيط، ولم يكن اختيار أنوبيس جزافا، وإنما لأنه كان ينبش القبور ويأكل من أجساد الموتى، فقدسه المصريون مخافة من قوته التى منحها المعبود له.

هناك عدة درجات من التحنيط، تعتمد على القدرة الاقتصادية للمتوفى، وفى كل الأحوال يوسد المتوفى على سرير التحنيط فى الخيمة، ويُفتح قرابة الأربعة عشر جرحا في مختلف أنحاء الجسد، لاستخراج الأحشاء؛ فيستخرج "المخ" من خلال التجويف الأنفي، الرئتين من خلال تجويف الصدر، الأمعاء من خلال تجويف البطن، ثم بقية الأعضاء من خلال فتحات أخرى في أماكن متفرقة من الجسد مثل الأقدام والساعدين، وتحنط كل هذه الأعضاء وتوضع في أوانى بجوار المتوفى تسمى الأوانى الكانوبية، وهي أواني غطاؤها يمثل أبناء حورس الأربعة "حابى- دوا موت إف- قبح سنو إف- وإمستى، يغسل الجسم جيدا ثم يوضع في ملح النطرون لمدة أربعين يوما (والتي جاء منها إحياء ذكرى مرور 40 المتوفى في العصر الحديث – أربعين الوفاة) حيث يمتص الملح السوائل من الجسد وتتيبس العضلات فيصغر الجسد بنسبة 75% (حرفيا يصبح مجرد جلد على عظم).

وبعد فترة الأربعين يوما يُستخرج الجسد، ويغسل بخمر النخيل والزيوت العطرية، ثم يوضع طين سائل بين الجلد والعظم ونشارة خشب، وبعض المواد الكيميائية، ثم يغطى الجسد بالقار–وهو ما يفسر لون المومياوات الأسود- وأخيرا يكفن الجسد بالكتان الأبيض، ثم يفتخ الفم بالقار فيما يشبه التلقين في العصر الحديث، حيث يقوم أكبر الأبناء أو أحد الكهنة بأدائها، وفيها يمسك الابن أداة معقوفة تسمى "ستب"، ويتلو بعض تعاويذ كتاب الموتى، ذاكرا بعض العبارات مثل "أن قلبك سيكون معك، أنك ستستخدم أعضاءك في العالم الآخر، وستشم نسيم الحياة" وغيرها من العبارات التي تشبه التلقين في عالمنا المعاصر والتي تهدف إلى عبور المتوفى من المرحلة الأولى في القبر وهو السؤال، حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة الجنة أو الجحيم، ويوسد الجسد في مثواه الأخير وكان الأهل يزورون المتوفى في مناسبات عدة ويحضرون معهم طعام وشراب في أواني فخارية، ويمكثون فترة طويلة لاعتقادهم أن المتوفى يشعر بوجودهم ويسعد به وعند رحيلهم يكسرونها تشاؤما منها لارتباطها بالأموات. وهذا ما زال –بدون كسر الفخار- حيث مازال الاعتقاد نفسه قائما لدى بعض المصريين.


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @